كنزالعلوم الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

 الاربعون حديث 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث 3 Empty
مُساهمةموضوع: الاربعون حديث 3   الاربعون حديث 3 I_icon_minitimeالإثنين يناير 08, 2018 2:09 pm

أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر ـ باب في أصول الكفر وأركانه ـ ح.
37
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح 3.
الوسائل في مقصد العبادات، باب تحريم الإعجاب بالنفس، ويقول العلامة المجلسي، " من الممكن أن يكون (أبو الحسن) المذكور في 38
ھذا الحديث الشريف ھو الإمام الرضا عليه السلام لأن علي بن سويد يروي عنھما كليھما (عليھما السلام) الإمام موسى بن جعفر والإمام
الرضا وإن يروي عن الكاظم عليه السلام أكثر من روايته عن الإمام الرضا عليه السلام. عفى االله عنه ".
39
نقلاً عن بحار الأنوار، المجلد 72 ،ص306.
28
وھناك درجات أخرى غير ولكنه ليست في ھذا المقام. ونحن إن شاء االله سنشير ضمن فصول لاحقة، إلى
تلك الدرجات ومنشئھا وما يمكن أن يكون علاجا لھا. وبه نستعين.
فصل: في مراتب العجب
أن لكل واحدة من الدرجات الآنفة الذكر من العجب مراتب يكون بعض ھذه المراتب واضحة وبيِّنة ويمكن 40 اعلم
للإنسان الإطلاع عليھا بأقل تنبه والتفاوت. وبعضھا الآخر دقيق وخفيّ للغاية بحيث لا يمكن للإنسان أن يدركھا ما
لم يفتش ويدقّق بصورة صحيحة. كما أن بعض مراتبھا أشدّ وأصعب وأكثر تدميراً من بعضھا الآخر.
المرتبة الأولى:
وھي أشدّ المراتب وأھلكھا، حيث تحصل في الإنسان بسبب شدة العُجْب حالة يمنّ معھا في قلبه بإيمانه أو
خصاله الحميدة الأخرى على ولي نعمته ومالك الملوك، فيتخيل أن الساحة الإلھية قد اتسعت بسبب إيمانه، أو
أن دين االله قد أكتسب رونقاً بذلك أو أنه بترويجه للشريعة أو بإرشاده وھدايته أو بأمره بالمعروف ونھيه عن المنكر
أو بإقامته الحدود، أو بمحرابه ومنبره، قد أضفى على دين االله بھاءً جديداً، أو أنه بحضوره جماعة المسلمين، أو
بإقامة مجالس التعزية لأبي عبداالله عليه السلام قد أضفى على الدين جلالا، لذلك يمنّ على االله وعلى سيد
المظلومين وعلى الرسول الأكرم صلى االله عليه وآله وسلم، وإن لم يظھر لأحد ھذا المعنى، إلاّ أنه يمنّ في
قلبه. ومن ھنا ومن ھذا الباب بالذات تنشأ المنّة على عباد االله في الأمور الدينية، كأن يمنّ على الضعفاء والفقراء
بإعطائھم الصدقات الواجبة والمستحبة ومساعدتھم، وأحيانا تكون ھذه المنّة خافية حتى على الإنسان نفسه
(وقد تقدم في الحديث الثاني شرح عدم إمكان امتنان الإنسان على االله، وإنا يمنّ االله على الناس جميعا).
المرتبة الثانية:
وھي التي يتدلل فيھا الإنسان ويتغنج بواسطة العُجب على االله تعالى وھذه غير المنّة، ولو أن البعض لم
يفرّق بينھما.
أن صاحب ھذا المقام يرى نفسه محبوبا الله تعالى، ويرى نفسه في سلك المقرَّبين والسابقين، وإذا جيء
باسم وليّ من أولياء االله أو جرى حديث عن المحبوبين والمُحبين أو السالك المجذوب، اعتقد في قلبه أنه من
أولئك. وقد يبدي التواضع رياء وھو خلاف ذلك، أو أنه لكي يثبت ذلك المقام لنفسه ينفيه
عن نفسه بصورة تستلزم الإثبات.
وإذا ما ابتلاه االله تعالى ببلاء، راح يعلن أن «البَلاءَ لِلْوَلاءِ».
إن مدعي الإرشاد من العرفاء والمتصوفة وأھل السلوك والرياضة أقرب إلى ھذا الخطر من سائر الناس.
المرتبة الثالثة:
أن يرى العبد نفسه وبواسطة الإيمان أو الملكات أو الأعمال، دائنا الله وأنه بذلك يكون مستحقا للث واب، ويرى
واجباً على االله أن يجعله عزيزاً في ھذا العالم، ومن أصحاب المقامات في الآخرة، ويرى نفسه مؤمناً تقياً وطاھراً،
وكلما جاء ذكر المؤمنين بالغيب، قال في نفسه: «حتى لو عاملني االله بالعدل، فإني أستحق الثواب والأجر» بل
يتعدى بعضھم حدود القبح والوقاحة ويصرّح بھذا الكلام. وإذا ما أصابه بلاء وصادفه ما لا يرغب، فإنه يعترض على
االله في قلبه، ويتعجب من أفعال االله العادل، حيث يبتلي المؤمن الطاھر، ويرزق المنافق، ويغضب في باطنه على
االله تبارك وتعالى وتقديراته، ولكنه يظھر الرضا في الظاھر، ويصبُّ غضبه على ولي نعمته، ويظھر الرضا بالقضاء
أمام الخلق. وعندما يسمع أن االله يبتلي المؤمنين في ھذه الدنيا، يسلّي نفسه بذلك في قلبه، ولا يدري بأن
المنافقين المبتلين كثيرون أيضاً وليس كل مُبْتَلٍ مؤمناً.
المرتبة الرابعة:
ھي أن يرى الإنسان نفسه مُتميزاً عن ائر الناس وأفضل منھم بالإيمان، وعن المؤمنين بكمال الإيمان،
وبالأوصاف الحسنة عن غير المتصفين بھا، وبالعمل بالواجب وترك المحرَّم عمّا يقابل ذلك، كما أنّه يرى في عمل
40
في ھذا الفصل نشرح العُجب في الخصال الحسنة، وسنشرح في بعض الفصول القادمة، العُجب بالخصال التي تقابل الصفات الحسنة.
أيضا (منه عفى عنه).
29
المستحبات والتزام الجمعة والجماعات والمناسك الأخرى وترك المكروھات يرى نفسه أكمل من عامة الناس، وأن
له امتيازاً عليھم، فيثق بنفسه وبأعماله، ويرى سائر الخلق زبداً ناقصين، وينظر إلى سائر الناس بعين الاحتقار،
ويطعن بقلبه أو بلسانه في عباد االله ويعيبھم، ويبعد كل شخص بصورة مّا عن ساحة رحمة االله، ويجعل الرحمة
خالصة له ولأمثاله.
ومثل ھذا الإنسان يصل إلى درجة بحيث يناقش كل عمل صالح يراه من الناس، ويخدشه بقلبه على نحو ما،
ويرى أعماله خالصة من ذلك الاعتراض والنقاش ولا يرى الأعمال الحسنة من الناس شيئاً ولكن إذا صدرت ھذه
الأعمال نفسھا عنه يراھا عظيمة. إنه يعرف جيدا عيوب الناس وھو غ افل عن عيوبه.
ھذه علامات العُجْب، وإن كان الإنسان نفسه قد يكون غافلاً عنھا، وللعُجب درجات أخرى، لم أذكر بعضھا،
وأكون غافلاً عن بعضھا الأخر حتماً.
فصل: إن أھل الفساد يُعجبون بفسادھم
يصل أھل الكفر والنفاق والمشركون والملحدون وذوو الأخلاق القبيحة، والملكات الخبيثة وأھل المعصية
والعصيان، أحياناً إلى درجة الإعجاب بغرورھم وزندقتھم تلك، أو بسيئات أخلاقھم وموبقات أعمالھم، ويسرّون بھا،
ويرون بھا أنفسھم من ذوي الأرواح الحرة، الخارجة عن التقليد وغير المعقّدة بالأوھام والخرافات، ويرون أنفسھم
أولي شھامة ورجولة، ويتصورون أن الإيمان باالله من الأوھام، وأن التعبد بالشرائع من ضعف العقل وصغره، ويرون
أن الأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة، ھي من ضعف النفس والمسكنة، ويحسبون أن الأعمال الحسنة
والمناسك والعبادات ھي من ضعف الإدراك ونقصان الإحساس، ويرون أن أنفسھم ستحق المدح والثناء، بسبب
الروح الحرة التي لا تعتقد بالخرافات ولا تبالي بالشرائع. لقد تأصلت في قلوبھم الخصال القبيحة والسيئة وأصبحوا
يأنسون بھا، وبھا امتلأت أعينھم وآذانھم فرأونا حسنة، وتصوروھا كمالاً مثلما وردت الإشارة إلى ذلك في ھذا
الحديث الشريف حيث قال: «العُجْبُ دَرَجَاتٌ، مِنْھَا أنْ يُزَيّنَ لِلْعَبْدِ سُوءُ عَمَلِهِ فَيَراهُ حَسَنَاً فَيُعْجِبُهُ وَيَحْسَبُ أنَهُ
. وكما يقول {وَيَحْسَبُ 41 يُحْسِنُ صَنْعَاً» وھذه إشارة إلى قول االله تعالى {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا...}
أَنَهُ يُحْسِنُ صَنْعاً} يشير إلى قول االله تعالى: {قُلْ ھَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُھُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَھُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّھُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّھِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُھُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَھُمْ يَوْمَ
. تلك المجموعة من الناس الذين ھم في الواقع جھلة ويحسبون أنفسھم علماء، أولئك ھم أكثر 42 الْقِيَامَةِ وَزْنًا}
الناس مسكنة وأسوأ الخلائق حظّاً، أولئك يعجز أطباء النفوس عن علاجھم ولا تؤثر فيھم الدعوة والنصيحة، بل قد
تعطي أحياناً نتيجة عكسية. أولئك لا يعون الدليل بل يسدّون أسماعھم عن ھداية الأنبياء عليھم السلام وبرھان
الحكماء ومواعظ العلماء.
