طاعة اللّه وتقواه:
الانسان عنصر أصيل من عناصر هذا الكون، ونمط مثالي رفيع بين أنماطه الكثر، بل هو أجلّها قدراً، وأرفعها شأناً، وذلك بما حباه اللّه عز وجل، وشرّفه بصنوف الخصائص والهبات التي ميزته على سائر الخلق «ولقد كرّمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً» (الاسراء: 70).
وكان من أبرز مظاهر العناية الالهية بالانسان، ودلائل تكريمه له: أن استخلفه في الأرض، واصطفى من عيون نوعه وخاصتهم رسلاً وأنبياء بعثهم الى العباد بالشرائع والمبادئ الموجبة لتنظيم حياتهم، وإسعادهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
ولكنّ أغلب البشر، وا أسفاه! تستعبدهم الأهواء والشهوات، وتطفي عليهم نوازع التنكر والتمرد على النظم الالهية، وتشريعها الهادف البناء، فيتيهون في مجاهل العصيان، ويتعسفون طرق الغواية والضلال، ومن ثم يعانون ضروب الحيرة والقلق والشقاء، ولو أنهم استجابوا لطاعة اللّه تعالى، وساروا على هدي نظمه ودساتيره، لسعدوا وفازوا فوزاً عظيماً، «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا، لفتحنا عليهم بركات من
السماء والأرض ، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون».
أرأيت كيف انتظم الكون، واتّسقت عناصره، واستتب نظامه ملايين الأجيال والأحقاب؟! بخضوعه للّه عز وجل، وسيره على مقتضيات دساتيره وقوانينه؟!
أرأيت كيف ازدهرت حياة الأحياء، واستقامت بجريها على وفق مشيئة اللّه تعالى، وحكمة نظامه وتدبيره؟!!.
أرأيت كيف يطبق الناس وصايا وتعاليم مخترعي الأجهزة الميكانيكية ليضمنوا صيانتها واستغلالها على أفضل وجه؟!
أرأيت كيف يخضع الناس لنصائح الأطباء، ويعانون مشقة العلاج ومرارة الحمية، توخياً للبرء والشفاء؟!.
فلِمَ لا يطيع الانسان خالقه العظيم، ومدبّره الحكيم، الخبير بدخائله وأسراره، ومنافعه ومضاره؟!.
إنه يستحيل على الانسان أن ينال ما يصبو اليه من سعادة وسلام، وطمأنينة ورخاء، إلا بطاعة اللّه تعالى، وانتهاج شريعته وقوانينه.
أنظر كيف يشوّق اللّه عز وجل، عباده الى طاعته وتقواه، ويحذّرهم مغبة التمرد والعصيان، وهو الغنيّ المطلق عنهم.
قال تعالى: «ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً»
(الأحزاب: 61)
وقال سبحانه: «ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار، ومن يتولّ يعذّبه عذاباً اليماً» (الفتح: 17).
وأما التقوى، فقد علق اللّه خير الدنيا والآخرة، وأناط بها أعز الأماني والآمال، وإليك بعضها:
1 - المحبة من اللّه تعالى، فقال سبحانه: «إن اللّه يحب المتقين» (التوبة: 4).
2 - النجاة من الشدائد وتهيئة أسباب الارتزاق، فقال: «ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب» (الطلاق: 2 - 3).
3 - النصر والتأييد، قال تعالى: «إن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون» (النحل: 128).
4 - صلاح الأعمال وقبولها، فقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه، وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم»
(الأحزاب: 70 - 71 )
وقال: «إنما يتقبل اللّه من المتقين».
5 - البشارة عند الموت، قال تعالى: «الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة» (يونس:63 - 64).
6 - النجاة من النار، قال تعالى: «ثم ننجّي الذين اتقوا»
(مريم: 72)
7 - الخلود في الجنة، قال تعالى: «أعدت للمتقين»
(آل عمران: 133)
فتجلى من هذا العرض، أن التقوى هي الكنز العظيم، الحاوي لصنوف الأماني والآمال المادية والروحية، الدينية والدنيوية.