فصل: في شروط التوبة
ذكرنا في الفصل السابق أركان التوبة. وسوف نذكر شروط قبولھا وشروط كمالھا مرتباً. ثم أن عمدة شروط
القبول أمران كما أن عمدة شروط الكمال أمران أيضاً.
ونحن نذكر في ھذا الفصل الكلام الشريف لمولى الموالي الذي ھو في الواقع من جوامع الكلام، ومن كلام
الملوك وملوك الكلام.
رُوِيَ فِي نَھْجِ البَلاَغَةِ أَنَّ قَائِلاً قَالَ بِحَضْرَتِهِ عَلَيه السَّلام: أَسْتَغْفِرُ االلهَ، فَقَالَ لَهُ: «ثَكِلَتْك أُمُّكَ أَتَدْرِي مَا
الاستغفارُ؟ إنَّ الاسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ العِليِّينَ وَھُوَ اسمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ: أَوَّلُھَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى. الثَّانِي العَزْمُ
عَلَى تَرْكِ العَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً. والثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى المَخْلُوقِينَ حُقُوقَھُمْ حَتَّى تَلْقَي االلهَ سُبْحَانَهُ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ
تَبِعَةٌ. الرَّابعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَھَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّھَا. والخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى
السُّحْتِ فَتُدِيبَهُ بِالأَحْزَانِ حَتّى تُلْصِقَ الجِلْدَ بِالعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَھُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ. والسّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الجِسْمَ أَلَمَ
280 الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ المَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ االلهَ»
.
277
سورة البقرة، آية: 222.
الحديث السابع عشر المذكور لدى أول ھذا البحث (التوبة). 278
279
راجع معجم الأحاديث النبوية ج 1 ،ص 304.
نھج البلاغة، قصار الحكم، الرقم 417) ،الشيخ صبحي الصالح). 280
120
يشتمل ھذا الحديث الشريف على ركنين من أركان التوبة ھما: الندامة والعزم على العودة وعلى شرطين
مھمين للقبول: ھما إرجاع حقوق المخلوق لأھلھا ورد حقوق الخالق الله سبحانه. ولا تقبل التوبة من الإنسان
بقوله أستغفر االله. إن على الإنسان التائب أن يردَّ كل ما أخذه من الناس من دون حق إلى أصحابه وإذا وجد
حقوقاً أخرى للناس في ذمته واستطاع أن يؤديھا إلى أصحابھا أو يطلب السماح منھم، يجب أن لا يتوان في ذلك.
وأن يقضي كل الفرائض الإلھية أو يؤديھا. وإذا تعذر عليه إنجاز ذلك أدّى المقدار الميسور منه. وليعلم أن لكل ھذه
الحقوق أصحاب سيطالبونه بھا في النشأة الأخرى بأشق الأحوال وليس له في ذلك العالم وسيلة لأداء ھذه
الحقوق، إلا أن يتحمل ذنوب الآخرين، ويدفع إليھم أعماله الحسنة فيصير حينذاك عاجزاً وشقياً ولا يملك طريقاً
للخلاص وملجأ للاستخلاص. أيھا العزيز إياك أن تسمح للشيطان والنفس الأمارة بالبھيمة عليك والوسوسة في
قلبك فيصوران لك العملية جسيمة وشاقة ويصرفانك عن التوبة. اعلم بأن إنجاز الشيء القليل من ھذه الأمور
يكون أفضل. ولا تيأس من رحمة االله ولطفه، حتى وإن كانت عليك صلاة كثيرة وصيام غير قليل، وكفارات عديدة،
وحقوق إلھية كثيرة، وذنوب متراكمة، وحقوق الناس لا تعدّ، والخطايا لا تحصى.
لأن الحق المتعالي يسھّل عليك الطريق عندما تقوم بخطوات حسب قدرتك في اتجاھه، ويھديك سبيل
النجاة. واعلم بأنّ اليأس من رحمة الحق من أعظم الذنوب، ولا أظن أن ھناك ذنباً أسوأ وأشدّ تأثيراً في النفس من
القنوط من رحمة االله. فإنّ الظلام الدامس إذا غشي قلب الإنسان اليائس من الرحمة الإلھية، لما أمكن إصلاحه،
ولتحوَّل إلى طاغية، لا يوجد سبيل للھيمنة عليه. فإيّاك أن تغفل من رحمة الحق عزّ وجلّ، وإيّاك أن تستعظم
الذنوب وتبعاتھا. إن رحمة الحق سبحانه أعظم وأوسع من كل شيء. نصف بيت شعر:
«إن عطاء الحق غير مشروط بقابليّة المعطى إليه»
ماذا كانت في بدء الأمر؟ كنت في غياھب العدم ولا توجد فيك القابلية والأھليّة، ولكن الحق جلّ وعلا، قد
وھبك نعمة الوجود وكمالاته وبسط مائدة النعم اللامحدودة، والرحمة اللامتناھية، وسخر لك كافة الموجودات، من
دون استحقاق واستعداد ومن دون سؤال ودعاء مسبق.
ثم إنك في ھذا اليوم لا يكون وضعك أسوأ، من اليوم الذي كنت فيه عدماً صرفاً، ولا شيئاً بحتاً. إن االله قد وعد
بالرحمة والمغفرة. تقدم إلى الأمام خطوة واحدة، باتجاه عتبة قدسه. فإنه سيأخذ بيدك مھما كلّف الأمر. إنك إن
لم تستطع أن تؤدي حقوقه، فھو سيتنازل عنھا. وإن لم تستطع أن تدفع حقوق الناس، فإنه سيجبرھا.
ھل سمعت قصة الشاب الذي كان ينبش القبور في عھد الرسول صلّى االله عليه وأله وسلم؟
أيھا العزيز إنّ طريق الحق سھل بسيط، ولكنّه يحتاج إلى انتباه يسير، فيجب العمل، لأن التباطئ والتسويف،
ومضاعفة المعاصي في كل يوم، تبعث على صعوبة الأمر، وأمّا الإقبال على العمل، والعزم على إصلاح السلوك
والنفس، فيقرّب الطريق ويسھّل العمل.
جرّبه، واعمل في الاتجاه المذكور، فإذا حصلت على النتيجة تبين لك صحة الموضوع. وان لم تصل إلى النتيجة
المتوخاة فإن طريق الفساد مفتوح ويد المذنب طويلة. وأما الأمران الآخران ـ الخامس والسادس المذكوران في
الرواية المنقولة عن نھج البلاغة المتقدمة ـ اللذان ذكرھما الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فھما من شروط
كمال التوبة، والتوبة الكاملة، لأن التوبة لا تتحقق ولا تقبل من دونھما ليست بكاملة.
اعلم أن لكل منزل من منازل السالكين مراتب ودرجات تختلف حسب اختلاف حالات قلوبھم. وإن التائب إذا أراد
البلوغ إلى مرتبة الكمال، فلا بد من تدارك ما تركه، وتدارك الحظوظ أيضاً، يعني لا بد من تدارك اللذائذ النفسانية
التي لحقت به أيام الآثام والمعاصي وذلك بالسعي لمحو كل الآثار الجسمية والروحية التي حصلت في مملكة
جسمه ونفسه من جراء الذنوب حتى تعود النفس مصقولة كما كانت في بدء الأمر، وتعود الفطرة إلى روحانيتھا
الأصلية. وتحصل له الطھارة الكاملة.
121
لقد علمت بأن لكل معصية ومتعة انعكاس وأثر في الروح، كما قد يحصل أثر من بعض الذنوب واللذائذ في
الجسم، فلا بد للتائب أن ينتفض ويستأصل تلك الآثار ويقوم بالرياضة البدنية والروحية حتى تزول منھما كل تبعات
ومضاعفات الخطايا والآثام، كما أمرنا الإمام علي عليه الصلاة والسلام.
فعن طريق ممارسة الرياضة الجسمية من الإمساك عن أكل المقويات والمنشطات والصيام المستحب أو
الواجب إذا كان في ذمته صيام واجب، يذيب اللحوم التي نشأت على جسمه من الحرام والمعصية أو أيام الخطايا
والآثام.
وعن طريق الرياضة الروحية من العبادات والمناسك يتدارك اللذائذ الطبيعية، لأن صورة المتع الطبيعية لا تزال
ماثلة في ذائقة النفس، وما دامت عالقة بھا فإن النفس ترغب إليھا، ويعشقھا القلب ويُخشى من لحظة طغيان
النفس وتمرّدھا على صاحبھا ـ والعياذ باالله ـ. فلا بد على السالك لسبيل الآخرة والتائب عن المعاصي أن يُذيق
الروح ألم الرياضة الروحية ومشقّة العبادة. فإذا سھر ليلة في المعصية تداركھا بليلة من العبادة. وإذا عاش يوماً
واحداً مع اللذائذ الطبيعية تداركه بالصوم والمستحبات المناسبة حتى تطھر النفس من كل آثار المعاصي وتبعاته
التي ھي عبارة عن تعلق حب الدنيا بالنفس ورسوخه فيھا، وتتطھر من كل ذلك.
نعم تكون التوبة في الصورة أكمل، ويعود النور إلى فطرة النفس، ولا بد في غضون اشتغاله بھذه الأمور التفكر
والتدبر في نتائج المعاصي وشدّة بأس الحق المتعالي ودقة ميزان الأعمال وشدّة عذاب عالم البرزخ والقيامة.
وليعلم وليلقّن النفس والقلب، بأن كل ذلك نتاج وصور ھذه الأعمال القبيحة والمخالفة مع مالك الملوك. ونأمل بعد
ھذا العلم والتمعن أن تنفر النفس عن المعاصي، وترتدع بشكل كامل ونھائي، وينتھي بالتوبة إلى النتيجة
المطلوبة، وتتم توبته وتكمل.
فھذان المقامان من المتممات والمكملات لمنزل التوبة. والإنسان في بدء الأمر عندما يريد أن يدخل مقام
التوبة ويتوب إلى االله لا يظن بأن المطلوب منه المرتبة الأخيرة من التوبة حتى يجد الطريق صعباً وعملية التوبة
شاقة فينصرف عنھا ويتركھا.
إن كل مقدار يساعد عليه حال السالك، في سلوكه لطريق الآخرة، يكون مطلوباً ومرغوباً فيه، وعندما تطأ
قدماه الطريق ييسّر االله تعالى له الطريق. فلابد أن لا تمنع صعوبة الطريق، الإنسان عن الھدف الأصيل، لأنه مھمّ
جداً وعظيم جداً. وإذا انتبھنا إلى جلال الھدف وعظمته، تذلَّلت جميع الصعاب من أجله. وأي شيء أعظم من
النجاة الأبدية والروح والريحان الدائميان؟ وأي بلاء أعظم من الھلاك الدائمي والشقاء السرمدي؟ ومع ترك التوبة
والتسويف والتأجيل قد يبلغ الإنسان إلى الشقاء الأبدي والعذاب الخالد والھلاك الدائم. وعند الورود على مقام
التوبة قد يتحول الإنسان إلى سعيد مطلق، ومحبوب للحق سبحانه. فإذا كان الھدف جليلاً على ھذا المستوى،
فلا بأس من المعاناة والآلام لأيام يسيرة.
واعلم أن الدخول في مقام التوبة بالمقدار الممكن والميسور مھما كان قليلاً فھو مجد وناجع. قارن أمور الآخرة
بالأمور الدنيوية فإن العقلاء إذا لم يستطيعوا أن يحققوا مبتغاھم الأعلى والأرفع، لم يتركوا الھدف الأقل، وإذا لم
يستطيعوا من تحصيل الھدف الكامل المنشود فإنھم لم يغضوا الطرف عن المطلوب الناقص.
وأنت أيضاً إذا لم تستطع أن تحقق التوبة الكاملة، فلا تعدل عن التوبة ولا تعرض عنھا وحاول أن تحققھا
بالمستوى المستطاع والممكن.
فصل: في نتيجة الاستغفار
من الأمور الھامة التي لا بد للتائب أن يقدم عليھا، اللجوء إلى مقام غفارية االله تعالى وتحصيل حالة
الاستغفار، والطلب من الحق جل جلاله ومن مقام غفارية ذاته المقدس بلسان مقاله وحاله وفي السرّ والعلن
وفي الخلوات. الطلب منه بكل مذلة ومسكنه وتضرع وبكاء بأن يستر عليه ذنوبه وانعكاساته. نعم إن مقام الغفارية
والستارية للذات المقدس يستدعي ستر العيوب وغفران تبعات الذنوب، لأن الصور الملكوتية للأعمال بمثابة وليد
الإنسان، بل ألصق من ذلك. وإن حقيقة التوبة وكلمات الاستغفار بمثابة اللعان ونفي الولد.
122
إن الحق تبارك وتعالى بسبب غفّاريته وستّاريته يقطع الصلة بين وليد الإنسان ـ الصور الملكوتية للأعمال
المحرمة ـ والإنسان، بواسطة لعان المستغفر. ويحجب عن تلك المعصية كل الكائنات التي اطّلعت على أحوال
الإنسان من الملائكة، وكُتّاب صحائف الجرائم، والزمان والمكان وأعضاء نفس الإنسان وجوارحه، وينسيھم جميعاً
تلك المعصية. كما أشير إليه في الحديث الشريف حيث يقول «يُنْسِي مَلَكَيْه مَا كَتَبَا عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوب» ومن
المحتمل أن يكون المقصود وحيه تعالى للأعضاء والجوارح وبقاع الأرض، بكتمان المعاصي الوارد في الحديث
الشريف ھو إنساء المعاصي. كما يحتمل أن يكون المقصود من وحيه، الأمر بعدم الإدلاء بالشھادة. ويمكن أن يكون
المقصود رفع الآثار التي تركتھا المعاصي على الأعضاء والتي بھا تتم الشھادة التكوينية.
كما أنه لو لم يتب لأمكن أن يشھد كل عضو بلسان مقاله أو حاله على أفعاله الأثيمة.
وعلى أيّ حال كما أن مقام الغفّارية والستّارية اقتضى الآن ونحن في ھذا العالم أن لا تشھد أعضائنا وجوارحنا
ضدنا وأن يستر الزمان والمكان أفعالنا المشينة، كذلك يقتضي ستر أعمالنا في العوالم الأخرى، عندما نتوب توبة
صحيحة ونستغفر استغفاراً خالصاً ونرحل من ھذا العالم، أو أن الناس يحجبون عن أعمالنا. ولعل مقتضى كرامة
الحق ـ جل جلاله ـ ھو الثاني حتى لا يكون الإنسان التائب مطأْطأَ رأسه ومفضوحاً أمام الآخرين واالله العالم.
فصل: في تفسير التوبة النصوح
أعلم أن ھناك تفسيرات مختلفة في بيان المقصود من التوبة النصوح. ومن المناسب أن نذكرھا ھنا بصورة
مجملة. ونحن نكتفي بنقل كلام المحقق الجليل الشيخ البھائي قدس االله نفسه.
عن الشيخ البھائي أنه قال: 281 نقل المحدث الخبير المجلسي ـ رحمة االله ـ
ثم اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير التوبة النصوح على أقوال:
منھا: أن المراد توبة تنصح الناس أي تدعوھم إلى أن يأتوا بمثلھا لظھور آثارھا الجميلة في صاحبھا أو ينصح
صاحبھا فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود إليھا أبداً.
ومنھا أن النصوح ما كانت خالصة لوجه االله سبحانه من قولھم عسل نصوح إذا كان خالصاً من الشمع، بأن يندم
على الذنوب لقبحھا، وكونھا خلاف رضى االله تعالى لا لخوف النار مثلاً.
وحكم المحقق الطوسي في التجريد «بأن الندم من الذنوب للخوف من النار، ليس بتوبة» ومنھا أن النصوح من
النصاحة وھي الخياطة لأنھا تنصح من الدين ما مزقته الذنوب أو يجمع بين التائب وبين أوليائه وأحبائه كما تجمع
الخياطة بين قطع الثوب.
ومنھا أن النصوح وصف للتائب وإسناده إلى التوبة من قبيل الإسناد المجازي أي توبة تنصحون بھا أنفسكم بأن
تأتوا بھا على أكمل ما ينبغي أن تكون عليه حتى تكون قالعة لآثار الذنوب من القلوب بالكلية. ويكون ذلك بذوب
النفوس بالحسرات ومحو ظلمات القبائح بنور الأعمال الحسنة.
تكميل: في بيان أن جميع الموجودات ذات علم وحياة
اعلم أن للتوبة حقائق ولطائف وأسرار، ولكل واحد من أھل السلوك إلى االله توبة خاصة تتناسب مع مقامه.
وحيث أن لا حظّ ولا نصيب لنا في تلم المقامات، فلا يناسب شرحھا والإسھاب فيھا في ھذا الكتاب. والأفضل أن
ننھي الحديث بذكر فائدة دقيقة تستكشف من الحديث الشريف ـ المذكور في أول فصل التوبة ـ وتتفق مع ظاھر
الكتاب الكريم والأحاديث الكثيرة المأثورة في الأبواب المتفرقة.
وتلك الفائدة ھي أن لكل واحد من الموجودات علم وحياة ومعرفة، بل أن جميع الموجودات تحظى بالمعرفة
لمقام الحق المقدس جل وعلا. فإن الوحي إلى الأعضاء والجوارح وبقاع الأرض، بالكتمان، وإطاعتھا للأمر الإلھي،
. وأوردته الأحاديث الشريفة كثيراً، كل ذلك دليل على 282 وتسبيح الموجودات بأسرھا الذي نص عليه القرآن الكريم
علم وشعور وحياة الموجودات، بل دليل على الارتباط الخاص بين الخالق والمخلوق، لا يطلع عليه أحد إلا ذاته
المقدس جل وعلا ومن ارتضى من عباده.
281
بحار الأنوار ـ المجلد 16 ص 17 ـ الطباعة الحديثة.
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الجمعة1 .(282
123
وھذه الفائدة الدقيقة إحدى المعارف التي لمّح إليھا القرآن الكريم وأحاديث الأئمة المعصومين، وتتطابق مع
برھان الفلاسفة الإشراقيين وذوق أھل العرفان ومشاھدات أصحاب السلوك والرياضة الروحانية.
وقد ثبت في أبحاث ما وراء الطبيعة من الفلسفة أن حقيقة الوجود عين الكمالات والأسماء والصفات، وعندما
يظھر في كل مرتبة ـ من مراتب الوجود ـ الوجود، ويتجلى في مرآة للأعين، يكون ظھوره مع جميع الشؤون
ولكل من مراحل 283 والكمالات ـ لأن الوجود عين ھذه الكمالات السبعة ـ من الحياة والعلم وبقيّة الأمھات السبعة
تجلي حقيقة الوجود ومراتب تنزلات نور الجمال الكامل للمعبود تعالى شأنه، ارتباط خاص مع مقام الأحدية،
. وقالوا إنّ (ھو) 284 ومعرفة كامنة خفية مع مقام الربوبية. كما تقول الآية الكريمة (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ ھُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِھَا)
إشارة إلى مقام غيب الھوية. و(آخِذٌ بِالنَّاصيةِ) ھو الربط الأصيل الغيبي السرّي الوجودي الذي لا مجال لأحد في
معرفته.
الحَديث الثَامِن عشرَ: الذَّكر
بالسَّنَدِ المُتَّصِلِ إلى فَخْرِ الطّائِفَةِ وَذُخْرِھا مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الكُلَيْني ـ رضوان االله عليه ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى،
عَنْ أحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عيسى، عَنِ ابْنِ مَحْبُوب، عَنْ عَبْدِ االلهِ بْنِ سِنان، عَنْ أبي حَمْزَةَ الثُمالِي، عَنْ أَبي جَعْفَرَ
عليه السَّلام قالَ: «مَكْتُوبٌ فِي التَّوراةِ الَّتي لَمْ تُغَيَّر أَنَّ مُوسى عليه السَّلام سَأَل رَبَّهُ فَقالَ: يا رَبِّ أَقَريبٌ أنْتَ
مِنّي فَأُناجيك، أمْ بَعيدٌ فَأُناديكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ: يا مُوسى أَنَا جَليسُ مَنْ ذَكَرَنِي. فَقالَ مُوسى: فَمَنْ
في سِتْرِك يَوْمَ لا سِتْرَ إِلاّ سِتْرُكَ. فَقالَ: الَّذينَ يَذْكُرُونَني فَأَذْكُرُھُمْ وَيَتحابُّونَ فِيَّ فَأُحِبُّھُمْ فَاؤُلئِكَ الَّذينَ إِذا أرَدْتُ أنْ
285 أُصيبَ أھْلَ الأرْضِ بِسُوءٍ ذَكَرْتُھُمْ فَدَفَعْتُ عَنْھُمْ بِھِم»