الفصل والوصل التناظري
يدل عنوان الفصل والوصل التناظري، على تبعثر الآيات المنتمية لموضوع ما، وانقطاعها عن بعضها. وهذا الوضع يفرض العنوان الأخر، الدال على العطف والوصل، حيث يستدعي تكوين الرؤية في الموضوع القيام بعطف تلك المنقطعات، وإيصالها ببعضها إكمالا، من خلال عملية تتبع ومقارنة.
بيد أن الفصل التناظري، يعني أن ننظر إلى الخطاب وهو منفرد فيفيدنا معنى معين، بينما الوصل التناظري هو أن يأتي خطاب نظير ليصرف ذلك الوجه إلى وجه أخر، أو يفصل فيه ويطوره. فصار ثمة لحاظان؛ لحاظ الخطاب تارة مستقلا له معناه ووجهه المتبادر من انفصال أو اتصال كلماته، وتارة اخرى لحاظ اتصاله أو انفصاله، بالمقارنة مع نظير أخر، مما ينتج عنه تولد وجه باطن، أو ينتج عنه تفصيل الوجه الظاهر، دون صرف، فيتطور بالتفصيل ويُمنح أبعادا مستحدثة، يمكن على إثرها أن يقال أن الوجه المستقل لم يعد هو هو، بعد التفصيلات الطارئة عليه، والتي رقته إلى درجات متقدمة من الإحكام..
ايضا فان مفهوم الفصل والوصل، يدل الفصل على وجود محذوف، بينما يدل الوصل على اكمال المقطع المحذوف بما حذف منه ..
النموذج الأول:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)184/2، قَالَ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ والَّذِي يَأْخُذُهُ الْعُطَاشُ، وعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا)4/58، قَالَ: مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُطَاشٍ)). في هذا التأويل يكشف النظير ان كلمة (يطيقونه) في الخطاب الاول مقدر فيها محذوف يدل على ذلك المقطع (لم يستطع)، مما يخول القراءة باضافة (لا يطيقونه). وعليه يمكن القراءة: " وعَلَى الَّذِينَ [لا] يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ". أي الذين لايطيقون الصيام..
النموذج الثاني:
قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسئولون)24/37، ففي الآية حذف، نوصله عندما نتساؤل: عماذا يُسألون؟ فيقودنا تتبع النظائر إلى النظير الذي إذا عطفناه على الآية أكملها: (فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون)92-93/15، بحيث يمكن القراءة إكمالا: "وقفوهم إنهم مسئولون، عما كانوا يعملون"، وإذا ما تتبعنا المزيد من النظائر تقودنا النظير: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)36/17، فيسال عن السمع وما سمع، والبصر وما بصر، والقلب عما فكر، بحيث يمكن عطف الآية على ما تقدم لنقرأ: "وقفوهم إنهم مسئولون، عما كانوا يعملون، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا".
وإذا تتبعنا نهتدي إلى النظير: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)8/102، لنقرأ: "وقفوهم إنهم مسئولون، عما كانوا يعملون، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا، ثم لتسألن يومئذ عن النعيم".
يضاف إلى ذلك النظير: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)19/51، والنظير: (يسأل عن ذنبه)39/55، والنظير: (وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت)8-9/81. ففي عطف هذه النظائر على بعضها يتكامل مشهد المساءلة ..
النموذج الثالث:
قوله تعالى (ومضى مثل الأولين)8/43، مؤول بالنظير: (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين)56/43، الذي يمكن ان نجري حذف ووصل بالقراءة: "ومضى مثل الأولين مثلا للآخرين".
النموذج الرابع:
وقوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)6-7/1، فتتبع التناظر في (انعم) يقود إلى النظير: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما)69-70/4، لنقرأ بالإكمال: " صراط الذين أنعمت عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالين". وإذا تتبعنا النظائر في (أنعم) تقود إلى النظير: (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما)23/5، لنقرأ إكمالا: "اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، من يطع الله والرسول، ويخاف أنعم الله، فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالين".
النموذج الخامس:
قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين)218-219/26، فالتساؤل عن معنى تقلبك في الساجدين؟ يكشف تتبع التناظر في (تقوم) عن النظير: (قد نرى تقلب وجهك)144/2، فثمة حذف، بحيث يمكن الإكمال: (الذي يراك حين تقوم، وتقلب [وجهك] في الساجدين)، وإذا تساءلنا عن معنى تلقب وجهه في الساجدين؟ يقودنا تتبع النظائر في (تقوم) إلى النظير المحكم: (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أنتقوم من مقامك)39/27، وعن طريق تطبيق قاعدة الفصل والوصل على كلمة (عفر/يت)، نأخذ المقطع الأول منها فحسب، ونقرأه (عفّر)، باعتبار أن القواعد تتعلق بكل آيات الكتاب، ومن جملة تلك الآيات حروف الكلمة القرآنية، فهي تنطبق عليها القواعد كما تنطبق على الجمل والعبارات، وعليه يمكن القراءة تعويضا: "الذي يراك حين تقوم، وتعفيرك وجهك في الساجدين".
النموذج السادس:
قوله تعالى: (المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)1/17، التساؤل عن سبب البركة حول المسجد الأقصى، فان الجواب يقدمه النظير المحكم: (شجرة مباركة زيتونة)35/24، يصادق على هذا الناتج النظير: ( البقعة المباركة من الشجرة)30/28، حيث يعلل بركة البقعة من الشجرة، لنقرأ إكمالا" المسجد الأقصى الذي باركناحوله البقعة من شجرة مباركة زيتونة "...
النموذج السابع:
قوله تعالى: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا)48/30، فهذا القطع يؤول إلى النظير المحكم: (فأثرن به نقعا)4/100 ، أي غبارا، في وقت كان النظير الأول يتحدث عن السحاب بمعنى الغيوم في السماء، فمع بروز النظير الصارف صرف السحاب عن وجهها لتفيد سحب الغبار، ثم نكمل بالنظير: (ولئن أرسلنا ريحا فرأوهمصفرا)51/30، فإثارة الغبار هو السبب في تحول الريح إلى صفراء: (ثم يهيج فتراه مصفرا)20/57. هذا النظير يفسر (إثارة) الغبار بـ (هيجانه)، كما انه يجمع معنى النظيرين المتقدمين، لما يبين أن هيجان/ أو ثوران الغبار هو الذي يجعل الريح تُرى صفراء. واذا ما برز نظير صارف اخر، هو قوله تعالى: (وأرسلناالرياح لواقح)22/15، يتكشف ان الغبار المثار بالريح، ليس هو غبار من الاتربة، بل هو غبار الطلع الذي يحمله فتعمل الريح على تلقيح النباتات من خلال النقل لغبار الطلع ...
النموذج الثامن:
قوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين، فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)18-19/34، يعطف على الآية النظير المحكم إكمالا: (وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين)10/41، لنقرأ: "وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير [وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام] سيروا فيها ليالي وأياما آمنين، فقالوا: ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور"
النموذج التاسع:
قوله تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية)6-8/69، نعطف عليه الخطاب النظير: (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون)16/41، بحيث يمكن القراءة إكمالا: " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما [نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون] فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية".
النموذج العاشر:
قوله تعالى: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون)54/39، مؤول بالنظير: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)33/30، فيتكشف ان هناك علاقة اكمال، فالخطاب الاول يطالب الانسان بالانابة قبل ايتان العذاب، الذي اذا نزل يمتنع النصر، بينما الاية الثانية تكشف ان الناس ينيبون لربهم عند نزول العذاب، خلافا لما قيل لهم، ورغم ذلك قد يذيقهم الله الرحمة ويكشف عنهم العذاب، الا ان فريق منهم سرعان ما يعود الى شركه، متخليا عن حالة الانابة. بناء على ذلك يمكن القراءة بالنسخ اكمالا: " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون".
النموذج (11):
قوله تعالى: (إنكم لفي قول مختلف)8/51، مؤول بالنظير: (اختلاف الليل والنهار)164/2، ينسخ النظير النظير نسخ اكمال، بحيث يمكن القراءة: " إنكم لفي قول مختلف اختلاف الليل والنهار".