وعليه فتجب الاستعاذة باالله من شرّ النفس ومكائدھا التي تجر الإنسان من المعصية إلى الكفر ومنه إلى
العُجْب به. إن النفس والشيطان، بتھوينھا بعض المعاصي، يلقيان بالإنسان في المعصية، وبعد تأصيلھا في قلبه
وتحقيرھا في عينه يبتلى الإنسان بمعصية أخرى أكبر قليلاً من الأولى، ومع التكرار تسقط المعصية الثانية من
النظر وتبدو صغيرة وھيِّن في عين الإنسان، فيبتلى بما ھو أعظم. وھكذا يسير الإنسان نحو الھاوية خطوة
فخطوة، وشيئا فشيئا فتصغر كبائر المعاصي في عينه إلى أن تسقط جميع المعاصي في نظرة، فيستھين
بالشريعة والقانون الإلھي، ويؤول عمله إلى الكفر والزندقة والإعجاب بھما. وقد يأتي الحديث عن ذلك فيما يأتي.
فصل: في بيان أن حيل الشيطان دقيقة
وعلى غرار ما يتدرج عمل أولي العُجب بالمعاصي من مرتبة إلى أخرى حتى يصل إلى الكفر والزندقة، كذلك
يتطور العجب بالطاعات من العجب في الدرجة الناقصة إلى الدرجة الكاملة، فتصبح مكائد النفس والشيطان في
القلب على أساس تخطيط ودراسة. إن الشيطان لا يمكن أبدا أن يعھد إليكم، أنتم المتقون الخائفون من االله،
مھمة قتل النفس أو الزنا، أو أن يقترح على الشخص الذي يتمتع بالشرف وطھارة النفس، السرقة أو قطع
41
سورة فاطر، آية: 8.
42
الكھف: 103 ـ 105.
30
الطريق، فلا يمكن أن يقول لك منذ البداية بأن مُنَّ على االله ب ھذه الأعمال أو ضع نفسك في زمرة المحبوبين
والمحبين والمقرّبين من
الحضرة الإلھية. وإنما يبدأ الأمر بالخطوة الأولى ثم يشق طريقه في قلوبكم، فيدفعكم نحو الحرص الشديد
على التزام المستحبات والأذكار والأوراد. وفي غضون ذلك يزين أمامكم بما يناسب حالكم، عملا واحدا من أھل
المعصية، ويوحي لكم بأنكم بحكم الشرع والعقل أفضل من ھذا الشخص، وأن أعمالكم موجبة لنجاتكم، وأنكم
بحمد االله طاھرون بعيدون عن المعاصي ومبرءون منھا، فيتحصل من ھذه الإيحاءات نتيجتين: الأولى: ھي سوء
الظن بعباد االله، والأخرى: العُجب بالنفس. وكلاھما من المھلكات ومن معين المفاسد.
قولوا للشيطان والنفس: قد تكون لھذا الشخص المبتلي بالمعصية، حسنات، أو أعمال أخرى فيشمله االله
تعالى بھا بوافر رحمته، ويجعل نور تلك الحسنات والأعمال مناراً يھديه فيؤول عمله إلى حسن العاقبة. ولعل االله
قد ابتلى ھذا لشخص بالمعصية لكي لا يبتلى بالعُجب، الذي يعدّ أسوأ من المعصية. مثلما ورد في الحديث
الشريف المنقول في الكافي، عن أبي عبداالله، قال: «إِنَّ االلهَ عَلِمَ أن الذنب خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ العُجبِ ولولا ذلكَ ما
ولعل عملي أنا يؤول إلى سوء العاقبة بسبب سوء الظن ھذا. وكان شيخنا الجليل 43 ابْتَلى مؤمِناً بِذَنْبٍ أَبداً»
العارف الكامل الشاه آبادي «روحي فداه» يقول:
«لا تعيبوا على أحد، حتى في قلوبكم، وإن كان كافرا، فلعل نور فطرته يھديه، ويقودكم تقبيحكم ولومكم ھذا
إلى سوء العاقبة إن الأمر بالمعروف والنھي عن المنكر غير التعبير القلبي» بل كان يقول: «لا تلعنوا الكفار الذين لا
يعلم بأنھم رحلوا عن ھذا العالم وھم حال في حال الكفر، فلعلھم اھتدوا في أثناء الرحيل فتصبح روحانيتھم مانعا
لرقيكم». وعلى أي حال، فإن النفس والشيطان، يدخلانكم في المرحلة الأولى من العُجب وقليلا قليلا ينقلانكم
من ھذه المرحلة إلى مرحلة أخرى، ومن ھذه الدرجة إلى درجة أكبر إلى أن يصلا بالإنسان في النھاية إلى
المقام الذي يمنُّ فيه على ولي نعمته ومالك الملوك، بإيمانه أو أعماله ويصل عمله إلى أسفل الدرجات.
فصل: في مفاسد العُجْب
اعلم أن العجب بنفسه من المھلكات والموبقات ومما يحبط إيمان الإنسان وأعماله ويفسدھا، كما يجيب
الإمام عليه السلام الراوي عندما يسأله في ھذا الحديث الشريف عن العُجْب الذي يفسد العمل فيحدد عليه
السلام أن درجة منه ھي العجب في الإيمان. وقد سمعت في الحديث السابق أن العجب أشد من الذنب في
حضرة االله تعالى. ولھذا قد يبتلي االله سبحانه المؤمن بالمعصية لكي يصبح آمنا من العجب. وكذلك الرسول الأكرم
صلى االله عليه وآله وسلم يعتبر العجب من المھلكات.
وصورة ھذا السرو ـ 44 وفي أمالي الصوق، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «مَنْ دَخَلَهُ العُجْب ھَلَكَ»
الحاصل من العجب ـ في البرزخ وما بعد الموت، تكون موحشة ومرعبة جدا، ولا نظير لھا في الھول. وأوضح ما
يشير إلى ذلك قول الرسول الأكرم صلى االله عليه وآله وسلم في وصيته لأمير المؤمنين عليه السلام: «ولا وَحْدَةَ
. سأل موسى ين عمران على نبينا وآله وعليه السلام الشيطان: «أَخْبَرْنِي بِالْذَّنْبِ الَّذي إِذَا 45 أَوْحَشَ من العُجْبِ»
. وقال: قال االله 46 ارتَكَبَهُ ابنُ آدَمِ إِسْتَحْوَذتَ عَلَيه، قال: إِذا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُه، واسْتكْثَر عَمَلَهُ، وَصَغُر فِي عَيْنِه ذَنْبُه»
تعالى لداود عليه السلام: «يا داودَ بَشِّرِ المُذْنِبينَ وأُنْذِرِ الصِّدّيقِينَ» قال: يا ربّ كَيْفَ أُبَشِّر المُذْنِبينَ وأُنْذِر
الصِّدِّيقين؟ قال: «يا داود بَشِّر المُذْنبينَ أَنِي أَقْبَلُ التّوْبَةَ وأَعْفُو عَنِ الذَّنب. وأُنْذِرِ الصِّدِّيقينَ أَلاّ يُعْجِبُوا بِأَعْمالِھِمْ، فَإِنهُ
أعوذ باالله تعالى من المناقشة في الحساب التي تھلك الصديقين ومن ھو 47 لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهِ لِلْحِسابِ إِلاّ ھَلَكَ»
أعظم منھم.
43
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح 1 ص 212.
44
وسائل الشيعة، المجلد الأول، الباب 3 من أبواب مقدمة العبادات ح 18.
45
وسائل الشيعة، المجلد الأول، الباب 23 من أبواب مقدمة العبادات ح 8.
46
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان، باب العجب، ح 8.
47
خصال الصدوق، باب الثلاثة، ح 86.
31
ينقل الشيخ الصدوق في الخصال مسندا إلى الإمام الصادق أن الشيطان يقول: «إذا ظَفَرْتُ بِابنِ آدَمَ فِي ثَلاثٍ
48 فَلا يُھِمّنِي عَمَلَهُ بَعْدَ ذلِكَ لأنَّه لَنْ يُقْبَلَ مِنهُ: إِذا اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَنَسِيَ ذَنْبَهُ، وَتَسَرَّبَ إِلَيهِ العُجْبُ» !
.
يضاف على ما سمعت من مفاسد العجب، نه شجرة خبيثة، نتاجھا الكثير من الكبائر والموبقات. فعندما يتأصل
العجب في القلب، يجرّ عمل الإنسان إلى الكفر والشرك وإلى ما ھو أعظم من ذلك.
ومن مفاسده استصغار المعاصي. بل إن ذا العجب لا ينھض لإصلاح نفسه ويظن أن نفسه زكية طاھرة، فلا
يخطر على باله أبدا أن يطھرھا من المعاصي، لأن ستار الإعجاب بالنفس وحجابه الغليظ يحول بينه وبين أن يرى
معايب نفسه. وھذه مصيبة، إذ أنھا تحجز الإنسان عن جميع الكمالات، وتبتليه بأنواع النواقص، وتؤدي بعمل
الإنسان إلى الھلاك الأبدي، ويعجز أطباء النفوس عن علاجه...
ومن مفاسده الأخرى أنھا تجعل الإنسان يعتمد على نفسه في أعماله، وھذا ما يصبح سببا في أن يحسب
الإنسان الجاھل المسكين نفسه في غنى عن الحق تعالى، ولا يرى عليه فضل الحق تعالى، ويرى ـ بحسب
عقله الصغير ـ أن الحق تعالى ملزم بأن يعطيه الأجر والثواب، ويتوھم أنه حتى لو عومل بالعدل أيض ا لاستحق
الثواب، وسيأتي فيما بعد ذكر ھذا الأمر إن شاء االله.
ومن مفاسد العجب الأخرى، أن ينظر الإنسان باحتقار إلى عباد االله، ويحسب أعمال الناس لا شيء وإن كانت
أفضل من أعماله، فتكو ن ھذه النظرة وسيلة لھلاك الإنسان أيضاً، وشوكة في طريق خلاصه ونجاته.
ومن مفاسده الأخرى، أنه يدفع الإنسان إلى الرياء، لأن الإنسان بصورة عامة إذا استصغر أعماله ـ وجدھا لا
شيء ـ ووجد أخلاقه فاسدة، وإيمانه لا يستحق الذكر، وعندما لا يكون معجبا بنفسه ولا بصفاته ولا بأعماله، بل
وجد نفسه وجميع ما يصدر عنھا سيئاً وقبيحاً، لا يطرحھا ولا يتظاھر بھا، فإن البضاعة الفاسدة تكون سيئة وغير
صالحة للعرض. ولكنه إذا رأى نفسه كاملا وأعماله جيدة، فإنه يندفع إلى التظاھر والرياء، ويعرض نفسه على
الناس.
يجب اعتبار مفاسد الرياء المذكورة في الحديث الثاني من مفاسد العجب أيضا.
وھناك مفسدة أخرى ھي أن ذه الرذيلة تؤدي إلى رذيلة الكبر المھلكة، وتبعث على ابتلاء الإنسان بمعصية
التكبر ـ وسيأتي إن شاء االله ذكر الحديث عنھا فيما بعد ـ.
تنشأ من ھذه الرذيلة مفاسد أخرى أيضا بصورة مباشرة وغير مباشرة وشرح ذلك يوجب التفصيل. فليعلم
المعجب أن ھذه الرذيلة ھي بذرة رذائل أخرى، ومنشأ لأمور بشكل كل واحد منھا سببا للھلاك الأيدي والخلود
في العذاب. فإذا عرف ھذه المفاسد بصورة صحيحة ولاحظھا بدقة، ورجع إلى الأخبار والآثار الواردة بشأنھا عن
الرسول الأكرم صلى االله عليه وآله وسلم وأھل البيت ذلك القائد صلوات االله عليھم أجمعين، فمن المحتم أن
يعتبر الإنسان نفسه ملزما بالنھوض لإصلاح النفس، وتطھيرھا من ھذه الرذيلة واستئصال جذورھا من باطن
النفس، لئلا ينتقل لا سمح االله إلى العالم الآخر وھو بھذه الصفة، وإنه حينما يغمض عينيه المادية الملكوتية،
ويشرق عليه سلطان البرزخ والقيامة، يرى أن حال أھل كبائر المعاصي أفضل من حاله حيث غمرھم االله برحمته
الواسعة بسبب ندمھم أو بسبب ما كان لديھم من رجاء بفضل االله تعالى. وأما ھذا المسكين الذي رأى نفسه
مستقلا، وحسبھا في باطن ذاته غنية عن فضل االله، فيرى بأن االله تعالى حاسبه لذلك حسابا عسيرا، وأخضعه
لميزان العدل كما أراد، وأفھمه بأنه لم يقم بأية عبادة الله تعالى، وأن جميع عباداته أبعدته عن الساحة المقدسة،
وأن كل أعماله وإيمانه باطل وتافه. بل وأن تلك الأعمال والعبادات نفسھا ھي سبب الھلاك وبذرة العذاب الأليم
ورأس مال الخلود في الجحيم. الويل لمن يعامله الباري تعالى بعدله، فإذا ما عومل الناس مثل ھذا التعامل ما نجا
أحد من الأولين والآخرين. إن مناجاة صفوة االله ـ من الأنبياء والأئمة المعصومين صلوات االله عليھم ـ مشحونة
بالاعتراف بالتقصير والعجز عن القيام بالعبودية. وعندما يعلن رسول االله محمد صلى االله عليه
48
خصال الصدوق، باب الثلاثة، ح 86.
32
وآله وسلم أفضل الكائنات وأقربھا إلى االله قائلا: «مَا عَرَفناكَ حقَّ معْرِفَتِكَ وما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ» فماذا
سيكون حال سائر الناس؟.. نعم إنھم العارفون بعظمة االله تعالى، العالمون بحقيقة نسبة «الممكن» إلى
«الواجب» إنھم يعلمون، أنھم لو قضوا جميع أعمارھم في الدنيا بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح، لما أدّوا
شكر نعم االله، فكيف يمكن أداء حق الثناء على ذاته وصفاته المقدسة؟، إنھم يعلمون أن ليس لموجود شيء.
فالحياة والقدرة والعلم والقوة وسائر الكمالات الأخرى ھي ملك لكماله تعالى، و«الممكن» فقير، بل فقر محض
يستطل بظله تعالى، وليس بمستقل بذاته. أيّ كمالٍ يملكه «الممكن» بنفسه لكي يتظاھر بالكمال؟، وأية قدرة
يمتلكھا لكي يتاجر بھا؟ أولئك العارفون باالله وبجماله وجلاله شاھدوا شھود عيان نقصھم وعجزھم وشاھدوا كمال
«الواجب» تعالى، وإنما نحن المساكين الذين قد ران حجاب الجھل والغفلة والعجب والمعاصي على قلوبنا وقوالبنا
وغشى أبصارنا وأسماعنا وعقولنا وكافة قوانا المدركة بحيث أخذنا نستعرض عضلاتنا في مقابل قدرة االله القاھرة،
ونعتقد أن لنا استقلالاً وشيئية بذواتنا.
أيھا «الممكن» المسكين الجاھل بنفسك وبعلاقتك باالله!، أيھا «الممكن» السيّئ الحظ الغافل عن واجباتك
إزاء مالك الملوك! إن ھذا الجھل ھو سبب جميع ما يلحقك من سوء التوفيق، وھو الذي ابتلانا بجميع ھذه
الظلمات والمكدّرات. أن الفساد قد ينشأ من الأساس، وأن تلوّث الماء قد يكون من المعين. إن عيون معارفنا
عمياء، وقلوبنا ميته، وھذا سبب جميع المصائب ولكننا مع كل ذلك لسنا حتى بصدد إصلاح أنفسنا!.
اللھم تفضل علينا بتوفيق التوبة، وعرفنا أنت بواجباتنا، وتفضل علينا بنصيب من أنوار معارفك التي ملأت بھا
قلوب العرفاء والأولياء، أظھر لنا إحاطة قدرتك وسلطتك، وعرفنا بنواقصنا. فھّمْنا نحن الماكين الغافلين الذين ننسب
جميع المحامد إلى الخلق فَھّمنا معنى «الحمدُ الله رّبِّ العالَمِينَ» عرّف قلوبنا بأن ليست ھناك محمدة من
. أدخل كلمة 49 مخلوق. أظھر لنا حقيقة {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ...}
التوحيد إلى قلوبنا القاسية الكدرة، نحن أھل الحجاب والظلمة، وأھل الشرك والنفاق، نحن الأنانيون، عبّاد
النفس، المعجبون بھا، أخرج من قلوبنا حب النفس وحب الدنيا، واجعلنا عشّاقاً الله وعبّاداً لك {إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ
قَدِير}.
فصل: في بيان أن حُبّ النفس أساس العُجْب
اعلم أن رذيلة العُجب تنشأ من حب النفس، لأن الإنسان مفطور على حب الذات، فيكون أساس جميع
الأخطاء والمعاصي الإنسانية والرذائل الأخلاقية، حب النفس. ولھذا فإن الإنسان يرى أعماله الصغيرة كبيرة، وبذلك
يرى نفسه من الصالحين ومن خاصة االله ويرى نفسه مستحقاً للثناء ومستوجباً للمدح على تلك الأعمال الحقيرة
التافھة. بل ويحدث أحياناً أن تلوح لنظرة قبائح أعماله حسنة وإذا ما رأى من غيره أعمالا أفضل وأعظم من أعماله
فلا يعيرھا أھمية، ويصف أعمال الناس الصالحة بالقبح، وأعماله السيئة القبيحة بالحسنة. يسيء الظن بخلق االله
ولكنه يحسن الظن بنفسه، وبسبب حبه لنفسه يرى بعمله الصغير الممزوج بآلاف القذارات المبعدة عن االله، أن
االله مدين له وأنه يستوجب منه الرحمة.
