فصل: في بیان حالات القلوب
ونحن نقدم الحديث عن قلب المؤمن حتى يتبین وضع القلوب الأخرى عند مقارنتھا مع قلب المؤمن.
لا بد من معرفة أنه قد ثبت بكل وضوح في العلوم الفلسفیة العالیة والمعارف الإلھیة الحقة أن حقیقة الوجود،
ھي حقیقة النور، وإنھما عنوانان يحكیان عن حقیقة بسیطة واحدة، من دون أن يكون ھناك تكثّر وتعدّد. وثبت أيضاً
أن كل ما يعدّ كمالاً وتماماً فھو عائد إلى الوجود بعینه. وھذا من المبادئ الأساسیة المباركة التي من تشرّف بھا
واستوعبھا، تنفتح علیه أبواب المعارف. وأما نفوسنا الضعیفة فھي قاصرة وعاجزة حقاً عن إدراك تلك الحقیقة
اللھم إلا إذا توفرت له نجدة غیبیة، وتوفیق أزلي إلھي.
ومن الواضح أيضاً أن الإيمان باالله من نوع العلم ومن الكمالات المطلقة، وحیث أنه من الكمالات فھو أصل
الوجود، وأصل حقیقة النور والظھور، وما لا يكون من الإيمان وتوابعه، فھو خارج عن نطاق الكمالات النفسیة
الإنسانیة، وملحق بظلمات الأعدام والماھیات.
في بیان أن قلب المؤمن أزھر
إذن: تبین أن قلب المؤمن أزھر. وفي «الكافي» الشريف بسنده إلى أبي عبداالله الصادق علیه السّلام قال:
قَالَ لَنا ذاتَ يوم تَجِدُ الْرَّجُلَ لا يُخْطىءُ بِلامٍ وَلاَ واوٍ خَطِیباً مُصْقِعاً ولقَلْبِهِ أشَدّ ظُلْمَةً مِنْ اللَّیْلِ المُظْلِمِ، وَتَجِدَ الرَّجُلَ
٦٣٢ لا يَسْتَطِیعَ أنْ يُعَبّر عَمَا فِي قَلْبِهِ بِلِسانِه وَقَلبِه يَزْھَرُ كَمَا يَزْھَرُ المَصْباحَ
.
وإنه أيضاً يسلك الصراط المستقیم، وينتھج في سیره الروحاني الجادة السوية الإنسانیة. وذلك:
أولاً: لم يخرج قلب المؤمن من الفطرة التي فطرھا االله والتي عجنھا الحق المتعالي وخمّرھا، بیديه الجمالیّة
والجلالیة فترة أربعین صباحاً، وعلیه ينتھج قلب المؤمن على ضوء فطرة التوحید التي ھي التوجه والانشداد إلى
الكمال المطلق والجمال التام، ولا محالة يكون ھذا السیر الروحاني لقلب المؤمن من مرتبة الفطرة المخمّرة حتى
منتھى الكمال المطلق من دون أدنى اعوجاج وانحراف. وھذا ھو الطريق الروحاني المستقیم، والجادّة المستويّة
الغیبیة. وأما القلوب الأخرى فھي خارجة عن فطرتھا ومجانبة للسبیل المستقیم. وقد نقل عن رسول االله صلى
٦٣١
أصول الكافي، المجلد الثاني، باب في ظلمة قلب المنافق، كتاب الإيمان والكفر، ح٣..
٦٣٢
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب في ظلمة قلب المنافق، ح١.
٢٢٧
االله علیه وآله وسلم أنه رسم على الأرض خطاً مستقیماً ثم رسم خطوطاً متقاطعة للخطّ المستقیم ثم قال أن
الخط المستقیم ھو صراطي ومنھجي.
في بیان أن المؤمن على الصراط المستقیم
وثانیاً: إن المؤمن يتبع الإنسان الكامل. ولمّا كان الإنسان الكامل مظھراً لجمیع الأسماء والصفات، ومربوباً للحق
المتعالي بالإسم الجامع، لم تكن لإسم غلبة على آخر في التصرف في الإنسان الكامل، وكان ـ الإنسان الكامل ـ
مثل ربهِ المتعالي وجوداً جامعاً من دون تفوق مظھرية اسم على آخر. وإحتوى على مقام الوسطیة والبرزخیة
الكبرى، وتم سیره على الصراط المستقیم الطريق الوسط الذي ھو الاسم الجامع. وأما الكائنات الأخرى فیكون
كل واحد منھا مظھراً لإسم من الأسماء المحیطة أو غیر المحیطة، ومتصرفاً فیه، ويكون مبدئه ومعاده نفس ذلك
الإسم. وأما الإسم المقابل له ففي الغیب والباطن، ولا يتصرف في ذلك الكائن إلا من خلال أحديه جمیع الأسماء،
ولا يسمح لنا المقام شرح ذلك. فإذن الحق المتعالي في مقام الإسم الجامع ورب الإنسان، على الصراط
. بمعنى مقام الوسطیة والجامعیة من ٦٣٣ المستقیم كما ورد في القرآن الكريم (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ)
دونِ غلبة صفة على أخرى، وظھور أسم دون آخر.
ويكون مربوب الذات المقدس الموجود في مقام الوسطیة والجامعیة على الصراط المستقیم أيضاً، من دون
ترجح مقام على مقام، وشأن على شأن. كما يطلب ھذا المر بوب، في معراجه الصعودي الحقیقي، ولدى
منتھى وصوله إلى مقام القرب، بعد عرضه العبودية على الذات المقدس، وإرجاع كل عبادة وعبودية من كل عابد
إلى الذات المتعالي، وحصر الإعانة في جمیع مقامات القبض والبسط في ذاته جلّ جلاله بقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِینُ) يطلب ھذا المربوب قائلاً (اھْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ). وھذا الصراط ھو الصراط الذي يھیمن علیه رب
الإنسان الكامل، على وجه الربوبیة والظاھرية ـ الإظھار والخلق ـ ويكون دور الإنسان الكامل، المربوبیة والمظھرية ـ
المخلوق ـ.
وأما الموجودات الأخرى، والسائرون إلى االله، فلا تنتھج الصراط المستقیم، بل تنزع إمّا نحو جانب اللطف
والجمال، أو نحو جانب القھر والجلال.
وأما المؤمنون فلما كانوا تابعین في مسیرتھم للإنسان الكامل وواضعین خطاھم في موضع أقدامه وسائرين
على ضوء نور ھدايته ومعرفته، ومستسلمین للذات المقدس للإنسان الكامل، غیر معتمدين على أنفسھم خطوة
واحدة في سیرھم الروحاني إلى االله، فلما كان المؤمنون كذلك يسلكون أيضاً الصراط المستقیم، ويكون حشرھم
مع الإنسان الكامل، ووصولھم تبعاً لوصول الإنسان الكامل، شرط محافظتھم على صفاء قلوبھم من تصرّف
الشیاطین والإنیة والأنانیة، بل ويستسلمون في المسیر كلیاً للإنسان الكامل ومقام الخاتّمیة.
في بیان مكائد الشیطان
ومن التصرفات الخبیثة للشیطان، إضلال القلب وإزاغته عن الصراط المستقیم وتوجیھه نحو فاتنة أو شیخ
مرشد. ومن إبداع الشیطان الموسوس في صدور الناس، الفريد من نوعه، ھو أن مع بیان عذب وملیح، وأعمال
مغرية، قد يعلق بعض المشائخ بشحمة أذن فاتنة جمیلة ويبرر ھذه المعصیة الكبیرة بل ھذا الشرك لدى العرفاء،
بأن القلب إذا كان متعلقاً بشيء واحد، استطاع أن يقطع علاقاته مع الآخرين بصورة أسرع، فیركّز كلّ توجھه أولاً
على الفتاة الجمیلة بحجة أن القلب ينصرف عن غیرھا وأنه منتبه إلى شيء واحد ثم يقطع ھذا الارتباط الوحید
ويركّز قلبه على الحق المتعالي. وقد يدفع الشیطان بإنسان أبله نحو إنسانٍ أبله، نحو محیّا مرشد مكّار وحش،
بل شیطان قاطع للطريق ويلتجئ في تبرير ھذا
الشرك الجليّ إلى أن ھذا المرشد ھو الإنسان الكامل، وإنه لا سبیل للإنسان في الوصول إلى مقام الغیب
المطلق إلا بواسطة الإنسان الكامل المتجسد في المرآة الأحدية للمرشد، ويلتحق كّل منھما حتى نھاية عمرھما
بعالم الجن والشیاطین: حیث يفكر المرشد في جمال معشوقه ومفاتنه، وھذا الإنسان البسیط بتركیز الانتباه
٦٣٣
سورة ھود، آية: ٥٦.
٢٢٨
على محیا مرشده البائس المنكوس حتى آخر حیاته. فلا تنسلخ العقلة الحیوانیة عن ھذا المرشد، ولا يبلغ
الإنسان الأبله الأعمى إلى منشوده ومبتغاه.
ولا بد من معرفة أن المؤمن لمّا كان سیره في ھذا العالم معتدلاً، وقلبه سوياً، وتوجّھه نحو االله وصراطه
مستقیماً، كان في ذلك العالم أيضاً صراطه مستقیماً وواضحاً، وجسمه معتدلاً وصورته وسیرته وظاھره وباطنه في
صورة الإنسان وھیئته. وعند مقارنة قلب المشرك مع قلب المؤمن، نستطیع أن نفھم موقع قلب المشرك
ومصیره، فحیث أن قلبه قد خرج عن الفطرة الإلھیة، وانحرف عن النقطة المركزية للكمال، وعن بحبوحة النور
والجمال، وابتعد عن التبعیة للھادي المطلق والولي الكامل، وانشغل بأنیته وأنانیته بالدنیا وزخارفھا، لم يحشر
المشرك في العوالم الأخرى في سیرة الإنسان وصورته المعتدلة، وإنما يحشر في صورة حیوان منكوس الرأس،
لأنه الھیئة والصورة في ذلك العالم تتبع القلوب، وأن الظاھر ھناك ظلّ لباطن الإنسان ھنا، وأن القشر انعكاس
للبّ وأن موادّ ذلك العالم لا تأبى الأشكال الملكوتیة الغیبیة، كما ھو شأن المواد في ھذا العالم التي لا تقبل
الأشكال المختلفة. وقد ثبت كل ذلك في محلّه بالدلیل والبرھان.
فالقلوب التي أعرضت عن الحق والحقیقة، وخرجت عن فطرتھا المستقیمة وأقبلت على الدنیا، ألقت بظلالھا
على ذلك العالم حیث يخرج أصحابھا ھناك من الاعتدال ويكونون منكوسین، ومتجھین نحو عالم الطبیعة والدنیا
التي تعتبر أسفل السافلین. فمن المحتمل أن يمشي بعض مكباً على وجھه وتكون ساقه نحو الأعلى ويمشي
بعض على بطنه، وبعض على يديه ورجلیه، كما كان اتجاھه في ھذا العالم (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبا عَلَى وَجْھِهِ أَھْدَى
. فمن الممكن أن ھذا الاستعمال المجازي في ھذا العالم المجازي، ٦٣٤ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ)
يتحول إلى واقعیة وحقیقة في عالم الحقائق والظھور للروحانیات والغیبیات.
لقد فَسّرت الأحاديث الشريفة: «الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ» المذكور في نھاية ھذه الآية المباركة بالإمام أمیر
المؤمنین علیه السّلام والأئمة المعصومین علیھم السلام:
عن الكافي بإسناده عن أبي الحسن الماضي علیه السّلام قال: قُلْتُ: أفَمَنْ يَمْشي مُكِبّاً عَلى وجْھِهِ أھْدى
أمْ مَنْ يَمْشي سَوِيّاً على صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ؟ قالَ: «إنَّ االلهَ ضَرَبَ مَثَلاً، من حَادَ عَنْ وِلاَيَةِ عَلِيٍّ علیه السّلام كَمَنْ
يَمْشي عَلى وَجْھِهِ لا يَھْتَدِي لأَمْرِهِ، وَجَعَلَ مَنْ تَبِعَهُ سَوِيّاً عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ، وَالصِّراطُ الْمُسْتَقِیمُ أمیرُ الْمُؤْمِنین
٦٣٥ علیه السّلام»
.
وعن الفضیل قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبي جَعْفَرَ علیه السّلام الْمَسْجدَ الحَرامِ وَھُو مُتَّكىءٌ عَلَيّ فَنَظَرَ إلَى النَّاسِ وَنَحْنُ
عَلَى بَابِ بَنِي شَیْبَةَ فَقالَ يا فُضَیْلُ ھكَذا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الجاھِلّیةِ لاَ يَعْرِفُونَ حَقْاً وَلاَ يَدِينُونَ دِيناً يا فُضَیلُ أنْظر
إلَیْھِم مُكبّینَ عَلَى وُجُوھِھِمَ لَعَنَھَمُ االله مِنْ خَلْقٍ مَسَخَھُمْ رَبَّھُمْ مُكِبّینَ عَلَى وُجُوھِھِمْ ثُمّ تَلا ھذه الآية «أَفَمَنْ
يَمْشِي ـ الخ» مُكِبّاً عَلَى وَجْھِهِ أھَدْى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَويّاً عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ يَعْنِي عَلیّاً عَلِیه السّلام
٦٣٦ وَالأوْصیاء عَلَیھمُ السَّلام.
ونحن قد ذكرنا بأن الإنسان الكامل يمشي في سیره الباطني الغیبي على الصراط المستقیم، وأما بیان أن
الإنسان الكامل بنفسه يكون صراطاً مستقیماً، فھو خارج عن مقصدنا وھدفنا فعلاً.
تتیمم: في بیان قلب المنافق، واختلافه مع قلب المؤمن
تبیّن من الفصل السابق وضع قلب المؤمن والمشرك بل الكافر أيضاً. وتبّین حال قلب المنافق لدى المقارنة مع
قلب المؤمن أيضاً. فإن قلب المؤمن لم يخرج من فطرته النقیة الناصعة الطاھرة، وكلما يُلقى علیه من الحقائق
الإيمانیة والمعارف الحقة يتلقّاھا بالقبول، ويبقى الإنسجام بین الطعام والمتغذي، بین المدرك ـ بفتح الراء ـ
والمدرك ـ بكسر الراء ـ من المعارف والحقائق من جھة ومقام الفطرة للقلب من جھة أخرى. ولھذا عبر عن قلب
٦٣٤
سورة الملك، آية: ٢٢.
٦٣٥
أصول الكافي، المجلد الأول، كتاب الحجة، باب فیه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح٩١.
٦٣٦
روضة الكافي، ح٤٣٤.
٢٢٩
وھذا الفتح وإن أمكن أن يكون إشارة ٦٣٧ المؤمن في حديث آخر منقول في كتاب «الكافي» الشريف بـ «المفتوح»
إلى إحدى الفتوحات الثلاثة، ولكنه أيضاً يتناسب مع ھذا المعنى الذي ذكرناه.
وأما قلب المنافق، فبما أنه قد علقت فیه الأقذار والظلمات التي تتنافى مع فطرة الإنسان مثل التعصّب
الجاھلي، والخلق الذمیم، وحبّ النفس والجاه وغیر ذلك مما لا تتناسب مع الفطرة، غدا مختوماً ومغلقاً ومطبوعاً
ورافضاً لتقبل كلام الحق نھائیاً، ومضاھیاً لصفحة سوداء لا تجدي النقوش معھا والرسوم علیھا، مع العلم بأن
تمسكه بالديانة والتظاھر بھا، وسیلة شیطانیة لتسییر أموره وتطوير دنیاه.
ولابد من معرفة أن قلب المشرك والمنافق منكوس ومطبوع، كما ھو واضح، ولكن اختصاص كل من القلبین
بأحدھما من أجل أن المشرك لدى عبادته يخشع قلبه لغیر المعبود الحقیقي ولغیر الكمال المطلق، فیكون لقلبه
خاصیتان وخصوصیتان أحدھما الخضوع الصادق المتمثل في العبادة ثانیتھا أنه لمّا كان ھذا الخضوع للناقص
والمخلوق، كان سبباً للنقص والكدر في القلب، فیكون قلبه منكوساً، وھذه صفة بارزة للمشرك. وأما المنافق فھو
في الحقیقة قد يكون مشركاً فیساوي المشركین في انتكاس قلبه، ويمتاز علیھم أيضاً بخصوصیّة أخرى ـ تذكر
بعد قلیل ـ. وقد يكون المنافق كافراً وجاحداً في الواقع، لجمیع الشرائع، فھو أيضاً منكوس القلب، ولكن تتوفر فیه
خصوصیة أخرى بارزة أكثر ھي أنه يصغي إلى الحق بحسب الظاھر ويعیش مع أھل الحق، وتطرق سمعه أحاديث
الحق كما تطرق سمع المؤمنین كلمات الحق ولكن المؤمنین لصفاء باطنھم تكون قلوبھم مفتوحة فیلتقونھا
بالقبول التام، وأما المنافقون فلأجل الكدر والظلمات المحیطة بقلوبھم تكون قلوبھم مطبوعةً ومختومة فترفض تلك
الكلمات وتجحدھا.
ثم إن تعرّض الحديث لخصوص صفتین من صفات المؤمن (إنْ أَعْطاهُ شَكَرَ وَإن ابْتَلاهُ صَبَرَ) من أجل أن لھاتین
الصفتین من صفات المؤمنین خصائص ومزايا لا تتواجد في غیرھا من الصفات، فإنھما من أمّھات الصفات الجمیلة،
وتتفرّع منھما صفات جمیلة أخرى. ونحن قد ذكرنا شیئاً قلیلاً منھما عند شرحنا لبعض الأحاديث المتقدمة.
ومن أجل أن ھاتین الصفتین ـ أيضاً ـ من صفات الجلال والجمال، القھر واللطف، المتجلّیتان بالعطاء والابتلاء.
فإن الابتلاء وإن كان من صفات اللطف والجمال، ولكنه حیث يكون ظاھراً بالقھر، جعل منه. كما ذكرنا في بحث
أسماء الحق وصفاته. والمؤمن ينھض دائماً بالعبودية بین ھذين التجلّیین.
ختام: في بیان أن الغفلة عن الحق المتعالي تبعث على إنتكاسة القلب
تبین من العرض المتقدم أن النفوس المنكبّة على الدنیا، والملتھیة بتعمیرھا والمنصرفة عن الحق، تكون
منكوسة، رغم أنھا تعتنق الإيمان بالمبدأ والمعاد، لأن المقیاس في انتكاس القلوب، ھو الغفلة عن الحق
والانشغال بالدنیا وتعمیرھا. وھذا الإيمان بالمبدأ والمعاد إما لا يعدّ إيماناً وعقیدة كما ذكر في شرح بعض الأحاديث
السابقة، أو أن الإيمان يكون ناقصاً وبسیطاً جداً، وعلیه لا يتنافى مع انتكاس القلب، بل أن من يظھر الإيمان
بالغیب والحشر والنشر، ولا يخشى من ذلك، وأن إيمانه لا يدفع به إلى عمل الجوارح والأركان، يكون مثل ھذا
الإنسان منافقاً ولا يكون مؤمناً. ويمكن أن يكون مَثَل ھؤلاء المؤمنین الشكلیین، مَثَلَ قوم كانوا بالطائف ـ كما ورد
في الحديث إن أدرك أحدھم أجله على نفاقه ھلك وإن أدركه على إيمانه نجا ـ ونعوذ باالله من زوال ھذا الإيمان
الذي لیس له لُبُّ وجوھر ولا ھیمنة له في مُلك الجسم، ومن انتقال الإنسان من ھذه الدنیا على النفاق،
وحشره مع المنافقین. وھذا من الأمور الھامة التي لا بد أن تذعن لھا نفوسنا الضعیفة، ونھتم بھا ونكون حريصین
على تعمیق الإيمان في الظاھر والباطن والسّر والعلن، وكما ندّعي الإيمان في قلوبنا نجھد أنفسنا على ھیمنة
الإيمان على الظاھر أيضاً، حتى يتجذر الإيمان في القلب ولا يزول أمام عائق ومانع أو أي تغییر وتبديل، إلى أن يتمّ
تسلیم ھذه الأمانة الإلھیة، والقلب الطاھر الملكوتي الذي تخمر بالفطرة الإلھیة إلى الذات المقدس من دون أن
تمتد إلیه يد الشیطان والخیانة والحمد الله أولاً وآخراً.
٦٣٧
وقلب مفتوح فیه مصابیح تزھر. أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب في ظلمة قلب المنافق، ح٣ ص٤٢٣.
٢٣٠
الحديث الحادي والثلاثون: إن االله عزَّ وجلَّ لا يوصف
بالسَّند المتَّصل إلى الشَّیخ الجلیل أفضل المحدِّثین محمَّد بن يعقوب الكلینيِّ، عن عليِّ بن إبراھیم، عن أبیه،
عن حمّاد، عن ربعيٍّ، عن زرارةً، عن أبي جعفر علیه السّلام قال: سَمعْتُهُ يقول: «إنَّ االلهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُوصَفُ، وَكَیْفَ
يَوصَفُ» وَقالَ فِي كِتَابِهِ: «وَما قَدَرُوا االلهَ حَقَّ قَدْرِهِ» فَلا يوصَفُ بِقَدَرٍ إلاّ كانَ أعْظَمَ مِنْ ذلِكَ. وَإنَّ النَّبيِّ صلّى االله
علیه وآله وسلم لا يوصَفُ، وَكَیْفَ يوصَفُ عَبْدٌ احْتَجَبَ االلهُ عَزَّ وَجَلَّ بِسَبْعٍ وَجَعَلَ طاعَتَهُ فِي الأرْضِ كَطاعَتِهِ فِي
السَّماءِ فَقالَ: «وَما أتیكُمُ الرَّسُولُ فَخُذوهُ وَما نَھاكُمْ عَنْهُ فَانْتَھُوا» وَمَنْ أطَاعَ ھذا فَقَدْ أطاعَني وَمَنْ عَصاهُ فَقَدْ
عَصاني، وَفَوَّضَ إلَیْهِ. وَإنّا لا نوصَفُ، وَكَیْفَ يوصَفُ قَوْمٌ رَفَعَ االلهُ عَنْھُمُ الرِّجْسَ وھُوَ الشَّكُّ. وَالْمُؤْمِنُ لا يوصَفُ وَإنَّ
الْمُؤْمِنَ لَیَلْقى أخاهُ فَیُصافِحُهُ فَلا يَزالُ االلهُ يَنْظُرُ إلَیْھِما وَالذُّنُوبُ تَتَحاتُّ عَنْ وُجوھھما كَما يَتَحاتُّ الْوَرَقُ عَنِ
٦٣٨ الشَّجَرِ