الإشعاع الثالث :
الأسماء الحسنى في آية الكرسي كما ذكرت في تفسير الفرقان :
يا طيب : مر في الجزء الأولى حديث عن أمير المؤمنين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله: يَا عَلِيُّ ، آدَمُ سَيِّدُ الْبَشَرِ ، وَ أَنَا سَيِّدُ الْعَرَبِ وَ لَا فَخْرَ ، وَ سَلْمَانُ سَيِّدُ فَارِسَ ، وَ صُهَيْبٌ سَيِّدُ الرُّومِ ، وَ بِلَالٌ سَيِّدُ الْحَبَشَةِ ، وَ طُورُ سَيْنَاءَ سَيِّدُ الْجِبَالِ ، وَ السِّدْرَةُ سَيِّدُ الْأَشْجَارِ ، وَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ سَيِّدُ الشُّهُورِ ، وَ الْجُمُعَةُ سَيِّدُ الْأَيَّامِ .
وَ القرآن : سَيِّدُ الْكلام . وَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : سَيِّدُ القرآن .
وَ آية الكرسي : سَيِّدُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
فِيهَا خَمْسُونَ كَلِمَةً فِي كُلِّ كَلِمَةٍ بَرَكَةٌ [7]. وقال الشيخ محمد الصادقي في تفسير الفرقان :
و الكلمات الخمسون من آية الكرسي :
تشتمل على أربعة عشر من أسماء الله و صفاته :
عشرا ثبوتية و هي : الله ، هو ، الحي ، القيوم ، له ... ، من ذا الذي ...، يعلم ... ، وسع ...، العلي ، العظيم .
و أربعا سلبية و هي : لا إله إلا هو ، لا تأخذه سنة ، و لا نوم ، و لا يحيطون .
و بين الأولى : الاسم الأعظم ، الظاهر : الله ، و الباطن : هو .
و الصفات الذاتية الثلاث : الحياة ، و العلم ، و القدرة .
فالأولى : من الحي ، و الأخريان منه و القيوم ، كما الوسطى من : يعلم ، بعد القيوم ، حيث لقيومية : تجمع قوام العلم و القدرة ، كما العلم لزامه القدرة .
و من صفات الفعل : الملكية ، و المالكية المطلقتان ، المستفادتان من : { لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ } حيث اللام تجمعهما ككل .
و الشفاعة : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } .
وسعة قضاءه و تدبيره بعلمه و قدرته و حكمته : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ } ثم : العلي ، العظيم .
يا طيب : فبعد أن بين الصفات الثبوتية والسلبية ، والذاتية والفعلية ، ذكر عدد ما جاء لكل اسم مذكور في آية الكرسي في القرآن المجيد ، فقال :
و قد ذكر : اللّه : في القرآن كله (2697) مرة ، و اقل منها بكثير : هو ، ثم الحي : خمس مرات . و القيوم : ثلاثا ، و له ما في السماوات و الأرض ، و انحصار الشفاعة به و بأذنه ، وسعة علمه المطلق مرات عدة ، و ليس كرسيه إلّا هنا ، و العلي : ثمان . و لعظيم : خمس مرات .
ثم يا طيب : ذكر أن اسم الله ، أو هو : يمكن أن يقع مبتدأ أو خبر ، فقال :
و قد يكون : اللّه، هنا هو المبتدأ لكل الأخبار التالية ، كم هو مبتدأ لكل ، و مبتدأ و خبر واقعيا ، فـ :
اللّه : لا إله إلا هو . الله الحي : لا حي إلّا هو . الله القيوم : لا قيوم إلّا هو .
الله لا تأخذه سنة و لا نوم : ليس إلّا هو . الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه : ليس إلّا هو . الله يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم : ليس إلّا هو .الله لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء : ليس إلّا هو . الله وسع كرسيه السماوات و الأرض : ليس إلّا هو . الله لا يؤده حفظهما : ليس إلّا هو .الله العلي : ليس إلّا هو . الله العظيم : ليس إلّا هو ، فان كل هذه من اختصاصات الربوبية الوحيدة المنحصرة باللّه ، المنحسرة عما سواه .
ثم يا طيب : ذكر ترابط الجمل في آية الكرسي فقال :
و قد يعني : اللّه : لأنه الله . فـ : لا إله إلا هو . و لأنه : لا إله إلا هو ، فهو : الحي القيوم ، ليس إلّا هو . و لأنه : الحي القيوم ، فـ : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ ، و هكذا حتى ..: الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .كل سابقة بسابغة برهان دليل على لاحقتها . ...
ثم تكلم عن انطباق حقائق معاني الألفاظ للأسماء الحسنى على الذات فقال:
و لا يعني اسم : الله ،كصفته ، لفظه : إلّا تدليلا على واقع معناه الحق ، و هو العينية الإلهية .
كما في : أسماء الذات ، و أفعاله كما في أسماء الفعل .
و كلها حسنى : و أفضلها و أجمعها ، هو : اللّه ، هو ، حيث يجمعان الذات المقدسة ، و إليها صفات الذات و صفات الفعل .
و ليس الخلاف : في هل أن أسماء الله من ذاته أم هي زائدة عليها ؟ حول لفظية الأسماء .
كما الخلاف في عبادة : الاسم دون المسمى : إلحادا ، أو الاسم مع المسمى : شرك .
و إن حق التوحيد : هو عبادة الذات المتصفة بعينية الصفات و فعليتها ، دون زيادة لصفات على ذات ، و لا صفات الذات بعضها على بعض ، كما و صفات الفعل مخلوقة له كسائر الخلق .
وذكر في الحاشية : يقول جم غفير من المتكلمين بزيادة صفات الذات على الذات ، و جمهور الفلاسفة بالعينية في الذات و هذه الصفات . و آخرون : يوحدون صفات الفعل مع الذات ، كصفات الذات . و فرقة رابعة : تنفي كل الصفات عن الذات ، خوفا من قولة الزيادة ، و جهلا بموقف الصفات .
و فصل القول و حقه في آية الكرسي : أنها جمعت جملة تفصيل ما في القرآن من توحيد الله ، في كونه : رحمانا- رحيما- حيا- قيوما- حكيما- خالقا- عليما- محييا- مميتا- ملكا- سلاما- مؤمنا- مهيمنا- عزيزا- جبارا- متكبرا- له العرش ، و له الأسماء الحسنى .
ثم اللّه : يكفى كمجمل البرهان على توحيد الذات و الأفعال .
و لا إله إلا هو : توحيدا للصفات مع الذات .
و الحي القيوم : توحيدا لأفعاله .
و هكذا تكون آية الكرسي : سيدة القرآن .
و رب موحد : فاز بتوحيد الذات دون الأفعال و الصفات ، أم و توحيد الصفات دون الأفعال . و مثلث التوحيد : عقيديا ، هو ذروته و قمته ، أن : لا إِلهَ إِلَّ الله ، و لا مؤثر في الوجود إل الله ، و لا حول و لا قوة إلا باللّه ، مع الحفاظ على الاختيار- أمرا بين أمرين- في اختيارية الأفعال ، حيث اللا اختيار في مقدمات لها ، و تقدمات لا ينافي الاختيار .
وفي البحار عن أبي عبد الله عليه السلام ، في حديث التوحيد للمفضل ... :
لم يقدروا : على عمل ، و لا معالجة مما أحدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم ، فمن زعم انه يقوى على عمل لم يرده الله عز و جل ، فقد زعم إن إرادته تغلب إرادة الله تبارك اللّه رب العالمين .
فتعدد صفات الذات واقعي : يعدّد الذات ، سواء أ كان ذلك بتعدد الذات أن يحمل كلّ واحدة من الصفات ، أم بوحدة الذات بعديد الصفات ، حيث العروض تركّب ، و إن واحدا فضلا عن عديد الصفات العارضة على الذات!.
بل قد يكون الموصوف الواحد : بعديد الصفات الزائدة على الذات ، هو أضل سبيلا من عديد الذات بالصفات .
فهنا قد تكون : كل ذات بصفتها واحدة ، دون عروض ، و لا يمانعه إلّا استحالة تعدد الذات .
و هناك الذات الواحدة : مركبة مع الصفات ، و هي في نفسها خلو عن الصفات مفتقرة إليها ، فهي أبعد عن الحق و أضل سبيلا .
فلو كانت : أسماؤه تعالى و صفاته متعددة الحقائق ، في حين أنها عين الذات ، فذلك تناقض بيّن بين الذات و الصفات!.
و لو أنه : عارضة على الذات ، فنفس عروضها حدوث ، و إن كانت في أنفسها واحدة !
و لو كانت : مركبة مع الذات منذ الأزل ، فحدوث ، أيضا قضية التركب مع الأزل ، و هو تناقض بيّن !.
و لو كانت : مركبة مع الذات بعد الأزل ، فحدوث مكرر !.
و لو كانت : كل واحدة منها عارضة على ذات تخصها ، فتعدد الذات بعديد الصفات !.
و لو كانت : هي عين بعضها البعض ، و لكنها عارضة على الذات منذ الأزل ، أم بعده ، فتركب و حدوث على أية حال .
فليست أسماؤه و صفاته الذاتية : إلا تحبيرات اللغات .
تعبيرات : عن ذات واحدة من جميع الجهات و الحيثيات ، دونما أي تعدد من عارض و معروض ، أم هو من عديد التعددات .
و توحيد الأفعال : هو لزام قيومية تعالى ، و هي قمة الاستقلال في القيام بذاته ، و على كل نفس ، فلو كان في الكون فاعل سواه باستقلال ، أو شركة واقعية ، لم يكن هو قيوما على الإطلاق ، و لكنه قيوم لا فاعل في الحق إلّا هو ، اللهم إلا فاعلا بحوله و قوته ، كما يناسب الاختيار في الفعل المختار.
و هكذا نجد الترتيب : الرتيب بين توحيد الذات و الصفات و الأفعال في :
{ وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إله إلا هو الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ } ، و ذلك ترتيب المعرفة التوحيدية ، ثم العبودية ، هي بعكس الترتيب ، بادئة من الأفعال إلى الصفات إلى الذات [8].
الإشراق الرابع :
المراد من ألفاظ الأسماء الحسنى وأنه يجب عبادة المعنى المسمى :
يا طيب : بعد أن عرفنا إن من خواص سيادة آية الكرسي وإن البيان لعظمتها وفضلها هو لما تتضمنه من ألفاظ الأسماء الحسنى والضمائر الكثيرة التي ترجع لله سبحانه وتعالى ، فضلا عما عرفت من المعاني الأخرى لها والآثار الكثيرة التي عرفتها ، وإن من الأمور المهمة والتي يجب معرفتها وحسم المقال فيها ، هو أن المراد من ألفاظ الأسماء الحسنى هو المعنى العظيم الذي تدل عليه وتعرف شأن من شؤونه الذاتية أو معنى تحتويه الذات المقدس في عين وجودها ، ولذا جاء بحث كريم في بيان أن ما يجب عبادته هو المعنى المراد من الألفاظ وما تدله عليه من حقيقة الذات المقدسة لله سبحانهوتعالى ، لا نفس الألفاظ ، ولا الألفاظ والمعنى المتصور في الذهن لأنه كفر ، ولأن الأول لفظ مادي متصرم منقضي يحدثه الإنسان حين النطق ، والمعنى الذهني مخلوق لنا محدود ، ولكن المراد هو المعنى الخارجي لله الذي لا يحاط به علما ، والذي هو خالق كل شيء ومنعم على كل شيء بكل ما به وجوده وبقائه ، ويرعاه ويقيمه بكل ما يحتاجه حتى يصل لأحسن غاية يستحقها شأن وجوده ، ولمعرفة هذا المعنى نتدبر الأحاديث الآتي :
عَنِ ابْنِ رِئَابٍ وَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ :
مَنْ عَبَدَ الله بِالتَّوَهُّمِ فَقَدْ كَفَرَ .
وَ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ .
وَ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَ الْمَعْنَى فَقَدْ أَشْرَكَ .
وَ مَنْ عَبَدَ الْمَعْنَى : بِإِيقَاعِ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ ، وَ نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَ عَلَانِيَتِهِ ، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حَقّاً ، وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } [9]. وعَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :
عَنْ أَسْمَاءِ الله ، وَ اشْتِقَاقِهَ الله مِمَّ هو مُشْتَقٌّ ؟
قَالَ عليه السلام : فَقَالَ لِي يَا هِشَامُ :
اللَّهُ : مُشْتَقٌّ مِنْ إِلَهٍ ، وَ الله يَقْتَضِي مَأْلُوهاً ، وَ الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى .
فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنَى ، فَقَدْ كَفَرَ ، وَ لَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً .
وَ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَ الْمَعْنَى ، فَقَدْ كَفَرَ ، وَ عَبَدَ اثْنَيْنِ .
وَ مَنْ عَبَدَ الْمَعْنَى دُونَ الِاسْمِ ، فَذَاكَ التَّوْحِيدُ ، أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ .
قَالَ فَقُلْتُ : زِدْنِي ؟
قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ اسْماً ، فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى ، لَكَانَ كُلُّ اسْمٍ مِنْهَا إِلَهاً ، وَ لَكِنَّ اللَّهَ مَعْنًى يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ ، وَ كُلُّهَا غَيْرُهُ[10]. يَا هِشَامُ : الْخُبْزُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ ، وَ الْمَاءُ اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ ، وَ الثَّوْبُ اسْمٌ لِلْمَلْبُوسِ ، وَ النَّارُ اسْمٌ لِلْمُحْرِقِ ، أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ فَهْماً تَدْفَعُ بِهِ وَ تُنَاضِلُ بِهِ أَعْدَاءَنَا ، وَ الْمُتَّخِذِينَ مَعَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ غَيْرَهُ . قُلْتُ : نَعَمْ .
قَالَ فَقَالَ : نَفَعَكَ الله بِهِ وَ ثَبَّتَكَ يَا هِشَامُ .
قَالَ هِشَامٌ : فَوَ الله مَا قَهَرَنِي أَحَدٌ فِي التَّوْحِيدِ حَتَّى قُمْتُ مَقَامِي هَذَا .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ :
كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، أَوْ قُلْتُ لَهُ ، جَعَلَنِي الله فِدَاكَ ، نَعْبُدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ .
قَالَ فَقَالَ عليه السلام :
إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمَّى بِالْأَسْمَاءِ ، أَشْرَكَ وَ كَفَرَ وَ جَحَدَ وَ لَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً .
بَلِ اعْبُدِ الله الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ الْمُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ ، دُونَ الْأَسْمَاءِ ، إِنَّ الْأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ[11] . المراد المسمى بالأسماء: لا لفظها ولا معناها الذهني، بل معنى يقع على المسمى.