فلنفكر الآن قليلا في أعمالنا الصالحة ولنحكِّم العقل قليلا في الأفعال العبادية الصادرة عنّا، ولننظر إليھا بعين
الإنصاف، لنرى ھل أننا نستحق بھا المدح والثناء والثواب والرحمة، أو أننا جديرون باللوم والعتاب والغضب والنقمة؟
وإذا ما أحرقنا االله بسبب ھذه الأعمال، التي نراھا حسنة، بنار القھر والغضب ألا يكون ذلك عدلاً؟...
إني أحكّمكم في ھذا السؤال الذي أطرحه، أريد منكم الجواب عليه بإنصاف ـ بعد إعمال الفكر والتأمل ـ.
والسؤال ھو أنه إذا أخبركم الرسول الأكرم صلوات االله عليه وآله وسلم، وھو الصادق المصدق، إنكم إذا عبدتم االله
طوال عمركم وأطعتم أوامره وتركتم شھوات النفس ورغباتھا، أو تركتم عبادته وعملتم على خلاف توجيھاته
سبحانه وتعالى وعلى أساس رغبات النفس وشھواتھا طيلة حياتكم، إذا أخبركم الرسول صلى االله عليه وآله
وسلم بأنكم سيّان ـ في كلتا
49
النساء، آية: 79.
33
الحالتين ـ لن تختلف درجاتكم في الآخرة إنكم على كل حال الناجون وستذھبون إلى الجنة وتأمنون من
العذاب، فلا فرق ـ حسب الفرض ـ بين أن تصلوا أو تزنوا، ولكن مع ذلك يكون رضا االله تعالى في عبادته والثناء عليه
وحمده، والابتعاد عن الشھوات والرغبات النفسانية في ھذا العالم، مع عدم الإثابة على الطاعة. فھل كنتم
تصبحون من أھل المعصية أو من أھل العبادة؟ ھل كنتم تتركون الشھوات وتحرمون على أنفسكم اللذات
النفسانية من أجل رضا االله تعالى والرغبة فيه، أو لا؟ ھل كنتم باقين من المتوسلين إليه تعالى بالمستحبات
والجمعة والجماعات؟ أو كنتم تغرقون في الشھوات وتلازمون اللھو واللعب والملاھي وغير ذلك؟ أجيبوا بإنصاف
ودون تظاھر ورياء. إنني أعلن عن نفسي وعمن ھو على شاكلتي بأنّا كنّا نصبح من أھل المعصية ونترك الطاعات
ونعمل بالشھوات النفسانية.
وبعد ما تقدم نستنتج أن جميع أعمالنا ھي من أجل اللذات النفسانية ومن أجل الاھتمام بالبطن والفرج. إننا
عُبّاد للبطن وعُبّاد للشھوة، ونترك لذة صغيرة، للذة أعظم وإن وجھة أنظارنا وقبلة آمالنا ھي فتح بساط الشھوة.
إن الصلاة التي ھي معراج القرب إلى االله نؤديھا قربة لنساء الجنة ولا علاقة لھا بالقرب إلى االله، ولا علاقة لھا
بطاعة الأمر، وھي بعيدة آلاف الفراسخ عن رضا االله.
أيھا المسكين الغافل عن المعارف الإلھية، يا من لا تھم سوى إرادة شھوتك وغضبك، أنت المتوسل بالأذكار
والأوراد والمستحبات والواجبات، والتارك للمكروھات والمحرّمات والمتخلق بالأخلاق الحسنة، والمتجنب لسيئات
الأخلاق، ضع أعمالك أمام عين الإنصاف، أتقوم بھا لأجل الوصول إلى الشھوات النفسانية والجلوس على سرر
مطعّمة بالزبرجد، ومعانقة الضحوكات والدعوبات في الجنة، ارتداء الحرير والإستبرق، والسكنى في القصور الفارھة
الجميلة، والوصول إلى الأماني النفسية؟ أفينبغي أن تمن بھذه الأعمال على االله وھي جميعا لأجل النفس ومن
أجل عبادتھا، وتعدّھا عبادة الله؟ ھل يختلف حالكم عن ذلك الأجير الذي ينجز عملا من أجل الأجر، ثم يقول: إنني
أنجزت ذلك العمل لأجل صاحب العمل فحسب؟ أفلا تكذبوه؟
ألستم كاذبين حينما تقولون: إننا نصلّي تقرباً إلى االله تعالى؟ ألأجل التقرب
إلى االله ھذه الصلاة أو لأجل التقرب لنساء الجنة وإشباع الشھوة؟ أقولھا صراحة، إن جميع عباداتنا ھذه لھي
من كبائر الذنوب عند العرفاء باالله وأولياء االله.
أيھا المسكين! أنت في حضرة االله جلّ جلاله، وفي محضر الملائكة المقربين، تعمل خلاف رضا االله تعالى،
والعبادة التي ھي معراج القرب من االله، تؤديھا لأجل النفس الأمّارة بالسوء ولأجل الشيطان، وعندھا لا تستحي
أن تكذب في العبادة عدة أكاذيب في حضرة الربّ والملائكة المقربين وتفتري عدة افتراءات، وتمنّ وتعجب وتتدلل
أيضا، ولا تخجل بعد كل ذلك! بماذا تختلف عبادتي ھذه وعبادتك عن معصية أھل العصيان، وأشدھا الرياء؟ فالرياء
شرك وقبحه ناشئ من أنك لم تؤد العبادة لأجل االله. جميع عباداتنا شرك محض ولا أثر فيھا للخلوص والإخلاص،
بل حتى أن رضا االله لا يشترك في الدافع إلى إنجاز ھذه العبادة فھي لأجل الشھوات وإعمار البطن والفرج
فحسب.
أيھا العزيز، إن الصلاة التي تكون لأجل المرأة، سواء أكانت في الدنيا أم في الجة، لا تكون الله، الصلاة التي
تكون من أجل الحصول على أمال الدنيا أو آمال الآخرة، لا علاقة لھا باالله فلماذا إذاً تتدلل إلى ھذا الحد، وتنظر إلى
عباد االله بعين الاحتقار، وتحسب نفسك من خواص االله تعالى؟ أيھا المسكين! أنت بھذه الصلاة مستحق للعذاب
ومستوجب لسلسلة طولھا سبعون ذراعا. فلماذا إذاً تحسب نفسك دائناً الله، وتھيأ لنفسك بھذا التدلل والعُجْب
عذابا آخر؟ أعمل الأعمال التي أُمرت بھا، واعلم أنھا ليست لأجل االله، واعلم أن االله يدخلك الجنة بتفضله وترحمه،
وأن االله تعالى خفف عن عباده لضعفھم بالتجاوز عن نوع من الشرك وأسدل عليه بغفرانه ورحمته حجاب ستره،
فحاذر أن يتمزق ھذا الحجاب وليبق حجاب غفران االله على ھذه السيئات التي أسميناھا عبادة. فإذا حدث لا
سمح االله أن انطوت صفحتك ھذه ورحلت من ھذه الدنيا وجاءت صفحة العدل فإن عفونة عبادتنا عندئذ لن تقل
عن عفونة المعاصي وال موبقات التي يرتكبھا أھل المعصية. وقد أشرنا فيما مضى إلى حديث ينقله ثقة الإسلام 
34
الكليني في كتاب (الكافي) بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام، وھنا ننقل قسماً من ھذا الحديث بنصه
تبركاً وتيمناً: عن أبي عبد االله عليه السلام قال: قال رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم قال االله عزّ وجلّ لداود
عليه السلام: {يا داودُ بَشِّر المُذْنِبينَ وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقينَ. قال: كَيْفَ أُبَشِّرُ المُذْنِبينَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّيقينَ؟ قال يا داوُدُ بَشِّرِ
المُذْنِبينَ أنّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَعْفُو عَنِ الذَّنْب وَأَنْذِرِ الصِّدّيقينَ أَنْ لا يُعْجِبُوا بِأَعْمالِھِم فَإِنّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسابِ إلاّ
50 ھَلَكَ}
. لأنه مستحق للعذاب وفق العدالة فإن ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحد من نعمائه.
فإذا علمت الصديقين، على الرغم من أنھم مُطھَّرون من الذنب والمعصية، جميعاً ھالكون في الحساب، فماذا
نقول أنا وأنتم؟... ھذا كله عندما تكون أعمالي وأعمالكم خالصة من الرياء الدنيوي ومن الموبقات والمحرمات وقلما
يحصل لنا خلوص عمل من الرياء والنفاق.
وعليه إذا استدعى العمل العُجب والتدلل والتغنج، فافعل. وإذا أستدعى الخجل والتذلل والاعتراف بالتقصير
فيجب عليك بعد كل عبادة أن تنوب من تلك الأكاذيب التي قلتھا في حضرة االله تعالى، ومما نسبته إلى نفسك
دون دليل. ألا ترى أن عليك أن تنوب من قولك وأنت تقف أمام االله قبل الدخول في الصلاة: {إِنِّي وَجَّھْتُ وَجْھِي
، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ 51 لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}
. فھل وجوھكم متوجھة إلى فاط ر السماوات والأرض؟ ھل أنتم مسلمون وخالصون من الشرك؟ ھل 52 الْعَالَمِينَ}
صلاتكم وعبادتكم وحياتكم ومماتكم الله؟ ألا يبعث على الخجل ـ بعد ھذا ـ أن تقولوا في الصلاة [الحمدُ الله رَبِّ
العالمين]؟ فھل حقا تقرّون بأن المحامد كلھا الله؟، في حين أنك تقرّون بالحمد لعبادة، بل ولأعدائه؟، أليس قولكم
[ربّ العالمين] يكون كذبا لأنكم تقرون في الوقت نفسه بالربوبية لغيره تعالى في ھذا العالم، أفلا يحتاج ذلك إلى
التوبة والخجل؟. وحينما تقول {إيّاك نَعْبُدُ وإيّاك نَسْتَعينُ} فھل تراك تعبد االله أم تعبد بطنك وفرجك؟ ھل أنت تطلب
االله أو الحور العين؟ ھل تطلب العون من االله فقط؟ إن الشيء الذي لا يأخذ بعين الاعتبار في الأعمال ھو االله،
وأنت إذا ذھبت إلى زيارة بيت االله، فھل أن مقصدك ومقصودك ھو االله، وأن مطلبك ومطلوبك ھو صاحب البيت؟
وھل قلبك مترنم بقول الشاعر:
وما حُبُّ الديار شغفنَ قَلبي *** ولن حُبُّ من سكنَ الديارا
أباحثٌ أنت عن االله؟ أتطلب آثار جمال االله وجلاله؟ ألأجل سيد المظلومين تقيم العزاء؟ ألأجله عليه السلام
تلطم على رأسك وصدرك أم لأجل الوصول إلى آمالك وأمانيك؟ أھي بطنك التي تدفعك لإقامة مجالس العزاء،
وشھوة الظھور ھي التي تدفعك للذھاب إلى صلاة الجماعة، وھوى النفس ھو الذي يجرك للمناسك والعبادة؟.
فيا أيھا الأخ، كن حذرا تجاه مكائد النفس والشيطان، وأعلم أنه لن يدعك أيھا المسكين بأن تؤدي عملا واحدا
بإخلاص، وحتى ھذه الأعمال غير الخالصة التي تقبّلھا االله تعالى منك بفضله، لا يدعك ـ الشيطان ـ أن تصل بھا
إلى الھدف فيعمل عملاً تحبط به أعمالك كلھا، وتخسر حتى ھذا النفع بسبب ھذا العجب والتدلل في غير
موقعه. وبغض النظر عن بُعد الوصول إلى االله ورضاه، فإنك لن تصل إلى الجنة ولا إلى الحور العين، بل تخلد في
العذاب وتعذب بنار الغضب كذلك.
أنت تظن أنك ب ھذه الأعمال المتفسخة المتعفنة الھزيلة الممزوجة بالرياء وطلب السمعة وألف مصيبة أخرى
التي تحول دون قبول العبادات كلھا، تظن إنك بھا تستحق الأجر مَن الحق تعالى أو أنك أصبحت بھا من المحبين
والمحبوبين. أيھا المسكين الجاھل بأحوال! يا سيئ الحظ الذي لم يطلع على قلوب المحبين، وعلى لھب شوقھا
تجاه الحق سبحانه، أيھا المسكين الغافل عن حرقة المخلصين ونور أعمالھم! أو تظن أن أعمالھم أيضا مثل
أعمالي وأعمالك؟ أوَ تتوھم أن ميزة صلاة أمير المؤمنين عليه السلام عن صلاتنا أنه عليه السلام كان يمدّ
«الضالّين» أكثر أو أن قراءته أصحّ أو أن سجوده أطول وأذكاره وأوراده أكثر؟ أو أن ميزة ذلك الرجل العظيم في أنه
50
الكافي، المجلد الثاني، باب العجب، ح1 ص 314.
51
سورة الأنعام، الىية: 79 ،الآية: 162.
52
سورة الأنعام، الىية: 79 ،الآية: 162.
35
كان يصلّي عدة مئات من الركعات ليلياً؟ أو تظن أن مناجاة سيد الساجدين علي بن الحسين ھي مثل مناجاتي
ومناجاتك؟ وإنه كان
يتحرق ويتضرع بتلك الصورة من أجل الحور العين والكمثرىوالرمان من نعم الجنة؟.
أقسم به صلوات االله وسلامة عليه {وإِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ} لو أن المحبين كان بعضھم ظھيرا للبعض الآخر، وأرادوا
أن يتفوھوا بكلمة (لا إله إلا االلهَ) مرة واحدة بمثل ما كان يقولھا أمير المؤمنين عليه السلام لما استطاعوا. فكم
أكون تعيساً وشقيا أن لا أكون على خطى علي عليه السلام وأنا من العار فين لمقام ولاية علي عليه السلام؟.
أقسم بمقام علي بن أبي طالب عليه السلام، لو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين ـ عدا الرسول
الخاتم الذي يكون مولى علي وغيره ـ أرادوا أن يكبروا مرة واحدة، تكبيرا على غرار ما كان يكبر علي عليه السلام،
لما استطاعوا. وأما الوقوف على قلوبھم فلا يعرف أحد شيئا إلا حملة تلك القلوب وأصحابھا!.
فيا أيھا العزيز! لا تتباھى بقربك من االله ولا تبالغ في حبك له، أيھا العارف، أيھا الصوفي، أيھا الحكيم، أيھا
المجاھد، أيھا المرت اض، أيھا الفقيه، أيھا المؤمن، أيھا المقدس، أيھا المساكين المبتلون يا سيئي الحظ
المغلوبين بمكائد النفس وھواھا، أيھا المساكين المبتلون بالآمال والأماني وحب النفس، كلكم مساكين، كلكم
بعيدون فراسخ عن الإخلاص وعبادة االله، لا تحسنوا الظنّ بأنفسكم إلى ھذا الحد، لا تتغنجوا ولا تتدللوا. اسألوا
قلوبكم: ھل تبحث عن االله، أم تريد ذاتھا؟ ھل ھي موحدة وتطلب الواحد أم مشركة وتعبد أثنين؟ فماذا يعني إذاً
كل ھذا العُجب؟ ماذا يعني إذاً التعالي بالعمل إلى الحد؟ وھو إذا صحّت جميع أجزائه وشروطه وخلا من الرياء
والشرك والعُجْب وباقي المفسدات، فھدفه الوصول إلى إشباع شھوات البطن والفرج، فما قيمته كي تنقله
الملائكة؟ ھذه الأعمال من القبائح والفجائع، وينبغي للإنسان أن يخجل منھا ويسترھا...
إلھي... بك نعوذ نحن المساكين من شر الشياطين والنفس الأمارة بالسوء، اللھم فاحفظنا من مكائدھم بحق
محمد وآله.
الحَديث الرَابع: الكبر
بالسند المتّصل إلى محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراھيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبان، عن
53 حكيم، قال: «سألت أبا عبداالله ـ عليه السلام ـ عَنْ أَدْنَى الإِلْحَادِ، فَقَاَل: الكِبْرُ أَدْنَاهُ»
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الاربعون حديث 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاربعون حديث 3   الاربعون حديث 3 I_icon_minitimeالإثنين يناير 08, 2018 2:11 pm

.
الشرح:
الكبر عبارة عن حالة نفسية تجعل الإنسان يترفع ويتعالى على الآخرين. ومن إماراته تلك الأعمال التي تصدر
عن الإنسان، والآثار التي تبدو منه بحيث يقال عنه أنه متكبر. وھذه الصفة ھي غير العُجب، بل ھي كما سبق
قوله، صفة رذيلة وخبيثة، تنجم عن العجب، لأن العجب ھو الإعجاب بالذات، والكبر ھو التعالي والتعاظم على
الناس. فعندما يتوھم الإنسان أي فيه صفة من صفات الكمال، تنتابه حالة، ھي مزيج من السرور والتدلّل والتغنّج
وغيرھا. ھذه ھي صفة «العُجب» ولكونه يرى الآخرين لا يملكون تلك الصفة التي يتوھمھا في نفسه، ينتابه
شعور آخر ھو تصور التفوق والتقدم، وھذا يؤدي إلى التعاظم والترفع، وھذه ھي صفة «الكِبَر».
إن كل ھذه الحالات تكون في القلب وفي الباطن، وتظھر آثارھا على الظاھر، في الملامح وفي الأفعال وفي
الأقوال. وبھذا يصبح الإنسان مغروراً وإذا ازداد أصبح معجبا بنفسه، وعندما يطفح إعجابه بنفسه يتعاظم ويترفع
ويتكبر.
واعلم أن الصفات النفسانية، سواء أكانت من صفات النقص والرذيلة أم من صفات الكمال والفضيلة، فإنھا
دقيقه ومبھمة جدّاً. ولھذا فإن التمييز بينھا والتعرّف عليھا يكون في غاية الصعوبة، ولربما يقع الكثير من الاختلاف
بين العلماء الأعلام عند تحديدھا، أو أنه يصعب وضع تعريف لھذه الصفة الوحدانية من دون أن تصيبھا منقصة. لذلك
فمن الخير ترك ھذه الأمور للوجدان نفسه، ونحرر أنفسنا من
اصطناع لمفاھيم حتى لا نتخلف عن الھدف المقصود والمنشود.
53
" أصول الكافي " المجلد الثاني ـ كتاب الإيمان والكفر ـ باب الكبر ـ ح 1.
36
فلا بد أن نعرف أن للكبر درجات تشبه الدرجات التي ذكرناھا في العجب. ويضاف عليھا درجات أخرى ذات صلة
بالعجب أعرضنا عن ذكرھا ھناك لعدم أھميتھا، ولكننا نتعرض إليھا ھنا لكونھا مھمة فنقول:
أما الدرجات التي ورد شبيھھا في العجب فھي أيضاً ست:
1 ـ الكبر بسبب الإيمان والعقائد الحقّة. ويقابله الكبر بسبب الكفر والعقائد الباطلة.
2 ـ الكبر بسبب الملكات الفاضلة والصفات الحميدة. ويقابله الكبر بسبب الأخلاق الرذيلة والملكات القبيحة.
3 ـ الكبر بسبب العبادات والصالحات من الأعمال. ويقابله الكبر بسبب المعاصي والسيئات من الأعمال.
وكل درجة من ھذه يمكن أن تكون وليدة مثيلتھا من الدرجات العجب. وقد تكون وليدة سبب آخر سوف تأتي
الإشارة إليه فيما بعد. أما الذي نحن بصدده ھنا على وجه الخصوص فھو الكبر بسبب أمور خارجية، مثل الحسب
والنسب والمال وا لجاه والرئاسة وغيرھا. ولسوف نشير إن شاء االله خلال الفصول اللاحقة إلى بعض مفاسد ھذه
الرذيلة وعلاجھا قدر الإمكان، سائلين االله تعالى التوفيق لحصول تأثير ذلك فينا وفي الآخرين.
فصل: في بيان درجات الكبر
اعلم أن للكبر، من منظور آخر، درجات:
الأولى: التكبر على االله تعالى.
الثانية: التكبر على الأنبياء والرسل والأولياء صلوات االله عليھم.
الثالثة: التكبر على أوامر االله تعالى، وھذا يرجع إلى التكبر على االله.
الرابعة: التكبر على عباد االله تعالى، وھذا أيضا يراه أھل المعرفة راجعا إلى التكبر على االله.
أما التكبر على االله فھو أقبحھا وأشدھا ھلكة ويأتي على رأس درجات الكبر، وتراه في أھل الكفر والجحود
ومدّعي الألوھية، وقد تراه أحيانا في بعض أھل الدين ولا يناسب ذكره ھنا. وھذا ھو منتھى الجھل وعدم معرفة
«الممكن» حدود نفسه وعدم معرفة مقام «واجب الوجود».
وأما التكبر على الأنبيء والأولياء، فكثيرا ما كان يحصل في زمان الأنبياء قال تعالى على لسانھم:
{... أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا...}
54
.
وقال تعالى على لسان آخرين منھم: ـ
{... لَوْلاَ نُزِّلَ ھَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}
55
.
وفي صدر الإٍسلام وقع الكثير من التكبر على أولياء االله، وفي ھذا الزمان أيضاً نجد نماذج منه في بعض
المحسوبين على الإسلام.
وأما التكبر على أوامر االله فيظھر في بعض العاصين، كأن يمتنع أحدھم عن الحج بحجة أنه لا يستسيغ
مناسكه من إحرام وغيره. أو يترك الصلاة لأن السجود لا يليق بمقامه، بل قد يظھر ذلك أحيانا عند أھل النسك
والعبادة وأھل العلم والتدين، كأن يترك الآذان تكبرا، أو لا يتقبل مقولة الحق إذا جاءت ممن ھو قريب له أو دونه
منزلة.
فقد يسمع الإنسان قولاً من زميل له فيردّه بشدة ويطعن في قائله، ولكنه إذا سمع ذلك الق ول نفسه، من
. بل قد يكون جادا في ردّ الأول وجادّاً أيضا في قبول الثاني. إن شخصا ھذا شأنه لا 56 كبير في الدين أو الدنيا، قَبِلَهُ
يكون من طلاب الحق، بل يكون تكبره قد أخفى عنه الحق، وأعماه تملّقه لذاك الكبير وأصمّه. ومثل ھذا التكبر
يتصف به أيضا من يترك تدريس علم أو كتاب باعتباره لا يليق به، أو يرفض تدريس أشخاص لا مركزية لھم، أو لأن
عددھم قليل، أو يترك صلاة الجماعة في مسجد صغير ولا يقتنع بعدد من المأمومين حتى وإن علم أن في مثل
تلك الجماعة رضا الحق تعالى. وقد تصبح ھذه الحال من الدقة بحيث أن صاحبھا لا يدرك أن عمله ھذا يرجع إلى
الكبر، إلاّ إذا تدارك الأمر بإصلاح نفسه وتخلّص من مكائد ھذه الحال.
54
سورة المؤمنون، آية: 47.
55
سورة الزخرف، آية: 31.
لا يخفى أن لترك القبول ناحيتان: إحديھما تكبر على أوامر االله. وثانيھما تكبر على عباد االله تعالى. (منه عُفي عنه). 56
37
أما التكبر على عباد االله فأقبحه التكبّر على العماء باالله، ومفاسده أكثر من كل شيء وأھم. ومن ھذا التكبر
رفض مجالسة الفقراء، والتقدم في المجالس والمحافل، وفي المشي، وفي السلوك. وھذا النوع من التكبر رائج
وشائع بين مختلف الطبقات، ابتداء من الأشراف والأعيان والعلماء والمحدّثين والأغنياء حتى الفقراء والمعوزين، إلاّ
من حفظة االله من ذلك.
إن التمييز بين التواضع والتملّق، والتكبر والإباء يصبح أحياناً على درجة كبيرة من الصعوبة، فلابُدَّ للإنسان أن
يتعوذ باالله ليھديه إلى طريق الھداية، وإذا تصدّى الإنسان لإصلاح نفسه وتحرك نحو المقصود، فإن االله تعالى
سوف يشمله برحمته الواسعة وييسّر له سبيل الھداية.
فصل: في الأسباب الأساسية للتكبر
للكبر أسباب عديدة ترجع كلھا إلى توھم الإنسان الكمال في نفسه، مما يبعث على العُجب الممزوج بحب
الذات، فيحجب كمال الآخرين ويراھم أدنى منه ويترفع عليھم قلبياً أو ظاھرياً. فمثلاً، قد يحصل ب ين علماء
العرفان أن يتصور أحدھم نفسه من أھل العرفان والشھود ومن أصحاب القلوب والسوابق الحسنى، فيترفع على
الآخرين ويتعاظم عليھم. ويرى أن الحكماء والفلاسفة سطحيون، وأن الفقھاء والمحدّثين لا يتجاوزون الظاھر في
نظراتھم، وأن سائر الناس كالبھائم. وينظر إلى عباد االله بعين التحقير والازدراء. ويذھب ھذا المسكين ينمق
الحديث
عن الفناء في االله والبقاء باالله، ويدق طبل التحقق. مع أن المعارف الإلھية تقضي حسن الظن بالكائنات، فلو
أنه كان قد تذوق حلاوة المعرفة باالله لما تكبّر على مظاھر جمال االله وجلاله بحيث أنه في مقام العلم والبيان
يصرح خلاف حاله، ولكن الحقيقة ھي أن ھذه المعارف لم تدخل قلبه، بل إن ھذا المسكين لم يبلغ حتى مقام
الإنسان ولكنه يتشدق بالعرفان، ومن دون أن يكون له حظ من العرفان يتحدث عن مقام التحقق.
إن من بين الحكماء أيضاً أناساً، يرون أنھم بما يملكون ن براھين ومن علم بالحقائق، وبكونھم من أھل اليقين
باالله وملائكته وكتبه ورسله، ينظرون إلى سائر الناس يعين التحقير، ولا يعتبرون علوم الآخرين، علوما، ويرون عباد
االله جميعا ناقصي علم وإيمان، فيتكبرون عليھم في الباطن، ويعاملونھم في الظاھر بكبرياء وغرور، مع أن العلم
بمقام الربوبية، وفقر الممكن (المخلوق)، يقضيان بخلاف ذلك. والحكيم من تحلّى بملكة التواضع بوساطة العلم
بالمبدأ والمعاد.
لقد وھب االله لقمان الحكمة بنص من القرآن الكريم ومن جملة وصايا ذلك العظيم لإبنه، كما ورد في القرآن
الكريم:
{وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
ونجد في الذين يدّعون الإِرشاد والتصوف وتھذيب الباطن، أشخاصا يعاملون الناس بالتكبر ويسيؤون الظن
بالعلماء والفقھاء وأتباعھم، ويطعنون بالعلماء والح كماء، ويرون الناس، عدا أنفسھم ومن يلوذ بھم، من أھل
الھلاك. وبما أنھم صفر اليدين من العلوم، يصفون العلوم بأنھا أشواك الطريق، ويرون أصحابھا شياطين طريق
السالك، مع أن كل ما يزعمونه لأنفسھم من مقام يقتضي خلاف ذلك كله. إن من يدعي أنه ھادي الخلائق
ومرشد الضالّين يجب أن يكون ھو بنفسه منزّھا عن المھلكات والمُوبقات، زاھداً في الدنيا، غارقاً في جمال االله، لا
يتكبر على حلقه ولا يسيء الظن بھم.
كذلك نجد أحيانا بين الفقھاء وعلماء الفقه والحديث وطلاّبھما من ينظر إلى سائر الناس بعين الإحتقار ويتكبّر
عليھم، ويرى نفسه جديرا بكل إكرام وإعظام، ويعتقد إن من المفروض على الناس أن يطيعوا أمره إطاعة عمياء،
وأنه {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَھُمْ يُسْأَلُونَ}، وما من أحد يستحق الجنة، في رأيه، إلاّ ھو مع أفراد معدودون مثله
وكلما جاء ذكر طائفة مقترنا بأيعلم من العلوم طعن فيھم، من دون أن يعترف بأي علم سوى علمه القليل الذي
يتمتع به ويرى أن تلك العلوم تافھة وغير نافعة ومدعاة للھلاك، فيرفض العلماء وسائر العلوم جھلا وسفھا، ويُظھر
كأن تديّنه ھو الذي يحتم عليه أن يحتقرھم ويستھين بھم مع أن العلم والدين منزّھان عن أمثال ھذه الأطوار 
38
والأخلاق. إن الشريعة المطھرة تحرم التصريح بقول من دون علم. وتوجب الحفاظ على كرامة المسلم. أما ھذا
المسكين الذي لا معرفة له بالدين ولا بالعلم، فيعمل على خلاف قول االله ورسوله، ثم يقول إن ذلك من صلب
الدين، مع أن سيرة السلف والخلف من العلماء العظام تكون مغايرة لھذا. إن كل علم من العلوم الشرعية يقضي
بأن يتصف العلماء بالتواضع، وأن يقتلعوا جذور التكبر من قلوبھم. ولا يوجد علم يدعو إلى التكبر ويرفض التواضع.
وعليه، سوف نبيّن العلة في كون علم ھؤلاء الأشخاص يخالف عملھم.
إن الكبر منتشر بين علم اء سائر العلوم الأخرى أيضا، في الطب والرياضيات والطبيعة، وكذلك أصحاب الصناعات
الھامة، كالكھرباء والميكانيك وغيرھما. إنھم أيضا لا يقيمون وزناً للعلوم الأخرى مھما تكن، ويحتقرون أصحابھا، وكل
منھم يحسب أن ما عنده وجده ھو العلم، وما عند غيره ليس بعلم، فيتكبر على الناس في باطنه وظاھره، مع أن
ما عنده من علم لا يستدعي مثل ھذا التكبر. وھناك من غير أھل العلم، مثل أھل النسك والعبادة، من يتكبّر أيضا
على الناس ويتعالى عليھم، ولا يعتبر الناس حتى العلماء من أھل النجاة، كلھا جرى حديث عن العلم قال: ما
فائدة علم بلا عمل؟ العمل ھو الأصل. إنھم يھتمون بما يقومون به من عمل وطاعة، وينظرون بعين الاحتقار إلى
جميع الطبقات، مع أن المرء إذا كان من أھل الإخلاص والعبادة ينبغي لعمله أن يصلحه. فالصلاة تنھى
عن الفحشاء والمنكر، وھي معراج المؤمن، ولكن ھذا الذي أمضى خمسين سنةفي الصلاة وأداء الواجبات
والمستحبات مصاب برذيلة الكبر التي ھي من الإلحاد، وبالعُجب الذي ھو أكبر من الفحشاء، وبالتقرب من
الشيطان وخلقه.
إن الصلاة التي لا تنھى عن الفحشاء ولا تحافظ على القلب، بل لكثرتھا تبعث على ضياع القلب، إن مثل ھذه
الطاعة ليست بصلاة. إن صلاتك التي تحافظ عليھا كثيرا وتحرص على إقامتھا، إذا كانت تقربك من الشيطان
وخصيصته من الكبر، فھي ليست بصلاة، لأن الصلاة لا تستدعي ذلك.
كل ھذه الأمور تحصل من العلم والعمل. أما الذي يحصل من غير ذلك فيرجع أيضا إلى تصور المرء بأنه يمتلك
إحدى الكمالات وأن غيره يفتقر إليھا. فھذا الذي يملك الحسب والنسب يتكبّر على من لا يملكھما. وقد يتكبر
صاحب الجمال على فاقده، وطالبه، أو إذا كان كثير الأتباع والأنصار أو ذا قبيلة كبيرة أو له تلامذة كثيرون، وأمثال
ذلك، فإنه يتعالى ويكتبّر على الذي ليس له مثل ذلك.
وبناء على ذلك، فإن سبب الكبر إنّما ھو تصور وجود كمال موھوم، والابتھاج بذلك والعُجب به، ورؤية الآخرين
خلواً منه. وقد يحدث أحيانا أن صاحب الأخلاق الفاسدة والأعمال القبيحة يتكبّر على غيره، ظانّاً أن ما فيه، ضرب
من الكمال. وعلى الرغم من أن المتكبر قد يمتنع أحيانا لسبب ما من إظھار التكبر علانية، ولا يفصح عن أي أثر
لذلك، إلا أن ھذه الشجرة الخبيثة تمد جذورھا في قلبه ولا بُدَّ أن يتبين أثر ذلك منه إذا خرج عن طوره الطبيعي،
كأن يستولي عليه الغضب فيفلت منه الزمام، وإذا به تظھر عليه إمارات الكبرياء والتعاظم، ويباھي الآخرين بما
عنده من علم أو عمل أو أي شيء آخر ويفاخرھم به.
وفي أحيان أخرى قد لا يھتم بإخفاء تكبره على من حوله، كما لو كان العنان قد أفلت من يده فتظھر آثار الكبر
في أعماله وحركاته وسكناته، كأن يتقدم في المجالس ويسبق الآخرين في الدخول والخروج، ولا يسمح للفقراء
بحضر مجالسه، ولا يحضر مجالسھم، ويحيط نفسه بھالة من الحرمة، ويظھر التعالي في مشيته وفي نظرته وفي
حديثه مع الناس.
يقول أحد المحققين، والذي أخذنا منه الكثير من أصول ھذا البحث
وترجمناه: «إن أدنى درجة الكِبر في العالِم ھي أن يدير وجھه عن الناس كأنه يعرض عنھم، وفي العابد ھي
أن يعبس في وجوه الناس ويقطب جبينه، وكأنه يتجنبھم أو أنه غاضب عليھم، غافلا من أن الورع ليس في
تقطيب الجبين، ولا في عبوس ملامح الوجه، ولا في البعد عن الناس والإعراض عنھم، ولا في ليّ الجِيد، وطأطأة
الرأس، ولملمة الأذيال، بل الورع يكون في القلب» لقد قال رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم: «ھاھنا
التقوى» وأشار إلى صدره.
39
وقد يظھر الكبر على اللسان بتبيان المفاخرة والمباھاة وتزكية الذات. فھذا العابد، وھو في مقام التفاخر،
يقول: إنني قمت بكذا عمل. فينتقص بھذا من الآخرين عن طريق إضفاء الأھمية على أ عماله. وأحيانا لا يصرح
بذلك، ولكنه قد يتفوه بما يوحي بأنه يزكّي ذاته. والعالم يقول للآخرين: ما أدراك أنت؟ إنني طالعت الكتاب الفلاني
مرات عديدة، وأمضيت سنوات لدى المجامع العلمية، ورأيت عددا من أساطين العلم وأساتذته، لقد أجھدت
نفسي كثيرا، صنّفت وألّفت الكتب الكثيرة، وما إلى ذلك. وعلى كل حال. ينبغي أن نتعوذ باالله من شرَّ النفس
ومكائدھا.
فصل: في مفاسد الكبر
اعلم أن لھذه الصفة القبيحة بحد ذاتھا مفاسد كثيرة، وھذه المفاسد تتمخض عنھا مفاسد أخرى كثيرة. إن
ھذه الرذيلة تحول دون وصول الإنسان إلى الكمالات الظاھرية والباطنية والاستمتاع من الحظوظ الدنيوية
والأُخروية. إنھا تبعث في النفوس الحِقد والعداوة، وتحط من قدر الإنسان في أعين الخلق وتجعله تافھاً، وتحمل
الناس على أن يعاملوه بالمثل تحقيراً له واستھانة به.
جاء في «الكافي» عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
(مِنً عَبدٍ إلاَّ وَفِي رَأْسِهِ حِكَمَة وَمَلِكٌ يُمْسِكِھَا، فَإِذَا تَكَبَّرَ قَالَ لَهُ: اتّضعْ وَضَعَكَ االلهُ، فَلا يَزَالُ أَعْظَمُ النَّاسِ فِي
نَفْسِهِ وَأَصْغَرُ النَّاسِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ. وَإِذَا تَوَاضَعَ رَفَعَهُ االلهُ عَزَّ وجَلَّ. ثُمَّ قَالَ: انْتَعِشْ االله، فَلا يَزَالُ أَصْغَرُ النَّاسِ فِي
. أيھا فيا أيھا العزيز ما يحتوي عليه رأسك من الدماغ، تحتويه رؤوس 57 نَفْسِهِ وَأَرْفَعُ النَّاسِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ)
الآخرين أيضاً، إذا كنت متواضعا، احترمك الناس قھرا واعتبروك كبيرا، وإذا تكبرت على الناس لم تنل منھم شيئا من
الاحترام. بل إذا استطاعوا أن يذلوك لأذلوك ولم يكترثوا بك. وإن لم يستطيعوا إذلالك، لكنت وضيعا في قلوبھم،
وذليلا في أعينھم، ولا مقام لك عندھم. افتح قلوب الناس بالتواضع فإذا أقبلت عليك القلوب ظھرت آثارھا عليك
وإن أدبرت تكون آثارھا على خلاف رغباتك.
فإذا فرضنا أنك كنت من المبتغين للاحترام والمقام الرفيع، لكان اللازم عليك أن تسلك الطريق الذي يفضي بك
إلى الاحترام والسمو، وھو مجاراة الناس والتواضع لھم. إن التكبر ينتج ما ھو على خلاف طلبك وقصدك. إنك لا
تكسب من وراء التكبر، نتيجة دنيوية مجديه، بل ستحصد من ورائه نتيجة معكوسة. ويضاف إلى ذلك أن مثل ھذا
الخلق يوجب الذل في الآخرة والمسكنة في ذلك العالم. فكما إنك احتقرت الناس في ھذا العالم، وترفعت على
عباد االله وتظاھرت أمامھم بالعظمة والجلال والعزّة والاحتشام، كذلك تكون صورة ھذا التكبر في الآخرة، الھوان كما
ورد في الحديث الشريف من كتاب أصول الكافي:
بإسناده، عن داود بن فرقد، عن أخيه، قال: «سَمِعْتُ أبا عَبْدِااللهِ عليه السّلام يقول: إِنَّ المُتَكَبِّرينَ يُجْعَلُنَ في
58 صُوَرِ الذَّرِّ يَتَوَطّاھُمُ النّاسُ حَتّى يَفْرَغَ االلهُ مِنَ الحِسابِ»
.
وجاء في وصايا الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه:
«إِيّاكُمْ وَالعَظَمَةَ وَالكِبْر، فإنَّ الكبرَ رِداءُ االله عَزَّ وجَلَّ فَمَنْ نازَعَ االلهَ رِداءَهُ قَصَمَهُ االلهُ وَأَذَلَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»
59
.
ولا أعرف بأن االله تعالى إذا أذل شخصاً ماذا يصنع به؟ وبماذا يبتليه؟ لأن أمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا
كثيراً، فإن الذل في الدنيا يغاير الذل في الآخرة، كما أن نعم الآخرة وعذابھا، لا تتناسب مع ھذا العالم، إن نعمھا
تفوق تصورنا، وإن عذابھا لا يخطر على بالنا. إن كرامتھا أسمى من تصورنا، والذل فيھا يختلف عن الذل والھوان
60 الذي نعرفه، وتكون عاقبة المتكبر النار ففي الحديث «الكبرُ مَطايَا النّارِ»
فلا يرى الجنة من كان في قلبه كبراً.
كما روي عن الرسول الأكرم صلى االله عليه وآله وسلم «لَنْ يَدْخُلَ الجَنّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
57
" أصول الكافي " المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر ح 16.
58
" أصول الكافي " المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر ح 11.
59
وسائل الشيعة، المجلد 11 ،أبواب جھاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 9.
60
وسائل الشيعة، المجلد 11 ،أبواب جھاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 14.
40
. وقد حدث الإمام الباقر والإمام الصادق ـ عليھما السلام ـ أيضاً بھذا المضمون. وفي حديث الكافي 61 مِنْ كِبْرٍ»
الشريف أن الإمام الباقر عليه السلام قال:
«العِزُّ رِدَاءُ االلهِ، والكِبْرُ إِزَارُهُ، فَمَنْ تَناوَلَ شِيْئاً مِنْهُ أَكبَّهُ االلهُ في جَھنَّمَ»
62
.
وما أدراك ما جھنم التي أعدھا االله للمتكبرين. فھي غير جھنم التي أُعدَّت لسائر الناس. يكفي ن نورد ھنا
الحديث الذي سبق أن ذكرناه:
عن محمّد بن يعقوب، عن عَليّ بن إبراھيم، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن أبن بكير، عن أبي عبداالله عليه
السلام قال: «إِنَّ في جَھَنَّمَ لَوادياً لِلْمُتَكَبِّرِينَ يُقالُ لَهُ» سقَرُ «شكى إلى االلهِ عَزَّ وجَلَّ شِدَّةَ حَرِّه وِسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ
63 لَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَھَنَّمَ»
. والحديث في غاية الاعتبار (من حيث السند) بل ھو كالصحيح.
أعوذ باالله من مكان رغم كونه دار عذاب، تشكو حرارته، فتتنفس فتحترق جھنم من جرّاء تنفسھا. إننا لا
نستطيع أن ندرك شدة حرارة نار الآخرة في ھذا العالم، إذ أن أسباب شدة العذاب وضعفه تختلف مع أسباب شدة
العذاب الدنيوي وخفتھا من جھات عديدة:
فمن جھة، تتبع قوة الإدراك وضعفه؛ إذ كلما كان المدرك أقوى والإدراك أتم وأنقى كان إدارك الألم والعذاب أكثر.
ومن جھة أخرى، تعتمد على اختلاف المواد التي يقوم بھا الحس في تقبّل الحرارة، لأن المواد تختلف من
حيث تقبل الحرارة. فالذھب والحديد، مثلاً، يتقبلان الحرارة أكثر من الرصاص والقصدير. وھذان يتقبلانھا أكثر من
الخشب والفحم، وھذان أكثر من الجلد واللحم.
كما أن لمستوى ارتباط قوة الإدراك بالموضع المقابل للحرارة أثراً في شدة وضعف العذاب. فمثلاً المخ الذي
يكون تقبله للحرارة. أقل من العظام، يكون تأثره أشد، لأن قوة الإدراك فيه أكبر. وأن للحرارة نفسھا من حيث
كمالھا ونقصانھا، دوراً في الشدة والضعف فالحرارة التي تصل إلى مائة درجة تؤلم أكثر من الحرارة التي تصل إلى
درجة خمسين.
كما أن لمدى ارتباط المادة الحرارية الفاعلة بالمادة المتقبلة لھا سبباً في تخفيف أو تشديد العذاب. فمثلا، إذا
كانت النار قريبة من اليد كان الاحتراق أخف مما إذا لتصقت النار باليد.
جميع ھذه الأٍسباب الخمسة المذكورة تكون في ھذه الدنيا في منتھى النقص وفي الآخرة في منتھى كمال
القوة والتمامية. إن جميع إدراكاتنا في ھذا العالم ناقصة وضعيفة ومحجوبة بحجب كثيرة لا يتسع المجال لذكرھا
ولا تناسبه. إن أعيننا لا ترى اليوم الملائكة ولا جھنم، وآذاننا لا تسمع الأصوات العجيبة والغريبة التي تصدر من
البرزخ وأصحابه ومن القيامة وأھلھا، وحواسنا لا تحس بالحرارة ھناك، كل ذلك لأنھا ناقصة جميعاً. إن الآيات
والأخبار الواردة عن أھل البيت صلوات االله عليھم مشحونة بذكر ھذا الأمر، تلويحاً وتصريحاً. إن جسم الإنسان في
ھذا العالم لا يتحمل الحرارة، إذ لو بقى ساعة واحدة في النار الباردة من الدنيا لاستحال إلى رماد. ولكن االله
القادر يجعل ھذا الجسم يوم القيامة قابلا للبقاء في نار جھنم ـ التي شھد جبرائيل بأنه لو جيء بحلقة واحدة من
سلاسل جھنم التي طول الواحد منھا سبعون ذراعاً إلى ھذه الدنيا لأذابت جميع الجبال من شدة حرارتھا ـ من
دون أن يذوب. فقابلية جسم الإنسان للحرارة يوم القيامة لا تقاس بقابليته لھا في دار الدنيا.
أما ارتباط النفس بالجسد في ھذت الدنيا فضعيف وناقص، ففي ھذا العالمُ يستعصي على النفس أن تظھر
فيه بكامل قواھا، أما الآخرة فھي عالم ظھور
النفس. إن نسبة النفس إلى الجسد نسبة الفاعلية والخلاقية، كما ھو ثابت في محله، وھي أتم مراتب
النسبة والارتباط.
ونار ھذه الدنيا نار باردة ذاوية وعرضية ومشوبة بمواد خارجية غير خالصة. أما نار جھنم، فنار خالصة لا تشوبھا
شائبة، وجوھر حي قائم بذاته ذو إرادة يحرق أھله بإدراك وإرادة، ويشدد الضغط عليھم بقدر الإمكان. ولقد سمعت
61
وسائل الشيعة، المجلد 11 ،أبواب جھاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 6.
62
وسائل الشيعة، المجلد 11 ،أبواب جھاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 2.
63
وسائل الشيعة، المجلد 11 ،أبواب جھاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 6.
41
الصادق المصدق الأمين جبرائيل، وھو يصفھا. والقرآن والأخبار مليئة بوصفھا. أما ارتباط نار جھنم والتصاقھا
بالجسم فلا شبيه له في ھذا العال، ولو تجمّعت جميع نيران العالم وأحاطت بإنسان لما أحاطت بغير سطح
جسمه. أما نار جھنم، فتحيط بالظاھر والباطن وبالحواس المدركة وما يتعلق بھا. إنھا نار تحرق القلب والروح
والقوى، وتتحد بھا بنحو لا نظير له في ھذا العالم.
فيتبيّن مما ذكر أن ھذا العالم لا تتوافر في وسائل العذاب بأي شكل من الأشكال، فلا مواده ـ العالم ـ جديرة
بالتقبل، ولا مصادره الحرارية تامة الفاعلية، ولا الإدراك تام. إن النار التي تستطيع أن تحرق جھنم بنَفَسٍ منھا، لا
يمكن أن نتصورھا ولا أن ندركھا، إلاّ إذا كنا ـ لا سمح االله ـ من المتكبرين، انتقلنا من ھذا العالم إلى الآخرة قبل أن
64 نطھّر أنفسنا من ھذا الخُلق القبيح، حيث نراھا رأي العين {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
 
الاربعون حديث 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنزالعلوم الاسلامية :: القسم الخامس الخاص بالعرفان والاذكاروالمناجاة اضغط هنا-
انتقل الى: