الباب الأول
مباحث الألفاظ
الحاجة إلى مباحث الألفاظ:
لا شك ان المنطقي لا يتعلق غرضه الأصلي إلاّ بنفس المعاني، ولكنه لا يستغني عن البحث عن أحوال الألفاظ توصلاً إلى المعاني، لأنه من الواضح أن التفاهم مع الناس ونقل الأفكار بينهم لا يكون غالباً إلاّ بتوسط لغة من اللغات. والألفاظ قد يقع فيها التغيير والخلط فلا يتم التفاهم بها. فاحتاج المنطقي إلى أن يبحث عن أحوال اللفظ من جهة عامة، ومن غير اختصاص بلغة من اللغات، اتماماً للتفاهم، ليزن كلامه وكلام غيره بمقياس صحيح.
وقلنا: (من جهة عامة)، لأن المنطق علم لا يختص بأهل لغة خاصة، وإن كان قد يحتاج إلى البحث عما يختص باللغة التي يستعملها المنطقي فيما قل: كالبحث عن دلالة لام التعريف - في لغة العرب - على الاستغراق، وعن كان وأخواتها في انها من الأدوات والحروف، وعن أدوات العموم والسلب... وما إلى ذلك. ولكنه قد يستغني عن ادخالها في المنطق اعتماداً على علوم اللغة.
هذه حاجته من أجل التفاهم مع غيره. وللمنطقي حاجة أخرى() إلى مباحث الألفاظ من أجل نفسه، هي أعظم وأشد من حاجته الأولى، بل لعلها هي السبب الحقيقي لادخال هذه الأبحاث في المنطق.
ونستعين على توضيح مقصودنا بذكر تمهيد نافع، ثم نذكر وجه حاجة الانسان في نفسه إلى معرفة مباحث الألفاظ نتيجة للتمهيد، فنقول.
(التمهيد) - ان للأشياء أربعة وجودات: وجودان حقيقيان ووجودان اعتباريان جعليان:
الأول - (الوجود الخارجي)، كوجودك ووجود الأشياء التي حولك ونحوها، من أفراد الانسان والحيوان والشجر والحجر والشمس والقمر والنجوم، إلى غير ذلك من الوجودات الخارجية التي لا حصر لها.
الثاني - (الوجود الذهني)، وهو علمنا بالأشياء الخارجية وغيرها من المفاهيم. وقد قلنا سابقاً: ان للانسان قوة تنطبع فيها صور الأشياء. وهذه القوة تسمى الذهن. والانطباع فيها يسمى الوجود الذهني الذي هو العلم.
وهذان الوجودان هما الوجودان الحقيقيان. لأنهما ليسا بوضع واضع ولا باعتبار معتبر.
الثالث - (الوجود اللفظي). بيانه: ان الانسان لما كان اجتماعياً بالطبع ومضطراً للتعامل والتفاهم مع باقي أفراد نوعه، فانه محتاج إلى نقل أفكاره إلى الغير وفهم أفكار الغير. والطريقة الأولية للتفهيم هي أن يحضر الأشياء الخارجية بنفسها، ليحس بها الغير باحدى الحواس فيدركها. ولكن هذه الطريقة من التفهيم تكلفه كثيراً من العناء، على أنها لا تفي بتفهيم أكثر الأشياء والمعاني، إما لأنها ليست من الموجودات الخارجية أو لأنها لا يمكن احضارها.
فألهم الله تعالى الانسان طريقة سهلة سريعة في التفهيم، بأن منحه قوة على الكلام والنطق بتقاطيع الحروف ليؤلف منها الألفاظ. وبمرور الزمن دعت الانسان الحاجة - وهي أم الاختراع - إلى أن يضع لكل معنى يعرفه ويحتاج إلى التفاهم عنه لفظاً خاصاً. ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من احضارها بنفسها.
ولأجل أن تثبت في ذهنك أيها الطالب هذه العبارة أكررها لك: (ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من احضارها بنفسها). فتأملها جيداً، واعرف ان هذا الاحضار انما يتمكن الانسان منه بسبب قوة ارتباط اللفظ بالمعنى وعلاقته به في الذهن. وهذا الارتباط القوي ينشأ من العلم بالوضع وكثرة الاستعمال. فاذا حصل هذا الارتباط القوي لدى الذهن يصبح اللفظ عنده كأنه المعنى والمعنى كأنه اللفظ أي يصبحان عنده كشيء واحد، فإذا أحضر المتكلم اللفظ فكأنما أحضر المعنى بنفسه للسامع، فلا يكون فرق لديه بين أن يحضر خارجاً نفس المعنى وبين أن يحضر لفظه الموضوع له، فان السامع في كلا الحالين ينتقل ذهنه إلى المعنى. ولذا قد ينتقل السامع إلى المعنى ويغفل عن اللفظ وخواصه كأنه لم يسمعه مع أنه لم ينتقل إليه إلا بتوسط سماع اللفظ.
وزبدة المخض ان هذا الارتباط يجعل اللفظ والمعنى كشيء واحد، فإذا وجد اللفظ فكأنما وجد المعنى. فلذا نقول: «وجود اللفظ وجود المعنى». ولكنه وجود لفظي للمعنى، أي ان الموجود حقيقة هو اللفظ لا غير، وينسب وجوده إلى المعنى مجازاً، بسبب هذا الارتباط الناشئ من الوضع. والشاهد على هذا الارتباط والاتحاد انتقال القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ وبالعكس: فإن اسم المحبوب من أعذب الألفاظ عند المحب، وإن كان في نفسه لفظاً وحشياً ينفر منه السمع واللسان. واسم العدو من أسمج الألفاظ وإن كان في نفسه لفظاًمستملحاً. وكلما زاد هذا الارتباط زاد الانتقال، ولذا نرى اختلاف القبح في الألفاظ المعبر بها عن المعانى القبيحة، نحو التعابير عن عورة الانسان، فكثير الاستعمال أقبح من قليله. والكناية أقل قبحاً. بل قد لا يكون فيها قبح كما كنى القرآن الكريم بالفروج.
وكذا رصانة التعبير وعذوبته يعطي جمالاً في المعنى لا نجده في التعبير الركيك الجافي، فيضفي جمال اللفظ على المعنى جمالاً وعذوبة.
الرابع - (الوجود الكتبي). شرحه: ان الألفاظ وحدها لا تكفي للقيام بحاجات الانسان كلها، لأنها تختص بالمشافهين. أما الغائبون والذين سيوجدون، فلابد لهم من وسيلة أخرى لتفهيمهم، فالتجأ الانسان أن يصنع النقوش الخطية لاحضار ألفاظه الدالة على المعاني، بدلاً من النطق بها، فكان الخط وجوداً للفظ. وقد سبق أن قلنا: أن اللفظ وجود للمعنى، فلذا نقول: «ان وجود الخط وجود للفظ ووجود للمعنى تبعاً». ولكنه وجود كتبي للفظ والمعنى، أي أن الموجود حقيقة هو الكتابة لا غير، وينسب الوجود إلى اللفظ والمعنى مجازاً بسبب الوضع، كما ينسب وجود اللفظ إلى المعنى مجازاً بسبب الوضع.
إذن الكتابة تحضر الألفاظ، والألفاظ تحضر المعاني في الذهن، والمعاني الذهنية تدل على الموجودات الخارجية.
فاتضح ان الوجود اللفظي والكتبي (وجودان مجازيان اعتباريان للمعنى) بسبب الوضع والاستعمال.
النتيجة:
لقد سمعت هذا البيان المطول - وغرضنا أن نفهم منه الوجود اللفظي، وقد فهمنا ان اللفظ والمعنى لأجل قوة الارتباط بينهما كالشيء الواحد، فإذا أحضرت اللفظ بالنطق فكأنما أحضرت المعنى بنفسه.
ومن هنا نفهم كيف يؤثر هذا الارتباط على تفكير الانسان بينه وبين نفسه، ألا ترى نفسك عندما تحضر أي معنى كان في ذهنك لابد أن تحضر معه لفظه أيضاً، بل أكثر من ذلك تكون انتقالاتك الذهنية من معنى إلى معنى بتوسط احضارك لألفاظها في الذهن: فانا نجد أنه لا ينفك غالباً تفكيرنا في أي أمر كان عن تخيل الألفاظ وتصورها كأنما نتحدث إلى نفوسنا ونناجيها بالألفاظ التي نتخيلها، فنرتب الألفاظ في أذهاننا، وعلى طبقها نرتب المعاني وتفصيلاتها، كما لو كنا نتكلم مع غيرنا.
قال الحكيم العظيم الشيخ الطوسي في شرح الاشارات: «الانتقالات الذهنية قد تكون بألفاظ ذهنية، وذلك لرسوخ العلاقة المذكورة - يشير إلى علاقة اللفظ بالمعنى - في الأذهان».
فإذا أخطأ المفكر في الألفاظ الذهنية أو تغيرت عليه أحوالها يؤثر ذلك على أفكاره وانتقالاته الذهنية، للسبب المتقدم.
فمن الضروري لترتيب الأفكار الصحيحة لطالب العلوم أن يحسن معرفة أحوال الألفاظ من وجهة عامة، وكان لزاماً على المنطقي أن يبحث عنها مقدمة لعلم المنطق واستعانة بها على تنظيم أفكاره الصحيحة.
الدلالة
تعريف الدلالة:
إذا سمعنا طرقة بابك ينتقل ذهنك - لا شك - إلى أن شخصاً على الباب يدعوك. وليس ذلك إلا لأن هذه الطرقة كشفت عن وجود شخص يدعوك. وإن شئت قلت: انها (دلت) على وجوده.
إذن، طرقة الباب (دال)، ووجود الشخص الداعي (مدلول) وهذه الصفة التي حصلت للطرقة (دلالة).
وهكذا، كل شيء إذا علمت بوجوده، فنتقل ذهنك منه إلى وجود شيء آخر - نسميه (دالاً)، والشيء الآخر (مدلولاً)، وهذه الصفة التى حصلت له (دلالة).
فيتضح من ذلك ان الدلالة هي: «كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر».
أقسام الدلالة:
لا شك ان انتقال الذهن من شيء إلى شيء لا يكون بلا سبب. وليس السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن. وهذه العلاقة الذهنية أيضاً لها سبب. وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن. ولاختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبعية أو بوضع واضع وجعل جاعل قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة: عقلية وطبيعية ووضعية.
1- (الدلالة العقلية) - وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية في وجودهما الخارجي، كالأثر والمؤثر. فإذا علم الانسان - مثلاً - ان ضوء الصباح أثر لطلوع قرص الشمس، ورأى الضوء على الجدار ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس قطعاً، فيكون ضوء الصبح دالاً على الشمس دلالة عقلية. ومثله إذا سمعنا صوت متكلم من وراء جدار فعلمنا بوجود متكلم ما.
2- (الدلالة الطبعية): وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعية، أعني التي يقتضيها طبع الانسان، وقد يتخلف ويختلف باختلاف طباع الناس، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلف ولا يختلف.
وأمثلة ذلك كثيرة، فمنها اقتضاء طبع بعض الناس أن يقول: (آخ) عند الحس بالألم، و(آه) عند التوجع، و(اف) عند التأسف والتضجر. ومنها اقتضاء طبع البعض أن يفرقع أصابعه أو يتمطى عند الضجر والسأم، أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع اصبعه بين أعلى اذنه وحاجته عند التفكير، أو يتثأب عند النعاس.
فإذا علم الانسان بهذه الملازمات فانه ينتقل ذهنه من أحد المتلازمين إلى الآخر، فعندما يسمع بكلمة (آخ) ينتقل ذهنه إلى أن متكلمها يحس بالألم. وإذا رأى شخصاً يعبث بمسبحته يعلم بأنه في حالة تفكير... وهكذا.
3- (الدلالة الوضعية): وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أن وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني، كالخطوط التي اصطلح على أن تكون دليلاً على الألفاظ، وكاشارات الأخرس واشارات البرق واللاسلكي والرموز الحسابية والهندسية ورموز سائر العلوم الأخرى، والألفاظ التي جعلت دليلاً على مقاصد النفس.
فإذا علم الانسان بهذه الملازمة وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول.
أقسام الدلالة الوضعية:
وهذه الدلالة الوضعية تنقسم إلى قسمين():
أ - (الدلالة اللفظية): إذا كان الدال الموضوع لفظاً.
ب - (الدلالة غير اللفظية): إذا كان الدال الموضوع غير لفظ، كالاشارات والخطوط، والنقوش وما يتصل بها من رموز العلوم، واللوحات المنصوبة في الطرق لتقدير المسافات أو لتعيين اتجاه الطريق إلى محل أو بلدة... ونحو ذلك.
الدلالة اللفظية
تعريفها:
من البيان السابق نعرف أن السبب في دلالة اللفظ على المعنى هو العلقة الراسخة في الذهن بين اللفظ والمعنى. وتنشأ هذه العلقة - كما عرفت - من الملازمة الوضعية بينهما عند من يعلم بالملازمة. وعليه يمكننا تعريف الدلالة اللفظية بأنها:
«هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به».
أقسامها:
المطابقية. التضمنية. الالتزامية
يدلّ اللفظ على المعنى من ثلاثة أوجه متباينة:
(الوجه الأول) - المطابقة: بأن يدل اللفظ على تمام معناه الموضوع له ويطابقه، كدلالة لفظ الكتاب على تمام معناه، فيدخل فيه جميع أوراقه وما فيه من نقوش وغلاف، وكدلالة لفظ الانسان على تمام معناه، وهو الحيوان الناطق. وتسمى الدلالة حينئذ (المطابقية) أو (التطابقية)، لتطابق اللفظ والمعنى.
وهي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي لأجلها مباشرة وضعت لمعانيها.
(الوجه الثاني) - التضمن: بأن يدل اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل ذلك الجزء في ضمنه، كدلالة لفظ الكتاب على الورق وحده أو الغلاف. وكدلالة لفظ الانسان على الحيوان وحده أو الناطق وحده... فلو بعت الكتاب يفهم المشتري دخول الغلاف فيه، ولو أردت بعد ذلك أن تستثني الغلاف لاحتج عليك بدلالة لفظ الكتاب على دخول الغلاف. وتسمى هذه الدلالة (التضمنية). وهي فرع عن الدلالة المطابقية، لأن الدلالة على الجزء بعد الدلالة على الكل.
(الوجه الثالث) الالتزام: بأن يدل اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له لازم له يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته، كدلالة لفظ الدواة على القلم. فلو طلب منك أحد أن تأتيه بدواة لم ينص على القلم فجئته بالدواة وحدها لعاتبك على ذلك محتجاً بأن طلب الدواة كافٍ في الدلالة على طلب القلم. وتسمى هذه الدلالة (الالتزامية).
وهي فرع أيضاً عن الدلالة المطابقية لأن الدلالة على ما هو خارج المعنى بعد الدلالة على نفس المعنى.
شرط الدلالة الالتزامية:
يشترط في هذه الدلالة أن يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازماً ذهنياً، فلا يكفي التلازم في الخارج فقط من دون رسوخه في الذهن وإلا لما حصل انتقال الذهن.
ويشترط - أيضاً - أن يكون التلازم واضحاً بيناً، بمعنى أن الذهن إذا تصور معنى اللفظ ينتقل إلى لازمه بدون حاجة إلى توسط شيء آخر().
الخلاصة:
الدلالة
عقلية طبعية وضعية
لفظية غيرلفظية
مطابقية تضمنية التزامية
تمرينات
(1) بيّن أنواع الدلالة فيما يأتي:
أ - دلالة عقرب الساعة على الوقت.
ب - دلالة صوت السعال على ألم الصدر.
ج - دلالة قيام الجالسين على احترام القادم.
د - دلالة حمرة الوجه على الخجل وصفرته على الوجل.
هـ - دلالة حركة رأس المسؤول إلى الأسفل على الرضا وإلى الأعلى على عدم الرضا.
(2) اصنع جدولاً للدلالات الثلاث (العقلية وأختيها) وضع في كل قسم ما يدخل فيه من الأمثلة الآتية:
أ - دلالة الصعود على السطح على وجود السلم.
ب - دلالة فقدان حاجتك على أخذ سارق لها.
ج - دلالة الأنين على الشعور بالألم.
د- دلالة كثرة الكلام على الطيش وقلته على الرزانة.
هـ - دلالة الخط على وجود الكاتب.
و - دلالة سرعة النبض على الحمى.
ز – دلالة صوت المؤذن على دخول وقت الصلاة.
ح – دلالة التبختر في المشي أو تصعير الخد على الكبرياء.
ط – دلالة صفير القطار على قرب حركته أو قرب وصوله.
ي – دلالة غليان الماء على بلوغ الحرارة فيه درجة المائة.
(3) عين أقسام الدلالة اللفظية من الأمثلة الآتية:-
أ – دلالة لفظ الكلمة على (القول المفرد).
ب - دلالة لفظ الكلمة على (القول) وحده أو (المفرد) وحده.
ج - دلالة لفظ السقف على الجدار.
د - دلالة لفظ الشجرة على ثمرتها.
هـ - دلالة لفظ السيارة على محركها.
و - دلالة لفظ الدار على غرفها.
ز - دلالة لفظ النخلة على الطريق إليها عند بيعها.
(4) إذا اشترى شخص من آخر داراً وتنازعا في الطريق إليها فقال المشتري الطريق داخل في البيع بدلالة لفظ الدار، فهذه الدلالة المدعاة من أي أقسام الدلالة اللفظية تكون؟
(5) استأجر رجل عاملاً ليعمل الليل كله، ولكن العامل ترك العمل عند الفجر، فخاصمه المستأجر مدعياً دلالة لفظ الليل على الوقت من الفجر إلى طلوع الشمس، فمن أي أقسام الدلالة اللفظية ينبغي أن تكون هذه الدلالة المدعاة؟
(6) لماذا يقولون لا يدل لفظ (للأسد) على (بخر الفم) دلالة التزامية، كما يدل على الشجاعة، مع أن البخر لازم للأسد كالشجاعة؟
تقسيمات الألفاظ
للفظ المستعمل بما له من المعنى عدة تقسيمات عامة لا تختص بلغة دون أخرى، وهي أهم مباحث الألفاظ بعد بحث الدلالة. ونحن ذاكرون هنا أهم تلك التقسيمات، وهي ثلاثة، لأن اللفظ المنسوب إلى معناه تارة ينظر إليه في التقسيم بما هو لفظ واحد، وأخرى بما هو متعدد، وثالثة بما هو لفظ مطلقاً سواء كان واحداً أو متعدداً.
- 1 -
المختص. المشترك. المنقول. المرتجل. الحقيقة والمجاز
إن اللفظ الواحد الدال على معناه باحدى الدلالات الثلاث المتقدمة إذا نسب إلى معناه، فهو على أقسام خمسة، لأن معناه إما أن يكون واحداً أيضاً ويسمى (المختص)، وإما أن يكون متعدداً. وما له معنى متعدد أربعة أنواع: مشترك، ومنقول، ومرتجل، وحقيقة ومجاز، فهذه خمسة أقسام:
1 - (المختص): وهو اللفظ الذي ليس له إلا معنى واحد فاختص به، مثل حديد وحيوان.
2 - (المشترك): وهو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كلا على حدة، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للآخر مثل (عين) الموضوع لحاسة النظر وينبوع الماء والذهب وغيرها ومثل (الجون) الموضوع للأسود والأبيض. والمشترك كثير في اللغة العربية.
3 - (المنقول): وهو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كالمشترك ولكن يفترق عنه بأن الوضع لاحدها مسبوق بالوضع للآخر مع ملاحظة المناسبة بين المعنيين في الوضع اللاحق. مثل لفظ (الصلاة) الموضوع أولاً للدعاء ثم نقل في الشرع الإسلامي لهذه الأفعال المخصوصة من قيام وركوع وسجود ونحوها لمناسبتها للمعنى الأول. ومثل لفظ (الحج) الموضوع أولاً للقصد مطلقاً، ثم نقل لقصد مكة المكرمة بالأفعال المخصوصة والوقت المعين... وهكذا أكثر المنقولات في عرف الشرع وأرباب العلوم والفنون. ومنها لفظ السيارة والطائرة والهاتف والمذياع ونحوها من مصطلحات هذا العصر.
والمنقول ينسب إلى ناقله فإن كان العرف العام قيل له: منقول عرفي كاللفظ السيارة والطائرة. وإن كان العرف الخاص كعرف أهل الشرع والمناطقة والنحاة والفلاسفة ونحوهم قيل له: منقول شرعي أو منطقي أو نحوي أو فلسفي... وهكذا.
4 - (المرتجل): وهو كالمنقول بلا فرق إلا انه لم تلحظ فيه المناسبة بين المعنيين، ومنه أكثر الأعلام الشخصية.
5 - (الحقيقة والمجاز): وهو اللفظ الذي تعدد معناه، ولكنه موضوع لأحد المعاني فقط، واستعمل في غيره لعلاقة ومناسبة بينه وبين المعنى الأول الموضوع له من دون أن يبلغ حد الوضع في المعنى الثاني فيسمى (حقيقة) في المعنى الأول، و(مجازاً) في الثاني، ويقال للمعنى الأول معنى حقيقي، وللثاني مجازي.
والمجاز دائماً يحتاج إلى قرينة تصرف اللفظ عن المعنى الحقيقي وتعين المعنى المجازي من بين المعاني المجازية.
تنبيهان
1 - ان المشترك اللفظي والمجاز لا يصح استعمالهما في الحدود والبراهين، إلا مع نصب القرينة على إرادة المعنى المقصود، ومثلهما المنقول والمرتجل ما لم يهجر المعنى الأول، فإذا هجر كان ذلك وحده قرينة على إرادة الثاني.
على أنه يحسن اجتناب المجاز في الأساليب العلمية حتى مع القرينة.
2 – المنقول ينقسم إلى (تعييني وتعيّني)، لأن النقل تارة يكون من ناقل معين باختياره وقصده، كأكثر المنقولات في العلوم والفنون وهو المنقول (التعييني) أي أن الوضع فيه بتعيين معين. وأخرى لا يكون بنقل ناقل معين باختياره، وانما يستعمل جماعة من الناس اللفظ في غير معناه الحقيقي لا بقصد الوضع له، ثم يكثر استعمالهم له ويشتهر بينهم، حتى يتغلب المعنى المجازي على اللفظ في أذهانهم فيكون كالمعنى الحقيقي يفهمه السامع منهم بدون القرينة. فيحصل الارتباط الذهني بين نفس اللفظ والمعنى، فينقلب اللفظ حقيقة في هذا المعنى. وهو (المنقول التعيني).
الخلاصة:
اللفظ الواحد
مختص مشترك منقول مرتجل حقيقة ومجاز
تعييني تعيني
تمرينات
1 - هذه الألفاظ المستعملة في هذا الباب وهي لفظ (مختص. مشترك. منقول. إلى آخره) من أي أقسام اللفظ الواحد؟ أي انها مختصة أو مشتركة أو غير ذلك.
2- اذكر ثلاثة أمثلة لكل من أقسام اللفظ الواحد الخمسة.
3- كيف تميز بين المشترك والمنقول؟
4- هل تعرف لماذا يحتاج المشترك إلى قرينة؛ وهل يحتاج المنقول إلى القرينة؟