العرفان العملي
بدايةً لكي نتعرف على أي علم من العلوم ، فمن اللازم التوجه إلى تاريخه ومعرفة التحولات التي مر بها هذا العلم ، وأيضا التعرف على الشخصيات التي حملته وتوارثته أو كان لها الفضل في حفظه وارتقائه ، وكذلك الاطلاع على الكتب الأساسية التي ألفت حول هذا العلم ، وسوف نستعرض في ضمن هذا العنوان مسيرة العرفان الاسلامي التأريخية من حيث كيفية نشأته ، وتطور مراحله ، ومدارسه ، ومذاهبه .
مدخل إلى العرفان:
العرفان ظاهرة واضحة جداً في كل مرحلة من مراحل الحياة الانسانية فكراً وسلوكاً ، يشترك فيها الداني والقاصي والغني والفقير وصاحب الملة السماوية فهو القاسم المشترك بين الأديان السماوية ، وحتى من غير ملة أيضاً كما عند بعض الهنود ، لفطرية الجهة العرفانية في الانسان ، فمنشأ العرفان الأصلي هو الفطرة الانسانية ، كما دلّت عليه قصة بلعم بن باعوره التي حكى عنها القرآن فقد كان أحد عرفاء زمانه ، إلاّ أنه قد وقع في مصائد الشيطان لعدم خلو نفسه تماماً من شوائب الأنانية .
ولا يختص العرفان بدين دون دين آخر، لأن الدين باعتباره نظاماً تشريعياً يبلور حياة معتنقيه ، فهو غير المعرفة التي هي الكشف الحقيقي لواقع النفس لذا قال سيد العارفين الامام علي« العارف من عرف نفسه »[1] . فبين الدين والعرفان عموم خصوص من وجه ، فبعض المتدينين عارف ، وليس كل عارف متدين ، والحال أن الدين طريق واضح يؤدي إلى العرفان ، لأن الدين يهدي إلى الزهد والزهد يهدي إلى عرفان النفس ، والعرفان يهدي إلى حقيقتها ولهذا قال سيد العارفين الامام علي « من عرف نفسه فقد عرف ربه »[2] فإذاً ما به اشتراك الأديان هو العرفان ، وما به تمايزها هو الدين من حيث التشريع . فجهة العرفان متجذرة في حياة الانسان وليست بأمرٍ جديد ابتدعه ، فالعرفان لسان وترجمان القلب ، فهناك عمق اللامتناهي فوق اللايتناهى في الانسان لا يناله إلاّ بكأس العرفان .
مذاهب أهل العرفان:
ينقسم أهل المعرفة إلى قسمين سلبي وآخر إيجابي كما سيتضح :
القسم السلبي:
وهم الذين يجتهدون في احراز آثار النفس الخفية ، وتسخيرها لأمور منافية لأحكام الشريعة كالشعوذة والسحر وتحضير الجن لامور مخزيه ولا شك بكفر هؤلاء ، أو التمظهر بالتقشف والتصوف من أجل الكسب المريح بما يدرّ عليهم من الناس من دون أي عناء وعمل ،لأنهم عبدوا الأثر دون المؤثر وهؤلاء خرجوا عن حقيقة دائرة العرفان بالتخصص دون حاجة لدليل التخصيص .
القسم الايجابي:
وهم المتعمقون في كشف كوامن النفس ، واستخراج أسرارها ومراقبتها من حيث الأوقات والأحوال ، لهدف العروج إلى نقطة الفيض الأزلي والوجود الحقاني ، وكما ورد في المناجاة الشعبانية « اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ، اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً»[3] . وهؤلاء هم أهل المعرفة حقاً لأنهم يصونون الحقيقة بالعلم ، ويتوجهون بشراشر عقولهم ، ولصفاء نفوسهم وسرهم عن الأكدار وشوائب الأنانية ، وأجاد بعضهم في حق العارف حين قال :
قلوب العارفين لها عيـون ترى ما لا يراه الناظرون
وأجنحة تطير بغير ريش إلى ملكوت رب العالمين
[2] – بحارالانوار، ج2، ص 32، ح 23. [3] – مفاتيح الجنان – المناجاة الشعبانية. مراحل العرفان الاسلامي:
مرّ العرفان الاسلامي بعدة مراحل هي مرحلة التكوين ومرحلة التأصيل ومرحلة التجديد وسوف نشرع بايضاح هذه المراحل :
أولاً:(مرحلة التكوين)
مرّ العرفان الاسلامي بمرحلة التكوين بدايةً من عصر النبي وانتهاءاً بعصر أهل بيته الطيبين الطاهرين.
كان الرسول الاكرم أول من وضع لبنة الأساس وشق طريق العرفان في الاسلام حيث كان يتزهد ويتكهف في« غار حراء »[1] قبل البعثة في الجبال ويعتزل الجاهلية بعيداً عن الضوضاء والتلهي بأسواق عالم الكثرة ، كما أفصح عن ذلك عمر بن الخطاب فيما رواه مسلم في صحيحه عنه : ” فقال عمر : خفي علي هذا من أمر النبي () ألهاني الصفق بالأسواق “.[2] وكان النبي لغاية سن الاربعين وهو يتردد على غار حراء مكان الخلوة والعزلة الذي يبعد بنحو ميلين من مكة المكرمة ، ويقيم فيه و يقضى وقته فى العبادة و التفكر فيما حوله من مشاهدة جمال الخالق و فيما وراء هذا الكون من قدرة مبدعة , وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك, ، حتى أصبح هذا المكان هو المنطلق الرسالي بنزول الوحي فيه .
وبعد عصر النبي جاء عصر الائمة الأطهار حيث كانوا هم من يمثلون الامتداد الرسالي المحمدي بدليل حديث الثقلين ، وانتهى تكوين العرفان بانتهاء عصر الائمة الأطهار ، فقد ملئوا الساحة الإسلامية بالأسس ، والاصول والفروع ، والقواعد والفوائد ، والآداب والأدعية العرفانية .
ثانياً:(مرحلة التأصيل)
كان لمرحلة التكوين للعرفان أثرها الكبير في تبوء النواة الصالحة التي انبثقت عنها مدونات العرفان في مرحلة تأصيله ، فبعد أن امتد العرفان من النبي وآله وأيضا الصحابة المنتجبين كأمثال سلمان وأبوذر وعمار وغيرهم والتابعين ومنهم الزهاد نظير أويس القرني[3] وكميل وميثم ورشيد الهجري وغيرهم كثير ، كان ذلك إيذاناً بحركة عرفانية كبرى بلغت حد النضج والأصالة ، وكان طبيعياً أن تتبلور عنها عدة مدارس عرفانية والتي مهدت لظهورها في جميع أنحاء البلاد الاسلامية . مدرسة مكة:
تعتبر مكة المكرمة مركز الرسالة الاسلامية والمنطلق الروحاني والمعراجي ، وقد برزت فيها شخصيات كثيرة على جميع الاصعدة الاسلامية ، ومن هذه الشخصيات برز في الجانب العرفاني والولائي الشهيد سعيد بن جبير ، قال في ترجتمه ابن شهر آشوب فصل في أحوال ( الامام السجاد) وتاريخه : ومن رجاله من التابعين : أبو محمد سعيد بن جبير مولى بني أسد نزيل مكة ، وكان يسمى جهبذ العلماء ويقرأ القرآن في ركعتين قيل : وما على الارض إلا وهو محتاج إلى علمه .
وقال الكشي في ترجمته قال الفضل بن شاذان : ولم يكن في زمن علي بن الحسين عليه السلام في أول أمره إلا خمسة أنفس : سعيد ابن جبير ، سعيد بن المسيب ، محمد بن جبير بن مطعم ، يحيى بن أم الطويل ، أبو خالد الكابلي . . . )[4] . مدرسة المدينة:
تعتبر المدينة المنورة عاصمة الاسلام الاولى ، ومن المدينة ظهر الميول العرفاني الأول والمبكر مباشرة من مصادرها الاساسية المتمثلة في القرآن والسنة والسيرة النبوية ، وظل الأمر على هذا النحو حتى بعد أن انتقلت قاعدة الخلافة من المدينة إلى دمشق زمن الأمويين الذين انغمسوا في الحياة الدنيوية وعمّ الأرض فسادهم .
وفي المدينة نجد شخصيات كثيرة وقد أطلق عليهم أهل الصفة ، وكانوا مشهورين بشدة الزهد والورع ، ومنهم سلمان وأبي ذر وعمار وغيرهم كثير ممكن كان لهم الفضل الكبير في تأصيل العرفان .
مدرسة اليمن:
وفي اليمن أيضا مركز المعارضة لحكومة بني أمية ، من أهم شخصيات العرفان الذين انساقوا في تيار أهل البيت ، أويس القرني[5] ، وطاووس بن كيسان اليمني[6] – ت 105 هـ . مدرسة البصرة:
وأيضاً حاول الحسن البصري[7] – ت 110 هـ – أن يؤسس منهجاً سلوكياً مستمداً من القرآن والسنة ذو طابع نسكي بارز ، وقد ألف كتاباً في السير والسلوك إلى الله بعنوان”رعاية حقوق الله” يمكن أن يعد أول كتاب في العرفان ، وتوجد نسخة وحيدة منه في مكتبة اكسفورد، ويدّعي نيكلسون:”ان أول مسلم كتب طريقة الحياة الصوفية الحقيقة هو الحسن البصري، الطريقة نفسها التي يشرحها المتأخرون للوصول إلى المقامات العالية: الأول التوبة، مثل سلسلة من الأعمال الأخرى.. يجب العمل بها للارتقاء إلى مقام اسمى بكيفية خاصة”، ومن هنا كانت البصرة أيضاً مركزاً لنشر العرفان . مدرسة الكوفة:
ظهر منها قبل عام 150 هـ أحد الشخصيات عُرف بأبي هاشم الكوفي ، وانما يعلم أنه كان شيخ سفيان الثوري المتوفى في 161هـ. وكان سفيان يقول: لو لم يكن أبو هاشم لم أكن أعرف رموز الرياء .
مدرسة خراسان:
كان رائدا هذه المدرسة هما : أبو اسحق ابراهيم بن ادهم[8] في مدينة بلخ ، والفضيل بن عياض وهو من أهل مرو ، ويعتبر ابراهيم بن ادهم المؤسس الذي مهد الطريق لمدرسة خراسان ، حيث أصبحت بلخ مقر تلك المدرسة ، واما بالنسبة للفضيل بن عياض فقد دام تأثيره في خراسان لفترة قصيرة لأن تلميذه بشر الحافي غادر مرو إلى بغداد حيث استقر به المقام وتوفى هناك . وحياة ابن ادهم فكانت زاخرة بالأفعال والأقوال الروحية التي أصبحت بعد ذلك أساساً لأهم النظريات العرفانية ، فقد عرف بأنه ولي وأنه استطاع أن يلم بأسرار « الاسم الأعظم » كما يحكى عنه أنه قد ألتقى بالشخصية الباطنية العجيبة في العرفان المعروفة باسم « الخضر» .
مدرسة مصر:
أهم وأشهر شخصية عرفت في مصر هي شخصية ذي النون المصري[9] ، وقد بدأت تلك المدرسة تعاليمها على يده ، وكان له عدة اساتذة أخذ عنهم العلم وهم سعد الدين المصري و اسرافيل وفاطمة النيسابورية[10] .
وقد عرفت المدرسة بفضله واحتلت مكاناً مرموقاً في تاريخ العرفان ، وقد اجتمع به عدة من الشخصيات العرفانية وكان منهم بشر الحافي والسري السقطي ومعروف الكرخي ، وهذه الاتصالات مما أدت إلى توسعه في المباحث العلمية والسلوك العملي . ولقد عمّ تأثير مدرسة مصر النصف الغربي من العالم الاسلامي حيث أن ذا النون اعتاد أن يقوم برحلات لسورية المشتملة على عدة بلدان منها فلسطين ودمشق وانطاكيا ، وأيضاً توجه إلى اليمن وبغداد وشمال أفريقيا .
مدرسة نيسابور:
ظهرت هذه المدرسة في القرن الثالث الهجري حيث انتقل مركز العرفان من بلخ أقدم مركز للعرفان في خراسان إلى نيسابور ، ولم تكن مدرسة نيسابور منقطعة الصلة بمدرسة بلخ ومدرسة بغداد بل كانت على صلة بهما عن طريق الزيارة والتلمذة والصحبة.
ومن أشهر رجالاتها أبو حفص الحداد – ت 270 هـ – وحمدون القصار – ت 271هـ – وعرفت مدرستهم بنظرية الفتوة .
مدرسة الشام:
أشهر رجال هذه المدرسة وأقدمهم هو أبو سليمان الداراني[11] – ت 215 هـ – وتلميذه أحمد بن أبي الحواري – ت 230 هـ – وأحمد بن الجلاء الذي ينتمي إلى الشام بالاقامة وهو من أصل بغدادي ، وهم أصحاب نظريات ويلمس من بعض أقوالهم أثراً لنظريات ذي النون المصري . مدرسة بغداد:
أما بالنسبة لمدرسة بغداد فإنها ضمت أكثر المشاهير في العرفان كمعروف الكرخي الذي أسلم على يد الامام الرضا وأخذ من الامام ع العلم واستفاد منه كثيرا .
وبشر الحافي من مشاهير هذه المدرسة ، وكان من أهل بغداد، وآباؤه من أهل (مرو). كان من مشاهير العرفاء. وقد نقل العلامة الحلي في كتابه (منهاج الكرامة) قصة تدل على توبته على يد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وكان حافياً فعرف بالحافي، توفي في عام 226 أو 227هـ. ، وقد تتلمذ على يديه سري السقطي وكان السقطي استاذاً لجنيد البغدادي الملقب بسيد الطائفة وكان الجنيد استاذاً للحارث المحاسبي المتوفى سنة 243هـ .
ثالثاً:(مرحلة التجديد)
ازدهر العرفان نظرياً واتسعت رقعته وزادت شيوعاً فيما بين القرن السادس والسابع حيث ارتقى إلى ذروة المباحث العميقة وأخذ طابعاً فلسفياً واسعاً ، وكان محي الدين بن عربي الطائي[12] من أبرز شخصيات التجديد ، فكان له الدور الكبير والفضل في ابراز النظريات العرفانية وتحقيقها تحقيقاً فلسفياً دقيقاً ومطولاً ، وإلى زمن القرون المتأخرة برزت أيضاً شخصيات عرفانية فذة كالعارف العلامة سيد حيدر الآملي ، والسيد الداماد ، والملا صدرا ، والمولى السبزواري ، والفيض الكاشاني ، والسيد بحر العلوم ، والميرزا الملكي التبريزي ، والمولى الهمداني ، والقاضي الطباطبائي وتلميذه المفسر الكبير صاحب الميزان ، والقاضي القمي ، والشاه آبادي ، والاشتياني ، والسيد الطهراني ، والسيد الحداد وغيرهم كثير وانتهاءاً بالمجدد وعارف العصر الامام الخميني قدس الله أسرارهم . [1] – غار حراء يقع في أعلى جبل حراء أو كما يسمى “جبل النور” أو “جبل الإسلام” وقد سمي ذلك لنزول نور الدعوة الإسلامية فيه لأول مرة. وجبل حراء يقع شرق مكة المكرمة على يسار الذاهب الى عرفات، وارتفاعه 634متر. يبعد جبل حراء تقريباً مسافة أربعة كيلومترات عن الحرم الشريف.وغار حراء هو عبارة عن فجوة في الجبل، بابها نحو الشمال، طولها أربعة أذرع وعرضها ذراع وثلاثة أربعاع ويمكن لخمسة أشخاص فقط الجلوس فيها في آن واحد. والداخل لغار حراء يكون متجهاً نحو الكعبة المشرفة كما ويمكن للواقف على الجبل أن يرى مكة وابنيتها. [2] – صحيح مسلم – ج3 ص1695 [3] – راجع ترجمته في معجم رجال الحديث للامام الخوئي تحت رقم 1580 . [4] – معجم رجال الحديث – السيد الخوئي ج 9 ص 118. [6] – انظر ترجمته في معجم رجال الحديث للامام الخوئي تحت رقم 5994 . [7] – انظر ترجمته في معجم رجال الحديث للامام الخوئي تحت رقم 2672 . [8] – انظر ترجمته في كتاب أصحاب الامام الصادق (ع) – عبد الحسين الشبستري ج 1 ص 32 تحت رقم 23. [9] – الكنى والالقاب – الشيخ عباس القمي ج 2 ص 258 : ( ذوالنون ) أبو الفيض ثوبان بفتح المثلثة ابن ابراهيم المصري العارف المتصوف المعروف احد رجال الطريقة ، اصله من النوبة وكان من قرية من قرى صعيد مصر يقال لها اخميم فنزل مصر . وكان فصيحا زاهدا . [10]– النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – جمال الدين أبو المحاسن ص 35 : سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وفيها توفيت فاطمة النيسابورية الزاهدة جاورت بمكة مدة وكانت تتكلم في معاني القرآن قال ذو النون المصري: فاطمة ولية الله وهي أستاذتي. [11] – منازل الآخرة والمطالب الفاخرة- الشيخ عباس القمي ص 221 : قال المؤلف رحمه الله تعالى في الحاشية ( أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن عطية الزاهد المعروف توفي في ( داريا ) من قرى ( دمشق ) وقبره هناك معروف وأحمد أبي الجواري من أصحابه – كذا في معجم البلدان ) . [12] – انظر ترجمته في كتاب العرفان للأستاذ الشهيد مرتضى المطهري ص 73 . (العرفان عبر القرون الهجرية)
نقلاً عن كتاب العرفان والاسلام للشهيد الاستاذ مرتضى المطهري:
القرن الأول:
من المسلم به أنه لم يكن في صدر، ولا في القرن الأول جماعة يعرفون بالعرفان أو التصوف بين المسلمين، وانما نجد اسم “الصوفي” في القرن الثاني الهجري، قيل: أن أول من دعي بهذا اللقب ابو هاشم الكوفي الصوفي في القرن الثاني، وهو أول من بنى “الخانقاه” في رملة فلسطين لعبادة جماعة من العباد والزهاد المسلمين وأبو هاشم من شيوخ سفيان الثوري المتوفى في سنة 161هـ ولا يعلم تاريخ وفاة أبي هاشم بالضبط.
ولا علم لنا متى اطلق هؤلاء على أنفسهم لقب العرفاء أيضاً، والقدر المسلم به ـ كما يفهم من كلمات السري السقطي المتوفى في 243هـ ـ أن مصطلح العرفان كان شائعاً في القرن الثالث الهجري، وفي كتاب “اللمع” لابن نصر سراج الطوسي، الذي يعد من الكتب المهمة في العرفان والتصوف نقل عبارة عن سفيان الثوري تفيد ان هذا المصطلح ظهر في حدود منتصف القرن الثاني الهجري (اللمع ص427).
وعلى أي حال، فلم يكن هناك جماعة في القرن الأول الهجري يعرفون بلقب الصوفية، وانما ظهر هذا اللقب في القرن الثاني والظاهر أن ظهور هؤلاء على شكل جماعة خاصة كان كذلك في هذا العهد، لا القرن الثالث كما يقول بعض المؤلفين.
ولكن عدم وجود جماعة خاصة في القرن الأول الهجري يعرفون باسم العرفاء أو الصوفية أو أي اسم آخر، لا يدل على أن خيار الصحابة كانوا أناساً زاهدين عابدين مؤمنين ايماناً فطرياً بسيطاً فاقدين للحياة المعنوية (كما يدعي ذلك الغربيون والمغتربون) ولعل بعض خيار الصحابة لم يكن لهم سوى الزهد والعبادة، إلاّ أن جماعة منهم كانوا يتمتعون بحياة معنوية قوية، وأولئك أيضاً لم يكونوا في درجة واحدة حتى ان سلمان وأبا ذر لم يكونا في درجة واحدة من الايمان، فقد كان لسلمان صدر مشروح بالايمان لم يكن ليطيقه أبو ذر، ولذلك جاء في أحاديث متعددة ما معناه: “لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله” (سفينة البحار).
والآن نعرض طبقات العرفاء والصوفية من القرن الثاني حتى العاشر الهجري:
القرن الثاني:
ألف ـ الحسن البصري، يبدأ تاريخ العرفان المصطلح ـ كالكلام ـ من الحسن البصري المتوفى في 110هـ ولد الحسن البصري سنة 22هـ وعاش ثمانية وثمانين عاماً وصرف تسعة أعشار عمره في القرن الأول من الهجرة، لم يعرف الحسن البصري بالصوفي، وانما يعد من الصوفية لانه :
أولاً: ألّف كتاباً باسم “رعاية حقوق الله” يمكن أن يعد أول كتاب في التصوف، وتوجد نسخة وحيدة منه في مكتبة اكسفورد، ويدعي نيكلسون:
“ان أول مسلم كتب طريقة الحياة الصوفية الحقيقة هو الحسن البصري، الطريقة نفسها التي يشرحها المتأخرون للوصول إلى المقامات العالية: الأول التوبة، مثل سلسلة من الأعمال الأخرى.. يجب العمل بها للارتقاء إلى مقام اسمى بكيفية خاصة”.
ثانياً: العرفاء أنفسهم ينهون بعض مشيخة طرائقهم إلى الحسن البصري ومنه إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، مثل سلسله مشايخ أبي سعيد ابي الخير وينهي ابن النديم في الفهرست في الفن الخامس من المقالة الخامسة، سلسلة أبي محمد جعفر الخلدي إلى الحسن البصري، ويقول: أدرك البصري سبعين رجلاً من أصحاب بدر.
ثالثاً: وتفيد بعض الحكايات المنقولة، ان الحسن البصري كان من جماعة أو فرقة عرفت فيما بعد باسم المتصوفة وكان الحسن البصري من الموالي المولدين الإيرانيين.
ب ـ مالك بن دينار، كان من أهل البصرة ممن أفرط في الزهد وترك اللذات، وقد نقلت عنه حكايات وقصص، توفي في سنة 131هـ.
ج ـ ابراهيم الأدهم، كان من أهل بلخ، له قصة معروفة، مثل قصة بوذا، قيل أنه كان ملكاً على بلخ وحدثت أمور تاب على أثرها ودخل في أهل التصوف، يعتم به العرفاء كثيراً ووردت عنه قصة جميلة في ديوان المولوي المثنوي، توفي في 161هـ.
د ـ رابعة العدوية، كانت من أهل البصرة أو مصر، وهي من أعاجيب العالم، وسميت رابعة لكونها رابعة بنات اسرتها، وهي غير رابعة الشامية التي هي أيضاً من العرفاء ومعاصرة للجامي في القرن التاسع الهجري.
لرابعة العدوية كلمات سامية وأبيات عرفانية وحالات عجيبة. ولها قصة جملية في عيادة الحسن البصري، ومالك بن دينار ورجل آخر لها في مرضها، توفيت في عام 135 أو 136 وقيل توفيت في 180 أو 185هـ.
هـ ـ أبو هاشم الصوفي الكوفي، كان من أهل الشام، ولد وعاش بها، ولا يعلم تاريخ وفاته، وانما يعلم أنه كان شيخ سفيان الثوري المتوفى في 161هـ. وكان سفيان يقول: لو لم يكن أبو هاشم لم أكن أعرف رموز الرياء!.
وـ شقيق البلخي، كان من تلامذة ابراهيم الأدهم، وقد نقل علي بن عيسى الأربلي في كتابه “كشف الغمة” والشبلنجي في “نور الأبصار”: أنه لاقى الإمام موسى بن جعفر ونقل عنه بعض الكرامات، توفى في سنة 153أو 174أو 184هـ’.
زـ معروف الكرخي، كان من كرخ بغداد، واسم أبيه “فيروز” ومن هنا يظن أنه من أصل إيراني، كان من مشاهير العرفاء، قيل أن ابويه كانا مسيحيين وأسلم هو على يد الامام الرضا، واستفاد منه معلومات قيمة، وينتهي كثير من مشايخ طرق العرفاء ـ كما يدعون ـ إلى معروف الكرخي ومنه إلى الامام الرضا ومنه إلى الأئمة السابقين حتى رسول الله ، ولهذا تسمى هذه المشايخ (بسلسلة الذهب) أو (الذهبيين) توفي في 200أو 206هـ.
ط ـ فضيل بن عياض، كان (من أهل مرو) إيرانياً من أصل عربي، قيل كان في بداية أمره سارقاً وقاطع طريق، وتسلق ليلة دار رجل قائم الليل يتلو القرآن فسمع آية تاب على أثرها، إليه ينسب كتاب (مصباح الشريعة) وقيل تلقى دروسه من الإمام الصادق، مات فضيل في سنة 187هـ.
القرن الثالث:
الف ـ با يزيد البسطامي (طيفور بن عيسى) من أكابر العرفاء من أهل بلدة بسطام، هو أول من تكلم عن الفناء في الله والبقاء بالله (!) كان يقول: خرجت من كوني با يزيد كما يزيد كما تخرج الحية من جلدتها! وله شطحات أوجبت تكفيره(؟) ويسميه العرفاء من أصحاب “السكر” (!) أي كان يتكلم بما يقول وهو كالسكران (!) مات عام 261هـ قيل انه كان يسقي الماء في دار الامام الصادق ، وهذا لا يتفق مع التاريخ الثابت، إذ لم يدرك با يزيد عصر الإمام الصادق.
ب ـ بشر الحافي، كان من أهل بغداد، وآباؤه من أهل (مرو). كان من مشاهير العرفاء. كان في بداية أمره من أهل الفسق والفجور ثم تاب. وقد نقل العلامة الحلي في كتابه (منهاج الكرامة) قصة تدل على توبته على يد الإمام موسى بن جعفر، وكان حافياً فعرف بالحافي، توفي في عام 226 أو 227هـ.
ج ـ سري السقطي، كان من أهل بغداد، ولا يعرف أصله، وكان من أحباء بشر وأصدقائه، ومن أهل الايثار والشفقة على الناس، ونقل ابن خلكان في (وفيات الأعيان) عنه أن كان يقول: لا زلت استغفر الله سنة من قولي: الحمد لله. قالوا: كيف ذلك؟ قال: احترق السوق ليلة فخرجت لارى هل وصلت النار إلى حانوتي فقيل لي: لا، قلت: الحمد لله، ثم انتبهت إلى أنه حتى لو لم تبلغ النار إلى حانوتي أفلا يجب عليّ أن اهتم بشؤون المسلمين؟!.
كان السري من تلامذة معروف الكرخي، وكان شيخ الجنيد وخاله، وله كلمات كثيرة في التوحيد والحب الإلهي وغيرهما، وهو الذي يقول: العارف كالشمس يشرق على جميع العالم، وكالأرض تحمل البر والفاجر، وكالماء منه كل شيء حي، وكالنار يضيء لجميع الناس، توفي في 245أو 250هـ.
د ـ الحارث المحاسبي، بصريّ الأصل، من أحباء وأصدقاء وأصحاب الجنيد ولذلك لقب بالمحاسبي كناية عن اهتمامه بالمحاسبة والمراقبة، كان معاصراً لأحمد بن حنبل ولعداوة أحمد بن حنبل مع أهل الكلام، طرد الحارث لدخوله في الكلام، وهذا مما سبب اعراض الناس عنه، مات عام 243هـ.
هـ ـ الجنيد البغدادي، كان أصله من نهاوند، ويدعوه العرفاء والصوفية بلقب “سيد الطائفة” كما يلقب الشيعة الشيخ الطوسي “شيخ الطائفة” يعد عارفاً معتدلاً حيث لم يسمع منه ما كان يسمع من غيره من الشطحات، ولم يلبس ملابس الصوفية، وكان يتزيّا بزي العلماء والفقهاء، قيل له: البس “الخرقة”: (ملابس الصوفية) لرضا الأصحاب، قال: لو كنت اعلم ان اللباس يصنع شيئاً لصنعت لنفسي ملابس من حديد! ولكن الحقيقة تقول: ليس الاعتبار بالخرقة انما الاعتبار بالحرقة”: ( حرقة القلب) كان الجنيد ابن أخت وتلميذ السري السقطي، وكذلك الحارث المحاسبي قيل مات 297 وعمره تسعون عاماً.
وـ ذو النون المصري، كان من أهل مصر، وكان في الفقه تلميذ بن انس الفقيه المعروف، لقبه الجامي: برئيس الصوفية، وهو أول من استعمل الرموز مصطلحات للمسائل العرفانية، كي لا يفهمها إلاّ من كان من أهلها ووارداً ولا يفهم شيئاً منها من لم يردها من بابها، وتدرج هذا العمل بعده واستعملت المعاني العرفانية في ثوب الغرام والغزل. ويرى بعضهم أن تعاليم الفلسفة الافلاطونية الحديثة دخلت العرفان على يد ذي النون المصري (330) توفي فيما بين سني 240-250هـ.
زـ سهل بن عبد الله التستري، كان من أكابر العرفاء والصوفية، اصله من شوشتر، وإليه تنسب فرقة من العرفاء الذين يرون الأصل “جهاد النفس” فتدعى باسم “السَهْلية”. لاقى ذا النون المصري في مكة مكرمة، وتوفي في 283 أو 263هـ.
ح ـ حسين بن منصور الحلاج، كان من أهل (البيضاء) من توابع شيراز ترعرع في العراق. هو أكثر العرفاء ضجيجاً وصخباً، إذ كانت له شطحات كثيرة، حتى أتهم بالكفر والارتداد وادعاء الربوبية فكفره الفقهاء، وصلب على عهد المقتدر بالله العباسي، واتهمه العرفاء أنفسهم ـ بإفشاء الأسرار.
ويعده بعضهم من المشعوذين، ويبريه العرفاء ويقولون: ان كلماته وكلمات با يزيد التي يستشم منها رائحة الالحاد صدرت عنهم في حالة سكر وغيبوبة صوفية عرفانية(!) ويعده العرفاء في الشهداء. صلب عام 306أو 309هـ.
القرن الرابع:
الف ـ أبو بكر الشلبي، كان من مريدي وتلامذة الجنيد البغدادي، وقد أدرك الحلاج، ونقلت عنه في كتاب (روضات الجنات) وسائر كتب التراجم، اشعار وكلمات عرفانية كثيرة، وقال الخواجة عبد الله الأنصاري: أول من تكلم بالرموز والكناية والاشارة ذو النون المصري، ولما جاء الجنيد رتب هذا العلم وبسطه والّف كتباً فيه، ولما جاء دوةر الشبلي صعد بهذا العلم إلى أعلى المنابر (!) مات الشبلي بين سني 334ـ344 وعمره 87عاماً.
ب ـ أبو علي الرودباري، كان ينتسب إلى انوشيروان من عنصر ساساني، وهو من ميريدي الجنيد وتعلم الأدب من ثعلب والفقه من ابي العباس بن شريح، ولذلك عدّ جامعاً للشريعة والطريقة والحقيقة. مات سنة 322هـ.
ج ـ أبو نصر السراج الطوسي، صاحب الكتاب المعروف “اللمع” وهو من المتون الاصيلة والقديمة والمعتبرة العرفانية والصوفية، مات في طوس سنة 378هـ، وكثير من مشايخ الطريقة من تلامذته المباشرين او غير المباشرين .
د ـ أبو الفضل السرخسي، كان من أهل خراسان وهو تلميذ ومريد أبي نصر السراج واستاذ أبي سعيد أبي الخير العارف المعروف الشهير، مات عام 400هـ.
هـ ـ أبو علي الرودباري، هو ابن أخت أبي علي الرودباري، وهو من عرفاء الشام، مات عام 369هـ.
وـ أبو طالب المكي، أكثر شهرته بكتابه الذي ألّفه في العرفان والتصوف باسم “قوت القلوب” وهو مطبوع موجود، ويعد من المتون الأصيلة والقديمة العرفانية والصوفية، أصله من بلاد الجبل من إيران، عرف بالمكي لمجاورته سنين مكة المكرمة، مات عام 385أو 386هـ.
القرن الخامس:
ألف ـ الشيخ أبو الحسن الخرقاني، أحد مشاهير العرفاء، وتنسب إليه قصص عجيبة، منها ادعاؤه أنه ذهب إلى قبر با يزيد البسطامي واتصل بروحه وحل بعضه مشاكله.
ب ـ أبو سعيد أبو الخير النيسابوري، من أشهر العرفاء وأكثرهم عرفانية، له رباعيات جميلة، سُئل: ما هو التصوف؟ قال: “ان تدع ما في فكرك، وان تعطي ما في يدك، وان تندفع بما يأتي عليك” التقى بأبن سينا، حضر ابن سينا يوماً مجلس وعظه، وكان أبو سعيد يتكلم في ضرورة العمل وآثار الطاعة والمعصية.
ج ـ أبو علي الدقاق النيسابوري، جامع الشريعة والطريقة، والواعظ والمفسر المعروف، لقب بالشيخ النائح لكثرة نوحه وبكائه في مناجاته، ومات عام 405أو 412هـ.
د ـ أبو الحسن علي بن عثمان الهجويري الغزنوي، صاحب كتاب (كشف المحجوب) من الكتب المعروفة في هذه الفرقة مات عام 470هـ.
هـ ـ الخواجه عبد الله الأنصاري، من نسل أبي أيوب الأنصاري الصحابي المعروف، هو من أشهر واعبد العرفاء، له كلمات قصار ومناجات ورباعيات جميلة مهيجة، شهرته في الأكثر بها، من كلماته: “حقير في الصغر، وسكران في الشباب، وضعيف في الشيخوخة، فمتى تعبد الله” ومن كلماته: “جزاء السيئة بالسيئة عمل الكلاب، وجزاء الاحسان بالاحسان عمل الحمير، وجزاء السيئة بالحسنة هو الذي ينبغي أن يكون من عمل الخواجة الأنصاري”.
ولد في هرات وتوفي ودفن بها سنة 481هـ ولذلك عرف بشيخ هرات، له كتب كثيرة، اشهرها وأكمل كتب العرفان الذي كان يدرس في هذا الفن هو كتاب “منازل السائرين” وكتبت عليه شروح كثيرة أيضاً.
وـ الامام أبو حامد محمد الغزالي الطوسي، من اشهر علماء المنقول ورئيس المدرسة النظامية ببغداد، وكان يشغل اسمى منصب ديني على عهده بها، ولكنه أحس ان العلوم والمناصب لم تشبع روحه، فاختفى واشتغل بتهذيب نفسه وتصفيتها عشر سنين في بيت المقدس بعيداً عن عيون الناس، واتجه نحو العرفان، والتصوف، ثم لم يقبل أي منصب حتى آخر عمره، ألّف كتابه الكبير “احياء علوم الدين” بعد رياضاته،ومات في طوس وطنه الأصلي عام 505هـ.
القرن السادس:
ألف ـ عين القضاة الهمداني، أشهر العرفاء، مريد أحمد الغزالي وهو أخو محمد الغزالي، ألّف كتباً كثيرة، وله أشعار رائعة لا تخلو من الشطحات، ولذلك كفره الفقهاء، فقتل واحرق جسده وذر رماده في الهواء، قتل في حدود 525 ـ533هـ.
ب ـ سنائي الغزنوي، الشاعر المعروف، له شعر عرفاني عميق، أتى ببعض افكاره المولوي المثنوي وشرحها، مات في النصف الأول من القرن السادس.
ج ـ أحمد الجامي، المعروف به (ژنده بيل) من مشاهير العرفاء والمتصوفة، قبره في مدينة (تربت جام) قرب حدود إيران وافغانستان، له شعر في الخوف والرجاء يقول ما معناه: “لا تغتر فكم من مراكب الرجال قد انقطع عن الطريق،ولا تيأس، فان الأذكياء قد وصلوا المنزل بحداء”. وقال في رعاية الاعتدال في الانفاق والامساك.
“لا تكن بالفأس فلا تقطع لنفسك دائماً… ولا تكن كالمبرد بلا منفعة لنفسك، وتعلم من المناشير، فجر شيئاً لنفسك واعط منه شيئاً”.
د ـ عبد القادر الجيلاني،ولد في شمال إيران ونما وترعرع في بغداد ودفن بها، واعتقد بعضهم أنه من أهل “جيل” لاجيلان معرب “گيلان” كان من الشخصيات الصاخبة في عالم الإسلام. إليه تنسب سلسلة (القادرية) من سلاسل الصوفية، قبره ببغداد معروف مشهور، وقد نقل عنه كلام ودعاوي كبيرة مفرطة، اصله من السادة الحسنيين، مات عام 560أو 561هـ.
هـ ـ الشيخ روزبهان البقلي الشيرازي المعروف بالشيخ الشطاح، لكثرة شطحاته، طبع بعض كتبه ونشر من قبل المستشرقين، مات عام 606هـ.
القرن السابع:
ربى هذا القرن عرفاء عظماء، نذكرهم حسب توالي تواريخ وفاتهم.
ألف ـ الشيخ نجم الدين كبرا الخوارزمي، من مشاهير وأكابر العرفاء، وإليه ينتهي كثير من مشايخ الطرق الصوفية، تلميذ ومريد صهر الشيخ روزبهان البقلي الشيرازي، له تلامذة كثيرون متربون على يده، منهم بهاء الدين الولد، والد المولى المولوي الرومي، عاش في خوارزم على عهد المغول، ولما أراد المغول أن يهجموا على خوارزم ارسلوا إليه: بامكانكم أن تخرجوا من البلد وتنجوا بأنفسكم، فأجاب نجم الدين كنت في الرخاء فيهم واليوم لا أفارقهم في العسر والشدة، ولبس لامته للحرب وجاهد مع الناس حتى قتل شهيداً، سنة 616هـ.
ب ـ الشيخ فريد الدين العطار النيسابوري، كان من أكابر الدرجة الأولى من العرفاء، له كتب ودواوين شعر، ويعتبر كتابه (تذكرة الأولياء) في ترجمة العرفاء والصوفية ويبدأ بذكر خبر عن الامام الصادق، ويختم بخبر آخر عن الامام الباقر، يعتبر هذا الكتاب من المصادر المعتبرة، ويوليه المستشرقون أهمية وافرة، وكذلك كتابه الآخر (منطق الطير) كتاب مهم في العرفان.
كان العطار معاصراً لفتنة المغول، ومات فيها، بل قيل أنه قتل فيها في عام 626أو 228هـ.
ج ـ الشيخ شهاب الدين السهروردي الزنجاني، صاحب الكتاب المعروف “عوارف المعارف” من المتون الجيدة في العرفان والتصوف ينتهي نسبه إلى أبي بكر، كان يزور مكة والمدينة كل سنة، له مع عبد القادر الجيلاني لقاء وصحبة، ومن مريديه الشيخ سعدي الشيرازي، وكمال الدين اسماعيل الاصفهاني الشاعر المعروف، ويقول سعدي بشأنه:
“قال لي مرشدي الشيخ العالم (شهاب) حكمتين احداهما: أن لا أحسن الظن بنفسي، والاخرى: أن لا أسيء الظن بالناس”.
وهذا السهروردي غير السهروردي الفيلسوف المعروف بشيخ الاشراق، المقتول بحلب سنة 581 ـ590 مات السهروردي العارف حدود عام 632هـ.
د ـ ابن الفارض المصري، كان من العرفاء من الطراز الأول، وله شعر عرفاني عربي في نهاية الظرافة، وقد طبع ديوانه مراراً وشرح شعره كثير من العرفاء، منهم عبد الرحمن الجامي العارف المعروف في القرن التاسع، ويقاس شعره العرفاني في العربية بشعر الحافظ الشيرازي في الفارسية. قال له محي الدين العربي: اشرح أشعارك، قال: كتابك (الفتوحات المكية) شرح لاشعاري. كانت له حالات غير اعتيادية، فكان غالباً في حالة (الجذبة والخلسة) وقد نظم أكثر شعره في تلك الأحوال، مات ابن الفارض سنة 632هـ.