آدم أطعني أجعلك مثلي ))1 والإشارة إلى هذا الضمير من قول أمير المؤمنين عليه السلام (( استخلصه في القدم على سائر الأمم ، أقامه مقامه في سائر عوالمه في الأداء إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ))2.
وأما السموات فاختلفت كلمات أهل النحو في ذلك فمن قائل أنه المفعول به وأورد عليهم بأن المفعول به هو الذي وقع عليه فعل الفاعل وهذا يستلزم أن يكون شيئا يقع عليه فعل الفاعل مع أن السموات ما كانت شيئا حتى يتصور الوقوع عليه .
ومن قائل بأنها المفعول المطلق لكنه بدل أي بدل البعض عن الكل ، فتقدير الكلام خلق خلقا منه السموات ، فحذف المفعول المطلق وأقيم بدله مقامه وأعرب بإعرابه ، وأورد عليهم أولا بأن بدل البعض عن الكل إنما يتحقق إذا كان البدل والمبدل منه في صقع واحد ورتبة واحدة ولا شك أن الخلق مصدر حدث اسم معنى ، والسموات ذات اسم عين فلا يكون أحدهما بعضا للآخر .
وثانيا : إن خلق لا شك أنه الفعل المتعدي والفرق بينه وبين اللازم هو نصب المفعول به خاصة لا سائر المفاعيل كالمفعول المطلق والمفعول له وأمثالهما ، فعلى هذا التقدير يلزم أن لا يكون لخلق الذي هو الفعل المتعدي مفعولا به فبطل الفارق أوبطل كونه مفعولا مطلقا ، والأول مستحيل لإجماعهم عليه فثبت الثاني .
أقول : أما قولهم بأنه يجب أن يكون شيء يقع عليه فعل الفاعـل متقدما على الفعل باطل . 
___________________
1 في إرشاد القلوب قال تعالى (( يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون )) .
2 الإقبال 461
 
 
أما أولا : فلأن في مثال ضرب زيد عمرواً لا شك أن عمرواً من حيث الحقيقة والماهية والذات ليس مفعولا ، ووصفك عند قولك رأيت عمرواً المفعول ليس وصفا ذاتيا له وإلا لما تخلف لأن الوصف الذاتي دائم بدوام موصوفه الذي هو الذات ومقتضى ذلك أن لا يوصف بضده ما دام وجود الذات لامتناع توارد الضدين والنقيضين على شيء واحد من حيث هو ، والواقع بخلافه فإن عمرواً يوصف بالفاعلية وزيدا يوصف بالمفعولية وأنك إذا أردت أن تتصور عمروا أوزيدا تصورهما لذاتهما من غير عروض فاعلية ولا مفعولية بخلاف الإنسان فإنك ما تقدر أن تدركه إلا بالأمرين الحيوان والناطق لمكان ذاتيتهما لأن الأعراض تحترق عند ظهور الذات فما بقي مع الذات وما احترقت عند تجليها فاعلم أن ذلك من سنخها إما عينها أوجزؤها وهذا ظاهر معلوم إنشاء الله ، فإذا بطل كون المفعولية صفة ذاتية لعمرو فليس المفعول هو حقيقة عمرو ، فإذا كان كذلك فتسميتك بأنه مفعول لا تكون إلا عند ذلك الفعل كالمضروب عند الضرب والمكتوب عند الكتابة وهكذا ، فهذه الصفة التي حصلت حين الفعل لا يجوز أن يكون موصوفها الذات فلو كان موصوفها الذات وهذه الصفة إنما لحقت الذات وجب أن لا يوصف بضدها إلا أن تعدم، مع أنها توصف بضدها ولم تعدم تقول عمرو فاعل ومفعول وهذا بديهي لمن فتح الله عين بصيرته .
فإن كان كذلك فمن المفعول ؟ 
إن قلت هو الذات لم يصح لما ذكرنا .
وإن قلت هو ظهور الذات إذ لا ثالث .
قلت : هل هو الظهور المطلق ؟ أم الظهور المخصوص ؟
فإن قلت بالأول لم يصح بعين ما ذكرنا إذ الظهور قد يختص بغيره .
وإن قلت بالثاني ، قلت : ما المراد بالظهور المخصوص ؟ أليس قبول ذلك الضرب إذ ليس أمرا آخر ؟ فإن قلت : بلى ، قلت : من قابل هذا القبول ، إن قلت هو الذات عدنا إلى الكلام من صحة السلب في حقيقة الذات ، وإن قلت بظهور الذات بالقبول ، قلت : هل كان لهذا الظهور قبل الضرب ذكر وكون في مرتبة من المراتب وعين من الأعيان أم لا ؟ ، إن قلت بالأول فقد أتيت بما تشهد الضرورة على بطلانه ، وإن قلت بالثاني فقد أقررت أن المفعول ما تحقق إلا حين وجود الفعل ، فإذن بطل قولهم أن المفعول يجب أن يكون مقدما على الفعل ، كيف ذلك وإن الفعل مأخوذ في حقيقة المفعول مع أن المعروف أن المبدأ مقدم على المشتق لا العكس ولا شك أن المفعول مشتق من الفعل ولا يتحقق إلا بعد تحقق الفعل ذاتا ومعه زمانا ، وإن الفعل عامل في المفعول والعامل لا يتأخر عن معموله .
لا يقال إن هذه أمور لفظية لا تجري على الحقيقة .
لأنا نقول الألفاظ قوالب المعاني وحكم الألفاظ على مقتضى حكم المعاني وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام (( إن المعنى في اللفظ كالروح في الجسد )) ولو أن لك بصر حديد وتأملت في كيفية صدور الأفعال لرأيت عيانا أن المفعول غير الذات وأن المضروب غير المنصور وهو غير المرجو وهو غير المطلوب وهو غير المردود وهو غير الموعود وإن كان الجميع ظهورات لشيء واحد ، إلا أن كل ظهور في مقام لا يشتبه مع الآخر ، وكل ذلك أمثال الشخص وأشباهه ومعاني جهاته ومُثُل حيثياته وصور أعماله وكلها منفصلة عنه كل في مكانه وزمانه وحدوده ، ألا ترى أنك إذا رأيت زيدا مضروبا في عصر يوم الجمعة في المكان الفلاني فكلما تلتفت إلى مضروبية زيد ما تراها إلا في ذلك المقام وذلك الوقت على ذلك الشبح بل هو عين الشبح ، فذلك الشبح هو المفعول في مقام المفعول وهو الفاعل في مقام الفاعل ، فإنك ما يمكنك أن ترى مضروبية زيد مثلا إلا بذلك الشبح في ذلك المكان وما يمكن أن تراها في غيرهما ، فدل على أن المفعول ليس إلا ذلك الشبح وهو ظهور من ظهورات زيد قائم به قيام صدور وبظهوره قيام تحقق وبذلك المكان والزمان والهواء والأرض قيام عروض وقيام ظهور ، إلا أن الذات لما كانت غيبت الصفات لا يلتفت الناظر إلى الصفات والمثال فيزعمون أن تلك الأوصاف للذات والذات متعالية عن كل هذه الصفات .
فعلى هذا فالمفعول به مساوق للفعل في الوجود والظهور ، فالفعل الظاهر بالمصدر هو المفعول المطلق وملاحظة للمصدر مع حدوده ومشخصاته من زمانه ومكانه وكمه وكيفه وجهته ورتبته ووضعه وإضافته وقرانه ووصله مع غيره وفصله وجمعه وفرقه وسائر حدوده ، فالشخص جزء العلة الصورية وركن القابلية لا بذاته بل بظهوره وذلك الظهور أيضا ما تحقق إلا بصدور الفعل وقد أقمنا براهين على أن القابلية متأخرة عن وجود المقبول ومتفرعة عليه ، فإن جردت المصدر عن الحدود والقيود فهو المفعول المطلق ، وإن لاحظته مع الحدود والمشخصات فهو المفعول به ، مع أن المعروف عندهم أن المشتقات مأخوذة من المصادر لا من الأفعال فتكون مادة اسم الفاعل واسم المفعول واحدة ولا شك أن الشيء لا يتقوم إلا بالمادة والصورة ، ولا شك أن الأصل والحقيقة هي المادة والصورة عرض وحد تابع ، والمضروب ليس إلا الضرب مع الخصوصية والصورة الخاصة فكيف يعقل أن يكون متقدما على مادته وأصله ، وهل هذا إلا القول بأن الشيء موجود قبل وجود نفسه ويتقدم الشيء على نفسه وهو باطل قطعا ، فإذاً لا يكون المفعول به مقدما على الفعل إنما هو مساوق له .
إن قلت : إن الاشتقاق بحسب الألفاظ وكون المصدر مادة لاسمي الفاعل والمفعول بحسب اللفظ لا يدل على أنه كذلك بحسب المعنى .
قلت : قد قررنا في مباحثاتنا ورسائلنا أن الألفاظ والمعاني بينهما مناسبة ذاتية فلا يتصرف في المعنى إلا ما كان في اللفظ وكذا العكس ، ولو قلنا بعدم المناسبة كما هو المشهور عندهم نقول قد بينا فيما كتبنا في الأصول أن الألفاظ لا حكم لها ولا شيء يترتب عليها أبدا لأنها مقصود بالعرض وما كان كذلك فهو يتبع المقصود بالذات ، فحكم الألفاظ من التقديم والتأخير والزيادة والنقصان والإعراب والبناء والعمل وعدمه والاستقلال وعدمه كلها تابعة للمعاني وإلا فلا تفاوت بين هذه الحروف ولا اختصاص ببعضها دون بعض في التأثير والعمل عن غيره وليس ذلك إلا من جهة المعاني والتأثيرات المعنوية وليس هذا المقام موضع استقصاء هذا المرام .
وبالجملة فلا ينبغي التشكيك في أن المفعول بـه ليس مقدما على الفعل ، بل لولم ندع تقدم الفعل كما هو الواقع فلا أقل من المساوقة ، فبطل الإيراد الوارد على الأولين حيث حملوا السموات في الإعراب على أنه مفعول به .
وأما إيرادهم على الآخرين باستحالة بـدل البعض لعدم السنخية فغلط ، لأن السموات أعظم في الحدثية وعدم الاستقلال من الخلق الذي يزعمون أنه المصدر الحدث ولا شك أن السموات مخلوق والخلق مادة لها والمادة أشد وأعظم في التأصل من الصورة ، فالخلق مادة واحدة منها سماء ومنها أرض ومنها بحر ومنها بر وهكذا ، بل هذا كمال السنخية بل العينية في السموات والأرض في كل عالم بحسبه ، فكيف يتصور القول بأن السموات ذات والخلق حدث ومعنى ، بل الأمر بالعكس فإن الخلق ذات وإن كان حدثا ولا يمتنع أن يكون الشيء الواحد ذاتا باعتبار وعرضا باعتبار آخر وحدثا باعتبار آخر ولا تنافي بين هذه الأشياء في الوجود بوجه .
وأما إيرادهم الآخر بأن المتعدي ما يتعدى إلى المفعول به فساقط لأن المفعول به حأصل في هذا المقام إلا أن لك لحاظان لحاظ نفس الحدث وهو الخلق ، ولحاظ ربط الحدث ، ففي الصورة الأولى يكون الفعل مفعولا مطلقا ، وفي الصورة الثانية يكون مفعولا به وهو شيء واحد فيصح أن يكون بدلا ، فهناك متمحض في الأثرية وهو أعلى مقاماته ، ويصح أن يكون مفعولا به لملاحظة الرابطة .
فإن قلت : لو جعلت مطلق الرابطة دليل المفعول به فلا يتحقق إذاً المفعول المطلق النوعي والعددي لصحة الارتباط .
قلت : المراد بالارتباط هو أن يصير المرتبطان بالارتباط شيئا واحدا تغفل عن أحدهما حين تلاحظهما ، كالمركبات مثل ضرب زيد عمروا فإن عمروا يلحظ من حيث وقوع الضرب عليه لا من حيث الضرب ، بل ليس في عمرو الذي هو ظهور الذات ذكر من الضرب إلا بالتحليل العقلي والدليل الوجداني ، ولا كذلك في المفعول المطلق النوعي والعددي ، فإن النوع والعدد صفتان تعرض الحقيقة ، والصفة لا تعارض الموصوف ، فالملحوظ بالذات فيهما هو المصدر والحدث لا المجموع المركب بخلاف المفعول به إذ الملحوظ فيه ذلك فافهم .
ثم اعلم أن الفعل لا يظهر بل لا يوجد إلا بالمفعول , فإذن فما معنى قولهم أن الفعل اللازم لا يتعدى إلى المفعول .
والجواب : إن الفعل لا يتقوم في الظهور إلا بالأثر وهو المصدر ، فمن جهة تلازم المصدر مع الفعل وعدم انفكاكه عنه قالوا أن الفعل مشتق من المصدر فجرى فيهم ما قال مولانا الصادق عليه السلام (( بدت قدرتك يا إلهي ولم تبد هيئة فشبهوك ، جعلوا بعض آياتك أربابا يا إلهي فمن ثم لم يعرفوك ياإلهي ))1 فالمصدر أثر للفعل ومحل لظهوره وأول صادر عنه ومتقوم به قيام صدور لوقوعه تأكيدا للفعل والمؤكَّد فرع للمؤكِّد ، ووقوعه معمولا للفعل وعمله بشرائطه لمناسبته للفعل ولا يجوز في الحكمة أن يكون المتبوع بالذات تابع في الصفات إلا أن تختلف الاقتضاءات وهو عند الله مستحيل ، فصح أن المصدر أول ظاهر من الفعل فهو في الحقيقة مفعول ولكن له ثلاث جهات ونظرات .
جهة ونظر إلى المبدأ والعلة والذات وهذا النظر لا يكون إلا بنظر العلة له به فذلك هو الفاعل في الفعل والقائم في القيام والضارب في الضرب وأمثال ذلك وهو بهذا النظر مرفوع لما ذكرنا فلا نعيد ، ولذا يقولون أن العامل في الفاعل هو الفعل يعمل فيه الرفع ، ولا شك أن العامل أقوى من المعمول فيه ، وكذا يقولون أن الاسم الفاعل والاسم المفعول مشتقان من الفعل كالضارب من ضرب بغير واسطة أوبواسطة يضرب ، ومآل الحكمين واحد ، ولا شك أن المشتق منه أقوى من المشتق وأقدم ، لكن المفعول لما نظر إلى جهة الحق سبحانـه ومحا الموهوم وهتك الستر وغلب عليه السر تمحض في الأثـريـة 
_________________
1 مصباح المتهجد 115
 
فتمحض في المظهرية إلى أن صار ظهور الظاهر عين الوصف الحاكي للمبدأ بالوصف الحاكي , فاندكت إنية المفعولية وما بقى إلا النظر الواحد إلى الواحد فحكى مثال الذات وظهرت فيه الفاعلية ، ولذا ترى الفاعل مستتر في الفعل ، والفعل هو الفعل الظاهر في المفعول إما بنفسه في نفسه أو بظهوره في غيره ، فكان ذلك النظر الذي هو المثال فاعلا فارتفع في الصفة والإعراب طبقا للظاهر على الباطن ، ولذا ترى زيدا الواحد يرتفع في ( قام زيد ) بالفاعلية ، وهو ينتصب في ( رأيت زيدا ) بالمفعولية ، ويجر في ( غلام زيد ) بالإضافة ، فظهرت المقامات لمن فهم الإشارات ، والرفع هو أعلى الصفات وأشرف الإعراب وهو صفة القيومية مقام الحديدة المحماة بالنار ، فظهر لك أن فاعل فعل اللازم هو الجهة الأعلى من مفعوله ، ولما قصر نظره إلى تلك الجهة بقي واقفا في مقامه شاهدا جمال مبدئه وجلاله فلا يرتبط بالغير إلا بالقسر لا الواقعي بل المتعارف ، والدليل على مفعوليته معموليته كما ذكرنا ، وأما عمل الفعل اللازم في المفعول المطلق والحال والتمييز والمفعول له والمفعول معه وغيرها فمن جهة بقاء ذلك الارتباط بخلاف المفعول به كما ذكرنا حرفا بحرف في المفعول المطلق النوعي والعددي .
والنظر الثاني نظره إلى نفس المصدر ومن حيث أنه صادر فهناك أمور ثلاثة صادر وصدور ومصدر ، وهذا وإن كان متمحضا في الأثرية لكنه ليس متمحضا في المظهرية حيث ذكر عنده المبدأ ووجده حيث شعر به فلم يبلغ مقام ( هو نحن ونحن هو ) بل في مقام ( هو هو ونحن نحن ) فصار مفعولا مطلقا لعدم انفكاكه عن فاعله وعدم تحقق مقام له لا يكون مبدؤه ظاهرا فيه وكونه مقام (( أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ))1 فنزل في الإعراب كما في المقام فكان إعرابه نصبا لأنه في المقام تحت مقام الرفع وفوق مقام الجر .
والنظر الثالث نظره إلى نفسه الصادرة من حيث حدوده المشخصة كالزمان والمكان والجهة والرتبة والوضع والإضافة والكم والكيف وأمثالها فهناك أمور أربعة ، الصادر والمصدر والصدور والقابلية فتآلف الحدث وقامت زوايا المربع وتمت بالتأليف فخفي المبدأ من هذا التأليف ، فليس متمحضا في الأثرية المقصودة بالأصالة بل فيه ذكر للغير وإن كان بالتبعية وهو قوله عز وجل (( روحك من روحي وطبيعتك من خلاف كينونتي ))2 وقال أيضا خطابا له عليه السلام (( بروحي نطقت وبضعف طبعك تكلفت ما لا علم لك به ))3 ولكن لما كان ذلك الغير ليس مقصودا بالأصالة وإنما هو مقصود بالتبع ما ارتفع ذكر المبدأ بالكلية بل بقي لكنه أقل من المفعول المطلق ، ولذا ترى ما ارتفع المفعول به وإنما انتصب مع أن مقامه أن لا يكون ذلك إذ الجر علامة الشر ودليل خفاء الظهور وفي المفعول به علامة المبدأ وظهوره ، وإن كان قليلا مقام المستدلين على المؤثر بالأثر والواقفين مقام الدليل الإني فلم يناسب الخفض والجر والكسر فناسب النصب والفتح وإن كان أقل مقاما من المفعول المطلق ، لأن المفعول المطلق المتعين بالتعين الارتباطي ، فالمفعول المطلق والمفعول به واحد والفرق ملاحظة الارتباط وعدمه فافهم إن كنت تفهم وإلا فاسلم تسلم فإني أظهرت ما جهله الأكثرون وكتمه العالمون وأشار إليه العارفون ولوحوا إليه في ظواهر أقوالهم الحكماء الإلهيون .
فإن كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وإن لم يكن فهم فتأخــذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرنا فـاعتمـد عليه وكن في الحال كما كـنـا
وأهل الإشارة يفهمون من قوله عليه السلام (( بلا دعائم )) تحقيق حقيقة القول في المفعول بـه ، وردوا القول أن المفعول بـه لا يتـقدم على 
____________________
1 دعاء عرفة لمولانا الحسين عليه السلام 
2 , 3 علل الشرائع 10
 
الفعل ، وسبب اشتباه القائلين بالتقدم لأن الخلق هو إحداث المادة وهي لا تحدث إلا لا من شيء إذ لو فرضته من شيء لم يكن مادة صرفة أولية وإنما هو الهيولى الثانية المركبة مع المادة الأولى والصورة الأولى فما تمحضت في المادية ، فالمادة من حيث هي غير مشوبة بصورة من حيث هي فيكون هذا الخلق الثاني الناشئ الصادر من خلق مادة كما هو المفروض فيكون مادة للسموات ، وليست السموات إلا الخلق الذي هو النور والمادة وأمر الله مع حدود العلو والطبقات والهيئات والحركات والاستدارات فإذا زالت عنها هذه الحدود لم تبق إلا المادة الواحدة وإن شئت سميتها ماء أوهواء أودخانا أوغير ذلك ، فقبل هذا التحديد كان رتقا لم تكن سموات ولا أرضون فبعد الفتق بالتحديد قيل سماء وأرض ، ولا شك أن الحدود إنما هي متأخرة عن المادة والهيئة وعرض لها ، والمفعول به الذي هو السموات مجموع المادة والصورة ، فتكون السموات المفعول بها متأخرة عن الفعل ولا أقل مساوقة له لا قبله ، والقول بأن هذا هو المفعول المطلق لهذه الشبهة التي دخلت ، وإن كان صحيحا لا لهذه الشبهة إلا أنه كلام قشري ليس بحقيقي لأن بدل البعض لا يخالف كله ولا شك أن جهة السموات من حيث هي غير جهة الخلق من حيث هو ، إذ الأولى جهة البساطة والثانية جهة التركيب وحكم مجموعي ، فلا يكون الثاني من حيث هو جزء وبعضا للأول من حيث هو وإن كان جزء منه من حيث البساطة والجزء لا يكون إلا عند ملاحظة الحصص في تلك الحقيقة الإلهية الجامعة وتلك الملاحظة لا تكون إلا عند ذكر الحصص وأما في ذاتها فلا .
ثم لما أشارعليه السلام إلى هذه الدقيقة اللطيفة وأراد أن يذكر وينبه سبب اشتباه الذين حكموا بتقديم المفعول به لأنهم سلام الله عليهم يعرفون من نجى بما نجى ومن هلك بما هلك فأشارعليه السلام إلى أنهم نظروا إلى المحل وموقع الظهور ودعامة البروز فتوهموا أن تلك الدعامة والمحل هو المفعول به وما عرفوا أنها سبب لظهوره ، وهو في ذاتها ما يحتاج عند تحققها إلى هذه المحال والمواقع والدعائم كالصورة في المرآة إذ لولا المرآة التي هي الزجاجة لم تظهر الصورة فهي صارت سبب ظهور المرآة الأصلية التي هي الصورة ولا تحكي المقابل إلا وهي لا تتقدم على المقابل بل هي متأخرة عنه ومساوقة لظهوره الخاص بها الذي هو عينها ، وأما الزجاجة فإنها قبل الظهور للإظهار ووجودها كعدمها عند العارفين ، وكذا الأرض لإظهار أشعة الشمس ، وكذا ذات زيد لإظهار المفعولية أوالفاعلية فإنها كالأرض والمرآة ، أي الزجاجة دعامة لظهور ذلك النور أي الشمسي والشخصي والشبحي ، والفاعلية والمفعولية أشباح متقومة بظهورات تلك الذات في مراتب أماكن تلك الأشباح والظهورات وما تحققت إلا بالفعل لا قبله ولا بعده ، فالمحال الجسمية دعائم للظهور ، وهم لما اقتصروا نظرهم على الظواهر وما التفتوا إلى حل الشيء وعقده وبث كل شئوناته ليختص كل شيء بما يناسبه فجعلوا المحل أصلا والفرع ذاتا أوالذات فرعا والأصل محلا ، وقولي بالمحل لا أريد محل كون الشيء الذي هو جزء لماهيته بل أريد محل الظهور ولا بحيث اتحد الظاهر والمظهر والظهور وإنما أريد مثل الزجاجة بالنسبة إلى المرآة والأرض إلى الأشعة فافهم وأبطل هذا التوهم ، تبقى هذه الدعامة في أول المفعولات التي ما كانت له ذاتا إلا نفس كونه مفعولا به الذي استنطقه فقال له أدبر فأدبر فجرى كل الأفعال في كل الأحوال على ذلك المثال .
ثم استدل عليه السلام على هذا المطلب من تساوق المفعول به مع الفعل واتحاده مع المفعول المطلق بقوله عز وجل كن فيكون الملوح إليه والمستفاد من قوله عليه السلام (( خلق السموات بلا دعائم )) فإن الخلق كما ذكرنا هو متعلق المشيئة الذكر الأول ، والارتباط بالسموات هوإلارادة وهي العزيمة على ما يشاء وهما تمام الكلمة التي هي كن وهي كلمة خطاب وكلمة أمر ، ويكون إخبار وإعلام بالامتثال وبالوقوع على المخاطب ومن المأمور بالتكون حتى صار فاعلا ، ويرجع ضمير الفاعل في فيكون إليه .
إن قلت : هو ذات الله سبحانه وتعالى ليكون هو الآمر وهو الفاعل وهو القابل وهو المخاطِب بالكسر والمخاطَب بالفتح كما قالوا ، والفاعل بعينه هو القابل والفعل والقبول له يدان ، وهو الفاعل بإحدى يديه والقابل بالأخرى والذات واحدة والكثرة نقوش ، فيصح أنه ما أوجد شيئا إلا نفسه فليس إلا ظهوره ، فهذا لا شك أنه ليس قول المسلمين .
وإن قلت أن المخاطب المأمور هو الخلق المتحقق الموجود فلا شك في بطلانه وقبح هذا الخطاب لاستلزامه تحصيل الحأصل .
وإن قلت أن المخاطب أعيان ثابتة في الأزل معدومة العين صالحة لامتثال أمر كن ، كما قالوا أن الأعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات ومندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات ، وقالوا أيضا أنها مستجنة فيها استجنان الشجرة في النواة ، فهذا أيضا كفر بالله العلي العظيم لما فيه من تعدد القدماء ووقوع التركيب في ذات الله سبحانه ولزوم التغيير والإبادة والفناء تعالى ربنا وتقدس ، حتى قال بعضهم أن هذه الأعيان شئون وذاتيات للحق ، وذاتيات الحق لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، وهذا القول في البطلان بمكان .
فإن قلت أن هذه الكلمة تعبير عن الإيجاب وليست بخطاب ولا أمر فإن ذلك كله في مقام كثرة الألفاظ .
قلت : إذن عبر الحق سبحانه عن خلاف الواقع وخلاف الحقيقة ، أم كان عاجزا عن التعبير بما هو في الواقع ، تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا .
إن قلت أن ذلك من أقسام المجازات وهي في القرآن شائعة وفي كلمات أمناء الرحمن عليهم السلام ذائعة .
قلت : لو سلمنا ذلك نقول أن المجاز خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل قطعي فحيث انتفى الدليل امتنع المصير لانسداد الطريق .
إن قلت : إن الدليل موجود من النقل والعقل ، أما الأول فلقول مولانا الرضا عليه السلام (( فإرادته إحداثه لا غير ، لأنه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وهذه صفات منفية عنه وهي من صفات الخلق ، فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون من بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف ))1 ولقول أهل اللغة أن الخطاب توجيه الكلام إلى نحو الغير ، والأمر تعلق الخطاب إلى المأمور به وهما يستلزمان وجود الغير والمأمور به حين الخطاب .
وأما العقل ومن المعروف بالوجدان والعيان أن الخطاب والأمر لا يكونان إلا بشخص آخر إذ الوحدة تستلزم تحصيل الحأصل ، وفي الخلق الأول لم يتصور ذلك فوجب حمل الآية على المجاز كناية عن القهر والسلطنة والجبارية والقهارية .
قلت : أما قول مولانا الرضا عليه السلام فالمستفاد منه أن المعبر عنه ليس بلفظ وهذا لا شك فيه ، ولا يستفاد منه أن هذا التعبير على خلاف الواقع والحقيقة ، ولا تلازم بين الخطاب والأمر واللفظ حتى يثبت به المطلوب بل هو مطلوبنا لقوله عليه السلام (( ولا كيف لذلك )) فلو كان هو محض الإيجاد من غير أمر وخطاب وتكليف له كيف يعرفه كل أحد بمثل ما يعرفون من معنى الإيجاد ، وإنما هو خطاب وأمر اختياري بالنسبة إلى المخاطب لكنه لا كيف له ليعرفه أهل التكييف والتحديد .
وأما قول أهل اللغة فمسلم لكنه ليس فيه اشتراط تقديم المأمور على الأمر والمخاطب على الخطاب ، وما فهم بعضهم ذلك من كلامهم ليس بحجة .
وأما العقل فليس بحاصل لأن الوحدة الحقيقية ممتنعة ، وقد تكون وحدة لا تنافي الكثرة وكثرة لا تنافي الوحدة وتحقق هناك الاختيار ولا امتناع لهذا الاحتمال ممكن وإن لم تدركه الأفهام ولم تنله أيدي العوام ، فإذا أخبر به الملك الحكيم العلام وجب القبول والإعراض عن التأويل بسخيف الكلام .
________________
1 عيون أخبار الرضا عليه السلام 1/119

فاستشهاد الإمام عليه السلام بالآية الشريفة ملوحا استشهاد تام لا يعتريه شك ولا شبهة ، لأن المخاطِب بالكسر هو فعل الله سبحانه ومشيئته واختراعه ، وهو لسان الله المعبر عن كل ظهوراته بكل أطواره وشئونه من أيام الشأن ، والخطاب هو دلالة تلك الكلمة التامة الواقعة على أرض قلب المخاطب ، وهو الغدق المغدق النازل من سحاب الكرم والجود من بحر الصاد من الماء الذي توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج لصلاة الظهر ، وهذا البحر تحت العرش وهو الفعل ، وهذا العرش هو الخطاب الصادر والمخاطَب بالفتح هو نفس هذا الخطاب مع الحدود والمشخصات كما أن اللفظ كذلك فجرى التطابق بين اللفظ والمعنى هنا المجموع وهو فاعل يكون في قوله تعالى { كُنْ فَيَكُونُ }1 ، فالمفعول به هو فاعل فعل الفاعل فإن التكون عبارة عن فعل الفاعل لكنه ما تحقق وما وجد إلا بالمفعول وهذا المفعول هو ذلك الفعل الظاهر الذي هو الحدث وهو المصدر ، فحقيقة أول الموجود في الحقيقة الأولية هو المفعول المطلق وهو خطابا وأمرا وكونا في قولك خاطبت خطابا وأمرت أمرا وكونت تكوينا وغير ذلك ، وفي الحقيقة الثانية هو المفعول به الذي وقع عليه فعل الفاعل فكانت له جهتان وثبتت له حقيقتان في البدوإلاصلي والظهور الخلقي والنور القدسي الإلهي فما احتاج الخطاب إلى مخاطب مقدم في الوجود ، وكذا الفعل إلى مفعول به كذلك ، نعم في الظهور والبروز الشهودي الحسي في كل عالم يحتاج ، فالمخاطب هو قابلية الخطاب والخطاب هو مادة المخاطب وهو صورة له فإذا اقترنتا ظهر الخطاب على مقتضى الاختيار في الكينونة وإلا فيبقى الخطاب متعلقا بمركزه مشغولا بحمد ربه إلى أن يحصل له متعلق فيظهر في ذلك بعين ما ظهر في غيره ، فالخطاب واحد والمخاطب لا يتناهى من أول الوجود إلى آخره ومن ظاهره إلى باطنه ، فالخطاب الشفاهي أمر مستقر وصوت مستمر ، فقول الله سبحانه ( كن ) حقيقة باقية كان في الخلق الأول التكويني هذه صورتها وفي الخلق الثاني صورة التعبير عنها ( أدبر ) إلى نهاياته ، 
____________________
1 يس 82
 
 
وفي الخلق الثالث كانت الصورة ( أقبل ) ، وفي الخلق التشريعي صورة التعبير صل وزك وحج وكل من سمع الخطاب نادى ملبيا ومن لم يسمع بقي على وجهه مكبوبا ملويا ، فهو نداء واحد والسامعون متفاوتون في الاستماع لحدة سامعتهم وعدمها فافهم وسنزيد القول إنشاء الله .
وإنما ابتدأ عليه السلام بذكر السموات دون غيرها من المخلوقات لأنها هي المبادئ العالية ، ولتطابق الوصف التدويني واللفظي مع الوصف التكويني والهيئة الوجودية فإن الطفرة في الوجود باطلة ، فأول الموجودات هو جمال الله وجلاله ، والجمال له جمال ولجمال جماله جمال كالجلال وهكذا إلى ما لانهاية له ، فقدم المبادئ على قول مطلق على غيرها والفواعل على القوابل ، وإنما خصص السموات بالذكر دون سائر المبادئ لبيان قسمي المبدأ وشقيه فإن المبدأ على قسمين ، مبدأ هو علة فاعلية ، ومبدأ هو ترجمان وباب وواسطة الفيض ، فالسموات إنما هي الثاني ومحل لظهور الأول فكانت وصفا جامعا مع اشتمالها لتفاصيل أحكام المبادئ والعلل كلها من ظهور مراتبها في مقام الإجمال والتفصيل وشرح قوله عز وجل { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ }1‏  وقوله عز وجل { وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }‏2 وبيان الكمال المطلق الملوح إليه في قـوله عز وجل { وَلَقَدْ آتَيْنَـاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }3 وظهور الأركان الأربعة مع تفاصيل نسبها الحاصلة من ملاحظة بعضها مع بعض ، وذكر الاسم الأعظم الأعظم الذي ليس بالحروف مصوت ولا باللفظ منطق ولا بالشخص مجسد وأجزائه الأربعة وأركانه الاثني عشر وأسمائه الثلاثين وصفاته الثلاثمائة والستين ، وكيفية ترتب العلل في الإمداد والإفاضة ، وكيفية الحركات الذاتية والاستدارة العرضية ، وكيفية استمداد السافل عن العالي ، وكيفية حجب السافل عن مشاهدة العالي مع تقومه به ، وعلة قطع التفات العالي عن السافل ، وكيفية ظهور التجلي وحركة المـتجلي وحدوث الـفاعل وفاعلية القابل وقـدس الألوهية وخزائن الرحمة 
_________________
1 المائدة 64
2 الزمر 67
3 الحجر 87
 
 
ومفاتح الغيب والسر اللاريب ، وعلل الـترقي وأحواله وسبب التنزل وأطواره ، وسر المحبة السارية والمودة المستجنة في الذرات غير المتناهية ، ودوران الوجود بالميل ، وتمام الستة وأحوالها ، وأقاليم الظهور ، وكشف حجاب النور , وظهور مقام الطور ، بأبي هو وأمي قد أشار لأهل الإشارة في هذا المقام بهذا الكلام إلى أسرار وعجائب وغرائب يقصر عنها النظر ويضل دونها الفكر ، ولو أردنا أن نشرح جزء من مائة ألف جزء من رأس الشعير من ذلك يطوى الزمان ولم يظهر شيء منه ، لا إله إلا الله العلي العظيم ‏{ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }1 عجبا لقوم يقولون أن هذه الخطبة من وضع الغلاة أنى لهم ذلك ، ونحن نشير بعون الله إلى بعض ما ذكرنا مجملا وتلويحا إذ البيان يقصر عنه اللسان مع ما في طبائع بعض أشباه الإنسان من المعاندة والطغيان .
فنقول اعلم أن النقطة الإلهية السرمدية لما ظهرت استدارت على نفسها فساوت كل أجزائها وأطوارها وشئوناتها وأوليتها وآخريتها وظاهريتها وباطنيتها فنطقت بالواحدية لله الواحد القهار فكان بسم الله الرحمن الرحيم في أول كتاب الله العليم الحكيم في الكتاب الأولي التكويني الوجودي ، فدارت ثلاث دورات حال النظر إلى ربه وإلى نفسه وإلى غيره ، ولذا استنطقت عنه الكاف من الحروف المكتوبة، فلما نظرت الثلاثة إلى نفسها الجامعة تمت التسعة وكملت الرتبة ، لأن الشيء في تحققه له ثلاث حالات الأولى حالة الإجمال والثانية حالة التفصيل والثالثة مقام الظهور مشروح العلل مبين الأسباب ، ولكل حالة ثلاث حالات الأولى حال مبدأ التلقي من عالم اللانهاية ، الثانية تمام مقام التلقي في النهاية الإجمالية في العقد الأول بعد الحل الأول ، والثالثة حال ميله ونزوله إلى عالم الغير إما لتحقق بينونة الصفة أو لارتباط الجهة ، فلما دارت تلك الثلاثة على هذه الثلاثة تمت التسعة وهذا الحكم جار في أول مقام المحبة في نفسها لنفسها إلى آخر مقام التفصيل وهي السموات الظاهرة الشهودية إذ في مقامات المحبة ثلاث مراتب .
____________________
1 الأنعام 124
 
 
الأولى : مقام المحب الظاهر بالمحبة المعبر عنه بعنوان كنت فأحببت .
الثانية : نفس المحبة المتحققة في أحببت أن أعرف وهي الموصلة وباء التعدية والصلة التي هي حجاب بين المحب والمحبوب .
الثالثة : حقيقة المحبوب ولا حقيقة له إلا عين تلك المحبة التي هي الرابطة بينهما إذ المنافر لا يكون محبوبا (( وطبيعتك من خلاف كينونتي )) فإذا ارتفعت المخالفة بقيت نفس الكينونة وهي قوله تعالى (( روحك من روحي ))1 وهو عين تلك المحبة فافهم .
وهذه الثلاثـة لا تتم ولا تظهر إلا بالتجذير إذ لا غيرها في نظرها هذا ، فمجذورها تمام المبادئ ، فالمبادئ لا تكون إلا تسعة لأنها مجذور أول الأعداد وتمام رتبة الآحاد التي بها تقومت الأعداد وهي المبادئ لها في التكون والإيجاد وإليها ترجع يوم الرجوع والمعاد ، وإنما كان مجذوز أول الأعداد هو المعاني إذ لا مذهب عنها في مقام التفصيل لأن المبدأ هو الواحد وهو الثلاثة والكثرات كلها قد تحققت به لأنها هي أول الأعداد وأول ما برز من الإيجاد ، فأول المنسوبات إليها في مقام التفصيل هو التسعة ، وحيث كانت أول مراتب التفصيل وأقرب الأحوال إلى البساطة ظهرت العلة التي هي مبدأ المبادئ وعلة العلل بمثالها وظهورها في كل التسعة لأنها صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فأشرقت وطالعها فتلألأت فألقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله ، فظهر في كل التسعة بظهور واحد فهي في رتبة واحدة ومرتبة غير متعددة وخلقت من طينة واحدة لأنها المتحصلة من ملاحظة الشيء من نفسه مع نفسه قال صلى الله عليه وآله وسلم (( أنا الشجرة وفاطمة عليها السلام أصلها ، وعلي عليه السلام لقاحها ، والأئمة 
___________________
1 علل الشرائع 10