كنزالعلوم الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

 الاربعون حديث 16

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث 16 Empty
مُساهمةموضوع: الاربعون حديث 16   الاربعون حديث 16 I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 09, 2018 9:30 am

الشرح:
(تفرّغ لكذا) على وزن تفعّل بمعنى أنفق وقته جميعاً ولم يبق شيء حتى ينشغل بشيء آخر. وتفرغ القلب
للعباده، معناه إخلاؤه من الانتباه لأي شيء آخر حتى ينشغل بالعبادة خاصة.
وَمَلأ الإناءَ ماءً وَمِنَ الماءِ وَبِالمَاءِ: وَضَعَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا يَأخُذُهُ. وَأكِلُ صيغة مُتَكَلِّم مِنْ يَكِلُ وَكَلَ إِلَيْهِ الأَمْرَ أي سَلَّمَهُ
وَفَوَّضَهُ وَتَرَكَهُ إلَيْهِ وَاكتَفى بِهِ. أسُدُّ صيغة متكلمٍ أيضاً مِنْ سَدَّ يَسُدُّ سَدّاً ومِنْ بَابِ نَصَرَ نَقيضُ الفَتْحِ. الفاقة أي
الحاجة والفقر. واملأ قلبك خوفاً مني، الظاھر أنه ـ أَمْلأُ ـ صيغة متكلم لوحده. ويستبعد أن تكون صيغة أمر معطوفة
على أول الكلام. ونحن سنذكر ما يتناسب من الشرح والبيان حول ھذا الحديث الشريف من فصول ان شاء االله.
فصل: كيفية حصول التفرغ للعبادة
اعلم أن التفرغ للعبادة يحصل من تكريس الوقت والقلب بھا. وھذا من الأمور المھمة في باب العبادات. فإن
حضور القلب من دون تفريغه وتكريس الوقت له غير ميسور، والعبادة من دون حضور القلب، غير مجدية. وما يبعث
454
سورة الكھف، آية: 110.
455
مسند أحمد، ج2 ،ص463.
456
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العبادة، ح1.
181
على حضور القلب، أمران: أحدھما: تفريغ القلب والوقت للعبادة. ثانيھما: إفھام القلب أھمية العبادة. والمقصود
من تفريغ الوقت ھو أن الإنسان يخصّص في كل
يوم وليلة وقتاً للعبادة ويوطّن نفسه على العبادة في ذلك الوقت، رافضاً الانشغال في ذلك الوقت بأي عمل
آخر.
إن الإنسان إذا اقتنع بأن العبادة من الأمور الھامّة، وأنھا أكثر أھميه بالنسبة إلى الأمور الأخرى، بل لا مجال
للمقارنة بين العبادة والأمور الثانية الأخرى، لحافظ على أوقات العبادة وخصص لھا وقتاً.
ونحن بعد ھذه اللمحة الخاطفة من أھمية العبادة، نشرح نبذة من أھميتھا. وعلى أي حال لابد للإنسان
المتعبد، أن يوظف وقتاً للعبادة. وان يحافظ على أوقات الصلاة التي ھم أھمّ العبادات وأن يؤديھا في وقت الفضيلة،
ولا يختار لنفسه في تلك الأوقات عملاً آخر. وكما أنه يخصص وقتاً لكسب المال والجاه والدراسة والبحث، كذلك
لابد أيضاً من تخصيص وقت للعبادات، حتى يكون خاليا من أي عمل آخر، ويتيسّر له حضور القلب الذي ھو بمثابة
اللبّ والجوھر. ولكن إذا فرضنا بأن شخصاً مثلي تكلّف من أداء صلاته، ورأى بأن العبادة من الأمور الزائدة، لأجّل
صلاته إلى آخر الوقت، ولآتى بھا بكل فتور ونقص، لما يرى حين التھيؤ لأداء الصلاة، أن ھناك أموراً أخرى في نظره
أھمّ منھا، وأنھا تتزاحم مع ھذه الأمور الھامة، فيفضّل غير الصلاة عليھا. ومن المعلوم أن مثل ھذه العبادة لا
نورانية لھا، بل تكون مثار سخط الھي، وأنه مستخف بالصلاة ومتھاون في أمرھا. أعوذ باالله من الإستخفاف
بالصلاة وعدم الاكتراث بھا.
وإن ھذا الكتاب، لا يسع عرض الأخبار المأثورة في المستخفين بالصلاة. ولكننا سنذكر بعضھا للاتعاظ والاعتبار:
عن محمّد بن يعقوب بإسنادِه عن أبي جعفرٍ عليه السلام قال: «لاَ تَتَھَاوَنْ بِصَلاَتِكَ فَإِنَ النَّبيَّ صلّى االله عليه
وآله وسلم قالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَيْسَ مِنِّي مَنِ اسْتَخَفَّ بِصَلاَتِهِ، لَيْسَ مِنِّي مَنْ شَرِبَ مُسْكراً، لاَ يَرِدُ عَليَّ الحَوْضَ لا
457 وَااللهِ»
.
وبإسنادِهِ عن أبي بصيرٍ قالَ: قالَ أبو الحسن الأوَّل عليه السلام: «لَمّا حَضَرَتْ أبِيَ الوَفَاةُ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ لاَ
458 يَنالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بالصَّلاَةِ»
.
والأخبار كثيرة في المقام، ويكفي ھذان الحديثان لمن يريد أن يعتبر ويتعظ. ويعلم االله وحده حجم المصيبة
العظمى الناشئة من الانقطاع عن الرسول الأكرم صلى االله عليه وآله وسلم، والخروج من تحت ظل حمايته كما
ورد في الحديثين الشريفين ! كما أن االله يعلم مستوى الخذلان، عندما يُمنى الإنسان بالحرمان من شفاعة
رسول االله وأھل بيته العظام !
لا تظن بأن أحدا يرى رحمة الحق سبحانه، ووجه الجنة، من دون شفاعة رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم
وحمايته ورعايته ! والآن أنتبه إلى أن تقديم أي عمل بسيط، بل المصلحة الموھومة على الصلاة التي ھي قرّة
عين الرسول صلّى االله عليه وآلة وسلم، والوسيلة الرفيعة لنزول رحمة الحق، وأن إھمالھا وتأخيرھا إلى نھاية
وقتھا من دون مسوّغ، وعدم المحافظة على حدودھا، أليست ھذه الأمور من التھاون والاستخفاف بالصلاة؟ فإن
كان ھذا من التھاون في الصلاة، فاعلم، حسب شھادة رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم وشھادة الأئمة
الأطھار عليھم السلام، أنك قد خرجت عن ولايتھم، ولا تنالك شفاعتھم.
إنتبه، إذا أردت شفاعتھم، ورغبت في أن تكون من أُمّة رسول االله صلّى االله عليه وآله وسلم، اھتم بھذه
الوديعة الإلھية، وعظّم من أمرھا، وإلاّ فأنت تواجه العقاب والعاقبة السيئة. إن االله تعالى وأولياءه في غنى عن
أعمالي وأعمالك، فيُخشى أنك إذا لم تھتم بھا، أدى إلى تركھا وينتھي الأمر إلى جحودھا فتصير من الأشقياء
المؤبدين والھالكين الدائمين.
والأھم من تفريغ الوقت، تفريغ القلب، بل إن تفريغ الوقت، مقدمة لتفريغ القلب أيضاً، وذلك أن الإنسان لدى
اشتغاله بالعبادة، يجرد نفسه من ھموم الدنيا وأعمالھا، وينقذ قلبه من الأوھام المتشتتة، والأمور المختلفة،
457
فروع الكافي، المجلد الثالث، ص 269 ـ 270.
458
فروع الكافي، المجلد الثالث، ص 269 ـ 270.
182
ويفرغ فؤاده نھائياً، ويخلّصه مرة واحدة للتوجه إلى العبادة والمناجاة مع الحق المتعالي. ولو لم يفرغ القلب من
ھذه الأمور، لما حصل لقلبه ولعبادته التفرغ. ولكن شقائنا في أننا نترك كل أفكارنا المتشتتة، وأوھامنا المختلفة
إلى وقت العبادة، وعندما نكبّر تكبيرة إحرام الصلاة، فكأننا فتحنا باب المتجر، أو دفتر الحساب، أو كتاب الدرس،
ونرسل قلبنا للانصراف إلى أمور أخرى، ونغفل كلياً عن العمل العبادي، وعندما
ننتبه للعبادة نجد أنفسنا في نھاية الصلاة !.
وفي الحقيقة إنه لمن الفضيحة أمر ھذه العبادة، ومما يبعث على الخجل أمر ھذه المناجاة.
عزيزي: اجعل مناجاتك مع الحق سبحانه بمثابة التحدث مع إنسان بسيط من ھؤلاء الناس؛ فكيف انك إذا
تكلمت مع صديق، بل مع شخص غريب انصرف قلبك عن غيره، وتوجّھت بكل وجودك نحوه، أثناء التكلم معه،
فلماذا إذا تكلمت وناجيت ولي النعم، ورب العالمين، غفلت عنه وانصرفت إلى غيره؟ ھل إن العباد يُقدَّرون أكثر من
الذات المقدس للحق؟ أو أن التكلم مع العباد أغلى من المناجاة مع قاضي الحاجات؟
نعم أنا وأنت، لا نعرف ما ھي المناجاة مع الحق سبحانه؟ إننا نرى التكاليف الإلھية كلفة، وفرضاً علينا، ومن
الواضح أنه متى ما أصبح شيء ما حملاً ثقيلاً على الإنسان وعلى شؤون حياته، لما أعتبر عنده ذلك الشيء ذا
بال وأھميه. إنه لا بد من إصلاح الينبوع، والعثور على الإيمان باالله، وبكلمات أنبيائه حتى يتم إصلاح الأمور. ان كل
تعاستنا من ضعف الإيمان ووھن اليقين. إن إيمان السيد ابن طاووس رضي االله عنه، يدفعه للاحتفال بيوم بلوغه،
لأن الحق المتعال قد رخّص له بالمناجاة، وزيّنه بزينة التكليف والخطاب. فلاحظ بكل دقه أيّ قلب ھذا الذي يحمل
ھذا القدر الكبير من النور والصفاء. إذا لم يكن عمل ھذا السيد الجليل حجة لك، فعمل سيد الموحدين وأولاده
المعصومين حجة عليك، فتأمل في حياتھم وكيفية عباداتھم ومناجاتھم، حيث كان لون وجه بعضھم يتغير لدى
حلول وقت الصلاة، وتضطرب فرائصه خشية أن يخطأ في الواجب الإلھي، رغم أنھم كانوا معصومين.
اشتھر عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن سھماً قد أصاب قدمه المبارك، فلم يستطع أن يتحمّل
ألم انتزاعه من رجله، فقام وصلى وفي أثناء اشتغاله بالصلاة، انتزع السھم ولم ينتبه أصلاً.
عزيزي: إن ھذا الموضوع ـ عدم إدراك الألم حين التوجه إلى شيء ـ ليس ممن الأمور الممتنعة، فإن له أمثلة
كثيرة في الأمور العادية من حياة الناس. إن
الإنسان عند ھيجان الغضب أو المحبة، يغفل عن كل شيء. قال أحد أصدقائنا الموثوقين (عندما اصطدمت مع
جمع من الأوباش في مدينة أصفھان، تصورت في أثناء المعركة وضربھم لي بأنھم يضربونني بأيديھم ولم أفھم
أكثر من ذلك، وبعد أن وضعت المعركة أوزارھا، علمت بأنھم قد طعنوني بالسكين طعنات، وطرحوني في فراش
المرض لأيام) ووجه ذلك معلوم أيضاً، فإن النفس عندما تلتفت بصورة تامّة إلى شيء تغفل عن مُلك البدن،
وتتوقف القوى الحسيه عن العمل وتتحّول الھموم إلى ھمّ واحد. إننا نشعر بأنفسنا حين السجال في الكلام
والجدال في البحث ـ نعوذ باالله ـ بالغفلة عما يحدث في المجلس. ومع الأسف إننا نتوجه نحو كل شيء توجھاً
تاماً، الا نحو عبادة االله، ولھذا نستبعد مثل ھذا التوجه الكامل في العبادة نحو االله سبحانه.
وعلى أي حال إن تفريغ القلب من غير الحق يعدّ من الأمور المھمة، التي يجب على الإنسان أن يحققھا مھما
كلف الثمن، والسبيل إلى تحصيله ميسور وسھل، فمع قدر قليل من الانتباه والمراقبة نستطيع أن ننجزه ونحققه.
يجب على الإنسان الذي يريد السلوك إلى االله من إمساك الخيال فترة من الزمان، وإلجامه عندما يريد أن
يتحول من غصن إلى غصن آخر ـ ويتشتت ـ وبعد مضي فترة من المراقبة، يُدَجَّن الخيال ويھدأ وتزول عنه حالة
التشتت ويصير الخير من عادته ـ والخير عادة ـ فينصرف فارغ البال إلى التوجه نحو الحق والعبادة.
والأھم من كل ذلك والذي يجب أن نجعل الأمور الأخرى مقدمة له، ھو حضور القلب الذي ھو روح العبادة،
والذي ترتبط به حقيقة العبادة، ومن دونه لا يكون له أھمية، ولا تقع مقبولة في ساحة المتعالي، كما ورد في
الروايات الشريفة:
183
في الكافي: بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد االله عليھما السلام أنَّھُما قالا: «إنّما لَكَ مِنْ صَلاَتِكَ مَا أَقْبَلْتَ
459 عَلَيْهِ مِنْھَا، فَإِنْ أَوْھَمَھا كُلَّھا أوْ غَفَلَ عَنْ آدَابِھَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِھَا وَجْهُ صَاحِبِھَا»
.
وَرَوَى الشَّيخُ الأقدم محمّدُ بنُ الحسن ـ رضوان االله عليه ـ في التَّھذيب باسناده عن الثُّماليِّ قالَ: «رَأيْتُ عَلِيَّ
بْنَ الحُسَيْنِ عليھما السلام يُصَلِّي فَسَقَطَ رِداؤُهُ عَنْ مَنْكِبهِ فَلَمْ يُسَوِّهِ حَتّى فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ. قَالَ: فَسَألْتُهُ عَنْ
ذلِكَ، فَقالَ: وَيْحَكَ أَتَدْرِي بَيْنَ يَدَيْ مَنْ كُنْتُ؟ إِنَّ العَبْدَ لاَ يُقْبَلُ مِنُهُ صَلاَةٌ إلاّ مَا أقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْھَا. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ
460 ھَلَكْنَا. قَالَ: كَلاَ، إِنَّ االلهَ مُتَمِّمٌ ذلِكَ لِلْمُؤمِنينَ بالنَّوافِلِ»
.
وعن الخصال: بإسناده عن عليّ عليه السلام في حديث الأربعمائة قالَ: «لا يَقومَنَّ أحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ
مُتَكَاسِلاً وَلاَ نَاعِساً، وَلاَ يُفَكِّرَنَّ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ مَنْ صَلاَتِهِ مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْھَا
461 بَقَلْبِهِ»
.
والأخبار في ھذا المضمار كثيرة. وھكذا بالنسبة إلى فضيلة توجه القلب. ونحن نذكر بعضھا في المقام
ونكتفي به، فإنه كاف لمن أراد أن يعتبر ويتعظ.
عن محمّد بن عليّ بن الحسين صدوقِ الطائفة بإسناده عن عبداالله بن أبي يَعْفورٍ قالَ: قال أبو عبد االله عليه
السلام: «يا عَبْدَ االلهِ إذا صَلَّيْتَ فَصَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ يَخافُ أَنْ لاَ يَعُودَ إلَيْھَا أبَداً، ثُمَّ اصْرِفْ بِبَصَرِكَ إِلَى مَوْضِعِ سُجودِكَ،
462 فَلَو تَعْلَمُ مَنْ عَنْ يَمِينكَ وَشِمالِكَ لأَحْسَنْتَ صَلاَتَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَرَاكَ وَلاَ تَرَاهُ»
.
وبإسناده عن أبي عبد االله عليه السلام في حديث أنَّهُ قالَ: «لأُحِبُّ لِلرَّجُلِ المُؤْمِنِ مِنْكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَة
فَرِيضَةٍ أَنْ يُقْبِلَ بِقَلْبِهِ إِلَى االلهِ وَلاَ يَشْغُلَ قَلْبَهُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، فَلَيْس مِنْ عَبْدٍ يُقْبلُ بِقَلْبِهِ فِي صَلاَتِهِ إِلَى االلهِ تَعالى إلاّ
463 أَقْبَلَ االلهُ إلَيه بِوَجْھِهِ وَأَقْبَلَ بِقُلوبِ المُؤمِنينَ إلَيْهِ بِالمَحَبَّةِ بَعْدِ حُبِّ االلهِ إيَاهُ»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث 16 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاربعون حديث 16   الاربعون حديث 16 I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 09, 2018 9:33 am

انتبه ما أعظم ھذا الخبر الباعث على الفرح والسرور، الذي يخبر به الصادق من آل محمد عليھم السلام
المؤمنين، ومع الأسف إننا نحن المساكين المحجوبين عن المعرفة، المحرومين من التوجه إلى الحق المتعالي، لا
نعرف شيئاً عن صداقة ذاته المقدس لنا وإقباله علينا ونقيس الصداقة مع الحق على الصداقة مع العباد. إن أھل
المعرفة يقولون بأن الحق المتعالي يرفع الحجب لمحبوبه، ويعلم االله ما في ھذا الرفع للحجب من الكرامات ! إنه
غاية آمال الأولياء، وأقصى أُمنياتھم ھو رفع ھذه الحجب.
إن أمير المؤمنين عليه السّلام وأولاده المعصومين يسألون االله سبحانه في المناجاة الشعبانية قائلين:
«إلھي ھَبْ لِي كَمَالَ الانْقِطَاع إلَيْكَ، وَأَنْرَ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِياءِ نَظَرھَا إلَيْكَ، حَتَّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ القُلُوبِ حُجَبَ النُّورِ،
464 فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ العَظَمَةِ، وَتَصيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعزِّ قُدْسِكَ»
.
إلھي أيَّة بصيرة ھذه البصيرة القلبية النورانية التي سألھا أولياؤك، ورجوك أن يصلوا إليك بھا؟
إلھي ما ھذه الحجب النورانية التي يتداول ذكرھا على ألسنة أئمتنا المعصومين عليھم السلام؟. إلھي ما ھو
معدن العظمة والجلال وعز القدس والكمال، الذي يكون منتھى طلب ھؤلاء الكبار، ونحن منه محرومون حتى عن
استيعابه العلمي فكيف بتذوقه وشھوده؟ إلھي نحن عبادك المسودة وجوھھم والمظلمة أيامھم، لا نعرف شيئاً
عدا طعامنا وشرابنا وراحتنا وبغضنا وشھوتنا، ولا نفكر يوماً في معرفة ھذه الأمور، فانظر إلينا بلطفك، وأيقظنا من
سُباتنا وأزل عنا ھذا السُكر الذي قد غشينا.
وعلى أية حال يكفي لأھل المعرفة ھذا الحديث الواحد، حتى ينفقوا جل عمرھم، لتحصيل الحب الإلھي،
ويتمتعوا بالإقبال على االله. ولكن أمثال الذين لا يكونون جياد ھذه الساحة وفرسان ھذا الميدان نتشبث بأحاديث
أخرى:
459
فروع الكافي، المجلد الثالث، ص 363.
460
وسائل الشيعة، المجلد الرابع، الباب الثالث من أبواب أفعال الصلاة، ح 6 وح 4.
وس
461
ائل الشيعة، المجلد الرابع، الباب الثالث من أبواب أفعال الصلاة، ح 6 وح 4.
462
وسائل الشيعة، المجلد الرابع، الباب الثاني من أبواب أفعال الصلاة، ح5.
وسائل الشيعة، المجلد الرابع، الباب الثاني من أبواب أفعال الصلاة، ح6 463
464
مفاتيح الجنان، المناجات الشعبانية.
184
عن ثواب الأعمال: بِإِسناده عَمَّن سمع أبا عبداالله عليه السلام يَقولُ: «مَنْ صَلّى رَكْعَتَيْنِ يَعْلَمُ مَا يَقولُ فِيھِما،
. وعن رسول االله صلى االله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «رَكْعَتانِ خَفيفَتانِ 465 انْصَرَفَ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ االلهِ ذَنْبٌ إلاّ غَفَرَ لَهُ»
466 في تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيامِ لَيْلَة»
.
فصل: مراتب حضور القلب
بعد أن علمت أن حضور القلب في العبادات، جوھر العبادة وروحھا، وأن نورانية العبادة مع مراتب كمالھا،
مرتبطتان بحضور القلب ومراتبه، لابد من معرفة مراتب حضور القلب وھي أن بعضھا تختص بأولياء الحق سبحانه،
وتكون أيدي الآخرين قاصرة عن الوصول إلى قمتھا. وبعضھا متيسره الحصول والتحقق لكافة الناس أيضا.
ولابد من معرفة أن حضور القلب، ينقسم بصورة عامة إلى قسمين مھمين:
أحدھما: حضور القلب في العبادة. والآخر حضور القلب في المعبود وقبل شرح ھذا الموضوع، لابد من ذكر
مقدمة ھي:
يقول أھل المعرفة ـ العرفاء ـ إن العبادات بأسرھا، ثناء للمعبود ولكن كل منھا ثناء للحق سبحانه، بواسطة نعت
من النعوت أو اسم من الأسماء إلا الصلاة فإنھا ثناء للحق مع جميع الأسماء والصفات. وقد تقدم منا الكلام لدى
شرح بعض الأحاديث وقلنا بأن ثناء المعبود من الفطرة التي جبل عليھا جميع الناس، والتي تقضي بلزوم الثناء
على المعبود، والخضوع للكامل المطلق والجميل المطلق والمنعم المطلق والعظيم المطلق. وحيث أن أحداً لا
يستطيع أن يكتشف كيفية ثناء الذات الأحدى المقدس، لأنه قائم على معرفة الذات والصفات، وكيفية ارتباط عالم
الغيب بعالم الشھادة، وعالم الشھادة بعالم الغيب، وأن ھذه المعرفة غير متيسرة لكل أحد إلا عن طريق الوحي
والھام الإلھي ولھذا كان العبادات بشكل عام توقيفيه، وبيد الحق سبحانه، ولا يحقّ لأحد أن يشرّع من عنده،
ويبدع عبادة كما لا اعتبار لأساليب التواضع والاحترام المعھودة عند الناس أمام الكبار والسلاطين، أمام عظمة
ساحة قدس رب العالمين. فلا بد للإنسان أن يفتح سمعه وعينه ويتلقى كيفية العبادة والعبودية من الوحي
والرسالة، من دون أن يتصرّف ھو بنفسه.
فبعد أن علمنا بأن العبادة ھي الثناء على المعبود، إعلم بأن حضور القلب كما أشير إليه ينقسم إلى قسمين
مھمين:
أحدھما حضور القلب في العبادة، والآخر حضور القلب في المعبود.
أما حضور القلب في العبادة، فله أيضاً مراتب، وعمدتھا مرتبتان:
إحداھما: حضور القلب في العبادة إجمالاً: وھو أن الإنسان لدى إنجازه لعبادة ـ مھما كانت ھذه العبادة من
الطھارة مثل الوضوء والغسل أو من قبيل الصلاة والصيام والحج وغيرھا من الأمور العبادية ـ يعرف إجمالا بأنه يثني
على المعبود، رغم عدم معرفته أي ثناء يثني أو أي اسم من أسماء الحق يدعو.
لقد كان شيخنا العارف الكامل الشاه أبادي روحي فداه ـ يضرب مثالاً على حضور القلب في العبادة على
سبيل الأجمال، بأن شخصاً ينظم قصيدة في مدح أحد ثم يعطيھا لطفل لا يستوعب معناھا أبداً، لكي يلقيھا أمام
ذلك الممدوح، ثم يُفھم الطفل بأن ھذه القصيدة قد نظمت في مدح ذلك. فعندما يقرأ الطفل ھذه القصيدة، يعلم
إجمالاً بأنه يثني على الممدوح رغم جھله لكيفية ثنائه عليه. ونحن الذين أيضاً بمثابة الأطفال نمدح الحق، من
دون أن نعرف ما ھي أسرار ھذه العبادات؟ وما ھي الأسماء التي ترتبط بھا ھذه العبادات؟ وكيف تكون ھذه
العبادات ثناءاً للحق جل وعلا؟ ولكن لابد وأن نعرف إجمالاً بأن كل واحد من ھذه العبادات، ثناء على الكامل
المطلق والمعبود المطلق والممدوح المطلق، على الشكل الذي أثنى ھو بنفسه على نفسه، وأمرنا أن نثني
أمام ساحته المقدسة بنفس ھذه الكيفية.
والآخر من مراتب حضور القلب، ھو حضور القلب في العبادة بصوره تفصيلية. ولا تتيسر لأحد المرتبة الكاملة
منھا إلا للخلص من أوليائه، ولأھل المعرفة، ولكن بعض المراتب الدانية منھا متيسرة الحصول للآخرين، حيث تكون
465
وسائل الشيعة، المجلد الرابع، الباب الثاني والثالث من أبواب أفعال الصلاة، ح7 وح5.
466
وسائل الشيعة، المجلد الرابع، الباب الثاني والثالث من أبواب أفعال الصلاة، ح7 وح5.
185
المرتبة الأولى منھا ھي الإلتفات إلى معاني الألفاظ في مثل الصلاة والدعاء. وقد أشير إلى ھذه المرتبة في
رواية مأثورة عن (ثواب الأعمال) سابقاً. (في صفحة 392 من ھذا الكتاب).
والمرتبة الأخرى أن يعرف حسب الإمكان أسرار العبادة، ويعلم كيفية ثناء المعبود في كل من الأوضاع والأحوال.
إن أھل المعرفة قد بيّنوا شيئاً قليلاً من أسرار الصلاة والعبادات الأخرى، واستفادوا حسب الإمكان من أخبار
المعصومين عليھم السلام، وإن كان فھم الحقيقة بأسرھا غير متيسر إلاّ للقليل من الناس، وما تيسّر فھمه، فھو
غنيمة لأھله.
وأما حضور القلب في المعبود: فله مراتب أيضاً وعمدتھا مراتب ثلاثة:
إحداھا حضور القلب في تجلّيات الأفعال. ثانيھا حضور القلب في تجلّيات الأسماء والصفات وثالثھا حضور القلب
في تجلّيات الذات. ولكل واحدة من ھذه المراتب الثلاث بصورة كلية أربع مراتب:
المرتبة العلمية، المرتبة الإيمانه، المرتبه الشھوديه، المرتبة الفنائية. والمقصود من حضور القلب في تجلّيات
الأفعال العلمية، ھو أن الشخص العابد السالك يدرك عن يقين وبرھان بأن مراتب الوجود كافة، ومشاھد الغيب
والشھود بأسرھا، قبس من فيوضات تجلي الذات الأقدس، وأن من أدنى مرتبة في عالم الطبيعة إلى مبدأ
الملكوت الأعلى والجبروت الأعظم، حاضر عند ساحة قدسه، بحضور واحد، وأن الجميع شعاع مظھر مشيئته كما
ورد في الحدث الشريف المنقول عن الكافي عن أبي عبد االله عليه السلام: «خَلَقَ االلهُ المَشيَّةَ بِنَفْسِھَا ثُمَّ خَلَقَ
. فالمشية تكون بنفسھا مظھراً للذات، وسائر المجودات مخلوقه بھا. ونحن لسنا بصدد 467 الأشْيَاءَ بِالمَشِيَّةِ»
الاستدلال على ھذا المعنى الشريف. فإذا علم العابد ھذا المعنى عن علم ودليل، فھم بأنه ھو وعبادته وعلمه
وإرادته وقلبه وحركات قلبه وظاھره وباطنه والجميع حاضرون في ساحة قدسه بل الكل عين الحضور.
وإذا سَجّل مع قلم العقل ھذا المعنى الثاني بالدليل، على لوح القلب، واعتقد عبر الترويض العلمي والعملي،
بھذه القضية اليقينية الإيمانية، لبلغ حضور القلب مرتبة تجلي الإيمان. وبعد حصول الكمال لھذا الإيمان والمجاھدة
والترويض والتقوى الكاملة للقلب، تشمله الھداية الإلھية، ويحصل في قلبه قدراً من تجليات الأفعال بالعيان
والشھود، ثم يتكامل حتى يصبح القلب كلياً مرآة للتجليات، ويحصل للسالك الصعق والفناء. وھذه ھي المرتبة
الأخيرة للحضور، التي تنتھي إلي فناء الحاضر في تجليات الأفعال. وكثير من أھل السلوك يبقون في ھذا الصعق
إلى الأبد ولا يصحون.
وإذا كان قلب السالك مؤھلاً لأكثر من ذلك من جراء إشعاع الفيض الأقدس في عالم الأزل، يصحو السالك من
الصعقة، ويحصل له الإنس ويعود إلى عالمه ويكون مورداً لتجلّيات الأسماء، ويطوي تلك المراتب الأربعة، ويصل إلى
مرحلة الفناء في الصفات، وبمناسبة عينه الثابتة يفنى في اسم من الأسماء الإلھية. وإن كثيراً من أھل السلوك
468 يبقون في ھذا الفناء الأسمائي ولا يصحون. ولعل الكلمة القائلة «إنَّ أوليائي تَحْتَ قبابي لا يَعْرِفُھُمْ غَيْري»
.
إشارة إلى ھؤلاء الأولياء.
وإذا كان ھناك استعداد أكثر من جراء تجلي الفيض الأقدس في عالم الأزل، يحصل للسالك بعد الصعقة
والفناء، الأنس أيضاً ويصحو، ويصير محلاً للتجليات الذاتية ويطوي المراحل الأربعة حتى مرتبة الفناء الذاتي،
والصعق الكلي فينتھي السير إلى االله ويحصل الفناء التام.
قال بعض أن الآية الكريمة (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُھَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى
. تشير إلى ھذه الطائفة من أولياء االله والسالكين إليه وأجرھم لا يكون الا على الذات المقدس تبارك 469 اللَّهِ)
وتعالى.
وقد يتفق أن يفيق السالك من فناءه فينھض حسب استعداده، وقدر إحاطة عينه الثابتة، لھداية الناس (يَاأَيُّھَا
. وإن كانت عينه الثابتة تابعة للاسم الأعظم، لاختتمت به دائرة النبوة ـ كما اختتمت بالنبي 470 الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ)
467
أصول الكافي، المجلد الأول، كتاب التوحيد، باب أن الإرادة من صفات الفعل، ج4.
468
أخبار العلوم، المجلد الرابع، ص256.
469
سورة النساء، آية: 100.
186
المعظم الخاتم صلى االله عليه وآله وسلم، ولم يوجد شخص أخر من الأولين والآخرين ومن الأنبياء والمرسلين،
كانت عينه الثابتة، تابعة للاسم الأعظم وكان ظھور ذاته بجميع الشؤون ـ ولھذا حصل له صلى االله عليه وآله
وسلم ظھور بجميع الشؤون وحصلت الغاية من الظھور في الھداية، وتم الكشف الكلي، واختتمت النبوة بوجوده
المقدس.
وإذا فرضا أن شخصاً من أولياء االله تبعاً لذات النبي المقدس وھدايته سبحانه، بلغ نفس المقام المقدس، لكان
كشفه عين النبي، إذ لا يجوز التكرار في التشريع. فإذن انتھت دائرة النبوة في وجوده المقدس. صلى االله عليه
وآله وسلم ووضع اللبنة الأخيره في دائرة النبوة، كما ورد في الحديث.
ولابد من معرفة أن العبادات والكيفيات المعنوية لھا، تختلف كثيراً من شخص لآخر من أصحاب المقامات
المذكورة وتتفاوت، حيث يكون لكل منھم حظّ ونصيب من المناجات مع الحق المتعالي، مالا يكون لغيره الذي لم
يبلغ ذلك المقام. ومن الواضح أن ما حصل للأمام الصادق عليه السلام لدى العبادة لا يمكن أن يحصل للآخرين.
لقد نقل عن كتاب (فلاح السائل) للسيد ابن طاووس قدس االله سره ـ أنه قال: «فَقَدْ رُويَ أَنَّ مَوْلاَنَا جَعْفَرَ بنَ
محمَّد الصادقَ عليه السّلام كانَ يَتْلُو القُرآن في صَلاَتِهِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمّا أفَاقَ سُئِلَ: مَا الَّذِي أَوْجَبَ مَا انْتَھَتْ
حَالُكَ إِلَيْهِ؟ فَقالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ أُكَرِّرُ آياتِ القُرْآنِ حَتّى بَلَغْتُ إِلَى حَالٍ كَأَنَّنِي سَمِعْتُھَا مُشَافَھَةً مِمَّنْ أَنْزَلَھَا عَلَى
471 المُكَاشَفَةِ وَالعِيانِ، فَلَمْ تَقُمِ القُوَّةُ البَشَرِيّةُ بِمُكَاشَفَةِ الجَلاَلَةِ الإِلھِيَّةِ»
.
والحالة التي كانت تحصل لرسول االله صلى االله عليه وآله وسلم، لم تحصل لأحد من الكائنات كما ورد في
. وعليه أترك ھذا الموضوع الذي لا حظ 472 الحديث المشھور (لِي مَعَ االله حالٌ لا يَسَعَهُ مَلَكُ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌ مُرْسَلٌ)
لي فيه إلاّ الألفاظ، وأشير إلى أن المھمّ لأمثالنا المحرومين من مقامات الأولياء، أن لا نجحد ھذه المقامات بل
نسلّم بھا فإن في التسليم لأمر الأولياء فوائد كثيرة وفي الإنكار والعياذ باالله مفاسد. اللَّھُمَّ إِنِّي مُسَلِّمٌ لأَمْرِھِمْ ـ
صلواتُ االله عليھم أجمعين ـ.
فصل: بيان بعض أسرار العبادة وتجسيم الأعمال
إعلم أنه لا يتم حضور القلب في العبادات، إلا بعد تفھيم القلب لأھمية العبادات، وھو لا يتيسر إلاّ عند
استيعاب أسرارھا وحقائقھا. ومن الواضح أن ذلك لا يحصل لنا، ولكنني أذكر منھا بالمقدار الذي يتناسب مع فھم
أمثالي مستفيداً من أخبار أھل بيت العصمة عليھم السلام، ومن كلمات أھل المعرفة، بالمقدار الذي ينسجم مع
حجم ھذا الكتاب.
إعلم ـ كما أشرنا مرّات ـ أن لكل من الأعمال الحسنة والأفعال العبادية صورة باطنية ملكوتية، وأثر في قلب
العابد، أما الصورة الباطنية فھي التي تعمّر العوالم البرزخية والجنة الجسمانية، لأن أرض الجنة قاع خالية من كل
شيء كما ورد في الحديث، وأن الأذكار والأعمال موادّ إنشاء وبناء لھا. كما ورد في الحديث أيضاً. وإن الآيات الكثيرة
من الكتاب الشريف الإلھي، تدل على تجسّم الأعمال مثل قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ
. ومثل قوله تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) 473 يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَر?ا يَرَه)
474
.
والأخبار الدالة على تجسم الأعمال والصور الغيبية الملكوتية مذكورة في أبواب مختلفة. ونحن نكتفي بذكر
بعضھا:
روى الصدوقُ ـ قُدِّسَ سِرُّهُ ـ بإسناده عن أبي عبد االله عليه السّلام قال: «مَنْ صَلّى الصَّلَواتِ المَفْروضاتِ في
أَوَّلِ وَقْتِھَا وَأَقَامَ حُدودَھا، رَفَعَھَا المَلَكُ إِلَى السَّماءِ بَيْضاءَ نَقِيَّهً تَقولُ: حَفِظَكَ االلهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، اسْتَوْدَعَنِي مَلَكٌ
470
سورة المدثر، آيات: 1 و2.
471 فلاح السائل ص
.107
472
كتاب أحاديث المثنوى.
473
سورة الزلزلة، آيات: 7 ـ 8.
474
سورة الكھف، آية: 49.
187
كَرِيمٌ. وَمَنْ صَلاّھا بَعْدَ وَقْتِھَا مِنْ غَيْرٍ عِلَّةٍ وَلَمْ يُقِمْ حُدودَھا، رَفَعَھَا المَلَكُ سَوْداءَ مُظْلِمَةً وَھِيَ تَھْتِفُ بِهِ ضَيَّعْتَنِي
475 ضَيَّعَك االلهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي وَلاَ رَعَاكَ االلهُ كَمَا لَمْ تَرْعَنِي»
.
ويستفاد من ھذا الحديث الشريف مضافاً إلى تحقق الصورة الملكوتية للعمل، حياة الصورة الملكوتية وشؤونھا
الحياتية أيضاً، وھذا ضرب من البرھان على تجسم الأعمال. والأخبار تدل على أن لجميع الموجودات حياة ملكوتية،
476 وأن عالم الملكوت كله حياة وعلم. (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَھِيَ الْحَيَوَانُ)
.
وفي الكافي بإسناده عن أبى عبد االله في حديث طويل: «إذا بَعَثَ االلهُ المُؤمِنَ مِنْ قَبْرِهِ خَرَجَ مَعَهُ مِثالٌ يِقْدُمُ
أَمَامَهُ، كَلَّمَا يَرَى المُؤْمِنُ ھَوْلاً مِنْ أَھْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ قَالَ لَهُ المِثالُ: لاَ تَفْزَعْ وَلاَ تَحْزَنْ وَأَبْشِرْ بالسُّرورِ وَالكَرَامَةِ مِنَ
االلهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتى يَقِفَ بَيْنَ يَدَي االلهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُحَاسِبُهُ حِساباً يَسيراً وَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى الجَنَّةِ وَالمِثالُ أَمَامَهُ، فَيَقولُ لَهُ
المُؤْمِنُ: يَرْحَمُكَ االلهُ نِعْمَ الخَارِجُ، خَرَجْتَ مَعي مِنْ قَبْرِي وَمَا زِلْتَ تُبَشِّرُنِي بِالسُّرُور وَالكَرَامَةِ مِنَ االلهِ حَتّى رَأيْتُ
ذلِكَ، فَيَقُولُ: مَنْ أنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا السُّرُورُ الَّذِي كُنْتَ أَدْخَلْتَهُ عَلَى أخيكَ المُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا، خَلَقَنِي االلهُ عَزَّ وَجَلَّ
477 مِنْهُ لأُبَشِّرَكَ»
.
وفي ھذا الحديث الشريف أيضاً دلالة واضحة على تجسّم الأعمال في نشأة الآخرة. كما ذكر الشيخ الأجل
بھاء الدين قدس سره أيضاً إثر ذكره لھذا الحديث: (وقد ورد في بعض الأخبار تجسم الاعتقادات أيضاً فالأعمال
الصالحة والاعتقادات الصحيحة تظھر صوراً نورانية مستحسنة موجبة لصاحبھا كمال السرور والابتھاج، والأعمال
السيئة والاعتقادات الباطلة تظھر صوراً ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن والتألم كما قاله جماعة من
المفسرين في قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَھَا وَبَيْنَهُ
أَمَدًا بَعِيدًا) ويرشد إليه قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَھُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَر?ا يَرَه). ومن جعل التقدير ليروا جزاء أعمالھم ولم يرجع ضمير يره إلى العمل فقد بعد عن
478 الحق)
. انتھى كلامه رفع مقامه الشريف.
وفي ھذا المقام كلام غريب صدر من بعض المحدثين الأجلاّء والأولى عدم ذكره، وھو ينبع من توھم المنافاة
بين القول بتجسم الأعمال، والقول بالمعاد الجسماني مع أن ھذا الكلام ـ تجسّم الأعمال ـ يؤكد المعاد
الجسماني وكلمة تمثّل في ھذا الحديث الشريف تعطي نفس المعنى التمثل المذكور في قوله تعالى:
(فَتَمَثَّلَ لَھَا بَشَرًا سَوِي?ا)
. والذي ھو التمثل بالصورة الجسمانية حقيقة، وليس بمعنى الوھم والخيال والرؤيا 479
في المنام. وليس من المستحسن صرف أمثال ھذه الآيات والروايات عن ظاھرھا لأجل عدم انسجام مضمونھا مع
عقولنا، رغم مطابقتھا للبرھان القاطع المذكور في محله، وموافقته لمذھب الحكماء والفلاسفة. فإن من أفضل
الأمور التسليم أمام ساحة قدس الحق المتعالي والأولياء المعصومين والإذعان إلى الآيات الشريفة والروايات
المباركة.
فعلم أن كل عمل مقبول لدى ساحة قدس الحق المتعالي صورة بھية حسنه تتناسب معه من الحور أو
القصور أو الجنان العالية أو الأنھار الجاريه. ولا يوجد كائن على صفحة الوجوب جزافاً، بل ھناك ارتباطات عقليه بينھا
لا يدركھا إلا الكملين من الأولياء. وعلى أي حال إن ھذا الموضوع يتطابق مع مقاييس العقل والبراھين الفلسفية.
ثم بعد أن عُلم بأن الحياة في عالم الآخرة ولذّاتھا ترتبط بأعمال تنتقل صورھا الكمالية إلى ذلك العالم، وإن تلك
الأعمال عبادات قد اكتشفھا محمد بن عبد االله صلى االله عليه وآله وسلم وأخبر أمتّه بھا، وأن كمال العبادة
وحسنھا منوط بالنية وتوجه القلب والمحافظة على شرائطھا، وأنه إذا فقدت العبادة ھذه الأمور أو بعضھا، سقطت
عن الاعتبار، بل كانت لھا صورة بشعة مشوّھة يلقاھا الإنسان في عالم الآخرة، كما يستفاد من الأخبار
والأحاديث.
475
وسائل الشيعة، المجلد الثالث، الباب الثالث من أبواب المواقيت، ح 17 ،ص90.
476
سورة العنكبوت: آية: 64.
477
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الأيمان والكفر، باب أدخال السرور على المؤمنين، ح8.
478
أربعين الشيخ البھائي ص 200 ،شرح حديث 33 عن مرآة العقول ج 9 ص 94.
479
سورة مريم، آية: 17.
188
بعد أن علمت ھذه الأمور، على كل إنسان مؤمن بعالم الغيب وبأحاديث الأنبياء والأولياء وأھل المعرفة، وذوي
الرغبة في الحياة الأبدية، أن يصلح أعماله مھما كلفت من مشقة وجھد وترويض للنفس حيث يجب عليه بعد
موافقة ظواھر أعماله للقواعد الاجتھادية أو فتوى الفقھاء رضوان االله عليھم السعي في سبيل إصلاح سيرته
وباطنه، وبذل الجھد حتى يأتي بالفرائض على الأقل مع توجه القلب، ويجبر عيوبھا بالنوافل. كما ورد في الأحاديث
الشريفة، أن النوافل تجبر الفرائض وتبعث على قبولھا.
480 في العِلَل: بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنَّما جُعِلَتِ النّافِلَةُ لِيَتِمَّ بِھَا مَا يَفْسُدُ مِنَ الفَرِيضَةِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
 
الاربعون حديث 16
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الاربعون حديث 2
» الاربعون حديث 18
» الاربعون حديث 3
» الاربعون حديث 19
» الاربعون حديث 4

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنزالعلوم الاسلامية :: القسم الخامس الخاص بالعرفان والاذكاروالمناجاة اضغط هنا-
انتقل الى: