كنزالعلوم الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

 الاربعون حديث 8

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 874
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث 8 Empty
مُساهمةموضوع: الاربعون حديث 8   الاربعون حديث 8 I_icon_minitimeالإثنين يناير 08, 2018 2:34 pm

إن تخصيص الموعظة المقدسة لرسول االله صلّى االله عليه وآله وسلم بھذا الأمر ليدل أيضاً على أھميته
البالغة. ولو كان جبرائيل الأمين يرى أھمية أكبر لأجر آخر لكان قدّمه في ھذا المقام:
وفي المجالس بإسْنادِه عَنْ ابْنِ عَبّاس قالَ: قالَ رَسُولُ االله صلّى االله عليه وآله وسلم في حَدِيثٍ: «فَمَنْ رُزِقَ
صَلاةَ اللَّيْلِ مِنْ عَبْدِ أوْ أمَةٍ قامَ اللهِ مُخْلِصاً فَتَوضَّأ وضُوءاً سابِغاً وصَلّى الله عَزّ وجلّ بِنِيَّةٍ صادِقة وقَلْبٍ سَليم [ وَبَدَنٍ
خاشِعٍ ] وَعَيْنٍ دامِعَة جَعَلَ االلهُ تَعَالَى خَلْفَهُ سَبْعَةَ صُفُوفٍ مِنَ المَلائِكَةِ فِي كُلِّ صَفِّ ما لا يُحْصَى عَدَدَھُمْ إلاّ االلهُ
194 أحَدُ طَرَفَيْ كُلِّ صَفٍّ بِالمَشْرِقِ وَالآخَرُ بِالمَغْرِبِ، فَإذا فَرَغَ، كَتَبَ االلهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِعَدَدِھِمْ دَرَجاتٍ»
.
وَعَنِ العِلَل بِإسْنادِه إلى أَنسٍ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ االلهِ صلّى االله عليه وآله وسلم يَقُولُ: الرَّكْعَتانِ في جَوْفِ
195 اللَّيْل أحَبُّ إليّ مِنَ الدُّنْيا وَما فِيھا»
.
192
وسائل الشيعة، المجلد الخامس، الباب 39 ،من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح1.
193
وسائل الشيعة، المجلد الخامس، الباب 39 ،من أبواب الصلوات المندوبة، ح3.
194
المجلد الخامس، الباب 39 ،من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح 29 وح 31 وح 30.
195
المجلد الخامس، الباب 39 ،من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح 29 وح 31 وح 30.
92
وثمة أحاديث كثيرة أشير فيھا إلى صلاة الليل ھي شرف المؤمن، وزينة الآخرة، مثلما أن المال والبنين زينة
الحياة الدنيا. وَعَنِ العِلَلِ بِإسْنادِه إِلى جَابِرِ بْنْ عَبْدِ االلهِ الأنْصارِيِّ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ االلهِ صلّى االله عليه وآله
196 وسلم يقولُ: مَا اتَّخَذَ االلهُ إبْراھيمَ خَليلاً إِلاّ لإطْعامِ الطَّعامِ وَالصَّلاةِ بِاللَّيْلِ وَالنّاسُ نِيامٌ»
.
ولو لم تكن لصلاة الليل سوى تلك الفضيلة لأھلھا لكفتھا، ولكنھم ليسوا بأمثالي. إننا لا نعلم شيئاً عن عظمة
رداء الخَلّة وما يعني مقام اتخاذ االله تعالى العبد حبيباً وخليلاً. فكل العقول تعجز عن تصور ذلك. فلو أنھم أكرموا
الخليل بكل ما في الجنة من نعم، فإنه لا يلتفت إليھا (ما دام مع خليله). وأنت أيضاً إذا كان لك محبوب عزيز، أو
كان لك صديق حميم ودخل عليك، فإنك تترك كل نعمة ورفاه، وتستغني عن ذلك بجمال المحبوب ولقاء الصديق،
بالرغم من أن ھذا المثل بعيد عن المقام بعد المشرقين.
وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ إبْرَاھيمَ بِإسْنادِهِ عَنْ أبي عَبْدِ االلهِ عليه السَّلام قالَ: «ما مِنْ عَمَلِ حَسَنٍ يَعْمَلَه العَبْدُ إلاّ وَلَهُ
ثَوابٌ فِي القُرْآنِ إلاّ صَلاةَ اللَّيْلِ فَإنَّ االله لَمْ يُبّيِّنْ ثَوابَھا لِعَظِيم خَطَرِھَا عِنْدَهُ» فَقال: «تَتَجافى جُنوبُهُ م عَنِ الْمَضاجِعِ
يَدْعونَ رَبَّھُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاھُمْ يُنْفِقُون * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَھُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا
197 يَعْمَلونَ»
.
ترى ما قرة العين ھذه التي يدخرھا االله ويخفيھا حتى لا يعلم أحد عنھا شيئاً، وما يمكن أن تكون؟ فلو كانت
من قبيل «أنھار جارية» و«قصور عالية» ومن نِعم الجنة المختلفة، لذكرھا االله، مثلما بيّن ما للأعمال الأخرى وأطلع
الملائكة عليھا.
ولكن يبدو أنھا ليست من ذلك السنخ، وأنھا أعظم من أن ينوّه بھا لأحد، وخصوصاً لأحد من أھل ھذه الدنيا.
إنه لا تقارن نِعم ذلك العالم بالنعم ھنا، ولا تظنن أن الفردوس والجنان تشبه بساتين الدنيا، أو ربما أوسع وأبھى.
ھناك دار كرامة االله ودار ضيافته. فكل ھذه الدنيا لا شيء إزاء شعرة وا حدة من الحور العين في الجنة. بل ليست
شيئاً إزاء خيط من خيوط الحلل الفردوسية التي أعدّت لأھل الجنة. ومع كل ھذا الوصف، لم يجعلھا االله ثواب من
يؤدي صلاة الليل، وإنما ذكرھا من باب التعظيم له. ولكن ھيھات! نحن الضعفاء في الإيمان لسنا من أصحاب
اليقين، وإلاّ لما كنا نستمر في غفلتنا، ونعانق النوم حتى الصباح. لو أن يقظة الليل تكشف للإنسان حقيقة
الصلاة وسرّھا، لأنس بذكر االله والتفكر في االله، ولجعل الليالي مركوبه للعروج إلى قربه تعالى، ولما كان ثمّة ثواب
له إلا جمال الحق الجميل وحده.
الويل لنا نحن الغافلين الذين لا نستيقظ من النوم حتى آخر العمر. نبقى في سُكر الطبيعة غارقين، بل نزداد
كل يوم سكراً وغفلة، ولا نفھم شيئاً سوى الحالة الحيوانية من مأكل ومشرب ومنكح، ومھما فعلنا، وإن كان من
سنخ العبادات، فإنما نفعله في سبيل البطن والفرج. أتحسب أن صلاة خليل الرحمن كانت مثل صلاتنا؟ الخليل لم
يطلب حاجة حتى من جبرئيل، ونحن نطلب حاجاتنا من الشيطان نفسه ظناً منا بأنه يقضي الحاجات! ولكن علينا
أن لا نيأس. فلعلك بعد مدة من سھر الليالي والاستئناس بذلك والاعتياد عليه، يلبسك االله بلطفه الخفي خلعة
الرحمة. كما أن عليك ألاّ تغفل عن سرّ العبادة بصورة عامة، ولا تقصر ھمك على التجويد في القراءة وتصحيح
الظاھر فقط. ولئن لم تقدر أن تكون خالصاً الله تعالى، فاسعَ، على الأقل، من أجل قرة العين التي يخفيھا االله عزَّ
وجلَّ، وتذكر الفقير، العاصي، الحيواني السيرة الذي اكتفى من كل المراتب، بالحيوانية. وإذا وجدت في نفسك
الرغبة، فقل بخلوص نية:
«اللھمّ ارزقني التَّجافِيَ عَنْ دارِ الغُرُورِ، وَالإنابة إلى دارِ الخلودِ، وَالإسْتِعْدَادِ للموت قبل خُلُولِ الفوت»
198
.
فصل: في بيان التقوى
اعلم أن التق وى من «الوقاية» بمعنى المحافظة. وھي في العرف وفي مصطلح الأخبار والأحاديث تعني:
«وقاية النفس من عصيان أوامر االله ونواھيه وما يمنع رضاه» وكثيراً ما عرفت بأنھا «حفظ النفس حفظاً تاماً عن
196
المجلد الخامس، الباب 39 ،من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح 29 وح 31 وح 30.
197
وسائل الشيعة، المجلد الخامس، الباب 40 ،من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح13.
198
" مفاتيح الجنان " أعمال ليلة السابع والعشرين من شھر رمضان.
93
الوقوع في المحظورات بترك الشبھات» فقد قيل: «وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبَھاتِ وَقَعَ فِي المُحَرَّماتِ وَھَلَكَ مِنْ حَيْثُ لا
«فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الحِمى أوشِكَ أَنْ يَقَعَ فيهِ» 199 يَعْلَمُ»
200
.
لا بُدَّ أن نعرف أن التقوى، وإن لم تكن من مدراج الكمال والمقامات، ولكنّه لا يمكن بدونھا بلوغ أي مقام، وذلك
لأن النفس ما دامت ملوثة بالمحرمات، لا تكون داخلة في الإنسانية، ولا سالكة طريقھا، وما دامت تميل إلى
المشتھيات واللذائذ النفسية وتستطيب حلاوتھا، لن تصل إلى أول مقامات الكمال الإنساني، وما دام حب الدنيا
والتعلق بھا في القلب، فلا يمكن أن يصل إلى مقام المتوسطين والزاھدين، وما دام حب الذات باقياً في دخيلة
ذاته. لن ينال مقام المخلصين والمحبين، وما دامت الكثرة المُلكيّة والملكوتية ظاھرة في قلبه، لن ينال مقام
المنجذبين، وما دامت كثرة الأسماء متجلية في باطنه، لن يصل إلى الفناء الكلي، وما دام القلب يلتفت إلى
المقامات، لن يبلغ مقام كمال الفناء، وما دام ھناك تلوين، لن يصل إلى مقام التمكين ولن تتجلى في سرّه الذاتُ
في مقام الاسم الذاتي تجلياً أزلياً وأبدياً. فتقوى العامة إذاً تكون من المحرمات، وتقوى الخاصة تكون من
المشتھيات، وتقوى الزاھدين من حب الدنيا، والمخلصين من حب الذات، والمنجذبين من كثرة ظھور الأفعال،
201 والفانين من كثرة الأسماء، والواصلين من التوجه إلى الفناء، والمتمكنن من التلوينات (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)
.
ولكل من ھذه المراتب شرح وتفصيل لا يحصل لأمثالنا منه سوى الحيرة والضياع في المصطلحات، والتلفع في
حجب المفاھيم، إذ لكل معركة رجال.
والآن نعود إلى بيان نبذة من التقوى المذكورة في بدأ الأمر، لأھميتھا للناس بصورة عامة:
فصل: في بيان تقوى العامة
اعلم أيھا العزيز أنه مثلما يكون لھذا الجسد صحة ومرض، وعلاج ومعالج، فإن للنفس الإنسانية أيضاً صحة
ومرضاً، وسقماً وسلامة، وعلاجاً ومعالجاً. إن صحة النفس وسلامتھا ھي الاعتدال في طريق الإنسانية، ومرضھا
وسقمھا ھو الاعوجاج والانحراف عن طريق الإنسانية، وإن الأمراض النفسية أشد فتكاً آلاف المرات من الأمراض
الجسمية. وذلك لأن ھذه الأمراض إنّما تصل إلى غايتھا بحلول الموت. فما أن يحل الموت، وتفارق الروح البدن،
حتى تزول جميع الأمراض الجسيمة والاختلافات المادية، ولا يبقى أثر للآلام أو الأسقام في الجسد. ولكنه إذا كان
ذا أمراض روحية وأسقام نفسية ـ لا سمح االله ـ فإنه ما أن تفارق الروح البدن، وتتوجه إلى ملكوتھا الخاص، حتى
تظھر آلامھا وأسقامھا.
إن مَثَل التوجه إلى الدنيا والتعلق بھا، كمثل المخدر الذي يسلب الإنسان شعوره بنفسه. فعندما يزول ارتباط
الروح بدنيا البدن، يرجع إليھا الشعور بذاتھا، ومن ثَمّ الإحساس بالآلام والأسقام التي كانت في باطنھا، فتظھر
مھاجمة لھا بعد أن كانت مختفية كالنار تحت الرماد. وتلك الآلام والأسقام إما أن تكون ملازمة لھا (للروح) ولا تزول
عنھا أبداً، وإما أن تكون قابلة للزوال. وفي ھذه الحال يقتضيھا أن تبقى آلاف السنين تحت الضغط والعناء والنار
والاحتراق قبل أن تزول، إذ أن آخر الدواء الكي. قال رسول االله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْھَا فِي نَارِ جَھَنَّمَ فَتُكْوَى بِھَا
202 جِبَاھُھُمْ وَجُنُوبُھُمْ وَظُھُورُھُمْ)
.
إن الأنبياء ھم بمنزلة الأطباء المشفقين، الذين جاءوا بكل لطف ومحبة لمعالجة المرضى، بأنواع العلاج
المناسب لحالھم، وقاموا بھدايتھم إلى طريق الرشاد. «إننا أطبّاء وتلاميذ الحق» وإن الأعمال الروحية القلبية
والظاھرية والبدنية ھي بمثابة الدواء للمرض كما أن التقوى، في كل مرتبة من مراتبھا، بمثابة الوقاية من الأمور
المضرة للأمراض. ومن دون الحميّة لا يمكن أن ينفع العلاج، ولا أن يتبدل المرض إلى صحة.
199
أصول الكافي، المجلد الأول، كتاب فضل العلم، باب إختلاف الحديث، ح9.
200
وسائل الشيعة، المجلد 18 ،كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى، ح39.
201
سورة ھود، آية: 112.
202
سورة التوبة، آية: 35.
94
قد يغلب الدواء والطبيعة على المرض في الأمراض الجسيمة حتى مع عدم الحمية جزئياً. وذلك لأن الطبيعة
ھي نفسھا حافظة للصحة ودواء لھا. ولكن الأمر في الأمراض النفسية صعب، وذلك لأن الطبيعة قد تغلبت على
، وعليه، فإن من 203 النفس منذ البداية، فتوجھت ھذه نحو الفساد والانتكاس (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)
يتھاون في الحمية، تصرعه الأمراض، وتجد مناطق للنفوذ إليه، حتى تقضي على صحته قضاء مبرماً.
إذاً، فالإنسان الراغب في صحة النفس، والمترفق بحاله، إذا تنبه أن وسيلة الخلاص من العذاب تنحصر في
أمرين: الأول: الإتيان بما يصلح النفس ويجعلھا سليمة. والآخر، ھو الامتناع عن كل ما يضرھا ويؤلمھا.
ومن المعلوم أن ضرر المحرمات أكثر تأثيراً في النفس من أي شيءٍ آخر، ولھذا كانت محرّمة، كما أن الواجبات
لھا أكبر الأثر في مصلحة الأمور، ولھذا كانت واجبة وأفضل من أي شيء، ومقدمة على كل ھدف، وممھدة للتطور
إلى ما ھو أحسن.
إن الطريق الوحيد إلى المقامات والمدارج الإنسانية يمر عبر ھاتين المرحلتين، بحيث أن من يواظب عليھما
يكون من الناجين السعداء، وأھمھما ھي التقوى من المحرمات، وأن أھل السلوك يحسبون ھذه المرحلة مقدمة
على المرحلة الأولى، إذ يتضح من الرجوع إلى الأخبار والروايات وخطب «نھج البلاغة» أن المعصومين عليھم
السلام كانوا يعتنون كثيرا بھذه المرحلة.
إذاً، أيھا العزيز! بعد أن عرفت بأن المرحلة مھمة جداً. ثابر عليھا بدقة، فإذا أنت خطوت الخطوة الأولى وكانت
صحيحة، وبنيت ھذا الأساس قوياً، كان ھناك أمل بوصولك إلى مقامات أخرى، وإلاّ امتنع الوصول، وصعبت النجاة.
كان شيخنا العارف الجليل يقول: إن المثابرة على تلاوة آخر آيات سورة الحشر المباركة، من الآية الشريفة:
(يَاأَيُّھَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)
. إلى آخر السورة المباركة، مع تدبر معانيھا، في 204
تعقيبات الصلوات، وخصوصاً في أواخر الليل حيث يكون القلب فارغ البال، مؤثرة جداً في إصلاح النفس، وفي
الوقاية من شر النفس والشيطان. وكان يوصي بدوام حال الوضوء، قائلاً: إن الوضوء مثل «بزّة جندي». وعلى كل
حال، عليك أن تطلب من القادر ذي الجلال، من االله المتعال جلّ جلالة، مع التضرع والبكاء والالتماس كي يوفقك
في ھذه المرحلة ويعينك في الحصول على خصلة التقوى.
واعلم، أن بدايات الأمر صعبة وشاقة، ولكن بعد فترة من الاستمرار والمثابرة تتحول المشقة إلى راحة، والعسر
إلى يُسر، بل تتبدل إلى لذة روحية، خصوصاً، وأن أصحاب ھذه اللذة لا يستبدلونھا بجميع اللذائذ. ويمكن، إن شاء
االله، وبعد المواظبة الشديدة والتقوى التامة، أن تنتقل من ھذا المقام إلى مقام تقوى الخاصة. وھي التقوى التي
تتلذذ الروح بھا. إذ أنك بعد أن تذوق طعم اللذة الروحية تترك شيئاً فشيئاً اللذائذ الجسدية وتتجنبھا. وعندئذٍ
يسھل عليك المسير حتى لا تعود تقيم وزناً للذات الجسدية الزائلة، بل تنفر منھا، وتقبّح زخارف الدنيا في عينيك،
وتنظر في باطنك فتجد أن كل لذة من لذّات ھذا العالم قد أوجدت في النفس أثراً وأبقت في القلوب لطخة سوداء
تبعث على شدة الإنس بھذه الدنيا والتعلق بھا. وھذه ھي نفسھا تكون سبب الإخلاد إلى الأرض. وعند سكرات
الموت تتبدل إلى صعوبة ومشقة ومعاناة. والواقع أن صعوبة سكرات الموت وحالة النزع الأخير القاسية ناجمة عن
ھذه اللذات وحب الدنيا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فإذا أدرك الإنسان ھذا المعنى سقطت لذات العالم من
عينه كلياً، ونفر من الدنيا وما فيھا من مباھج وزخارف. وھذا ھو التقدم الثاني إلى المقام الثالث من التقوى.
وبذلك يصبح سبيل السلوك إلى االله سھلاً ميسوراً، وطريق الإنسانية نيّراً واسعاً، وتصبح خطوته شيئاً فشيئاً
خطوة الحق، ورياضته رياضة الحق، ويتھرب من النفس وآثارھا وأطوارھا. إذ يجد في ذاته عشق للحق، فلا يعود
يقنع بوعود الجنة والحور العين والقصور، بل يكون مطلوبة ومقصوده أمراً آخر، وينفر من الأنانية حب الذات.
فيتقي حب النفس ويتقي ذاته وأنانيته. وھذا مقام على قدر كبير من الشموخ والرفعة، وھو أول مراتب ھبوب
نسيم الولاية، فيدرجه الحق المتعال في كنف لط فه ويعينه ويجعله موضع ألطافه الخاصة.
203
سورة يوسف: آية 52.
204
سورة الحشر، آية: 8.
95
أما ما يحدث للسالك بعد ذلك فخارج عن قدرة القلم. والحمد الله أولاً وآخراً وظاھراً وباطناً، والصلاة والسلام
على محمد وآله الطاھرين.
الحَديث الثَالِث عشرَ: التوكل
بالسَّنَدِ المُتَّصل إلى الشَّيْخِ الجَلِيلِ ثِقَةِ الإِسْلاَمِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ خَالِدٍ، عَنْ غَيْر وَاحِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أسْبَاطٍ، عَنْ أَحْمَدِ بْنِ عُمَرَ الحَلاّل، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ
الأَوَّلِ عليه السَّلام قالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ االلهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى االلهِ فَھُوَ حَسْبُهُ) فَقَاَل «التَّوَكُّلُ عَلَى االلهِ
دَرَجَاتٌ مِنْھَا أَنْ تَتَوَكَّلْ عَلَى االلهِ فِي أُمُورِكَ كُلِّھَا فَمَا فَعَلَ بِكَ كُنْتَ عَنْهُ رَ اضِياً تَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَأْلُوكَ خَيْرَاً وَفَضْلاً وَتَعْلَمُ أَنَّ
205 الحُكْمَ فِي ذلِكَ لَهُ فَتَوَكَّلْ عَلَى االلهِ بِتَفْويضِ ذلِكَ إِلَيْهِ وَثِقْ بِهِ فِيھَا وَفِي غَيْرِھَا»
.
الشرح:
«الحلاّل» بتشديد اللام: بائع الحِلّ، وھو دھن السمسم. وأبو الحسن الأول ھو الإمام موسى بن جعفر
الكاظم عليه السلام. ويكنى أيضاً بأبي الحسن المطلق. وأبو الحسن الثاني ھو الإمام علي بن موسى الرضا
عليه السلام، وأبو الحسن الثالث ھو الإمام علي بن محمد الھادي عليه السلام.
و «التوكل» كما في اللغة، ھو إظھار العجز والاعتماد على طرف آخر: واتكلت على فلان في أمر اعتمدته.
وأصله: اوتكلت. و«حسبه» أي مُحْسِبُه وكافيه. و«يألوك» : من ألا، يألو، ألواً. ويعني التقصير. وقد قال بعضھم: إذا
عدّى ھذا الفعل إ لى مفعولين تضمن معنى المنع، وھذا حسن، لأن المعنى يكون أسلس، وإن لم تكن ثَمَّة
حاجة إلى ذلك، فمعنى التقصير وحده يكفي، كما يستفاد خلاف ذلك من «الصحاح» الذي جاء فيه: «ألا، يألو: أي
قصّر. وفلان لا يألوك نصحاً». فيتبيّن من ذلك أن المعنى واحد حتى مع المفعولين.
و «التوكل» غير «التفويض»، وكلاھما غير «الرضا» وغير «الوثوق» كما سيأتي بيانه. وسوف نشرح في ما يلي
ما يحتاج من الحديث الشريف إلى شرح.
فصل: في بيان معنى التوكل ودرجاته
اعلم إن للتوكل معاني متقاربة، ولكن بتعبيرات مختلفة، بحسب المسالك المختلفة، كما يقول صاحب «منازل
. ويقول بعض أصحاب العرفان: «التَّوَكُّلُ 206 السائرين» : (التَّوَكُّلُ كِلَهُ الأمْرِ كُلهِ إِلَى مَالِكِهِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى وِكَالَتِهِ)
طَرْحُ البَدَنِ فِي العُبُودِيَّةِ وَتَعَلُّقُ القَلْبِ بِالرُّبُوبِيَّةِ». وقال آخرون: «ا لتَّوَكُّلُ عَلَى االلهِ انْقِطَاعُ العَبْدِ فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُلُهُ
مِنَ المَخْلُوقِينَ».
وھكذا تجد ھذه المعاني متقاربة، ولا حاجة للبحث في المفھوم. وكل ما يتطلب القول ھو أن للتوكل درجات
مختلفة بحسب اختلاف مقامات العباد. ولما كانت معرفة درجات التوكل مبنية على العلم بدرجة معرفة العباد
بربوبية الحق جلّ جلاله، كان لا بُدَّ من الإشارة إلى ذلك.
فاعلم، أن أحد أصول معارف السالكين ومقاماتھم، التي لا تكون إلاّ به، ھو العلم بربوبية الحق تعالى، ومالكيته
وكيفية تصرف الذات المقدسة في الأمور. إننا لا ندخل ھذا البحث من الناحية العلمية، لأن ذلك يتطلب التحقيق
في «الجبر والتفويض» وذلك ما لا يتناسب مع ھذه السطور. وإنما نقتصر على ذكر درجات الناس في معرفة ذلك.
وعليه، نقول أن الناس في معرفة الربوبية مختلفون متباينون إلى حدّ كبير: فالموحّدون عموماً يعرفون أن الحق
تعالى ھو خالق م بادئ الأمور، وكلّيات الجواھر، وعناصر الأشياء، ويرون بأنّ تصرفه محدود، ولا يقولون بإحاطته
بالربوبية. فھؤلاء تراھم تارة يقولون: مقدِّر الأمور حق؟ وھو المتصرف في كل شيء، فما في كائن يكون إلاّ بإرادته
المقدسة. ولكنھم ليسوا أصحاب ھذا المقام، لا علماً، ولا إيماناً، ولا شھوداً، ولا وجداناً.
إن ھذا الفريق من الناس ـ والظاھر أننا منھم ـ ليس لھم علم كامل بربوبية االله بل يكون توحيدھم ناقصاً، حيث
حجبت عنھم ربوبية الحق وسلطنته لعللٍ وأسباب ظاھرة، وليس لھم مقام التوكل وھو ما يدور كلامنا عليه إلاّ
لفظاً وادعاءً. لھذا، فإنھم في الأمور الدنيوية، لا يعتمدون على الحق سبحانه، بأيّ شكل من الأشكال، ولا
205
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى االله والتوكل عليه، ح 5.
206
" منازل السائرين " ـ التوكل.
96
يتشبثون إلا بالأسباب الظاھرية والمؤثرات الكونية. وإذا ما اتفق أحياناً أن توجھوا إلى الحق تعالى وطلبوا منه
حاجة، أو رجوا منه رجاء، فذلك من باب التقليد، أو من باب الاحتياط، ل أنه لا يرون في ذلك ضرراً عليھم، بل ربما
يحتملون فيه الفائدة. وفي ھذه الحال توجد رائحة التوكل. ولكنھم إذا رأوا الأسباب الظاھرة ملائمة ومطابقة
لأھوائھم، غفلوا كليا عن االله تعالى وعن تصريفه للأمور. إن المقولة القائلة بأن التوكل لا يتنافى مع العمل
والتكسب، صحيحة، بل ھي مطابقة للبرھان وللنقل، ولكن الاحتجاب عن ربوبية الحق وتصريفه للأمور واعتبار
الأسباب مستقلة، يتنافى والتوكل.
إن ھؤلاء الذين لا يتمسكون حتى بأدنى درجات التوكل في أعمالھم الدنيوية، يتحدثون فيما يتعلق بالأمور
الأخروية عن التوكل بزھو ومباھاة، وإذا ما ظھر منھم أيّ تھاون وضعف وكسل في العلم أو في تھذيب النفس
والعبادات والطاعات، وبادروا إلى إظھار اعتمادھم وتوكلھم على الحق تعالى وفضله. وكأنھم يريدون بمجرد
تلفظھم بأن «االله عظيم» و«إننا متوكلون على فضل االله» أن ينالوا الدرجات الأخروية! فإنھم يقولون في الشؤون ال
دنيوية: إن السعي والعمل لا يتنافيان مع التوكل على االله، وفي الأمور الأخروية يرون السعي والعمل ينافيان
الاعتماد والتوكل عليه. وما ھذا إلاّ من مكائد النفس والشيطان. فھؤلاء ليسوا متوكلين على االله، لا في الأمور
الدنيوية ولا في الأمور الأخروية، ول ھم يعتمدون عليه في أي أمر من الأمور. ولكنھم، لاھتمامھم بالأمور الدنيوية،
تشبثون بالأسباب، دون الاعتماد على الحق تعالى وتصريفه للشؤون في العالم. وعلى العكس من ذلك، فھم،
لعدم اھتمامھم بأمور الآخرة، وعدم إيمانھم إيماناً صادقاً بيوم المعاد وتفاصيله، ويصطنعون لذلك الأعذار. فمرة
يقولون: «االله عظيم» ومرة يظھرون الاعتماد على االله وعلى شفاعة الشفعاء، مع أن ھذا كله ليس سوى لقلقة
لسان لا أساس لھا من الحقيقة في شيء.
وثمّة فريق آخر من الناس اقتنعوا، إما بالبرھان وإما بالنقل، وصدّقوا بأن الحق تعالى ھو مقدِّر الأمور، ومسبّب
الأسباب، وا لمؤثر في الوجود، ولا حدود لقدرته وتصرّفه. ھؤلاء يتوكلون على االله سبحانه عن طريق العقل، أي أن
أركان التوكل تامة عندھم، بحسب الأدلة العقلية والنقلية ولھذا فھم يرون أنفسھم من المتوكلين، ويقيمون الدليل
أيضاً على لزوم التوكل، لأنھم أثبتوا أركان التوكل، والتي ھي أمور:
أن الحق تعالى عالمٌ بحاجات العباد.
أنه قادر على تلبية تلك الحاجات.
أنه ليس في ذاته المقدسة بخل.
أنه رحيم بالعباد ورءوف بھم.
وإذاً، يجب التوكل على عالم قدير كريم رحيم بالعباد، قائم بمصالحھم، لا يفوّت عليھم شيئاً فيھا، حتى وإن لم
يميزوا ھم بين ما ينفعھم وما يضرھم. ھؤلاء وإن كانوا من المتوكلين عملياً، إلاّ أنھم لم يبلغوا مرتبة الإيمان. فھم
لھذا مضطربون في اتخاذ أمر من أمورھم، وعقولھم مغلوبة في الصراع مع قلوبھم، لأنھا بالأسباب متعلقة، وعن
تصرف الحق سبحانه في الأشياء محجوبة.
أما الطائفة الثالثة، ف ھم الذين توصّلوا بقلوبھم إلى معرفة تصرّف الحق تعالى في الكائنات، فآمنت تلك
القلوب بأن مقدّر الأمور، والسلطان ومالك الأشياء، ھو الحق تعالى، وكتبوا بقلم العقل على ألواح القلوب أركان
التوكل. ھؤلاء ھم أصحاب مقام التوكل. غير أن ھؤلاء أيضاً يختلفون من حيث مراتب الإيمان ودرجاته اختلافاً كبيراً،
قبل أن يصلوا إلى درجة الاطمئنان الكامل. وعند ذاك تظھر في قلوبھم درجة التوكل الكاملة، ولا تتعلق بالأسباب،
بل تتشبث بمقام الربوبية، فتطمئن إليه وتعتمد عليه، كما وصف العارفُ المتقدم، التوكلَ قائلاً إنه: «طرح البدن
في العبودية وتعلق القلب بالربوبية». وكل ما قلناه يعود إلى ما إذا كان القلب في مقام الكثرة الأفعالية، وإلاّ فإنه
يتجاوز مقام التوكل ويخرج عن المقصود.
إذاً، فقد اتضح أن للتوكل درجات. ولعل الدرجة التي تعرض لھا الحديث الشريف ھي توكل الطائفة الثانية. إذ
أنه جعل العلم من م بادئه، وربما أشار أيضاً إلى درجات أخرى ذات اعتبارات مختلفة. إذ أن للتوكل درجات أخرى 
97
في تقسيمات مختلفة، مثلما ھي الحال في درجات سلوك أصحاب العرفان والرياضات، حيث يصلون من مقام
الكثرة إلى مقام الوحدة تدريجاً، فلا يحصل فناء أفعالي مطلق، دفعة واحدة، بل يشاھد أولاً في مقامه، ومن ثم
في سائر الكائنات. فكذلك يحصل التوكل والرضا والتسليم وسائر المقامات بالتدرّج أيضاً.
وربما يبدأ أول الأمر بالتوكل على الأسباب الغائبة والخفية، ومن ثم يصل إلى مقام المطلق تدريجاً، سواء
أكانت له أسباب ظاھرة جليّة، أم أسباب باطنة خفيّة، وسواء أكان ذلك في أعماله ھو أم في أعمال أقربائه
ومقرّبيه. ولذلك جاء في الحديث: «إِنَّ مِنْ دَرَجَاتِ التَوكّلِ أَن تَتَوَكَّلَ عَلَى االلهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمُورك».
فصل: في بيان الفرق بين «التوكل» و«الرضا»
اعلم أن مقام «الرضا» غير مقام «التوكل»، وھو أسمى منه وأرفع. وذلك لأن المتوكل يطلب الخير والصلاح
لنفسه، فيوكل الحق تعالى، بصفته فاعل الخير، للحصول على الخير والصلاح. أما الشخص «الراضي» فيكون قد
أفنى إرادته في إرادة االله، فلا يختار لنفسه شيئاً. ولقد سئل أھل السلوك:
«مَا تُرِيدُ؟». فَقَالَ: «أُرِيدُ أَنْ لا أُرِيدَ».
فمطلوبه ھو مقام الرضا. أما ما جاء في الحديث الشريف: «فَمَا فَعَلَ بِكَ كُنْتَ عَنْهُ رَاضِياً» فإنه لا يعني مقام
الرضا، ولذلك جاء بعد ذلك قوله: «تَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَأْلُوكَ خَيراً وَفَضلاً»، وكأنه صلّى االله عليه وآله وسلم أراد أن يوجد
في السامع مقام التوكل، وذلك بوضع المقدمات، فقال أولاً: «تعلم أنه لا يألوك خيراً وفضلاً» ثم قال: «تعلم أن
الحكم في ذلك له» طبيعي أن من يعلم أن االله تعالى قادر على كل شيء، وأنه لا يفوّت على نفسه خيره
وفضله، فإن مقام التوكل يحصل له، وذلك لأن ركني التوكل الأساسيين قد ذكرھما، بينما الركنين أو الثلاثة الأخرى
لوضوحھما. إذاً، تكون نتيجة المقدمات المذكورة المطوية والمعلومة ھي أن ما يفعله الحق تعالى يبعث على الرضا
والسرور. إذ أن فيه الخير والصلاح، وبذلك يحصل مقام التوكل. ولذلك فرّع عليه السلام في الحديث الشريف قوله:
«فتوكل على االله».
فصل: في بيان الفرق بين «التفويض» و«التوكل» و«الثقة»
ثم اعلم أن «التفويض» أيضاً غير التوكل، وأن «الثقة» غيرھما. ولذلك فقد أشير إليھما في مقامات السالكين
بصورة منفصلة.
يقول الخواجة عبد االله الأنصاري: «التَّفْويضُ ألْطَفُ إشَارةُ وَأَوْسَعُ مَعْنىً مِنَ التَّوَكُّلِ ثُمَّ قَالَ: التَّوَكُّلُ شُعْبَةٌ مِنْهُ».
وذلك لأن التفويض ھو أن لا يرى العبد في نفسه حولا ولا قوة، ولا يجد أن له التصرف في شيء، ويرى الحق
تعالى ھو المتصرف في كل الأمور. أما في التوكل فليس الأمر كذلك، لأن المتوكل يجعل الحق سبحانه قائماً
مقامه في التصرف واجتلاب الخير والصلاح. وأما أن التفويض أوسع، لأن التوكل فرع منه، لأن التوكل يكون في
المصالح والتفويض يكون في الأمور كافة.
ولأن التوكل لا يكون إلاّ بعد وقوع سبب يستوجبه، أي عند وجود أمر يتوكل فيه العبد على االله، مثل توكل
النبي صلى االله عليه وآله وسلم وأصحابه على االله في أن يحفظھم من المشركين، حينما قيل لھم: (إِنَّ النَّاسَ
. وأما التفويض فيكون قبل وقوع 207 قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْھُمْ فَزَادَھُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
السبب، كما جاء في الدعاء المروي عن رسول االله صلّى االله عليه وآله وسلم: «اللَّھُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيكَ،
208 وَأَلْجَأْتُ ظَھْرِي إِلَيكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيكَ»
وقد يكون بعد وقوع السبب، مثل تمثيل مؤمن آل فرعون.
إن ما ذكرناه يكون حاصل ترجمة شرح العارف المعروف «عبد الرزاق الكاشاني» للتوكل والتفويض مأخوذاً من
كلام العارف الكامل «الخواجة عبد االله» مع شيء من الاختصار وفي كلام الخواجة ما يدل على ذلك. ولكن في
اعتبار التوكل شعبة من التفويض يستدعي النظر.
كما أن في جعل التفويض من التوكل مسامحة واضحة. وكذلك ليس ثَمّة دليل على أن التوكل يقع بعد وقوع
السبب. إذ في كِلتا الحالتين قبل وبعد وقوع السبب يصحّ معنى التوكل. أما الحديث الشريف الذي يقول: «فَتَوَكَّل
سورة آل عمران، آية:173 207
208
كتاب من لا يحضره الفقيه، ح 1351.
98
عَلَى االلهِ بِتَفْوِيضِ ذلِكَ إِلَيْهِ» فيمكن القول بأنه لا توكل إلاّ مع رؤية تصرفه بنفسه، ولھذا يتخذ لنفسه وكيلا في أمر
من أمور الخاصة به. إلاّ أن الرسول الأكرم أراد أن يرفع ذلك من مقام التوكل إلى مقام التفويض، وليفھمه أن الحق
تعالى لا يقوم مقامك في التصرف، بل ھو المتصرف في ملكه ومملكته. وقد نبّه على ذلك الخواجة نفسه في
«منازل السائلين» بشأن الدرجة الثالثة من درجات التوكل.
وأما «الثقة» فھي غير «التوكل» و«التفويض»، كما يقول الخواجة: «الثِقَةُ سَوَادُ عَيْنِ التَوَكُّلِ، وَنُقْطَةُ دَائِرَةِ
التَّفْوِيضِ، وَسُوَيْداءُ قَلْبِ التَّسْلِيمِ».
أي أن المقامات الثلاثة لا تحصل من دون «ثقة»، بل إن روح تلك المقامات ھي الثقة باالله تعالى. فما لم يثق
العبد بالحق تعالى، لا يمكن أن ينالھا.
فتبين السرّ في قول رسول االله صلّى االله عليه وآله وسلم، بعد التوكل والتفويض، «ثِقْ بِهِ فِيْھَا وفِي غَيْرِھَا».
الحديث الرَابع عشَر: الخوف والرَّجاء
بِسَنَدِي المُتَّصِلِ إلى مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثِقَةِ الإِسْلاَم وَعِمَادِ المُسْلِمِينَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغَيرَةِ أَوْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السَّلام
قالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ؟ قالَ: «كَانَ فِيھَا الأَعَاجِيبُ وَكَانَ أَعْجَبَ مَا كَانَ فِيھَا أَنْ قَالَ لابْنِهِ: خَفِ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ خيفةً لَوْ جِئْتَهُ بِبِرِّ الثِّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ، وَارْجُ اللَّهَ رَجاءً لَوْ جِئْتَهُ بِذُنُوبِ الثِّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ. ثُمَّ قَالَ أبو عَبْدِ اللَّهِ ـ عَليه
السّلام ـ كان أبِي يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلاّ وَفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خَيفَةٍ ونُورُ رَجَاءً، لَوْ وُزِنَ ھذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى
209 ھذَا وَلَوْ وُزِنَ ھذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى ھذَا»
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 874
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث 8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاربعون حديث 8   الاربعون حديث 8 I_icon_minitimeالإثنين يناير 08, 2018 2:35 pm

الشرح:
يقول «الجوھري» في الصحاح: «أعاجيب» كأنھم أرادوا جمع «أُعْجُوبَة» مثل أحدوثة وأحاديث. وقال: إن
«الأعْجُوبة» ھي ما يكون حسنة أو قبحه مثيراً للتعجب. ويكون المقصود في ھذا الحديث ھو المعنى الأول وكأنّ
اللفظ في الأصل مختص بما يثير حسنه العجب، وإن استعملت تطفلاً في الأعم.
«والبِّرُّ» خلاف «العقوق» و«فُلان يَبِرّ خَالقَه» يعني أنه يطيعه، كما يقوله الجوھري. و«الثقلان» ھما الجن
والإنس. ويدل ھذا (الحديث الشريف) على أن كلاً من الخوف والرجاء يجب أن يصل إلى مرتبة الكمال، ولا يجوز
اليأس من رحمة االله تعالى أبداً، ولا الأمان من مكره مطلقاً. فھناك الكثير من الأحاديث التي تؤكد ذلك، كما ينص
القرآن الكريم على ذلك أيضاً. ثم يجب ألاّ يرجح أحدھما على الآخر. وسوف نقوم، بشرح ذلك وبيان المواضيع
الأخرى من الحديث ـ إن شاء االله ـ ضمن فصول عديدة.
فصل: في بيان الإنسان العارف
اعلم، أن للإِنسان العارف بالحقائق والمطلع على النسبة بين الممكن والواجب جلّ وعلا نظرتين: الأولى:
نظرته إلى نقصه الذاتي وإلى نقص جميع الممكنات وانحطاط الكائنات فھو يدرك في ھذه النظرة، عيناً أو علماً، أن
الممكن غارق بكلّيته في الذل والنقص وفي بحر ظلام الإِمكان والفقر والاحتياج أزلاً وأبداً،
وأنه لا يملك بذاته شيئاً إطلاقاً، وھو محض لا شيء، ومجرد ضعة، ونقص مطلق، بل إن ھذه التعبيرات نفسھا
لا تصدق عليه حقيقة وإنما ھي من ضيق أفق التعبير والكلام، وإلاّ فإن النقص والحاجة من سمات الشيئية،
وليس لجميع الممكنات والخلائق كافة، شيئية بذواتھا. وھو في ھذه النظرة، لو تقدم إلى أعتاب الربوبية بكل
العبادات والطاعات والعلوم والمعارف، فلن يكون أمامه سوى أن يطأطأ رأسه خَجَلاً وذلاً وخوفاً، فما ھذه العبادة
والطاعة؟ ممن؟ ولمن؟ إن كل المحامد تعود إليه تعالى، وليس للممكن أي تصرف فيه، بل إن تصرف الممكن يبعث
على نقص في إظھار محامد االله والثناء عليه. وھذا ما سألوي عنه عنان القلم، ففي ھذا المقام يقول عزَّ وجلّ:
209
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء، ح 1.
99
(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ... )
. كما يقول في المقام الأول (قُلْ كُلٌّ مِنْ 210
211 عِنْدِ اللَّهِ)
.
يقول الشاعر في ھذا المقام:
قال مُرشدنا: أن قلم الصانع لم يخطأ........... (فإن الأخطاء منّا).
بُوركت نظرته السديدة الساترة للعيوب...... وھي: (قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
إن قول المرشد (الشطر الأول) راجع إلى المقام الثاني (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ
فَمِنْ نَفْسِكَ). وأما (الشطر الثاني من الشعر) فيعود إلى المقام الأول (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) وفي ھذا المقام
يستولي على الإنسان الخوف والحزن والخجل والخزي.
والنظرة الأخرى نظرته إلى الكمال الواجب، وبسط رحمته، وسعة لطفه تعالى وعنايته. فھو يرى أنه سبحانه
قد بسط ھذه النِعم والرحمات المتنوعة، التي لا يمكن الإحاطة بھا ولا حصرھا وتحديدھا، من دون استعداد وتھيأ
مسبق لھا. وإنه قد فتح أبواب لطفه وعفوه على العباد دون استحقاق. فنعمه مبتدءة لا يسبقھا سؤال.
كما أشار إلى ذلك حضرة الإمام زين العابدين وسيد الساجدين كثيراً في أدعية الصحيفة وغيرھا، فيقوى رجاؤه
برحمة الحق تعالى ويزداد أمله، بالكريم الذي لا يسبغ كرمه إلاّ من باب الرحمة واللطف، وبمالك الملوك الذي
يفيض علينا بنعمه من دون سؤال أو استعداد. تلك النعم التي تعجز العقول عن إدراك بعضھا وتقصر. والمالك الذي
لا تنقص من ملكه الواسع معصية العاصين، ولا تزيده طاعة المطيعين، بل إن ھداية ذاته المقدسة لنا إلى طرق
الطاعات، ومنعه إيّانا عن العصيان، إنما ھو من عناياته الكريمة ونعمه وآلائه، لأجل وصولنا إلى مقامات الكمال
ومدارجه الرفيعة، وللتنزه عن النقص والقبح والتشوه.
فإذا جثونا عند أعتاب رحمته وعنايته، لوجب أن نقول: اللھم إنك إذ ألبستنا لباس الوجود، ووھبتنا كل أسباب
الحياة والرفاه بما يفوق إدراك المدركين، وأريتنا طرق الھداية، وأسبغت علينا من نعمك، إنما كان ذلك لمصلحتنا
لننعم بأفضالك ونعمك. وھا نحن وفدنا إلى دار كرامتك، وعلى أعتاب سلطنتك، مثقلين بذنوب الثقلين، مع أن
ذنوب المذنبين لم تنقص من خزائن رحمتك، ولم تخلّ خطاياھم بمملكتك. فماذا أنت صانع بقبضة تراب لا تساوي
شيئاً عند أعتاب عظمتك سوى أن تشملھا برحمتك وعنايتك؟ أيمكن أن نأمل غير الرحمة من لطفك؟
فعلى الإنسان، إذاً، أن يتردد بين ھاتين النظرتين. فلا ھو يغمض عينيه عمّا فيه من نقص وقصور في القيام
بالعبودية، ولا ھو ينسى سعة رحمة الحق جلّ جلاله وعنايته وشموليتھما.
فصل: في قصور الممكن عن القيام بواجب العبودية للحق تعالى
اعلم أيھا العزيز، أن للخوف والرجاء مراتب ودرجات حسب حالات العباد ومراتب معرفتھم. فخوف العامة يكون
من العذاب وخوف الخاصة يكون من العتاب، وخوف أخص الخاصة يكون من الاحتجاب. ولكننا لسنا الآن بصدد شرح
ذلك، وإنما سنشير إلى الموضوع السابق ببيان آخر.
فاعلم أن ليس أحد من المخلوقات بقادرٍ على عبادة الحق تعالى حق عبادته. لأن العبادة ھي الثناء على
مقام ذات االله المقدسة، وثناء كل شخص فرغ
معرفته بمن يُثني عليه. ولمّا كانت يد أرجاء العباد، في الحقيقة قصيرة، عن عِزَّ جلال معرفة ذاته المتعال، فھم
إذاً ليسوا قادرين بالثناء على جماله وجلاله. وقد اعترف بذلك أشرف الخلائق وأعرف الكائنات بمقام الربوبية:
«مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَمَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ»
حيث الجملة الثانية ھي بمثابة التعليل للجملة الأولى، 212
إذ قال:
«أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»
213
.
210
سورة، النساء، آية: 79.
211
سورة النساء، آية: 78.
212
" سفينة البحار " ج 2 ص 180 وما بعدھا.
213
" سفينة البحار " ج 2 ص 181 وما بعدھا.
100
إذاً، فالقصور الذاتي من حق الممكن، والعلو الذاتي خاص بذات كبرياء االله جلّ جلاله. ولمّا كان العباد قاصرين
عن الثناء على االله تعالى وعن عبادة ذاته المقدسة. ومن دون معرفة الحق سبحانه وعبوديته لا يمكن لأحد من
عباده أن يبلغ المقامات الكمالية والمدارج الأخروية، كما ھو ثابت ومبرھن عليه عند علماء الآخرة في محله، ولكن
العامة غافلون عن ذلك، ويحسبون المدارج الأخروية جزافاً أو شبيھة بالجزاف ـ تعالى االله عن ذلك عُلواً كبيراً ـ لمّا
كان كذلك فقد فتح االله تعالى بلطفه الشامل ورحمته الواسعة باباً من الرحمة والرعاية بالعباد عن طريق تعليمات
الوحي الغيبية والإلھام، وبوساطة الملائكة والأنبياء. ذلكم ھو باب العبادة والمعرفة. فعلّم العباد طرق عبادته، وفتح
لھم سبيلاً إلى المعارف لكي يخففوا من نقائصھم قدر الإمكان، ويسعوا لنيل الكمالات الممكنة، ويھتدوا بأشعة
نور العبودية للوصول إلى عالم كرامة الحق، وإلى الروح والريحان وجنات النعيم، بل إلى رضوان االله الأكبر.
إذاً، ففتح باب العبادة والعبودية من النِعم الكبرى التي تدين لھا الكائنات كافة، دون أن تستطيع الوفاء بحق
الشكر، بل إن كل شكر ھو فتح باب كرامة لا تقدر على شكره أيضاً. فإذا علم الإنسان مشربه ھذا، واطّلع قلبه
عليه، اعترف بتقصيره. وحتى لو أنه تقدم إلى أعتاب االله جلّ جلاله بعبادة الجن والإِنس والملائكة المقربين، لكان
مع ذلك خائفاً ومقصراً. وكذلك إن عباد االله العارفين وأولياءه المختصين به الذين فتح لھم باباً من سرّ القَدر،
واستنارت قلوبھم بنور المعرفة، لارتجفت قلوبھم من الخوف، ونفوسھم من الخشية، بحيث لو اتجھت إليھم
الكمالات كلھا، وأعطوا مفاتيح المعارف كلھا، وأُترعت قلوبھم بالتجلّيات، لما قلّ من خوفھم قدر ذرة، ولا من
خشيتھم قدر شعرة، كما يقول أحدھم: الناس تخاف النھاية وأنا أخاف البداية. سُبْحَان االله وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاالله، أعوذ باالله تعالى. يعلم االله يجب أن يتقطع قلب الإنسان من ھذا الكلام، ويذوب خوفاً، ويھيم على وجھه في
البراري فإلى أيّ حدّ يكون الإنسان غافلاً؟
ثم أنه سبق منا في شرح أحد الأحاديث السابقة وقلنا بأننا في كل عبادتنا وطاعتنا إنّما نريد مصالحنا الخاصة،
ودافِعُنا إليھا ھو حبّ النفس. وما الزھد في الدنيا في الحقيقة إلاّ من أجل الآخرة. وھو أشبه بالزھد في الدنيا من
أجل الدنيا عند الأحرار. فلو ذھبنا بعبادة الثقلين إلى محضر قدسه الربوبي، لما كان استحقاقنا سوى البعد عن
ساحته المقدسة. لقد دعانا الحق تبارك وتعالى إلى مقام قربه وأُنسه. قال: «وَخَلَقْتُكَ لأَجْلِي» وجعل غاية الخلق
معرفته، وھدانا إلى طرق المعارف والعبودية، ولكننا مع ھذا لم نشغل أنفسنا إلاّ بتعمير البطن والفرج، ولا ھمَّ لنا
سوى الأنانية وحب الذات.
فيا أيھا الإِنسان المسكين، الذي لم تجنِ من عبادتك ومناسكك إلاّ البعد عن ساحة االله المقدسة،
والاستحقاق للعتاب والعقاب، علامَ اعتمادك؟ ولماذا لا يقلقك ولا يزعجك الخوف من شدة بأس الحق؟ أعندك متكأ
تتكئ عليه؟ أتثق بعملك وتطمئن إليه؟ إذا كان الأمر كذلك فالويل لك من معرفتك بحالك وحال مالك الملوك! وإذا
كان اعتمادك على فضل الحق وسعة رحمته وشمول عناية ذاته المقدس، لكان ذلك في محلّه جدّاً. لقد اعتمدت
على أمر وثيق، ولجأت إلى أوثق ملجأ.
إلھي، وربي! إن أيدينا عن كل شيء قاصرة، ونحن عارفون بأننا ناقصون وتافھون، ولا نملك ما يليق بأعتاب
قدسك. كلنا نقص وعيب. ظاھرنا وباطننا ملوث بالمھالك والموبقات. فمن نحن حتى نرجو القدرة على الثناء عليك،
فيما يعترف الولي من أوليائك قائلاً: «أَفَبِلِسَانِي الكالّ ھذَا أَشْكُرُكَ!» مقراً بعجزه وقصوره، فكيف بنا نحن أھل
المعصية المحجوبين عن ساحة كبريائك؟ ما عسانا نقول سوى
أن نحرك ألسنتنا قائلين: إن رجائنا موكول إلى رحمتك، وأن أملنا وثقتنا بفضلك ومغفرتك وجودك وكرمك، كما
على ألسنة أوليائك.
في الكافي، بإسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ االله صلّى االله عليه وآله وسلم: قَالَ
االله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لاَ يَتَّكِلُ العَامِلُونَ لِي عَلَى أَعْمَالِھِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَھا لِثَوابِي، فَإِنَّھُمْ لَوِ اجْتَھَدُوا وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَھُمْ ـ
أعمارَھُمْ ـ في عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بالِغَينَ فِي عِبَادَتِھِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي وَالنَّعِيمِ
فِي جَنّاتِي وَرَفِيعِ الدَّرَجَاتِ العُلَى فِي جِوارِي، وَلكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا، وَفَضْلِي فَلْيَرْجُوا، وَإِلَى حُسْنِ الظَّنِ بِي 
فَلْيَطْمَئِنُّوا، فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذلِكَ تُدْرِكُھُمْ، وَمِنّي يُبْلِّغُھُمْ رِضْوانِي، وَمَغْفِرَتِي تُلْبِسُھُمْ عَفْوي، فَإِنِّي أَنَا االله الرّحْمنُ
214 الرَّحيمُ، وَبِذلِكَ تَسَمّيْتُ)
.
ومن أسباب الخوف أيضاً التفكر في شدة بأس االله تعالى، وفي دقة سلوك طريق الآخرة، والأخطار التي تحيط
بالإنسان في حياته وعند موته، وشاقّ البرزخ، ويوم القيامة، ومناقشات الحساب والميزان، مع ملاحظة الآيات
والأخبار التي تنبئ عمّا وعد االله تعالى عباده، مما يُحيى كامل الأمل والرجاء.
لقد جاء في الأحاديث، أن الحق تعالى يبسط يوم القيامة بساط رحمته بصورة يطمع حتى الشيطان بالمغفرة
منه. وأن الحق سبحانه لم ينظر إلى ھذا العالم منذ تكوينه وخلقه، نظرة لطف كما ورد في الرواية وأنه سبحانه
وتعالى لم يبعث إلى ھذا العالم رحمته إلاَّ بمقدار ذرة بالنسبة إلى العوالم الأخرى، ھذه الذرة قد بعثت على
إحاطة النِعم الإلھية، وألطافه ورحمته وغفرانه، بالجميع من جميع جوانبھم، وأن الظاھر من النعم والباطن منھا
تعتبر مائدة نِعم االله تبارك وتعالى وعطاياه التي لا يقدر العالم برمّته على الإِحاطة بجزء منھا، فكيف إذاً بنعمه
سبحانه في عالم ھو عالم كرامته، ودار ضيافته، وموضع رحمته، حيث يبسط رحيميته ورحمانيته؟ فيحقّ
للشيطان أن يطمع في نيل رحمة االله، ويرجو عطيته! إذاً، فأكمل حسن ظنك باالله وثق بفضله (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
. فاالله يغرق الجميع في بحر جوده وكرمه، واالله لا يخلف وعده، وإن كان الخلف في الوعيد مكن، كثيراً 215 جَمِيعًا)
ما يقع فعلاً. فليستبشر قلبك برحمته التامة. ولولا شمولك برحمته الواسعة لما كنت قد خلقت، فكل مخلوق
مرحوم: (وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ)
216
.
فصل: في الفرق بين الرجاء والغرور
ولكن أيھا العزيز كن على حذر، لئلا تخلط بين الرجاء والغرور. فقد تكون مغتراً وتحسب نفسك من أھل الرجاء.
إن من السھل التمييز بين الحالين في مباديھما. أنظر إلى ھذه الحال التي فيك والتي تظن نفسك بھا بأنّك من
أھل الرجاء. فھي إمّا أن تكون ناشئة من التھاون في أوامر الحق سبحانه والتقليل منھا، وإمّا أن تكون ناجمة عن
الاعتقاد بسعة رحمة االله وعظمة ذاته المقدسة. وإذا عسر عليك التمييز بينھما أيضاً، أمكنك التمييز من خلال
الآثار. فإذا كان الإحساس بعظمة االله في القلب، وكان قلب المؤمن محاطاً برحمة ذاته المقدسة وعطاياه، لقام
القلب بواجب العبودية والطاعة. لأن تعظيم العظيم المُنعم وعبادته من الأمور الفطرية التي لا خلاف فيھا.
وإذا لم تكن في أداء واجبات العبودية، وفي بذل الجُھد والجدّ في الطاعة والعبادة، معتمداً على أعمالك، ولم
تحسب لھا حساباً، وكنت آملاً رحمة االله وفضله وعطائه، ووجدت نفسك مستحقاً للّوم والذم والسخط والغضب
بسبب أعمالك، ولم تعتمد إلاّ على رحمة الجواد المطلق، فأنت من أھل الرجاء. فاشكر االله تبارك وتعالى، واطلب
من ذاته المقدسة أن يثبّت ذلك في قلبك، ويمنحك أعلى منه مقاماً.
أما إذا كنت ـ لا سمح االله ـ متھاوناً في أوامر الحق تعالى ومستحقراً ومستھيناً لتعاليمه، فاعلم أنه الغرور
الحاصل في قلبك وأنه من مكائد الشيطان، ومن نفسك الأمّارة بالسوء. فلو آمنت بسعة االله ورحمته وعظمته.
لظھر أثر ذلك فيك. إن المدعي الذي يخالف عمله دعواه يكذب نفسه بنفسه. والشواھد على ھذا في الأحاديث
المعتبرة كثيرة.
ففي الكافي بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِااللهِ عليه السّلام قالَ: «قُلْتُ لَهُ: قَوْمٌ
يَعْمَلُونَ بِالمَعَاصِي وَيَقولُونَ نَرْجُو فَلاَ يَزَالونَ كَذلِكَ حَتّى يَأْتِيَھُمُ المَوْتُ. فقَالَ: ھؤُلاَءِ قَوْمٌ يَتَرَجَّحُونَ فِي الأَمَانِي.
217 كَذَّبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ، إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَهُ وَمَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ ھَرَبَ مِنْهُ»
.
وبھذا المضمون رواية أخرى في كتاب الكافي الشريف:
214
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الظن باالله، ح 1.
215
سورة الزمر، آية: 53.
216
مقتبس من آية 156 في سورة الأعراف.
217
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء ح 5 وح 11.
102
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي سَارَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْداللَّهِ عليه السّلام يَقُولُ: لاَ يَكُونُ المُؤْمِنُ مُؤْمِناً
218َ حَتّى يَكُونَ خَائِفاً رَاجِياً وَلاَ يَكُونَ خَائِفاً رَاجِياً حَتّى يَكُونَ عَامِلاً لِمَا يَخَافُ وَيَرْجُو»
.
قال بعضھم: إنّ مَثَلَ من لا يعمل وينتظر رحمة ربه ويرجو رضوانه مَثَلُ من يرجو المسبِّب دون أن يُعِدَّ الأسباب،
وَمَثَلُ الفلاّح الذي ينتظر الزرع من دون أن يبذر الأرض أو يھتم بھا وبإروائھا أو يقضي على موانع الزرع. إن مثل ھذا
الانتظار لا يسمى بالرجاء، بل ھو بله وحماقة. وإن مَثَلُ من لم يُصلح أخلاقه أو لم يبتعد عن المعاضي فينھض
بأعمال راجياً تزكية نفسه، مَثَلُ من يودع البذر في أراضي سبخة، ومن الواضح أن ھذا الزرع لا يثمر النتيجة
المتوخاة.
فالرجاء المستحسن والمحبوب ھو تھيأة كافة الأسباب التي يمتلكھا الإنسان كما أمر االله بھا واستغلالھا
حسب القدرة التي زوده بھا الحق المتعال بعنايته الكاملة، وحسب ھدايته ـ عز وجل ـ إياه إلى طرق الصلاح
والفساد، ثم ينتظر ويرجو الحق المتعال أن يتمّ عنايته السابقة تجاه الأسباب التي وفّرھا من قبل، ويحقق
الأسباب التي لا تدخل تحت إرادته واختياره من بعد، ويزيل الموانع والمفاسد.
فإذا نظف العبد قلبه من أشواك الأخلاق الفاسدة وأحجار الموبقات وسباختھا، وبذر فيھا بذور الأعمال، وسقاھا
بماء العلم الصافي النافع والإيمان الخالص، وخلصھا من المفسدات والموانع مثل العجب والرياء وأمثالھا التي تعد
بمثابة الأعشاب الضارة العائقة لنمو الزرع، ثم انتظر ربه المتعالي ورجاه أن يثبّته على الحق، ويجعل عاقبة أمره
إلى خير، كان ھذا الرجاء مستحسناً. كما يقول الحق المتعالي:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ ھَاجَرُوا وَجَاھَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ)
219
.
فصل: في سبب تعادل الخوف والرجاء
ورد في نھاية ھذا الحديث الشريف ـ الحديث الرابع عشر ـ أنه لا بد من تعادل الخوف والرجاء وعدم تفوق
أحدھما على الآخر، كما ورد ھذا المضمون في مرسلة ابن أبي عمير عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً.
إن الإنسان عندما يدرك منتھى قصوره في النھوض بالعبودية، ويرى صعوبة وضيق طريق الآخرة، يتولد فيه
الخوف بأعلى درجة، وعندما يجد ذنوبه ويفكر في أناس كانت عاقبة أمرھم الموت من دون إيمان وعمل صالح،
رغم حسن أحوالھم في بدء الأمر ولكنھم انتھوا إلى سوء العاقبة، يشتدّ فيه الخوف. ففي الحديث الشريف في
الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام:
قال: «المُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبِ قَدْ مَضَى لاَ يَدْرِي مَا صَنَعَ اللَّهُ فِيهِ وَعُمْرٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ مِنَ
220 المَھَالِكِ فَھُوَ لاَ يُصْبحُ إلاّ خَائِفاً وَلاَ يُصْلِحُهُ إلاّ الخَوْفُ»
.
ونقل الكافي في حديث آخر عن الإمام ـ عليه السلام ـ خطبة عن رسول االله ـ صلّى االله عليه وآله وسلم ـ
بھذا المضمون.
وعلى أي حال يرى الإنسان نفسه في منتھى النقص والتقصير، ويرى الحق في منتھى العظمة والجلال،
وسعة الرحمة والعطاء، ويعيش العبد بين ھاتين النظرتين دائماً في حال متوازية بين الخوف والرجاء. وحيث أن
الأسماء الجلالية والجمالية تتجليان في قلب السالك متعادلة لا يترجح كل من الخوف والرجاء على الآخر.
بعض أن الخوف في بعض الأحيان أنفع للإنسان مثل أيام الصحة والعافية، حتى يجھد الإنسان نفسه 221 وقال
في كسب الكمال والعمل الصالح. وفي بعض الأحيان الرجاء أفضل مثل أيام ظھور علامات الموت، حتى يلاقي
الإنسان الحق المتعالي مع حال مفضلة أكثر عنده سبحانه ـ.
ولكن ھذا الكلام لا يتطابق مع الكلمات السابقة والأحاديث المذكورة، لأن الرجاء المحبوب يدفع الإنسان أيضاً
نحو العمل واكتساب الآخرة، والخوف من الحق سبحانه محبوب لديه ـ عز وجل ـ ولا يتنافى مع الرجاء المؤكد.
218
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء ح 5 وح 11.
219
سورة البقرة، آية: 218.
220
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء ح 5 وح 11.
221
بحار الأنوار، المجلد 70 ،باب الخوف والرجاء ص355.
103
أن الخوف لا يعتبر من الفضائل النفسية والكمالات العقلية في عالم الآخرة وإنما يعدّ من الأمور 222 وقال بعضھم
النافعة في دار الدنيا التي ھي دار العمل، حيث يحرص الإنسان على فعل العبادات وترك المعاصي وينتھي دوره
بعد الخروج من ھذه الدنيا. في حين أن الرجاء لا ينقطع ويستمر حتى في عالم الآخرة. لأن العبد كلما نال رحمة
االله أكثر، ازداد طعمه نحو فضل الحق المتعالي أكثر، لأن خزائن رحمة الحق الجليل لا تتناھى. فالخوف ينقطع
بالموت ويبقى الرجاء حتى إلى ما بعد الموت.
المحدث المحقق المجلسي ـ رحمه االله تعالى ـ «والحق أن العبد ما دام في دار التكليف لا بد له من 223 يقول
الخوف والرجاء وبعد مشاھدة أمور الآخرة يغلب عليه أحدھما لا محالة بحسب ما يشاھده من أحوالھا».
يقول الكاتب: إن ما قيل من غلبة الخوف والرجاء في عالم الآخرة، لا يتلاءم مع ما ذكر من معنى الرجاء. وعلى
فرض صحة الكلام المذكور فھو صحيح بالنسبة إلى المتوسطين حيث يكون خوفھم ورجاؤھم عائدين إلى الثواب
والعقاب.
وأما حال الخواصّ والأولياء فيختلف المر عما ذكروا، لأن الخوف والرجاء الناجمان عن مشاھدة عظمة وجلال
وتجلّي أسماء اللطف والجمال، والحاصلان في القلب لا يزولان بمشاھدة أمور الآخرة. ولا يترجح أحدھما على
الآخر، بل إن آثار الجلال والعظمة وتجليات الجمال واللطف في عالم الآخرة أكثر، فيصبح الخوف الحاصل من عظمة
224 الحق من اللذائذ الروحانية، ولا يتنافى ھذا مع الآية الكريمة (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْھِمْ وَلاَ ھُمْ يَحْزَنُونَ)
.
كما يتبين ذلك بالتمعن في الآية المباركة. وما نقل ـ قبل أسطر ـ من أن الخوف ليس بفضيلة نفسية، ليس ھو
الخوف من الجلال والعظمة، لأن مثل ھذا الخوف يكون كمالاً ومن صفات الكاملين والمكملين. كما أن خوف غيرھم
يكون أكثر. والحمد الله على جماله وجلاله والصَلاة على محمّد وآله.
الحَديث الخَامِس عشَر: البلاء
بِسَنَدِنَا المُتَّصِلِ إلى سُلْطانِ المُحَدِّثينَ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الكُلَيْنيِّ ـ رضوان االله عليه ـ عَنْ عَليِّ بْنِ إبْراھيمَ، عَنْ
أبيهِ، عَنْ ابْنِ مَحْبُوب، عَنْ سَماعَةَ، عَنْ أبي عَبْدِ االلهِ عليه السَّلام قالَ: إنَّ في كِتاب عَليٍّ عليه السَّلام: «إِنَّ أَشَدّ
النّاسِ بَلاءً النَّبِيُّونَ ثُمَّ الوَصِيُّونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ وَإِنَّما يُبْتَلَى المُؤْمِنُ عَلى قَدرِ أَعْمالِهِ الحَسَنَةِ، فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ
وَحَسُنَ عَمَلُهُ، اشْتَدَّ بَلاؤُه وَذلِكَ أنَّ االلهَ تَعالى لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيا ثَواباً لِمُؤْمِنٍ وَلا عُقُوبَةً لِكافِرٍ وَمَنْ سَخُفَ دينُهُ وَضَعُفَ
225 عَقْلُهُ، قَلَّ بَلاؤهُ وَإِنَّ البَلاء أسْرَعُ إِلَى المُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلى قَرارِ الأْرْضِ»
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
 
الاربعون حديث 8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنزالعلوم الاسلامية :: القسم الخامس الخاص بالعرفان والاذكاروالمناجاة اضغط هنا-
انتقل الى: