كنزالعلوم الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

 الاربعون حديث23

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 873
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث23 Empty
مُساهمةموضوع: الاربعون حديث23   الاربعون حديث23 I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 09, 2018 5:11 pm

الشرح:
قوله: إلهَ: يكون «أَلَهَ» ـ بفتح الھمزة واللام ـ إِلھَةً على وزن عَبَد عبادة. ويكون إله بكسر الھمزة على وزن فِعال
بمعنى المفعول أي المعبود مثل الإمام بمعنى من يؤتم به. وأن «إله» أساس اشتقاق «االله» حیث أدخلت الألف
واللام وحذفت الھمزة تخفیفاً. وقال البعض أن الألف واللام أدخلتا عوضاً عن الھمزة التي حذفت. ولكل من القولین
دلیل لغوي لا حاجة لذكره. فتطلق «الإلھیة والألوھیة» غالباً في لسان أھل االله ـ العرفاء ـ على مقام التجلي
بالفعل، وعلى مقام الفیض القدس. وتطلق عندھم «االله» : اسم الجلالة، غالباً على مقام الذات المستجمع
للصفات. وقد يستعملون على العكس من ذلك ـ فتطلق الألوھیة والإلھیة على مقام الذات واالله على مقام
التجلي بالفعل ومقام الفیض المقدس ـ.
ويحتمل أن يكون «الإله» في ھذا الحديث الشريف بمعناه اللغوي العرفي أي (أنا المعبود ولا معبود غیري)
وعلیه يكون قصر العبودية في االله سبحانه إما على أساس أن غیره لا يستحق العبادة حتى وان أخطأ الناس ورأوا
غیره معبوداً. وأما على مذھب أھل القلوب وأرباب المعرفة من أن العبادة في أي صورة ومظھر كانت، تكون للكامل
المطلق، وأن الإنسان حسب (فطرة االله الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْھَا) يطلب الجمیل المطلق، وأن كان الإنسان العابد
محجوباً عن ھذه الفطرة، وزاعماً أنه قد ارتبط بالمتعین والمحدود ـ من غیر الإله سبحانه ـ.
ولعلّ المقصود من الإله حسب ما ورد في ذيل الحديث الشريف من نسبة الخیر والشر إلیه سبحانه، ھو مقام
الألوھیة الذي يكون إشارة إلى مقام توحید الأفعال، والذي عبر عنه الحكماء العظام بقولھم (لا مُؤْثِّرَ فِي الْوُجُودِ إلاَّ
اللَّهُ) كما سنشیر إلیه بعد قلیل ان شاء االله تعالى.
قوله: «الخیر» قال محقق المحدثین المجلسي رحمه االله في ذيل ھذا الحديث الشريف: (والخیر والشر
يطلقان على الطاعة والمعصیة وعلى أسبابھما ودواعیھما وعلى المخلوقات النافعة كالحبوب والثمار والحیوانات
المأكولة والضارة كالسموم والحیات والعقارب وعلى النعم والبلايا. وذھب الأشاعرة إلى ان جمیع ذلك من فعله
تعالى. والمعتزلة والإمامیة خالفوھم في أفعال العباد وأوّلوا ما ورد في أنه تعالى خلق الخیر والشر بالمعنیین
الأخیرين ـ ثم قال ـ وأما الحكماء فأكثرھم يقولون لا مُؤَثَّرَ فِي الوُجُودِ إلاَّ اللَّهُ، وإرادة العبد مُعِدَّة لإيجاده تعالى
٧٥٩ الفعل على يده فھي موافقة لمذاھبھم ومذاھب الأشاعرة ويمكن حمله على التقیة)
انتھى كلامه رفع مقامه.
٧٥٧
سورة الحجرات، آية: ٢٩.
٧٥٨
أصول الكافي، المجلد الأول، كتاب التوحید، باب الخیر والشر، ح١.
٧٥٩
مرآة العقول، المجلد ٢ ،ص ١٧٢.
٢٧٦
في تحقیق الخیر والشر
إن الخیر والشر في موارد استعمالیھما يكونان بمعنى الكمال والنقص في الذات أو الصفات وفي الوجود
وكمالاته، وأن جمیع ما ھو خیر بحسب ذاته، فھو عائد إلى حقیقة الوجود وإذا أطلق على غیره، فھو من أجل
الوجود. كما أن الشرَّ بالذات، ھو عدم الوجود أو عدم كمال الوجود، وإطلاقه على غیر ذلك مثل الموجودات المؤذية
والحیوانات الضارّة، فإنما ھو إطلاق بالعرض والمجاز لا بالذات والحقیقة. ولو تصوّرنا ھذا الموضوع مع مبادئه
ومنطلقاته، للزم أن يكون تصديقه ضرورياً، رغم وجود البرھان السديد أيضاً على ذلك.
وما قاله المحقق المجلسي رضوان االله تعالى علیه في موضوع «خلق أفعال العباد» من أن الأمامیة والمعتزلة
قد خالفوا الأشاعرة، وأنھم قاموا بتأويل الآيات والأحاديث التي تنسب الخیر والشر إلى الحق سبحانه. ففیه بعض
الملاحظات: إذ أن مخالفة الإمامیه والمعتزلة، للأشاعرة القائلین بالجبر، الذاھبین إلى مسلك مخالف للعقل
والبرھان والوجدان، ھذه المخالفة تكون صحیحة ولكن لا وجه لتأويل الآيات والأخبار، على مذھب المعتزلة القائلین
بالتفويض الذي يكون أسوأ وأشنع من مذھب الأشاعرة.
وكذلك لا يحتاج الشیعة رضوان االله تعالى علیھم، الذين استناروا بنور ھداية أھل البیت العظام، واختاروا بسبب
بركة أھل بیت الوحي والعصمة مسلك الحق الموافق للآيات الكريمة، والبراھین المتقنة والمطابقة مع مذھب
العرفاء الشامخین ومسلك أصحاب القلوب، ھؤلاء لا يحتاجون إلى تأويل ھذه الأخبار والآيات الكثیرة، وخاصّة التأويل
الذي عرضه المحدث المذكور رحمه االله والذي يعتبر مرفوضاً وغیر ممكن. بل إن الإمامیة وأئمتھم علیھم السلام،
لا يعزلون إرادة الحق سبحانه عن أي فعل من أفعال العباد، ولا يرون تفويض أي أمر من الأشیاء إلى العباد.
وأما ما ذكره في نھاية كلامه: (أكثر الحكماء يقولون بأنه لا مؤثر في الوجود إلا االله، وھذا يتطابق مع مذھبھم
ومذھب الأشاعرة).
فإن ھذه الكلمة «لاَ مُؤَثِّرَ فِي الوُجُودِ إِلاَّ اللَّهُ» صحیحة لدى أكثر الحكماء، بل لدى جمیع الحكماء وأھل المعرفة
بل يقولون إن من لم يذعن لھذه القضیة من الفلاسفة، لم ينفذ نور الحكمة في قلبه، ولم يشعر عمق قلبه
بالمعرفة ولكن لیس معناھا أن إرادة العبد من الأمور المُعِدَّة لإيجاد الحق سبحانه، الفعل في العبد، كما ھو واضح
لدى أھل العلم والفلسفة.
وقوله (ويوافق مع مذھب الأشاعرة) غیر صحیح فإن من الغرابة بمكان عطف مذھب الأشاعرة على مذھب
الحكماء، لوجود البعد الشاسع بین مذھب الحكماء ومذھب الأشاعرة، ولا تجد حكیماً محققاً لم يطعن في مذھب
الأشاعرة ولم يخالفه.
وأما ما ذكره (يمكن حمل ھذه الأخبار على التقیة) فتتوجه نحوه الملاحظات التالیة:
أولاً: لا مجال لمثل ھذا التوجیه، لأن ظواھر الأخبار تتوافق مع مذھب الحق والبرھان القويم.
ثانیاً: إن ھذه الأخبار تتطابق مع آيات كثیرة من القرآن الكريم، ولا معنى لتوجیه الآيات والأخبار الموافقة لھا
على التقیة.
ثالثاً: لا توجد أخبار تتعارض مع ھذه الأخبار، حتى نحملھا على التقیة التي تكون من المرجحات في باب
التعارض، إذ يمكن الجمع بینھا وبین ما يدل على أن الإنسان فاعل للخیر والشر.
رابعاً: إن ھذه الأخبار تنسجم حسب زعمه مع مذھب الأشاعرة الذي لم يعتنقه الغالب من الناس فلا مسوّغ
لحمل الأخبار على التقیة.
خامساً: أن المرجحات لدى تعارض الخبرين لا تجري على الموضوع الذي نحن فیه من المسائل العقائدية كما
ھو واضح.
قوله: طوبى. قال الجوھري (إن طوبى على وزن فُعلى وأنه مشتق من الطیّب، فبمناسبة الضمة السابقة
على الطاء انقلبت الیاء إلى الواو). وفي مجمع البحرين: (طوبى لھم أي طیب العیش، وقیل طوبى الخیر وأقصى
الأمنیة. وقیل طوبى اسم للجنة بلغة أھل الھند. وقیل طوبى شجرة في الجنة. ويقال طوبى لك وطوباك على نحو 
٢٧٧
الاضافة إلى ضمیر المخاطب. وفي الخبر عن النبي صلّى االله علیه وآله وسلم: (طُوبى شَجَرةً فِي الجَنَّةِ أصْلُھا
فِي دارِي وَفَرْعُھا فِي دارِ عَليٍ فَقِیلَ لَهُ فِي ذلِكَ فَقالَ لِي دارِي وَدارِ عَليٍّ فِي الْجَنَّةِ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ).
قوله: ويل. قال الجوھري (إن ويح كلمة رحمة كما أن ويل كلمة عذاب) وقال الیزدي ھما بمعنى واحد تقول ويح
لزيد وويل لزيد ترفعھما على الابتداء وتنصبھما بإضمار فعل مثل ألزمه االله الويل. ويقال ويل واد في جھنم لو
أرسلت فیه الجبال لذابت من حرّه. وقیل انه اسم بئر في جھنم.
فصل: في بیان أن كلاً من الخیر والشر يتعلق به الإيجاد والخلق وبیان كیفیة ذلك
وفیه إشارة إلى كیفیة وقوع الشرّ في القضاء الإلھي إعلم انه قد ثبت بكل وضوح في الفلسفة المتعالیة، أن
نظام الكون في أسمى مرتبة من الكمال والخیر، وأقصى درجة من الحسن والجمال. وبُرھن على ذلك بنوع من
البرھان اللمي على نحو إجمالي تارة، وعلى نحو تبسیطي وتفصیلي أخرى. والوقوف على تفاصیل ذلك بصورة
دقیقة، مختص بالخالق تقدست أسماؤه أو بمن يوحي له االله سبحانه ويخبره عن ذلك. ولكن ما يستدعیه الكتاب
في ھذا الموضوع ھو ما أومأنا إلیه سابقاً: من أن ما ھو من سنخ الكمال والجمال والخیر، لا يكون خارجاً عن نطاق
حقیقة الوجود لأنه المتحقق، دون غیره. ومن الواضح أن ما يقابل حقیقة الوجود، ھو العدم أو الماھیة، وكل منھما
حسب ذاته وفي نفسه لا شيء، وبطلان محض، أو اعتبار محض، ولا يكون لھما ثبوت إلاّ إذا تنورا بنور الوجود،
وظھرا بظھوره، ومن دون الوجود لا ثبوت في ذاتھما ولا في صفاتھما وآثارھما، وعندما يلقي الوجود بظلّه على
رؤوسھما، ويمسح بید رحمته الواسعة على وجھھما، يصبح لكل منھما ظھوراً وخصائص وآثاراً. فإذن تكون كافة
الكمالات نتیجة جمال الجمیل المطلق، وتجلي النور المقدس للكامل المطلق. وأما الكائنات الأخرى فھلاك في
نفسه، وفقر محض وبطلان مطلق. فجمیع الكمالات تصدر من الوجود وتعود إلى الوجود.
وتقرر أيضاً في محلّه أن الصادر من الذات المقدس ھو أصل حاقّ الوجود، وصرفه من دون أن يكون محدوداً
بحدود عدمیة أو ماھوية، لأن العدم أو الماھیة لا يكونان صادرين من شيء، وأن التحديد المفروض على الفیض،
يكون ناشئاً من المفیض المحدود. ومن تدبر في شرح أھل المعرفة حول كیفیة الإفاضة والفیض، لأذعن بأنه لا
يمكن بتاتاً تصور التقیید والتحديد في الفیض النازل من الباري عز وجل. فكما أن ذاته القدسیّة منزّھة من كل نقص
وإمكان وتقیید، فكذلك يجب تنزيه فیضه المقدس وتقديسه من كافة الحدود والإمكانیه، والأمور المنبثقة من
الماھیات والتحديدات الراجعة إلى الحدود والنقائص. إذن فیضه الذي ھو ظل
للجمیل المطلق، يكون جمیلاً مطلقاً، وجمالاً تاماً، وكمالاً تاماً، فَھُوَ جَمِیلٌ فِي ذَاتِهِ وَصفاتِهِ وأفعالِهِ، فلا يتعلق
الجعل والإيجاد إلا بالوجود.
وقد برھن أيضاً في محلّه، أن جمیع الشرور والإحترام ـ الموت المبكر ـ والھلاك والأمراض والحوادث الغربیة
والمھلكة والحیوانات المؤذية وغیر ذلك من المصائب والآلام الموجودة في ھذا العالم المادي الطبیعي، وفي ھذه
الھاوية الضیقة المظلمة، ينشأ من التضادّ والاصطدام الحاصل بین الموجودات، ھذا التضاد، الذي لم يكن نتیجة
الجھة الوجودية للموجودات بل يحصل من جرّاء النقص في ھذه النشأة وضیق المحلّ والمقرّ للموجودات، ويعود
ذلك إلى الحدود والنقائص الخارجة عن إطار نور الجعل بل تكون في الحقیقة دون الجعل.
إن الوجود ھو الحقیقة وھو كل شيء وھو البريء والمقدّس من كل الشرور والعیوب والنواقص وأن النقائص
والشرور والأشیاء الضارة والمؤذية التي تعود إلى جھة النقص والضرر، وإن كانت غیر مجعولة بالذات، ولكنھا
مجعولة بالعرض حسب الأدلة والبراھین. لأنه لو لم يتحقق أصل العالم المادي ولم يتعلق الجعل للجھة الوجودية
من عالم الطبیعة لما كان ھناك نقص وشرّ كما أنه لم يكن نفع وخیر وكمال، لأن ھذه النقائص والأعدام لم تكن
من الأعدام المطلقة، بل ھي من نوع الأعدام المضافة التي تتحقق بالعرض تبعاً لملكاتھا، والقضیة التي تتألف من
الأعدام المضافة تعتبر من القضايا المعدولة أو القضايا الموجبة السالبة المحمول ولیست من السالبة المحصلة.
وملخّص الكلام أنّ ما ھو مخلوق ومجعول بالذات الله سبحانه ھو الخیر والكمال، وإنَّ تخلُّل الشرور والمضارّ
وغیرھا في القضاء الإلھي، يكون بالتبع والانجرار. وقد أشارت الآية الكريمة التالیة القرآن الكريم (مَا أَصَابَكَ مِنْ 
٢٧٨
. إلى المقام الأول ـ الوجود مصدر الخیر والكمال وأنه (قُلْ ٧٦٠ 
َسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)
. إلى المقام الثاني ـ مجعول بالذات والشرور والنقائص مجعولة بالعرض ـ ووردت في الآيات ٧٦١ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)
الشريفة وأحاديث أھل
بیت العصمة علیھم السّلام إشارات كثیرة إلى ھذين الاعتبارين، ومن تلك الأخبار ھذا الحديث الشريف الذي
يحتوي على ھذه الجملة (خَلَقْتُ الخَلْقَ وَخَلَقْتُ الشَّرَ).
فصل: في بیان كیفیة إجراء الحق سبحانه الخیر والشر على أيادي عباده
يتبین لأصحاب العلم والتحقیق بعد التأمل في الأبحاث السابقة، كیفیة إجراء الحق سبحانه، الخیر والشرعلى
أيدي مخلوقه، من دون أن يستلزم الجبر وآثاره الباطلة. والتحقیق في ذلك على مستوى يتّضح الموضوع وتندفع
الملاحظات، يستدعي ذكر مقدمات كثیرة، وعرض المذاھب الفلسفیة بصورة مسھبة، في حین أن ھذا الكتاب لا
يسع ذلك، فاعتذر عن الخوض فیه بصورة مفصلة، ولكنني سأشیر بصورة مجملة تنسجم مع بحثنا ھذا فنقول:
اعلم أنه لا يمكن أن يكون موجوداً من الكائنات مستقلاً في عمل من الأعمال، إلاّ بعد أن ينھض الموجد
والفاعل، بسدّ كافة أبواب العدم التي قد تنفتح على المعلول. مثلاً إذا كان لوجود معلول وتحققه مائة شرط مثلاً،
وقامت العلة بتوفیر تسع وتسعین شرطاً أي بإغلاق تسع وتسعین باباً من العدم المنفتحة على المعلول
المفروض ـ إذ في عدم تحقق كل شرط عدم للمعلول ـ ولم يبق الا باب واحد، لما أمكن أن تكون العلة مستقلة
في إيجاد المعلول، فالاستقلال في العلیّة يتوقّف على قیام العلّة بسدّ أبواب العدم الممكن فتحھا على المعلول
سدّاً نھائیاً، حتى يصل المعلول إلى حد الوجوب لكي يصیر موجوداًـ الشيء ما لم يجب لم يوجد ـ.
ومن المعلوم بالضرورة والبرھان، أن القوى الفعّالة الظاھرية والباطنیة من جمیع الممكنات في ھذا العالم من
أھل عالم الجبروت العظمى والملكوت العلیا حتى سُكّان عالم المُلك والمادة، قاصرون وعاجزون عن القیام بمثل
ھذا العمل، لأن العدم الأول الذي يمكن أن ينفتح على المعلول، ھو عدم المعلول عند عدم علته الفاعلة والمؤثرة،
ولا تجد في سلسلة الممكنات، موجوداً يستطیع أن يغلق ھذا الباب بنفسه، لأن ذلك يوجب انقلاب ما ھو ممكن
بالذات إلى ما ھو واجب
بالذات، وخروج الممكن عن حدود بقعة الإمكان، وھو محال بالبداھة والضرورة، لدى العقل. فاتضح بأن
الاستقلال في الإيجاد يتطلب الاستقلال في الوجود، وھذا الشيء لا يتحقق في عالم الممكنات.
ويتبین بأنه لا يمكن التفويض في الإيجاد، في أي شأن من الشؤون الوجودية، ولأي موجود، من الكائنات، وأنّ
عدم الإمكان ھذا، لا يختص بالمكلفین وأفعالھم، كما يُفھم ذلك من الكلمات الجارية على ألسنة المتكلمین، ولكن
ملاحظة أقوالھم في الأبواب المختلفة، تفید أن عدم الإمكان ھذا يعمّ المكلّف وأفعاله وغیرھما.
وحیث أن أصحاب علم الكلام قد اھتموا بأفعال المكلفین وجعلوھا محور بحثھم، نجد بأن دراساتھم تدور حول
أفعال المكلفین.
والخلاصة أننا لا نقترب من أقوال المتكلمین وأبحاثھم، وإنما نبحث عن قول الحق في الموضوع، وقد ثبت
واتضح عدم امكان التفويض في أي أمر من الأمور ولأي موجود من الكائنات.
في إبطال الجبر
ويعلم بطلان مذھب الجبر أيضاً، بعد أن نشیر إلیه وھو: (أنه لا دور لأي واسطة وجودية في خلق الكائنات
والموجودات، وإنما يتوھم الإنسان ذلك. مثلاً: إن النار لا تؤثر أبداً في الحرارة ولا توجدھا، وإنما جرت سنة االله على
تحقق الحرارة إثر تحقق النار، من دون أن يكون للنار دور في ذلك. ولو كانت سنّة االله جارية على تحقّق البرودة
عقیب تحقق النار، لما اختلفت الأمور عما ھو علیه الآن. والخلاصة أن الحق سبحانه من دون أي واسطة، يباشر
جمیع أفعال المكلفین، ويخلق آثار الكائنات). ويزعمون أنھم ارتأوا ھذا المذھب كي ينزّھوا الحق المتعالي
٧٦٠
سورة النساء، آيات: ٧٩ ـ ٧٨.
٧٦١
سورة النساء، آيات: ٧٩ ـ ٧٨.
٢٧٩
. ولكن يستلزم ھذا الضرب من التنزيه والتقديس، ٧٦٢ ويقدّسوه، حتى لا تكون يد االله مغلولة (غُلَّتْ أيّديھِمْ وَلُعِنُوا)
النقص والتشبیه، كما ثبت ذلك بالأدلة والبراھین، ولدى مذھب أھل العرفان. ويستلزم التفويض المذكور التعطیل،
كما أشیر إلیه في الفصل المتقدم حیث قلنا: بأن الحق سبحانه كمال مطلق، ووجود صرف، ولا يتصور الحدّ
والنقص في ذاته وصفاته، وأن متعلق إيجاده عز وجل وجعله، الموجود المطلق، والفیض المقدس الإطلاقي، ولا
يمكن صدور الموجود المحدود الناقص من الذات المقدس، ونشوئه من النقص في الإيجاد، بل ھو نتیجة النقص
في المعلول والمستفاض، وھذا لا يتنافى مع الفاعل بالإرادة كما يزعم المتكلمون منافاته. وقد ثبت ذلك في
محله، فما يمكن أن يكون مرتبطاً من الموجود والمعلول، بالذات المقدس الحق المتعالي مباشرة ھو الموجود
المطلق وصريح الوجود وھو إما الفیض المقدس بناءً على مسلك العرفاء، أو العقل المجرد أو النور الشريف الأول
بناءاً على مذھب الحكماء والفلاسفة، وأما الوجودات الأخرى فتوجد مع الوسائط لا بالمباشرة.
وبعبارة أخرى لاشك في أن الموجودات تختلف فیما بینھا من جھة تقبل الوجود، فبعض الموجودات، تقبل
الوجود ابتداءاً واستقلالاً مثل الجواھر، وبعض الموجودات لا تقبل الوجود الا بعد موجودية شيء آخر، وتبعاً لموجود
آخر، مثل الأعراض والأشیاء التي يكون وجودھا ضعیفاً، مثل تكلم زيد، حیث لا يتحقق ولا يوجد إلاّ تبعاً لزيد. ومثل
الأعراض والأوصاف التي تأبى الوجود من دون وجود الجواھر والموصوف، وترفض التحقق لوحدھا. ويكون ھذا
الرفض نتیجة النقص الذاتي، والنقص الوجودي لھذا الموجود، ولیس من آثار نقص الفاعل وموجدية الحق تعالى
شأنه. فتبین أن الجبر ونفي الوسائط الوجودية غیر ممكن في سلسلة الكائنات الموجودة بل ھناك وسائط في
الإيجاد.
ومن البراھین القوية السديدة في موضوع بطلان الجبر ھو أن الماھیات في نفسھا عديمة التأثیر والتأثر، وغیر
مجعولة بالذات، في حین أن حقیقة الوجود بذاته منشأ للتأثیر وأن سلب التأثیر عنه بصورة مطلقة يستلزم
الانقلاب الذاتي أي سلب ما ھو من ذاته التأثیر عن ذاته كي يتحول إلى عدم التأثیر. فإيجاد مراتب من الوجود غیر
مؤثرة ومسلوبة التأثیر كلیاً، غیر ممكن، وموجب لنفي الشيء عن ذاته بل تكون مؤثرة وموجدة حسب الوسائط
والمراتب.
فتبین بصورة مجملة أن مذھب التفويض والجبر نتیجة البراھین القاطعة، والمقايیس العقلیة يكونا باطلین
وممتنعین، وأن مذھب الأمر بین الأمرين لدى أھل المعرفة والفلسفة العلیة ھو الثابت والصحیح.
غیر أن العلماء رضوان االله علیھم قد اختلفوا في معنى الأمر بین الأمرين اختلافاً عظیماً، والقول السديد
المتقن، الذي يكون أبعد من المناقشات وأقرب إلى التوحید، ھو رأي العرفاء الشامخین وأصحاب القلوب. ولكن
مسلك العرفاء في كل موضوع من المعارف الإلھیة من قبیل (السھل الممتنع) حیث لا يمكن فھمه على أساس
البحث والبرھان، ولا استیعابه من دون التقوى الكاملة والسداد الإلھي، ولھذا نتركه لأھله الذين ھم أولیاء الحق
سبحانه، ونسلك منھج الأصحاب في البحث وھو:
أننا نرفض كلاً من التفويض الذي ھو عبارة عن استقلال الموجودات في التأثیر، والجبر الذي ھو عدم تأثیر
الموجودات نھائیاً ونؤمن بالمنزلة بین المنزلتین التي ھي إثبات التأثیر ونفي الاستقلال في التأثیر، ونقول:
إن منزلة الإيجاد مثل الوجود وأوصافه، فكما أن الكائنات موجودة ولیست بمستقلة في الوجود، وأن الأوصاف
ثابتة لھا وغیر مستقلة فیھا، وأن الآثار والأفعال ثابتة فیھا وصادرة عنھا ولكنھا غیر مستقلة في الوجود، فكذلك
الفاعل والموجد، يفعل ويوجد ولكنه غیر مستقل في الفاعلیة والإيجاد.
ولا بد من معرفة أنه قد اتضح بعد التدبر في البیان المذكور في الفصل المتقدم بأن كلاً من الخیر والشر يصحُّ
أن ينتسب إلى كل من الحق والخلق، ولھذا قال علیه السّلام في الحديث الشريف «وَخَلَقْتُ الْخَیْرَ وأجْرَيتُه عَلى
يَدي مَنْ أُحبّ فَطُوبى لِمَنْ أجْرَيتُه عَلى يَدَيْه، وأنا االله لا إلهَ إلاّ أنَا خَلْقتُ الْخَلْقَ وَخَلَقْتُ الشَّرَّ وَأَجْريتُه عَلى يَدَيْ
مَنْ أُرِيدُ» ومع ذلك تكون نسبة الخیر إلى الحق سبحانه، بالذات، وإلى العباد والكائنات، بالعرض، في حین أن
٧٦٢
سورة المائدة، آية: ٦٤.
٢٨٠
نسبة الشرور إلى الموجودات الأخرى بالذات، وإلى الحق سبحانه بالعرض، وقد أشار إلى ھذا المعنى الحديث
القدسي القائل «يا بَنِي آدَمْ أنَا أولى مِنْك بِحَسَناتِكَ وأنْتَ أوَلى بِسَیِئَاتِكَ منّي» وقد أشرنا إلى ھذا المعنى قبل
ذلك، ونغض الطرف عنه ھنا فعلاً. والحمد الله أوَّلاً وآخِراً.
الحَديث الموَفّى للأربَعین: تفسِیر سورة التوحید وَالآيَات الأولى من سورة الحديد
بالسّند المتّصل إلى الشیخ الأقدم والركن الأعظم محمَّد بن يعقوب الكلینيِّ ـ رضوان االله عنه ـ عن محمَّد بن
يحیى، عن أحمد بن محَمَّد، عن الحسین بن سعید، عن النّضر بن سويد، عن عاصم بن حُمَید قالَ: «سُئِلَ عَليُّ
بْنُ الْحُسَیْنِ علیھما السّلام عَنِ التَّوْحیدِ، فقَال: إنَّ اللّه عَزَّ وَجَلَ عَلِمَ أنَّهُ سَیَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ أقْوامٌ مُتَعَمِّقونَ
فَأنْزَلَ اللّهُ تَعالى:[قُلْ ھُوَ اللّهُ أحَدٌ] وَالآياتِ مِنْ سورَةِ الْحديدِ إلى قوْلِهِ [وَھُوَ عَلیمٌ بِذاتِ الصُّدورِ] فَمَنْ رامَ وَراء ذلِكَ
٧٦٣ فَقَدْ ھَلَكَ»
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 873
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث23 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاربعون حديث23   الاربعون حديث23 I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 09, 2018 5:14 pm

الشرح:
قال صدر المتألھین قدس سره «أن الراوي عاصم بن حمید لم يرو مباشرة عن الإمام السجاد علیه السّلام
لأنه لم يعاصره فلا يكون الحديث مسنداً بل مرفوعاً» انتھى كلامه.
إن تكرار لفظ «قال» في الحديث الشريف إما لأجل تقطیع وقع في الحديث الشريف. وإما لحصول غلط من
النُسّاخ والكُتّاب وإما أن الفاعل للفعل كان مذكوراً في الكلام، ولكنه سقط لدى الكتابة وإما أن الفاعل قد حذف،
لأن حذف ما يعلم جايز، وإما أن فاعل الأول ضمیر يعود إلى نضر بن سويد وھذا الاحتمال بعید جداً.
قوله: التوحید. إن التوحید على وزن تفعیل، وھو إما لأجل التشديد في الوحدة ومعناه الاھتمام البالغ والأكید
بالوحدة والبساطة. أو من أجل الانتساب المفعول ـ من وقع علیه الفعل ـ إلى الفعل مثل التكفیر والتفسیق.
وذھب بعض الفضلاء إلى أن باب التفعیل لم يستعمل لانتساب المفعول إلى الفعل، وإن استعمال التفسیق
والتكفیر بھذا المعنى يكون أيضاً خطأً وإنما ھو بمعنى الدعوة إلى الفسق والكفر. وأما الإكفار فھو لانتساب
المفعول إلى الفعل ولا بد من استعمال الأكفار بدلاً عن التكفیر. ولم يستعمل صاحب كتاب «القاموس» مادة الكفر
في التكفیر بمعنى الانتساب إلى الكفر.
يقول الكاتب: إنني لم أقف في كتاب «القاموس» على استعمال التكفیر في الانتساب إلى الكفر، بل لم
يستعمل علاّمة اللغويین الجوھري أيضاً، التكفیر في
الانتساب إلى الفعل، وإنما جعل الأكفار، للانتساب كما يقول ھذا الفاضل الكريم. ولكن المشھود في الكتب
الأدبیة ھو أن من معاني باب التفعیل الانتساب إلى الفعل ومثّلوا لذلك بالتفسیق. وعلى أي حال يكون التوحید
بمعنى الانتساب إلى الوحدة.
قوله: «مُتَعَمِّقُونَ» : العَمق والعُمق ـ بفتح العین وضمّھا ـ قعر البئر، ولھذا الاعتبار يعتبر الرياضیون، العمق بعداً
ثالثاُ للجسم ومعناه المسافة بین سطحي الفوق والتحت، كما يقصدون من البعد الأول، الطول ومن البعد الثاني
العرض. وعلى أساس ھذا الاعتبار، يصفون الإنسان الذي له رأي ثاقب، بالمتعمّق، وينعتون النظر الثاقب بالنظر
العمیق، ويقولون للرأي السطحي بأنه غیر عمیق، فكأنّ للأبحاث العلمیة أيضاً عمق وقعر، حیث أن الشخص
المتعمق الدقیق النظر، يغور في العمق، ويستخرج الحقائق من الأعماق، بینما يبقى الإنسان العادي على
السطح من دون أن يتغلغل في العمق.
قوله: فَمَنْ رامَ: إن رامَ يَرومُ يكون بمعنى الطلب، والمرام يستعمل بمعنى المطلب.
قوله: وَرَاء ذلك: يكون وَراء بمعنى الخلف وقد تستعمل في الأمام، فتكون ھذه الكلمة من الأضداد. ولكنھا
استعملت في ھذه المجالات بالمعنى الأول.
٧٦٣ أصول الكافي، كتاب التوحید، باب النس
بة، ح٣.
٢٨١
فصل: إشارة مختصرة إلى تفسیر سورة التوحید المباركة
إعلم أن تفسیر ھذه السورة المباركة ـ سورة التوحید ـ والآيات الأولى من سورة الحديد، أكبر من طاقة
استیعاب أمثالنا، وأعظم من قدراتنا الفكرية والعقلیة. والتطرق إلى ذلك يكون خارجاً عن وظیفتنا. وعلیه فھل
الإنصاف يسمح لأمثالي الولوج في تفسیر ما أنزله الحق المتعالي على أشخاص متعمقین وعلماء محققین؟.
ففي «تفسیر البرھان» عن الإمام باقر العلوم علیه السّلام بعد عرضه صلوات االله علیه نبذة من أسرار حروف
الصمد المباركة أنه قال: «لَو وَجَدْتُ لِعِلْمِي الّذي آتَاني اللّه عَزّ وَجَلّ لَنَشَرتُ التَوحیدَ والإسْلامَ والإيمانَ وَالدينَ
٧٦٤ وَالشّرائعَ منَ الصَّمدِ»
.
يقول الفیلسوف الكبیر صدر المتألھین في خصوص الآيات الأولى من سورة الحديد:
(إعلم أن كل آية من الآيات الست التي أشیر إلیھا في ھذا الحديث، تشتمل على علم غزير في التوحید
والألوھیّة وتتضمن معارف كثیرة من العلوم الصمدية والربوبیة، فلو ساعد الزمان وأعان الدھر عارفاً ربّانیاً، أو حكیماً
إلھیاً الذي استوحى علمه من مشكاة النبوّة المحمديّة على الصادع بھا وآله أفضل السلام والتحیّة، واستقى
فلسفته من أحاديث أھل العصمة والطھارة، سلام االله علیھم، لكان من حَقّ ذلك العارف أو الحكیم ومن حق تلك
الآيات، أن يضع لتفسیر كل آية مجلّداً واسعاً بل مجلّدات كثیرة).
وملخص القول: أن أمثال الكاتب لیس من فرسان ھذا المیدان، ولكن العقل يحكم بأن المیسور لا يسقط
بالمعسور، فلا بد من عرض نبذة يسیرة ومختصرة مما تلقیته من العلماء العظام، وكتب أرباب المعرفة، ومصابیح
أنوار الھداية، أھل بیت العصمة علیھم السّلام ومن االله الھداية:
لیُعلم أن «بِسْمِ االله» من كل سورة، تتعلق على مذھب أھل العرفان بنفس السورة المبدوءة بھا، ولا تكون
متعلقة بـ «أسْتَعِینُ» أو أمثاله. لأن اسم «االله» يكون تمام المشیئة حسب مقام الظھور، ويكون مقام الفیض
الأقدس، حسب تجلي الأحد، ومقام جمع أسماء الأحد، حسب مقام الواحد. ويكون جمیع العالم، حسب اعتبار
أحدية الجمع الذي ھو الكون الجامع. وھو مراتب الوجود في السلسلة الطولیة: الصعودية والنزولیة، وأنه كل واحد
من الھويات العینیة في السلسلة العرضیة. وبناءاً على ذلك يختلف معنى «االله» حسب اختلاف الاعتبارات في
الاسم، لأن «االله» يكون المسمى لتلك الأسماء فعند اختلاف الاعتبارات، يختلف المفھوم من «االله» وعلیه،
يختلف معنى بسم االله في كل سورة لاختلاف متعلقه من سورة لأخرى من السور القرآنیة في اللفظ ومظھره
في المعنى. بل يختلف معناه، على ضوء اختلاف الأفعال والأعمال التي تصدر من الإنسان والتي تبتدئ ببسم
االله، لأنه يتعلق ويرتبط بذلك العمل الخاص والفعل المعین الذي أُبتدأ ببسم االله. والعارف بالمظاھر. وظھور الأسماء
الإلھیة، يرى ويشاھد بأن جمیع الأفعال والأعمال والأعیان والأعراض ظاھرة ومتحققة بالاسم الشريف الأعظم،
وبمقام المشیئة المطلقة. وعند إنجازه وإيجاده لفعل وعمل يتذكر بقلبه العارف، ھذا المعنى، ويسرى به متنازلاً
حتى مرتبة مُلكه وطبیعته ثم يقول بسم االله أي بسبب مقام المشیئة المطلقة، لصاحب مقام الرحمانیة الذي ھو
بسط الوجود، ومقام الرحیمیة الذي ھو بسط مقام كمال الوجود. أو بسبب مقام المشیئة المطلقة لصاحب مقام
الرحمانیة الذي ھو مقام التجلي بالظھور وبسط الوجود، ومقام الرحیمیة الذي ھو مقام التجلي بالباطن وقبض
الوجود، آكُل وأشْرَبُ وَأكْتُبُ، وَأفْعَلُ كذا وكذا...
فالسالك إلى االله والعارف باالله يرى من جھة، ظھور المشیئة المطلقة في جمیع الأفعال والموجودات وفناء تلك
المشیئة فیھا، ويرى من خلال ھذا المنظار ھیمنة سلطان الوحدة، ويكون لديه معنى بسم االله في جمیع السور
القرآنیة والأعمال والأفعال بمعنى واحد. ومن جھة أخرى عندما يلتفت إلى عالم الفرق ـ الكثرة والاختلاف ـ وفرق
الفرق، يرى لكل واحد من «بسم االله» في أول كل سورة وبدء كل عمل، معنى يغاير المعنى الآخر.
وفي ھذا المقام الذي نحن بصدد تفسیر سورة التوحید المباركة، نستطیع أن نجعل «بسم االله»، متعلقة بـ
«قل» ھذه الكلمة الشريفة، وعلیه يكون المقصود من «بِسْمِ االله» عند كسوة التجريد، وغلبة التوحید، مقام
٧٦٤
تفسیر البرھان، المجلد ٤ ،ص ٥٢٦.
٢٨٢
المشیئة المطلقة. وعند كسوة التكثیر يكون مقام المقصود الانتباه إلى كثرات التعینات. وفي مقام الجمع بین
المقامین الذي ھو مقام البرزخیة الكبرى، يكون المقصود المشیئة في مقام الوحدة والكثرة، ومقام الظھور
والبطون ومقام الرحمانیة والرحیمیة على المعنى الثاني ـ المتقدم قبل أسطر ـ. وحیث أن الآية الشريفة[قُل ھُوَ
اللّهُ أَحَدٌ] تجمع بین الأحدية الغیبیة، والألوھیة الأسمائیة، كان المقصود من «اسم االله»، المقام الثالث وھو مقام
البرزخیة الكبرى.
ثم يأتي الخطاب بعد مقام الغیب الأحدي، متوجھاً إلى القلب التقي النقي الأحدي الأحمدي المحمدي، قائلاً
(قُلْ)، ويكون ھذا الخطاب حسب ھذه النشأة البرزخیة الكبرى التي ھي مظھر اسم االله، الذي ھو مقام المشیئة
المطلقة وصاحب التعین وظھور الرحمانیة في عین الرحیمیة، وصاحب البسط في نفس الوقت الذي ھو صاحب
القبض.
ھو: وھذه الكلمة الشريفة، إشارة إلى مقام الھوية المطلقة من حیث ھي ھي من دون أن تتعین بتعین
الصفات أو تتجلى بتجلي الأسماء، حتى الأسماء الذاتیة التي تعتبر في مقام الأحدية، ولا يمكن أن تكون ھذه
الإشارة من غیر صاحب ذلك القلب التقي النقي الأحدي الأحمدي ومن غیر صاحب ھذا المقام العظیم، وإن لم
يكن النبي محمد صلّى االله علیه وآله وسلم مأموراً بإظھار نسب الحق المتعالي، لما تفوّه بھذه الكلمة الشريفة
في الأزل والأبد. ولكن جرى في قضاء االله سبحانه أن ينطق النبي الخاتم صلّى االله علیه وآله وسلم، بھذه
الإشارة ـ ھو ـ.
ولما لم يستمر صلّى االله علیه وآله وسلم في الجذبة المطلقة، وحاز على مقام البرزخیة قال صلوات االله علیه
«اللّهُ أحَدٌ».
و «اللّه» ھو الاسم، الجامع الأعظم، للرب المطلق، للخاتم. وإن ما ترى العین البرزخیة، من كثرة الأسماء في
مقام ظھور الواحدية، ھي نفس التجلي الغیبي الخفي في مقام الأحدية، فلا غلبة، في قلب مثل ھذا السالك
لمقام الأحدية على مقام الواحدية، ولا غلبة لمقام الواحدية على مقام الأحدية.
ولعل السبب في تقديم «االله» على «أحد» مع أن الأسماء الذاتیة ـ االله ـ متقدمة اعتباراً على الأسماء
الصفاتیة ـ أحد ـ إنما ھو لأجل الإشارة إلى مقام التجلي في قلب السالك، حیث أن التجلیات الذاتیة على قلوب
الأولیاء تبتدئ أولاً بتجلي الأسماء الصفاتیة الموجودة لدى حضرة الواحد ـ الأسماء الصفاتیة الواحدية ـ، ثم يتم
التجلي بالأسماء الذاتیة الأحدية.
والسرّ في انتقاء اسم «االله» من مجموع أسمائه سبحانه ـ مع أن قلب السالك حسب كیفیة السلوك، وكیفیة
التجلي، يتجلى أولاً بكافة الأسماء على ضوء مناسبات قلب السالك، ھذه الأسماء التي تكون مظاھر لاسم االله
سبحانه ثم يتجلى القلب في نھاية السلوك في الأسماء الصفاتیة باسم االله ـ والسّر في اصطفاء ھذا الاسم
المبارك يمكن أن يعود إلى أحد أمرين:
إما إشارة إلى أن التجلي بأي اسم من أسماء االله، ھو تجلي باسم «االله» من باب اتحاد الظاھر والمظھر،
خصوصاً لدى الحضرة الإلھیة.
وإما إشارة إلى نھاية سلوك الواحدي، حیث أنه لو لم تتحقق لما ابتدأ بالسلوك الأحدي.
وملخص الكلام: أنه بناء على البیان المذكور يكون ضمیر (ھو) إشارة إلى مقام إِنقطعت عنه آمال العارفین
وإيماءاتھم، ويتقدّس عن كل اسم ورسم ويتنزّه عن كل تجلٍّ وظھور. «وأحد» إشارة إلى تجلي الأسماء الباطنیة
الغیبیة. و«االله» إشارة إلى تجلي الأسماء الظاھرية. وبھذه الأمور الثلاثة: ـ ھو ـ االله ـ أحد ـ تتحصل الاعتبارات
الأولیة لحضرة الربوبیة. وأن الأسماء الأربعة الأخرى ـ الصمد ـ لم يلد ـ لم يولد ـ لم يكن له كفوءاً ـ التي يكون
«الصمد» جامعاً لھا، من الأسماء السلبیة التنزيھیة، التي تعتبر تبعاً للأسماء الثبوتیة الجمالیة، كما أشیر إلیه في
نھاية حديث من الأحاديث المتقدمة.
ھذا كله على القول بأن «بسم االله» متعلق بالكلمة الشريفة «قُلْ».
٢٨٣
ونستطیع أن نجعل «بسم االله» متعلقاً بكل واحد من كلمات ھذه السورة المباركة وعلیه يختلف تفسیر ھذه
السورة وتفسیر بسم االله من متعلق إلى آخر. وحیث أن عرض ذلك يسبب التفصیل والتطويل، غضضنا الطرف
عنه.
يقول شیخنا العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه: (إنَّ «ھُوَ» برھان على الأسماء والكمالات الستة
المذكورة عقیب ھذه الكلمة المباركة ـ ھو ـ في سورة التوحید الشريفة. لأن الذات المقدس حیث أنه يكون مطلقا
مثل «ھُوَ» الذي يعتبر إشارة إلى صرف الوجود يكون مستجمعاً لجمیع كمالات الأسماء. فیكون «االله». وحیث أن
صرف الوجود، ببساطة حقیقته يكون جامعاً لكل الأوصاف والأسماء، من دون أن تثلم ھذه الكثرات الأسمائیة
لوحدة الذات المقدس، كان أحداً. وحیث أنه
لا ماھیة لصرف الوجود كان صمداً. وحیث أن صرف الوجود لا ينتقص. ولا يحصل من الغیر ولا يتكرر (لم يكن والداً
ولا مولوداً ولیس له كفوءاً) انتھى.
ولا بد من معرفة أنه قد ورد في الأحاديث الشريفة معاني وأسرار كثیرة لـ «الصمد» لو أردنا عرضھا وبیانھا،
لخرجنا عن نطاق حجم الكتاب، ولإِفتقرنا إلى وضع رسالة أخرى في ذلك. ولكننا نشیر إلى أمر واحد ھو: أن
«الصمد» لو كان إشارة إلى نفس الماھیة، حسب بعض الاعتبارات ومعاني «االله» في «االله الصمد» لكان ـ الصمد
ـ من اعتبارات مقام الواحدية ومقام أحدية جمیع الأسماء. وإن كان إشارة إلى صفة إضافیة ـ كما يستفاد من بعض
الروايات ـ لكان ـ الصمد ـ إشارة إلى أحدية جمع الأسماء لدى التجلى بالفیض المقدس، ولكان معناه موافقاً مع
قوله تعالى: (اللّهُ نُورُ السَّمواتِ).
فصل: في إشارة مختصرة إلى تفسیر الآيات الستة الشريفة
أما الآية الشريفة الأولى: (سَبِّح للّه مَا فى السَّمواتِ والأرضِ وَھُوَ العَزيزُ الحكِیم) فتدل على تسبیح جمیع
الكائنات حتى النباتات والجمادات للّه سبحانه. ومن خصّ التسبیح بذوي العقول من الموجودات، فھو نتیجة
احتجاب عقول ذوي العقول. ولو فرضنا بأن ھذه الآية المباركة تقبل التوجیه والتأويل لتسبیح الكائنات، ولكنّ ھناك
آيات شريفة أخرى لا تقبل التأويل والتفسیر مثل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ
. وإن تأويل التسبیح إلى ٧٦٥ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِیرٌ مِنْ النَّاسِ)
التسبیح التكويني أو الفطري، يكون من التأويل البعید الموھون، حیث تأباه الأحاديث والآيات الشريفة، وترفضه
البراھین السديدة الفلسفیة، وينكره المسلك العرفاني الجمیل.
والعجیب من الفیلسوف الكبیر، والعالم الجلیل صدر المتألھین قدس سره الذي لا يرى التسبیح في ھذه
الآيات، تسبیحاً نطقیاً، مفسّراً نطق بعض الجمادات مثل الأحجار الصغیرة، بإنشاء النفس المقدسة للولي،
الأصوات والألفاظ حسب وضع الجماد والنبات. ورأى بأن قول بعض أھل المعرفة أن لجمیع الكائنات نطقاً، مخالف
للبراھین، وملازم للتعطیل ودوام القسر.
رغم أن الكلام يغاير المبادئ والأصول التي ارتآھا، وانطلق منھا. مع العلم بأن صريح الحق ولب لباب العرفان
ينسجم مع دعوى السابق من دون أن يستلزم مفسدة. ولولا خشیة التطويل والتفصیل لشرحنا ذلك بكل
مقدماته وملابساته. ولكننا نرتضي الإشارة الإجمالیة إلیھا ونقتنع بھا.
لقد أشرنا في الماضي إلى ھذا المعنى بأنه حقیقة الوجود عین الشعور والعلم والإرادة والقدرة والحیاة وكافة
الشؤون الحیاتیة، فإذا لم يكن لشيءٍ علم ولا حیاة نھائیاً فلیس له وجود. ومن ذاق طعم حقیقة أصالة الوجود
واشتراكه المعنوي، على مسلك العرفاء مثل العلم والإرادة والتكلم و... وإذا بلغ مقام المشاھدة بواسطة ترويض
النفس والحالات المعنوية، لشاھد بأم عینه وسمع دَويّ تسبیح الموجودات وتقديسھا. ومن المؤسف أن سُكر
المادة والطبیعة قد أوھن العین والسمع والحواس الأخرى، ومنعنا من الوقوف على الحقائق الوجودية والھويات
العینیة. فكما أن بیننا وبین الحق عز وجل حجباً من الظلام وحجباً من النور تمنعنا من مشاھدة ألطاف الحق
٧٦٥
سورة الحج، آية: ١٨.
٢٨٤
سبحانه، فكذلك بیننا وبین الكائنات الأخرى بل بیننا وبین أنفسنا حجب تَفْصلنا عن إدراك حیاتھا وعلمھا وكافة
شؤوناتھا. والأسوء من كل الحجب ھو حجاب إنكار حیاة الموجودات وعلمھا وشؤونھا الأخرى انطلاقاً من الأفكار
المحجوبة التي تمنع الإنسان من كل شيء. وخیر وسیلة لأمثالنا المحجوبین ھو التسلیم والتصديق لآيات اللّه
الكريمة وأحاديث أولیائه، وسدّ باب تفسیر القرآن بالرأي، وتطبیقه على الواقع الخارجي عبر ھذه العقول الضعیفة.
إذا فرضنا إمكان تأويل آيات التسبیح، على أساس التسبیح التكويني أو الفطري فكیف نستطیع أن نفعل مع
. أو ٧٦٦ ھذه الآية المباركة (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّھَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَیْمَانُ وَجُنُودُهُ وَھُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)
أو الآية المباركة (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِینٍ، إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُھُمْ وَأُوتِیَتْ مِنْ كُلِّ
. أو الأخبار المأثورة عن أھل بیت الطھارة والعصمة الموجودة في أبواب مختلفة
شَيْءٍ وَلَھَا عَرْشٌ عَظِیمٌ) ٧٦٧
والصريحة في وعي الحیوانات والكائنات الأخرى، والتي تمتنع التأويل؟.
وملخص الكلام أنه لابد من اعتبار حیاة الكائنات وتسبیحھا عن وعي وإدراك، من البديھیات والضروريات في
الفلسفة العالیة، ومن مسلّمات أصحاب الشرائع والعرفان. ولكن لكیفیة تسبیح كل موجود، وللأذكار الخاصة بكل
واحد من الكائنات، وأن للإنسان الذكر الجامع ولكافة الموجودات أذكار تتناسب مع نشأتھا وتكوينھا، ولكیفیة
تسبیح كل موجود، لكل ذلك أبحاث ودراسات: إجمالھا أن ھناك مقیاساً علمیاً وعرفانیاً يرتبط بعلم الأسماء
وتفصیلھا يرتبط بالعلوم التي تشھد بالعیان وتكشف على الإنسان، وھي مختصة بالأولیاء الكاملین.
وقد بینا في الفصل السابق بأن «بسم االله» من كل سورة، يتعلق بنفس تلك السورة المبدوءة به، وعلیه
يكون «بسم االله» من ھذه السورة، سورة الحديد، متعلقاً بـ «سَبَّحَ لِلّهِ». ويستفاد من الآية المباركة المذھب
الحق في مسألة الجبر والتفويض، لأن فیھا نسبتان: نسبة إلى اللّه الذي ھو مقام المشیئة الفعلیة، ونسبة إلى
الأشیاء الموجودة في السماوات والأرض، بصوره لطیفه تعدّ منتھى كشف أرباب الشھود والمعرفة. وتقديم النسبة
إلى مشیئة اللّه لأجل إفھام قیومیة الحق، وتقديم حیثیة «يلي اللّه» على حیثیة «يلي الخلق».
ولولا مخافة الإطالة والإسھاب في الحديث لذكرت حقیقة التسبیح وملازمته للتحمید، وأن صدور كل تسبیح
وتحمید من كل مسبح وحامد، يكون لأجل الحق عز وجل، وان التسبیح والتحمید يكونان باسم االله ولاسم االله،
وإن إسْمَي:العزيز الحكیم، مختصان باالله، لشرحت العلاقة القائمة بینھما وبین االله، والفرق الموجود بین االله في
التسمیة واالله المذكور في الآية الشريفة (سَبَّحَ للّه)، والمقصود من السموات والأرض وما فیھا وما في الأرض
على ضوء مذاھب أھل العرفان والفلسفة، ولبینت الفرق بین «ھُوَ» في ھذه الآية الشريفة و«ھُوَ» في الآية
المباركة (قٌلْ ھُوَ اللّهُ أحَدٌ) حسب الذوق العذب العرفاني ولكنني آلیت على نفسي الاختصار والإجمال في ھذا
الكتاب. وأما الآية الثانیة الشريفة: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِیتُ وَھُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فھي
إشارة إلى مالكیة الحق جل جلاله لملكوت السماوات والأرض. ومن المعلوم أنه يتم الإحیاء والإماتة والظھور
والرجوع والبسط والقبض، تبعاً لھذه المالكیة، والإحاطة في السلطة، ونفوذ القدرة والتصرف. وھذه النظرة
تستوجب استھلاك واضمحلال جمیع التصرفات وأنواع التدبیر، في تصرف الحق وتدبیره، الذي يكون منتھى التوحید
الفعلي. ولھذا نسب إلى نفسه: مالكیة الذات المقدس، الإحیاء والإماتة ـ الأمرين اللذين يعدّان من المظاھر
العظیمة للتصرف الملكوتي أو ھما القبض والبسط ـ ونسبة الأحیاء والإماتة إلى المالكیة (لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَلأرْضِ
يُحیِي وَيُمِیتُ) رغم أن الإحیاء والإماتة من شؤون الرحمانیة والإماتة من الشؤون المالكیة، يمكن أن يكون للتنبیه
إلى أمر عرفاني جلیل، وھو استجماع كل إسم لجمیع الأسماء على وجه الأحدية، والجھة الغیبیة التي لا مجال
لذكرھا فعلاً.
ويمكن أن يكون صدر الآية وذيلھا، إشاره إلى الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة في مقام التجلي الفعلي
بالفیض المقدس، كما ھو واضح عند أھله. ويعود ضمیر «لَهُ» على ما يبدو إلى «االله» كما يحتمل إرجاعه إلى
٧٦٦
سورة النمل، آية: ١٨.
٧٦٧
سورة النمل، آية: ٢٣.
٢٨٥
«العَزِيزِ الحكِیمِ» وعلیه يختلف معنى الآية الشريفة على ضوء ھذين الاحتمالین، ويتضح ذلك بالتمعن فیھا لدى
أھل الفلسفة والتحقیق.
وأما بیان كیفیة مالكیة الحق سبحانه، وسبب صیاغة الحیاة والممات في صیغة المضارع (يُحْیِي وَيُمِیتُ) الدالة
على التجدد والاستمرار، وبیان مرجع ضمیر «ھُوَ» واختلاف معنى الضمیر عند اختلاف مرجعه، وإن المحیي
والممیت والقادر من أسماء الذات أو الأوصاف أو الأفعال، فمتروك إلى محله وموضعه المناسب. كما أن لبیان كل
من كیفیة الإحیاء والإماتة، وحقیقة صور إسرافیل نفختي الإحیاء والإماتة ودور الملك إسرافیل والملك عزرائیل
وموقعھما وكیفیة إحیائھما وإماتتھما إن لكل ذلك بیانات عرفانیة وبراھین فلسفیه طويلة ومفصلة، لا يسع المقام
ذكرھا.
وأما الآية الثالثة المباركة (ھُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالْبَاطنُ وَھُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلیمٍ) فقد علم العارف بالمعارف الحقة
لأصحاب المعرفة والیقین، والسالك لطريق أصحاب القلوب والسالكین، أن منتھى سلوك السالكین، وغاية آمال
العارفین، ھو فھم ھذه الآية الشريفة المحكمة. وقَسَماً بذاته العزيز، لا توجد للتعبیر عن حقیقة التوحید الذاتي،
آسمى وأفضل من ھذا التعبیر. وينبغي على كل أصحاب المعارف، السجود أمام ھذا العرفان التام النبويّ
المحمدي صلّى االله علیه وآله وسلم، وأمام ھذا الكشف الجامع الأحمدي وھذه الآية المحكمة الإلھیة، والسقوط
على التراب إذلالاً لھا. وقَسَماً بحقیقة العرفان والعشق، وأن العارف المجذوب والعاشق لجمال المحبوب، عندما
يسمع ھذه الآية الشريفة، تستولي علیه ھزة ملكوتیة، وانبساط إلھي، يقتصر عن استیعابه أي موجود من
الكائنات، ويعجز عن شرحه البیان. فسبحان االله ما أعظمَ شأنَه وأجلَّ سلطانه وَأكرَمَ قَدْرَه وَأمنعَ عِزَّهُ أعزَّ جنابَه !.
إن الذين يأخذون على أحاديث العرفاء الشامخین، وكلمات العلماء باالله، أولیاء الرحمن، ـ من أنھم تجاوزوا
حدودھم ـ فمن اللیاقة أن يمتعّنوا في كلمات العرفاء الربانیین، والسالكین المجذوبین، لیتبینوا ھل أن واحداً منھم
استطاع أن يقدم، أكثر مما تضمنت ھذه الآية التامة الشريفة، وھذا القران الكريم؟ أو أنھم عرضوا متاعاً جديداً في
سوق المعارف؟ إلیكم ھذه الآية الإلھیة القرآن المجید والكتب المشحونة من عرفان العرفاء للمقارنة بین المعارف
المدّونة فیھما حتى يتبین بأنھم يستوحون من القرآن الكريم.
في حین أن ھذه السورة المباركة، سورة الحديد، وخاصة ھذه الآيات المباركة منھا تحتوي على معارف تقصر
عنھا أيادي آمال العارفین. وفي عقیدة ھذا الكتاب تستبطن ھذه الآية الشريفة على خصوصیة تتفوق الآيات
الأخرى وھي: بیان أن الحق سبحانه ھو الأول والآخر والظاھر والباطن، ولكن البلاغة قاصرة عن شرحھا والقلم
عاجز عن الخوض فیھا. فلنتجاوز ونترك إدراك واستیعاب ذلك لقلوب الأولیاء والمحبین.
وأما الآية الشريفة الرابعة: (ھُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا
يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْھَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا
يَعْرُجُ فِیھَا وَھُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ). فھي إشارة إلى خلق السموات والأرض في ستة
أيام واستوائه سبحانه على العرش.
لقد تحیّرت في تفسیر ھذه الآية المباركة عقول أرباب العقل حیث اتخذ كل حسب مسلكه في العلم وھواه
في العرفان تفسیراً لھذه الآية المباركة. فذھب العلماء الظاھريون إلى أن المقصود من الخلق في ستة أيام ھو
أنه لو قدّرنا فترة خلق السموات والأرض وإنشائھا لتطابق مع ستة أيام. وذھب الفیلسوف العظیم الشأن صدر
المتأھلین قدس سره إلى تطبیق تلك الأيام الستة على أيام الربوبیة حیث يعدّ كل يوم منھا، ألف سنه من
سنیننا، واعتبر رضوان اللّه تعالى علیه منذ نزول آدم حتى بزوغ الشمس النبوي المحمدي صلّى االله علیه وآله
يوم الجمعة ويوم الجمع الذي ھو الیوم السابع وأول يوم القیامة، وبدء استواء الرحمن على العرش. وقد تولى صدر
المتألھین بیان ذلك بصورة مختصره في شرحه على كتاب (أصول الكافي) وبصوره مفصلة في كتاب تفسیره لھذه
السورة المباركة.
٢٨٦
وذھب بعض أھل المعرفة إلى أن الأيام الستة عبارة عن مراتب سیر نور شمس الوجود في مرائي ومظاھر
وقوس الصعود والنزول.
وأما على ضوء مسلك بعض العرفاء ـ الذين يرون للوجود مراتب نازلة، حتى آخر مرتبة منھا، وھي مرتبة
احتجاب شمس الوجود في حجب التعینات، وھي حقیقة لیلة القدر وابتداء يوم القیامة من المرتبة الأولى منه
إلى مرتبة رجوع المُلك إلى الملكوت، وخرق حجب التعینات حتى نھاية مراتب الظھور والرجوع الذي ھو الظھور
التام للقیامة الكبرى ـ فإن ھذه الأيام الستة التي تمّ فیھا خلق السموات والأرض وانتھى به الأمر إلى عرش االله
الرحمن الذي ھو غاية غايات الاستیلاء والاستواء والقھارية للحق المتعالي، ھذه الأيام الستة الصعودية في العالم
الكبیر. عرش استواء الحق، الظاھر بالقھارية التامة والملكیة، وھي مرتبة المشیئة والفیض المقدس الرحماني
الذي ھو الظھور التام بعد انسلاخ التعینات والفراغ من خلق السموات والأرضین. وما دامت السماوات والأرضون
. وحسب عدم حصول ٧٦٨ موجودة، لم يتم خلقھا عند أھل المعرفة حسب قوله تعالى (كُلَّ يَوْمٍ ھُوَ فِي شَأْنٍ)
التكرر في التجلي.
وتكون المراتب الستّة في الإنسان الكبیر والعالم الأكبر من المرتبة السابعة اللطیفة التي ھي عرش الرحمن
والذي ھو مرتبة القلب الحقیقي. ولولا خشیة التفصیل لذكرت بصوره مسھبة بأن الأفضل من كل الوجوه ھو ھذا
الوجه المذكور. ومن المعلوم أن علم الكتاب الإلھي موجود لدى الحق المتعالي وخاص بمن خوطب به، ولكننا
نتحدث على أساس المناسبات والاحتمالات بعد تعذر حمل الآية على ظاھرھا.
وھنا احتمال آخر لا يتنافى مع ما ذكره العرفاء، وھو ينسجم مع نظرية العلوم الحديثة في علم الھیئة التي
فندت ودحضت آراء بطلمیوس في علم الھیئة، وھو أن وراء منظومتنا الشمسیة، منظومات شمسیة أخرى كثیرة،
لا يحصي عددھا إلا االله كما ورد بیان ذلك في الكتب الحديثة من علم الأفلاك. فیكون المقصود من السموات
والأرض ھذه المنظومة الشمسیة وكواكبھا وأفلاكھا، ويكون المقصود من ستة أيام المحددة في الآية الكريمة،
الأيام الستة على ضوء منظومة شمسیة أخرى. وھذا الاحتمال أقرب إلى الظاھر والفھم من كافة الاحتمالات
الأخرى من دون أن يتضارب مع الاحتمالات العرفانیة، لأنه يعتبر بطناً من بطون القرآن.
وأشیر في نھاية الآية المباركة بقوله: (يَعْلَمُ مَا يَلجُ فِي الأَرْضِ) إلى علم الحق المتعالي بكل جزئي من مراتب
الوجود في سلسلة عالم الغیب والشھود في قوس النزول والصعود. وأشیر بقوله: (وَھُوَ مَعَكُم) إلى المعیة
القومیة للحق سبحانه. ولا يعرف أحد كیفیة علم الحق سبحانه بالجزئیات، الذي يكون على أساس الإحاطة
الوجودية، والسعة القومیة، وكذلك لا يعرف أحد إدراك حقیقة ھذه القیومیة للحق سبحانه، إلا الخواص من أولیائه
تعالى.
وأما الآية المباركة الخامسة (لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَإلى اللّه تُرْجَعُ الأمُورِ) فھي إشارة إلى مالكیه الحق،
وعود كل نظام دائرة الوجود إلیه عزّ وجلّ، كما تكون إشارة إلى أن نظام الوجود راجع ومرتبط باسم المالك. كما ذكر
في سورة الحمد المباركة (مَالِكِ يَوْمِ الدَّينِ).
ويحتاج تفسیر كل واحد من ذلك وتفصیل الكلام فیه إلى مجال آخر. وأما الآية الشريفة السادسة: (ولِجُ اللَّیْلَ
. فھي إشارة إلى اختلاف اللیل والنھار وأن القدر الذي ٧٦٩ فِي النَّھَارِ وَيُولِجُ النَّھَارَ فِي اللَّیْلِ وَھُوَ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
ينقص من أحدھما يضاف إلى الآخر، وأن كل ما يضاف على أحدھما ينقص من الآخر، وأنّ في ھذا الاختلاف منافع
كثیرة، يوجب ذكرھا الخروج عن وظیفتنا. وللآية الشريفة معنى عرفانيُّ آخر امتنعنا عن ذكره.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 873
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث23 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاربعون حديث23   الاربعون حديث23 I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 09, 2018 5:15 pm

خاتمه:
إن ما ورد في ذيل الحديث الشريف من قوله علیه السّلام: «مَنْ رَامَ وَرَاءَ ذلِكَ فَقَدْ ھَلَكَ» إشاره إلى أن ھذا
المستوى من المعارف المذكورة في ھذه الآيات الشريفة وسورة التوحید المباركة، أو منتھى العلوم البشرية،
وغايتھا القصوى. فلو ظن أحد بأن فوق ھذا المستوى من المعارف، معارف أخرى لسقط في الخطأ. كما وأن الأقل
٧٦٨
سورة الرحمن، آية: ٢٩.
٧٦٩
سورة الحديد، آية: ٦.
٢٨٧
من ھذا المستوى الأعلى من المعارف التي تتوفر في ھذه الآيات المباركة، بعد أيضاً من الھلاك والموت ومن
الجھل بمقام الربوبیة.
ومن الواضح أن ھذا الحديث الشريف يحثّ الإنسان على التأمل والتفكر في ھذه الآيات المباركات. ولكن لكل
علم، أھل. ولكن میدان، فارس، ولا يحسبن إنسان بأنه يستطیع بفكره وتأمله وعلى أساس الظھور العرفي،
استیعاب آيات التوحید: سواء كانت في سورة التوحید المباركة، أوفي ھذه الآيات المباركة أو في آيات قرآنیة أخرى
أو استیعاب الأخبار الشريفة والخطب والأدعیة ومناجاة الأئمة علیھم السّلام المعبأة والمشحونة بالمعارف إن ھو
إلا وھم فارغ، ووسوسة شیطانیة. وأن الشیطان الصادّ لطريق الإنسانیة قد نصب كمیناً للإنسان، حجتي يمنعه
عن المعارف، ويوصد علیه أبواب الحكمة والمعرفة ويتركه في وادي الضلالة والحیرة، بمثل ھذه الأوھام الواھیة
التي يلقي بھا الإنسان من أنه يستطیع أن يفھم القرآن بنفسه ويتعرف على المعارف الإلھیة بمراجعة آيات االله
الكريمة والأحاديث الشريفة، من دون الحاجة إلى فلسفه ترويض ومجاھدة.
واالله شھید على ما أقول وكفى به شھیداً إنني لا أروم من ھذا الكلام التشجیع على دراسة الفلسفة
التقلیدية أو العرفان التقلیدي، بل المقصود، ھو دفع إخواني المؤمنین وخاصة أھل العلم، نحو معارف أھل البیت
علیھم السّلام، وحثھم على قراءة القرآن وعدم الابتعاد عنه، فإن الھدف الأھم والأسمى لبعثة الرسل وإنزال
الكتب ھو معرفة االله، التي تتوفر في ظلھا سعادة الدنیا والآخرة. ولكن المؤسف أن الإنسان ما دام يعیش في ھذا
العالم، فھو واقع في الحجب المختلفة، التي تمنعه من رؤية طريق السعادة. وكلما دعاه الأولیاء والأنبیاء والعلماء
ونصحوه لم يفق من نومه، ولم يصغ لھذه الإرشادات. وعندما يستیقظ، يجد السعادة قد أفلتت من يديه ولا يملك
إلا الحسرة والندامة.
دعاء وختام:




إلھي أنت الذي ملأت قلوب الأولیاء بنور المحبة، وأخرست ألسنة عشاق الجمال من التحدث عن أنفسھم
والآخرين. وأبعدت أيادي الأنانیین المنحطین عن أذيال كبريائك. إلھي أيقظنا من سكر غرور الدنیا، من النوم العمیق
الذي غمرنا من جراء الانغماس في عالم المادة والطبیعة، ومزّق لنا بإشارة واحدة الحجب الغلیظة والستائر
السمیكة من الإعجاب والذاتیة، وخذ بأيدينا إلى مجلس الطاھرين لدى ساحتك، ومحفل المخلصین المقدسین،
وأبعد عنا شراسة الطبیعة وسوء الخلق، وغلظ اللسان، والنفاق والانحراف، وأقرن حركاتنا وسكناتنا وأفعالنا
وأعمالنا وأولنا وآخرنا وظاھرنا وباطننا بالإخلاص والصفاء.
إلھي إن نعمك قد ابتدأت علینا (لا يشترط عطاء الحق بقابلیة المعطي له) وعطاياك غیر متناھیة وباب رحمتك
مشرعه ومائدة نعمك اللامتناھیة مبسوطة، ھب لنا حالاً مضطرباً، وقلباً ملتھباً وعیناً تذرف الدموع، ورأساً لا يعرف
القرار وصدراً ينفث بالھموم والآلام واختم حیاتنا بالإخلاص إلیك والحب إلى خواص ساحتك وھم مقدمة كتاب
الوجود وخاتمه نظام الغیب والشھود محمد وأھل بیته الطاھرين
صلوات االله علیه وعلیھم أجمعین.
والحمد الله أوَّلاً وآخِراً وظاھراً وباطناً.
قد تم ھذا الكتاب على يد الفاني المؤلف الفقیر في عصر يوم الجمعة الرابع من شھر محرم الحرام عام ثمان
٧٧٠ وخمسین وثلاثمائة وألف للھجرة القمرية
. وَعَلى االله التُّكْلانُ فِي الافْتِتَاحِ وَالاخْتِتَامِ.
٧٧٠
الموافق ٢٤ ـ ٢ ـ ١٩٣٩م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
 
الاربعون حديث23
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الاربعون حديث 14
» الاربعون حديث 15
» الاربعون حديث 16
» الاربعون حديث 17
» الاربعون حديث 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنزالعلوم الاسلامية :: القسم الخامس الخاص بالعرفان والاذكاروالمناجاة اضغط هنا-
انتقل الى: