كنزالعلوم الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

 بحوث في علم الاصول 7

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

بحوث في علم الاصول  7 Empty
مُساهمةموضوع: بحوث في علم الاصول 7   بحوث في علم الاصول  7 I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 14, 2015 7:41 am

٣٣٦
ولنأخذ اسم الإشارة « هذا » محوراً للحديث وعلى ضوئه يفهم الحال في سائر المبهمات وقد ذكر المحقق الخراسانيّ ( قده ) أن « هذا » تدلّ على نفس ما تدلّ عليه كلمة المفرد المذكر ، غاية الأمر : أنّها وضعت ليشار بها إلى المعنى ومن أجل ذلك يكون استعمالها مساوقاً لتشخيص المعنى بسبب الإشارة من دون أن تؤخذ الإشارة قيداً في المعنى الموضوع له.
واعترض عليه السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ : بأنّا لو سلّمنا اتحاد المعنى الحرفي والاسمي ذاتاً واختلافهما باللحاظ لم نسلم ما أفاده في المقام ، وذلك لأن لحاظ المعنى في مرحلة الاستعمال أمر ضروري فلا يلزم على الواضع أن يجعل لحاظ المعنى آلياً كان أو استقلاليّاً قيداً للموضوع له بل هو لغو بعد ضرورة وجوده ، وهذا بخلاف أسماء الإشارة ونحوها فان الإشارة إلى المعنى ليست ممّا لا بدّ منه في مرحلة الاستعمال فلا بدّ من أخذه قيداً في المعنى الموضوع له ، وذلك بأن يقال انّ اسم الإشارة « هذا » وضع للدلالة على قصد تفهيم المفرد المذكر في حالة الإشارة إليه وليس المراد بذلك وضعه لمفهوم المفرد المذكر بل لواقعه على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ.
وكلّ من اعتراض السيد الأستاذ على صاحب الكفاية ومختاره ومدعى صاحب الكفاية محل نظر ، أمّا الأول فلأنّ عدم أخذ الإشارة قيداً في الموضوع له ليس معناه إطلاق الوضع من ناحيتها بل أخذها قيداً في نفس العلقة الوضعيّة بناء على التصورات المشهورة القائلة بإمكان ذلك ، ولو لا هذا لما تمّ مدعى صاحب الكفاية في باب الحروف أيضا فان تصحيحه يتوقّف على أخذ اللحاظ الآلي قيداً في العلقة الوضعيّة. ودعوى : الفرق بين البابين كما أفيد لأنّ اللحاظ ضروري والإشارة غير ضرورية. مدفوعة بأن ما هو ضروري أصل اللحاظ لا آليته بالخصوص فآلية اللحاظ كالإشارة أمر غير ضروري ولا يمكن فرض تقوم الاستعمال به بالخصوص وإبائه عن الاستقلالية إلاّ بأخذه قيداً في الوضع بوجه من الوجوه.
وامّا الثاني : فانّه يرد عليه : أولا ـ ان لازم كون كلمة هذا موضوعة للمفرد المذكر على نحو الوضع العام والموضوع له العام الترادف بين هذا والمفرد المذكر مع انّه خلاف الوجدان ، وثانياً : ما تقدّم منا من ان تقييد العلقة الوضعيّة لا معنى له.
وأما الثالث : فلأن أخذ واقع الإشارة في المدلول معناه كون الدلالة تصديقية ، وهذا يناسب مسلك التعهد ولكنه لا يناسب ما هو التحقيق من أن الدلالة الوضعيّة تصورية بحتة محفوظة حتى عند النطق بالكلمة بدون قصد وشعور. فالصحيح انّ كلمة هذا تستبطن الإشارة بوجه من الوجوه بشهادة الوجدان اللغوي ، ولكن استبطانها لذلك ليس بوضعها لمفهوم الإشارة لوضوح التغاير بين هذا والإشارة على حدّ التغاير بين من ومفهوم النسبة الابتدائية ، فانّ مفهوم الإشارة ليس إشارة كما انّ مفهوم النسبة ليس نسبة وليس أيضا بوضعها لواقع الإشارة الّذي هو فعل من النّفس ونحو توجه خاص لأن هذا يعني كون الكلمة ذات مدلول تصديقي بحسب وضعها وهو خلف المبنى ، وليس أيضا بوضعها للمقيد بهذا الواقع ، لا على نحو دخول القيد والتقيد معاً ، ولا على نحو خروج القيد مع دخول التقيد لنفس المحذور بل توضيح هذا الاستبطان : انّ الإشارة نحو نسبة وربط مخصوص بين المشير والمشار إليه والنسبة الإشارية مع مفهوم الإشارة كالنسبة الابتدائية مع مفهوم الابتدائية ، وكما أن النسبة الابتدائية لها صورة ذهنية في مرحلة المدلول التصوري كذلك تلك النسبة الإشارية ، ولفظة هذا موضوعة لكلّ مفهوم مفرد مذكر واقع طرفاً لهذه النسبة الإشارية لا بمعنى انّ الواقع الخارجي للإشارة مأخوذ ليلزم انقلاب الدلالة الوضعيّة إلى تصديقية ، بل الإشارة بما هي أمر نسبي تصوري مأخوذة على حدّ سائر النسب الحرفية في مرحلة المدلول التصوري. ونفس الشيء يقال في التخاطب أيضا فانّه يحقق نسبة معيّنة تخاطبية على الوجه المذكور وهكذا. وعلى هذا الأساس يكون الوضع في المبهمات من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاصّ.
٣ ـ كيفية الوضع في الحروف والهيئات
بعد ان فرغنا من تحديد معاني الحروف والهيئات من زاوية تمييزها عن المعاني الاسمية واستكشاف خصائصها العامة المشتركة يقع الكلام في تشخيص كيفية وضع الحروف والهيئات وذلك من ناحيتين :
الأولى : من ناحية المعنى الموضوع له فيبحث انّ وضعها هل هو من الوضع العام
٣٣٨
والموضوع له العام كما في أسماء الأجناس أو من الوضع العام والموضوع له الخاصّ.
والثانية : من ناحية اللفظ الموضوع فيبحث انّ وضعها هل هو وضع شخصي أو نوعي.
١ ـ من ناحية المعنى الموضوع له
أمّا من الناحية الأولى : فالكلام فيها يشمل كلّ الحروف والهيئات التي تدلّ على معنى حرفي ، وامّا ما كان منها موضوعاً لمفهوم اسمي كالمشتق بناء على التركب بالنحو المتقدم فهو خارج عن محل البحث لأنّ حاله حال سائر أسماء الأجناس في كونها موضوعة بالوضع العام والموضوع له العام.
وتحقيق الحال في هذه الناحية : انّ المعاني الحرفية ، تارة : تكون نسباً واقعية وهي مداليل الجمل التامة. وأخرى : نسباً تحليلية ناقصة وهي مداليل الحروف وهيئات الجمل الناقصة.
امّا النسب الواقعية فالصحيح انّ الوضع فيها عام والموضوع له خاص إلاّ أن العمومية والخصوصية لا يراد منهما العمومية والخصوصية بلحاظ الصدق الخارجي لوضوح انّ هذه النسبة الواقعية ذهنية وليست خارجية ، بل لا يعقل تحقق النسبة التصادقية والإضرابية في الخارج على ما برهنا عليه فيما سبق. كما أنّ ما جاء في تعبير المحقق النائيني قدس‌سره في تفسير العمومية والخصوصية من انّ الخصوصية تعني دخول تقيد المعنى الحرفي بطرفيه في المعنى الموضوع له وان خرج عنه ذات الطرفين والعمومية تعني خروج التقيد بالأطراف أيضا عن المعنى الموضوع له ليس بصحيح ، إذ ليس لنا في المعاني الحرفية النسبية زائداً على نفس النسبة التي هي التقيد أمران قيد وتقيد أو طرف وتقيد آخر بينه وبين النسبة لكي يبحث عن خروج التقييد عن حريم المعنى الموضوع له ودخوله فيه ، فان امتياز المعنى الحرفي عن المعنى الاسمي في انّه بذاته تقيد وربط فلا يحتاج إلى تقيد آخر يربطه بطرف وإلاّ لاحتاج ذلك الربط إلى ربط آخر وهكذا.
وانّما المقصود العمومية والخصوصية بلحاظ عالم الذهن نفسه ، أي انّ أفراد هذه
٣٣٩
النسب الواقعية في الذهن هل يكون فيما بينها جامع حقيقي تكون نسبته إليها نسبة الكلّي إلى مصاديقه في نفس هذا العالم لكي يعقل وضع الجملة بإزاء ذلك الجامع أولا يوجد ثمة جامع ذاتي بين النسب فلا بدّ من وضع الجملة بإزاء مصاديق النسب الموجودة في صقع الذهن. فعلى الأول يكون الموضوع له عاماً وعلى الثاني يكون خاصاً ، وقد تقدّم فيما سبق البرهان على استحالة وجود جامع حقيقي بين النسب الواقعية. فيتعين أن يكون الموضوع له خاصاً في الجمل الموضوعة بإزاء النسب الواقعية.
وامّا النسب الناقصة ، والتي هي نسب أوليّة موطنها الأصلي هو الخارج لا الذهن ولذلك كانت تحليلية ـ على ما تقدّم ـ فالبحث عنها يكون من حيث الوضع والموضوع له معاً فان ما يوضع بإزاء هذه النسب كما يكون مدلوله ضمنيّاً تحليليّاً كذلك يكون وضعه ضمنيّاً ، لأنّ وحدة الوجود الذهني المدلول عليه بجملة « نار في الموقد » يستدعي أن لا تكون هناك دلالات وانتقالات ذهنية ثلاثة للجملة بنحو تعدد الدال والمدلول بل ليس هناك إلاّ مدلول واحد ودال واحد وذلك لأن الوضع ليس إلاّ القرن الموجب للدلالة. وليست الدلالة إلاّ السببيّة في عالم التصوّر واللحاظ بين اللفظ والمعنى ، والسبب دائماً هو الوجود الفعلي ولا يعقل أن يستقل جزؤه التحليلي بالسببيّة فما لا استقلال له في الوجود لا استقلال له في السببيّة والموجدية. فهناك إذن وجود واحد وموجدية واحدة وبالتالي وضع واحد وهذا يعني انّ الوضع في الحروف والجمل الناقصة وضع ضمني كما انّ مدلولها ضمني تحليلي ، بمعنى انّ الواضع قد وضع كلمة « نار » لمعناها الاسمي المستقل وكلمة « موقد » لمعناها الاسمي أيضا ثمّ وضع جملة « نار في الموقد » ـ ولو بنحو الوضع النوعيّ المشار به إليهما إجمالاً ـ للمعنى الوحدانيّ المتضمّن بالتحليل لأجزاء ثلاثة.
ومن الواضح انّ الموضوع له في الحروف ونحوها خاص أيضا لأنّ الواضع قد وضعها لواقع تلك الحصص والصور الوحدانية المحتوية على النسبة التحليلية ولم يضعها لمفهوم الظرفية الاسمي مثلاً ، لما تقدّم من أنّ هذا المفهوم ليس جامعاً حقيقيّاً ذاتيّاً لتلك النسب والتحصيصات. والمراد من الوضع العام والموضوع له الخاصّ هنا الحصص بمعنى انّ الواضع يتصوّر مفهوم الحصة الخاصة المشتملة على الظرف والمظروف ونسبة
٣٤٠
الظرفية التحليلية ويضع الحرف أو الهيئة لواقع تلك الحصص فجملة « نار في الموقد » مثلاً موضوعة لهذه الحصة من الظرفية المتقوّمة بوجود ذهني واحد للنار والموقد والظرفية بينهما وهي حصّة غير النسبة الظرفية في جملة « زيد في الحديقة » المتقومة بوجود ذهني آخر ، وامّا أفراد ومصاديق « نار في الموقد » الخارجية فليس الوضع بلحاظها خاصاً كما كان في النسب الواقعية الذهنية لأنّ ذلك الوجود الذهني الواحد ليس متضمناً على نسبة واقعية حتى يكون متشخصاً ومتقوّماً بأطرافها.
تصوير الوضع العام والموضوع له العام في الحروف
هذا هو المختار في تحقيق الأوضاع للمعاني الحرفية. ومن الجدير بالذكر بهذا الصدد محاولة قام بها المحقق العراقي قدس‌سره لتصوير كون وضع الحروف من الوضع العام والموضوع له العام. وحاصل المحاولة : انّ الحرف موضوع للقدر المشترك الجامع بين الجزئيات ولكنّه سنخ جامع لا يمكن تصوره إلاّ في ضمن الخصوصيات خلافاً للجامع في المفاهيم الاسمية التي وضعت لها أسماء الأجناس حيث انّه سنخ جامع قابل للورود في الذهن مجرداً عن الخصوصيات وبذلك يتصوّر الوضع العام والموضوع له العام في الحروف بافتراض جامع من ذلك القبيل يكون هو مفاد الحرف وتكون الخصوصية مستفادة من دال آخر على طريقة تعدد الدال والمدلول والدليل على أن وضع الحروف على هذا الوجه تبادر الحيثيّة المشتركة من الحرف في موارد استعماله. ولنا حول هذا الكلام عدة تعليقات.
الأول : انّ المشكلة في تصوير الجامع لم تكن عبارة عن أنّ النسبة الابتدائية مثلاً لا يمكن أن ترد إلى الذهن إلاّ توأماً مع الخصوصيات حتى يقال ان هذا لا ينفي تعقل الجامع لعدم توقّف الجامع على تعقّل وروده مجرداً إلى الذهن ، فالطبيعة اللابشرط المقسمي جامع بين الطبيعة اللابشرط القسمي والطبيعة الملحوظة بشرط شيء ومع هذا فانّها لا ترد إلى الذهن إلاّ في ضمن إحدى الحصتين ، بل المشكلة في تصوير الجامع هي انّ كلّ نسبة متقومة ذاتاً وتقرراً بطرفيها ، فإذا أريد انتزاع جامع ذاتي بين نسبتين فان تحفظنا على خصوصية الطرفين لكل نسبة استحال الحصول على جامع
٣٤١
لتباين الخصوصيات ، وان ألغينا خصوصية الطرفين لم تبق نسبة إذ لا تقرر للنسبة إلاّ بطرفيها فلا يمكن الحصول على جامع بين النسبتين ، وعلى هذا الأساس فالجامع الّذي يفترض المحقق العراقي ( قده ) انّه لا يرد إلى الذهن إلاّ مع الخصوصيات إن كان في تقرّره الماهوي مستقلاً فهذا خلاف البرهان المذكور وإلاّ فهو مساوق لعدم الجامع.
الثاني : انّا لو سلّمنا تعقّل الجامع المذكور الّذي أفاده فهذا لا يفيد في إثبات كون الإفادة بنحو تعدد الدال ، لأنّ تعدد الدال والمدلول انّما يتعقّل في فرض يمكن فيه تعدد الانتقال وهو في المقام غير معقول لأنّ المفروض عدم إمكان الانتقال إلى الجامع إلاّ في ضمن الخاصّ ومع وحدة الانتقال لا معنى لتعدد الدال بل ولا لتعدد الوضع.
الثالث : انّ استدلاله على مدعاه قدس‌سره بشهادة الوجدان بتبادر الحيثية المشتركة غير واضح لأنّ الحيثيّة المشتركة لا يمكن أن ترد إلى الذهن إلاّ في ضمن الخاصّ كما افترضه ، وعليه فان ادعي شهادة الوجدان بعدم الانتقال إلى الخصوصية فهو خلف الفرض ، وان ادّعي شهادة الوجدان بعدم الانتقال من ناحية نفس الحرف إلى الخصوصية فهذا لا ينافي ما ندّعيه من كون الحرف موضوعاً بوضع ضمني على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ فان مقتضى ذلك انّ الخصوصية مستفادة من المجموع لا من الحرف مستقلاً.
وبالإمكان صياغة برهان آخر على مدّعى المحقق العراقي مركب من أمرين : أحدهما : وجداني ، وهو إدراك وجود تشابه بين النسب الابتدائية على نحو لا يوجد بين نسبة ابتدائية ونسبة ظرفية. والآخر : برهاني ، وهو انّ كلّ تشابه بين أمرين يرجع لا محالة إلى اشتراكهما في حيثية واحدة إذ مع التباين في كلّ الحيثيات لا يبقى فرق بين مباين ومباين ، فإذا تقرّر هذان الأمران يستكشف على أساسهما وجود حيثية مشتركة بين النسب الابتدائية ، وهذه الحيثية ليست عرضية وطارئة لوضوح انّ التشابه ملحوظ بين النسبتين الابتدائيتين بقطع النّظر عن أيّ عارض وطارئ ولا يمكن تصوّر زوال التشابه بزوال هذا العارض أو ذاك فيتعيّن أن تكون الحيثيّة المشتركة ذاتية وبذلك يثبت الجامع الحقيقي بين النسبتين.
وببيان آخر : إن النسب الابتدائية مثلاً ينتزع منها جميعاً مفهوم اسمي واحد
٣٤٢
ولا يمكن انتزاع مفهوم واحد من المتباينات بما هي متباينات ، فحينما ينتزع مفهوم واحد من أفراد عديدة فلا بدّ أن يكون منتزعاً امّا بلحاظ مرتبة ذاتها فيكون جامعاً ذاتيّاً ، أو بلحاظ مرتبة عرض من أعراضها وشأن من شئونها فيكون جامعاً عرضيّاً ، والثاني في المقام باطل لما أشرنا إليه فيتعيّن الأول.
وينحصر الجواب على هذا البرهان : بإنكار مرجعية التشابه حتماً إلى الاشتراك في جامع إلاّ فيما كان له تقرر ماهوي في مرتبة سابقة على الوجود وامّا ما كان تقرّره في طول صقع الوجود فلا يرجع التشابه والتقارب فيه إلى الاشتراك في جامع مفهومي حقيقي كما هو الحال في أنحاء الوجود نفسها ولو كان لا بدّ من جامع كذلك في كلّ تشابه لزم عند تطبيق ذلك على النسب افتراض اشتمالها على جامع ذاتي محفوظ في تمام النسب وجامع ذاتي آخر محفوظ في خصوص النسب الابتدائية مثلاً ، وبهذا تكون النسبة الابتدائية مركّبة من جزءين وهذا الجزءان بنفسيهما بينهما تشابه بالضرورة في مقابل ما لا يدخل في تكوين النسبة من مفاهيم فلا بدّ انسياقاً مع البرهان المذكور من افتراض جامع ذاتي بينهما وهكذا.
٢ ـ من ناحية اللفظ الموضوع
الناحية الثانية : في تشخيص كيفية وضع الحروف والهيئات من جانب اللفظ من حيث انّه شخصي أو نوعي ، والمعروف بين المحققين انّ الوضع في الهيئة نوعي وامّا الوضع في الحروف فلم يتكلّموا عنه وكأنّه لافتراض وضوح كون الوضع فيه شخصياً.
والتحقيق في الحروف : انّ الوضع فيها نوعي بناء على ما حققناه من أنّ الحرف ليس له وضع مستقل بل موضوع بوضع ضمني في ضمن الجملة ، وحيث انّ عناصر الجملة تختلف من مورد إلى آخر وهي غير محصورة فلا بدّ من استحضار عنوان إجمالي يشير إلى كلّ الجمل التي تتألّف من ظرف ومظروف وحرف الظرفية مثلاً ووضعها للمعنى المناسب لها ، وهذا يعني انّ الوضع نوعي لأنّ الموضوع في الحقيقة شخص كلّ جملة وشخص الجملة لم يستحضر في مقام الوضع إلاّ بنوعه.
وأمّا الهيئات ، فالمعروف كما أشرنا ان الوضع فيها نوعي إذ لم تستحضر الهيئة
٣٤٣
المتخصصة بكلّ مادة بالخصوص في مقام الوضع وانّما استحضر نوع الهيئة الملحوظة لا بشرط من حيث المادة ، وهذا بخلاف المادة فانّ وضعها شخصي.
وقد استشكل في ذلك ثبوتاً بأن التمييز بين الهيئة والمادة بالنوعية في الوضع في الأولى والشخصية في الثانية غير متعقّل ، لأن مناط نوعية وضع الهيئة إن كان عدم اختصاصها بمادة من المواد فالمواد كذلك لعدم اختصاصها بهيئة من الهيئات ، ومناط شخصية الوضع في المادة إن كان امتياز كلّ مادة عن الأخرى فالهيئات كذلك لامتياز بعضها عن بعض.
وقد وجهه المحقق الأصفهاني ( قده ) بأن المادة لما كان لها جامع يمكن استحضاره فالواضع يحضر هذا الجامع في ذهنه ويضع له المعنى فيكون الموضوع بحقيقته وشخصه مستحضراً ، ففي وضع مادة « ضرب » مثلاً يتصور الحروف الثلاثة على نحو يكون الضاد مقدماً على الراء والباء متأخراً عنهما فيقول وضعت ذلك للمعنى الحدثي الخاصّ. وامّا في جانب الهيئة ، فلا يمكن حضور الهيئة بنفسها واستحضارها مجردة عن المادة لتقومها بالمادة حيث انّها طور من أطوارها ، فلا يعقل أن يكون هناك جامع حقيقي بين هيئات « ضارب » و « عالم » و « شارب » لأنّه لا جامع بين المواد ، وذلك الجامع حيث انّه هيئة يحتاج إلى ما يقوم به ومع قيامه بمادة خاصة يتشخص فلا يكون جامعاً ، والحاصل : انّ كلّ ما يفرض جامعاً إن كان قائماً بمادة فليس هو بجامع لتخصصه بمادة من المواد وإلاّ فليس بهيئة حقيقة. وإذن فلا بدّ للواضع من إحضار عنوان انتزاعي يشير به إليها ، أو وضع بعضها وقياس الأفراد الأخرى عليه ، وبهذا يكون الوضع نوعيّاً ويختلف عن المادة لوجود الجامع الحقيقي للمادة ، وهذا طريف وجيه ، غير انّ الكلام يبقى إثباتاً في ان وضع الهيئة هل هو نوعي أو شخصي ولدينا هنا إشكال إثباتي نرى أنّه يواجه دعوى النوعية في وضع بعض الهيئات الإفرادية ، كهيئة اسم الفاعل ونحوه ، وملخصه : انّ الهيئة كهيئة اسم الفاعل أو فعل الماضي مثلاً إذا أخذت لا بشرط من حيث المادة ووضعت للذات المتلبسة بالمبدإ بناء على التركيب في المشتق وللنسبة بين الفعل والفاعل بناء على أن مفاد الفعل نسبة أولية ، فهناك أنحاء من التلبّس وأنحاء من النسب بين الفعل والفاعل فهو تارة : يكون صدوريّاً كما في « ضارب » و « ضرب »
٣٤٤
و « قاتل » و « قتل » وأخرى : حلوليّاً كما في « مائت » و « مات » و « عالم » و « علم » فان كان المأخوذ في مدلول الهيئة في مقام الوضع الجامع بين تلك النسب والتلبسات على نحو الوضع العام والموضوع له العام أو على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ فيلزم صحة استعمال كلّ هيئة في كلّ نحو من التلبس ، وهذا يعني صحة استعمال « قاتل » فيمن تلبس بحلول القتل عليه وهكذا وهو واضح البطلان ، وإن كان المأخوذ نحواً خاصاً من التلبس كالتلبس الصدوري مثلاً لزم ان لا يجوز استعمال أي هيئة في مورد التلبس الحلولي مع وضوح صحته في بعض الهيئات كما في « مائت » مثلاً فلم يبق إلاّ أن يكون الواضع قد لاحظ كلّ هيئة مقرونة بمادتها الخاصة ووضعها للنحو المناسب من التلبس والنسبة وهو معنى الوضع الشخصي.
ولا يصحّ أن يقال : ان اسم الفاعل موضوع للذات المتلبسة بالمبدإ بالتلبس المناسب لطبيعة ذلك المبدأ ، وحيث انّ المناسب للقتل التلبس الصدوري لم يصح استعمال لفظ « القاتل » في الذات التي حلّ فيها القتل ، وان المناسب للعلم التلبس الحلولي لم يصح استعمال لفظ « العالم » في الذات التي صدر منها العلم. فان هذا الكلام لا محصل له ، وذلك لأن كلاً من القتل والموت والعلم عرض له نسبتان ، نسبة إلى فاعل القتل والعلم ونسبة إلى محلها ، وليس أحدهما أولى من الآخر بإحدى النسبتين فلما ذا صحّ استعمال « قاتل » في فاعل القتل ولم يصح استعمال « مائت » في فاعل الموت.
ولا يصح أن يقال : انّ هيئة اسم الفاعل موضوعة للذات المنتسب إليها المبدأ بالنسبة التي أخذت في المصدر ، وحيث انّ المصادر مختلفة من هذه الجهة ففي بعضها أخذت النسبة إلى الفاعل وفي بعضها النسبة إلى المفعول وهكذا ، فاسم الفاعل يدلّ على صاحب تلك النسبة ومن هنا افترق « قاتل » عن « مائت » فان القتل أخذت فيه النسبة إلى الفاعل والموت أخذت فيه النسبة إلى الميت. فان هذا الكلام غير مستقيم حتى لو بني على تضمن هيئة المصدر للنسبة ، لأنّ النسبة المأخوذة في القتل مثلاً لا نسلم انّها النسبة إلى فاعل القتل بالخصوص بل هي النسبة إلى كل من الطرفين من الفاعل والقابل ، ولذا تكون إضافته إلى القابل على حدّ إضافته إلى الفاعل ، فكما يقال « قتل
٣٤٥
معاوية لحجر جريمة » يقال « قتل حجر من أعظم المحرمات » والوجدان شاهد على ان لفظ القتل لا يوجب انصراف الذهن إلى خصوص النسبة الفاعلية. فلم يبق وجه لاختصاص القاتل بفاعل القتل.
ولا مخلص عن هذا الإشكال إلاّ بالالتزام بأن الهيئة في ضمن كلّ مادة موضوعة بوضع شخصي للنحو المخصوص من النسبة ، أو الالتزام بأن أنحاء النسب مأخوذة في مدلول المادة ووضعها الشخصي ، بأن تكون النسبة الصدورية مثلاً مأخوذة بالخصوص في مدلول المادة ، أو تكون كلّ من النسبة الصدورية والحلولية مأخوذة في مدلولها بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ ، ويحافظ حينئذ على الوضع النوعيّ للهيئة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

بحوث في علم الاصول  7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحوث في علم الاصول 7   بحوث في علم الاصول  7 I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 14, 2015 7:42 am

٤ ـ الثمرات العملية
للبحث عن مفاد الحروف والهيئات


قد فرغنا الآن من البحث التحليلي في مداليل الحروف والهيئات ، وعلينا أن نشرح الثمرات العملية لهذا البحث ويمكن تلخيصها فيما يلي :
١ ـ رجوع القيد إلى مدلول الهيئة إمكاناً وامتناعا
إذا أفيد الحكم بنحو المعنى الحرفي ، كما إذا دلّت عليه هيئة الأمر ، وأريد ربطه بقيد ، كما في قولنا « إذا استطعت فحج » فبالإمكان ثبوتاً أن يكون القيد قيداً للحكم والوجوب وأن يكون قيداً للواجب. والمتبع في تعيين أحد الأمرين ظهور الدليل بحسب مقام الإثبات ، ولكن قد يقال بأن رجوع القيد إلى مدلول الهيئة غير معقول ثبوتاً باعتباره معنى حرفياً والمعنى الحرفي لا يعقل تقييده فيتعيّن إرجاعه إلى مرجع آخر كمادة الأمر في المثال ومن هنا أنكر جماعة من الأعلام الوجوب المشروط وفرعوا ذلك على مواقف معيّنة تجاه المعاني الحرفية اقتضت الذهاب إلى عدم إمكان تقييدها. ويمكن تلخيص تلك المواقف في الوجهين التاليين :
الوجه الأول : انّ الحرف ـ بمعناه العام الشامل للهيئة ـ موضوع بالوضع العام والموضوع له الخاصّ ، وهذا يعني انّ مدلول الحرف جزئي والجزئي لا يقبل التقييد لأن
٣٤٦
التقييد انّما يطرأ على ما يكون قابلاً في نفسه للسعة والانطباق على واجد القيد وفاقده وهذه القابلية شأن الكلّي لا الجزئي فلا يمكن إرجاع القيد إلى مفاد الهيئة.
الوجه الثاني : انّ المعنى الحرفي متقوم بالآلية في عالم اللحاظ وعدم التوجه إليه مستقلاً والتقييد يستدعي توجه الحاكم بالتقييد إلى مصبه وملاحظته له مستقلاً لكي يقيده وهو خلف طبيعة المعنى الحرفي.
مانعية الجزئية عن التقييد
امّا الوجه الأول : ومرده إلى مانعية جزئية المعنى الحرفي عن التقييد فهو يستند إلى برهان مركب من الأمور التالية :
١ ـ انّ وضع الحروف على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ كما برهنا عليه سابقاً.
٢ ـ انّ الخاصّ عبارة أخرى عن الجزئي الّذي لا يقبل الصدق على كثيرين.
٣ ـ انّ الجزئي كذلك لا يقبل التقييد.
ونتيجة ذلك كلّه انّ المعنى الحرفي لا يقبل التقييد.
والتحقيق : في ردّ هذا البرهان بمنع الأمر الثاني منه ، فان كون الموضوع له الحرف خاصاً لا يساوق كونه جزئيّاً بالمعنى الّذي لا يقبل الصدق على كثيرين ، وانّما هو نحو آخر من الجزئية مردّه إلى الجزئية الطرفية بمعنى انّه متقوم بأطرافه وهذا النحو من الجزئية لا يمنع عن قابلية الصدق على كثيرين وعروض التقييد له من بعض الجهات. وتوضيح ذلك : انّ أنحاء النسب ـ كما تقدّم ـ لا يعقل أن يكون بينهما جامع ذاتي لأن كلّ نسبة متقومة في حقيقتها بطرفيها ، فأخذ الجامع بإلغاء الطرفين غير معقول لأن هذا إلغاء لحقيقة النسبة فلا يكون المأخوذ جامعاً نسبيّاً حقيقيّاً ، وأخذ الجامع مع التحفظ على الطرفين غير معقول للتباين بين النسبتين حينئذٍ بتباين أطرافها ، وهذا يبرهن على أنّ الموضوع له الحرف ليس جامعاً بين النسب بل كلّ نسبة من النسب المتقومة بأطرافها ، ثمّ انّ كلّ نسبة من تلك النسب في نفسها كلية قابلة للإطلاق والتقييد ومن سائر الجهات غير جهة الأطراف المتقومة لها وليس التقييد بتلك الجهات بمعنى انّ
٣٤٧
جهة أخرى تكون مقومة للنسبة في عرض أطرافه الأخرى الّذي لازمه أن لا يكون هناك جامع بين النسبة المتخصصة بالطرف الآخر والنسبة غير المتخصصة به لعين البرهان السابق ، فان النسبتين إذا كانتا مختلفتين في الأطراف المقومة لها امتنع الجامع بينهما ، بل معناه كون التقييد بالأمر الآخر يعرض للنسبة في المرتبة المتأخرة بحيث يكون مقيداً للنسبة بعد تقومها بأطرافها وليس مقوماً لها مع أطرافها. وبتعبير آخر : انّ الشيء تارة : يكون ممّا به قوام النسبة فيكون في المرتبة السابقة عليها وتكون النسبة متعلقة به. وأخرى يكون قيداً للنسبة بعد تقومها بأطرافها بحيث يكون من شئونها وعوارضها ذهناً كحال القيود بالإضافة إلى المفاهيم الاسمية ، فالهيئة مستعملة في النسبة المتقومة بأطرافها الخاصة وهي جامعة بين النسبة المتقيدة بأمر آخر والنسبة المطلقة من سائر الجهات ، وهذا الجامع معقول لعدم استلزامه إلغاء الأطراف المقومة وهو قابل للتقييد وبذلك تندفع الشبهة.
وقد أجيب عن البرهان المذكور بوجوه أخرى :
منها ـ ما يرجع إلى منع الأمر الأول ، كجواب المحقق الخراسانيّ ( قده ) بدعوى : انّ الحروف موضوعة بالوضع العام والموضوع له العام.
ومنها ـ ما يرجع إلى منع الأمر الثاني ، كجواب المحقق الأصفهاني ( قده ) بأنّ كون مدلول الحرف خاصاً ليس بمعنى كونه جزئيّاً خارجيّاً أو ذهنيّاً بل خصوصيته بتقومه بطرفيه فلا يمكن افتراض المعنى الحرفي جامعاً بين نسبتين ، ولكن هذا لا يأبى عن إدخال مقوم ثالث على النسبة وهو القيد في محل الكلام فمدلول هيئة « افعل » الّذي هو البعث الملحوظ بما هو نسبة بين المادة والمخاطب قد يلحظ بما هو نسبة ثلاثية الأركان بين المادة والمخاطب والشرط. وفرق هذا عمّا حقّقناه في مقام الجواب انّ إرجاع القيد إلى مدلول الهيئة على ما بيّناه يكون من باب التقييد الطارئ عليه ، وعلى ما أفاده يكون بتثليث مقومات النسبة على نحو لا يعود هناك جامع بين النسبة المرتبطة بهذا المقوم الثالث والنسبة غير المرتبطة به.
ومنها ـ ما يرجع إلى منع الأمر الثالث ، من قبيل جواب المحقق الأصفهاني ( قده ) أيضا من أن المعنى الحرفي لو سلّم كونه جزئيّاً حقيقيّاً فلا ينافي ذلك التقييد بمعنى
٣٤٨
التعليق على أمر مقدّر الوجود ، فان الجزئي يقبل ذلك وانّما لا يقبل التقييد بمعنى تضييق دائرة المعنى ، وبتعبير آخر : انّ الفرد الجزئي لا بدّ له من علة ، فتارة : تكون علته فعلية فيكون فعلياً. وأخرى : تكون علته غير فعلية فيكون معلقاً عليها.
ومن قبيل جواب المحقق العراقي ( قده ) بأنّ الجزئي وإن كان لا يقبل الإطلاق والتقييد من حيث ذاته لعدم قابليته للصدق على أفراد متعددة إلاّ انّه قابل للإطلاق والتقييد من حيث أحواله ، فالتقييد المقابل للإطلاق الأحوالي معقول وإن كان التقييد المقابل للإطلاق الأفرادي محالاً.
ومن قبيل الجواب الّذي أفاده صاحب الكفاية ( قده ) من انّ مدلول الهيئة وإن كان يصبح جزئيّاً بالإنشاء ولكن يمكن تقييده أولا ثمّ إنشاؤه مقيداً ، ففي مرتبة كونه جزئياً لا تقييد فلا محذور.
هذه خمسة أجوبة والتحقيق عدم الالتزام بشيء منها.
أمّا الأول : فلما تقدّم من البرهان على أن الموضوع له في الحروف خاص وليس عاماً.
وأمّا الثاني : فلأننا إذا أنكرنا الجزئية الحقيقية للمعنى الحرفي وقلنا انّها جزئية طرفية فالتقييد العرضي للنسبة معقول على حدّ تقييد المفاهيم الاسمية ولا حاجة إلى إرجاعه إلى افتراض مقوم ثالث للنسبة كما صنعه قدس‌سره بل انّ ذلك غير صحيح ، إمّا أولا : فلأنّه لا يوجد ربط مباشر بين الشرط والمادة والمخاطب لتلحظ نسبة واحدة قائمة بالثلاثة ، بل الشرط مرتبط بمشروطه وهو الحكم الملحوظ في مرحلة المدلول التصوري بما هو نسبة بعثية أو إرسالية قائمة بين المادة والمخاطب ، فلا بدّ من ارتباط الشرط بهذه النسبة بدلاً عن ربطه بالمادة والمخاطب ابتداءً.
وإن شئت قلت : انّ الربط بنحو المعنى الحرفي الصالح لأن ينتزع منه مفهوم الشرطية بنحو المعنى الاسمي وان يحكي عن واقع الربط الّذي يكون الشرط طرفاً له انّما يقوم بين الشرط والمشروط.
وثانياً : انّ لازم ذلك عدم كون التعليق مفاداً على نحو النسبة التامة في الجملة الشرطية ، وهذا يوجب تعذّر استفادة المفهوم كما سنوضّحه إن شاء الله تعالى.
٣٤٩
أمّا الثالث : فيرد عليه : انّه مع إنكار الجزئية الحقيقية لا معنى للتعليق بنحو يقابل التقييد ، ومع افتراض كون المعنى الحرفي جزئيّاً حقيقياً فلا يتمّ الجواب المذكور لأنّ المفروض فيه كون التقييد بالشرط راجعاً إليه في المرتبة المتأخرة عن كونه جزئيّاً خارجيّاً وشخصاً خاصاً ، بمعنى انّ ما هو معروض التقييد هو الجزئي ومن المعلوم انّ ما كان جزئيّاً كما لا يقبل التضييق كذلك لا يقبل التعليق لأن فرض جزئيته الخارجية هو فرض تشخصه بوجود خاص وبعلة خاصة ولا يعقل كونه مطلقاً من ناحية علّته وإلاّ لم يكن جزئياً لأنّ معناه إطلاقه من حيث سنخ وجوده المترشح من علته. والحاصل : انّ الإطلاق المقابل للتعليق معناه قابلية الفرد للتعليق على أمور متعددة وبالتقييد يعلّق الأمر بالفعل على شيء واحد والجزئي لا يقبل التعليق على أمور متعددة بحدّ ذاته لأنّه لا يكون جزئيّاً إِلاّ بترشحه من علّة خاصة فبعد ان كان جزئيّاً لا يعقل تعليقه. وإِن شئت قلت : انّ التعليق إِن كان في مقابل الإطلاق من ناحية العلة فهو غير معقول في الجزئي كما عرفت ، وإن كان في مقابل فعلية المعلق بفعلية المعلّق عليه ، ففيه : انّ مفاد التعليق في الشرطية سنخ معنى محفوظ في فرض فعلية المعلّق عليه وفرض عدم فعليته فلا يمكن أن يراد بالتعليق معنى يقابل الفعلية. هذا ، مضافاً : إلى انّ التعليق بهذا المعنى يستدعي كون المعلّق مفهوماً كليّاً لا جزئيّاً خارجيّاً لأنّ الشيء لا يكون جزئيّاً خارجيّاً إلاّ بالوجود والتشخص وهو ينافي التعليق المذكور.
وامّا الرابع : فيرد عليه : انّ أحوال الفرد عبارة عن حدوده الوجودية والشيء وإن كان قابلاً لحدود وجودية مختلفة طولاً وقصراً إلاّ أنه في مرتبة كونه جزئياً حقيقيّاً وشخصاً خاصاً لا يكون قابلاً لحدود مختلفة حتى يضيق بحدّ خاص ، إِذ من لوازم الجزئية والتشخص أن يكون ذا حدٍّ خاص لأن كلّ جزئي محدود ومتقوّم بحدوده الخاصة فلا يعقل تضييقه بحد من الحدود الشخصية ، نعم قد يؤخذ الفرد مقارناً لحالة من حالاته فيؤخذ موضوعاً لحكم كما إذا قلنا « زيد حال كونه في النار مؤدب » وهذا غير تضييق نفس الفرد.
والحاصل : انّه إن أريد بالتقييد الأحوالي تضييق وجوده بحال خاص بحيث لا يكون لوجوده الجزئي سعة لغير ذاك الحال فهو غير معقول لأنّ الجزئي لا بدّ أن يكون
٣٥٠
متحدداً في وجوده بحدود وأحوال خاصة لا يقبل الإطلاق من جهتها ليقبل التقييد. وإن أريد أخذ مرتبة من ذاك الوجود الجزئي مقيدة بحال من أحواله فهو أمر ممكن إلاّ انّه انّما يصحّ فيما إذا أريد ترتيب حكم على الفرد في حالة مخصوصة لا فيما إذا أريد تضييق نفس الفرد وتحديد وجوده.
وامّا الخامس : فكأنّه بني على أن يراد بالجزئية الجزئية بحسب الوجود الإنشائي باعتبار انّ الوجود مساوق للتشخص والثبوت الإنشائي نحو من الثبوت والوجود ، إذ من الواضح انّ المحذور لو كان هو الجزئية الخارجية أو اللحاظية لكان المعنى جزئيّاً مع قطع النّظر عن الإنشاء فلا يمكن تقييده ولو في المرتبة السابقة على الإنشاء. والتحقيق : عدم تمامية الجواب المذكور أصلاً ، وذلك لأنّ المعنى الموضوع له إن كان كلّياً بحدّ ذاته وانّما يصير جزئياً بالإنشاء والإيقاع الإنشائي فالهيئة لا يمكن أن تستعمل على سبيل الحقيقة إلاّ في نفس ذلك المعنى العام بناء على انّ استعمال الجملة الإنشائية في مدلولها هو سنخ إيجاده بها ، فلا يمكن أن يوجد بالهيئة إلاّ ذلك المعنى العام دون المقيد ، نعم لو قيل بأن الإيجاد الإنشائي أمر وراء نفس الاستعمال أمكن إفادة المقيد في مرحلة الاستعمال أولا على طريقة تعدد الدال والمدلول ثمّ إيجاد المقيد إنشائياً بمجموع الكلام ، كما انّه لو قيل بجزئية المعنى الحرفي الذهنية على أساس أخذ اللحاظ الآلي قيداً فيه أمكن التقييد أيضا لأنّ التقييد انّما هو بلحاظ سعة انطباقه على الافراد الخارجية وهو لا ينافي التشخص في الوجود اللحاظي التصوري.
مانعية الآلية عن التقييد
وأمّا الوجه الثاني : وهو انّ آلية المعنى الحرفي تمنع عن قابليته للتقييد فيمكن أن يقرب بعدّة تقريبات :
التقريب الأول : وهو مبني على الآلية اللحاظية وانّ المعنى الحرفي متحد مع الاسمي ذاتاً ومتميز عنه باللحاظ الآلي وكونه ملحوظاً تبعاً للحاظ متعلقه استقلالاً شأن المرآة مع ذي المرآة والعنوان الملحوظ فانياً في معنونه وحاصله : انّه بناء على هذا الأساس لا يمكن تقييد المعنى الحرفي لأنّ تقييد شيء يتوقّف على ملاحظته وتصوره استقلالاً.
٣٥١
وقد يجاب على ذلك : بأن كون المعنى الحرفي ملحوظاً آليّاً انّما يمنع عن تقييده حال لحاظه كذلك ، وامّا لحاظ المعنى في نفسه أولا مقيداً بقيد ثمّ لحاظ المقيد آلياً في مقام الاستعمال فلا مانع عنه أصلاً.
والتحقيق : انّ هذا انّما يتمّ إذا كان التقييد بالشرط ومفاد هيئة الجملة الشرطية الّذي يربط مدلول هيئة الجزاء بجملة الشرط مأخوذاً على نحو النسبة الناقصة التقييدية. فان بالإمكان حينئذٍ تقييده وملاحظة الحصة الخاصة باللحاظ الآلي وإفادتها بنحو تعدد الدال والمدلول ، وامّا إذا كان مفاد هيئة الجملة الشرطية نسبة تامة أحد طرفيها مفاد الشرط والطرف الآخر مدلول هيئة الجزاء فلا يتم ما ذكر ، لأنه لا بدّ من حفظ النسبة التامة في مرحلة اللحاظ الاستعمالي وانحفاظها في هذه المرحلة مساوق للنظر إلى طرفيها بما هما متغايران لما تقدّم من انّ طرفي النسبة التامة في عالم اللحاظ الاستعمالي ملحوظان بما هما متغايران ، فان كان طرفها ملحوظاً في هذه المرحلة تبعاً فكيف يمكن إيقاع النسبة بينه وبين الطرف الآخر؟
والصحيح في إبطال هذا التقريب منعه مبنى ، وذلك لأن التغاير بين المعنى الاسمي والحرفي ذاتي لا لحاظي ومن هنا ينتقل إلى التقريب الآخر التالي.
التقريب الثاني : ان المعنى الحرفي بحكم كونه نسبيّاً لا يعقل أن يكون له وجود استقلالي لا في الذهن ولا في الخارج ، وبذلك يمتنع تعلّق اللحاظ الاستقلالي به لا لأخذ اللحاظ الآلي قيداً فيه كما هو مبنى التقريب السابق بل لأن النسبة الحقيقية سنخ ماهية ناقصة ذاتاً لا يعقل أن يكون لها وجود بحيالها وانّما هي مندكة في طرفيها دائماً. وإذا كان هذا هو نحو وجودها في الذهن فلا يعقل تقييدها لأنّ تقييد معنى يستدعي ملاحظته والتوجّه إليه وبهذا البيان اتّضح وجه النّظر فيما أفاده جملة من الأعلام ، من دفع التقريب السابق بإنكار التبعية في اللحاظ للمعنى الحرفي وتوضيح أن تبعيته ذاتية باعتبار نسبيته ، وذلك لأن هذه التبعية الذاتيّة تبرهن بنفسها على استحالة الوجود الاستقلالي لمثل هذه الماهية التي لا استقلال لها في مقام التقرر فضلاً عن مقام الوجود ، واللحاظ نحو من الوجود فينتج عدم قابلية المعنى الحرفي للحاظ الاستقلالي ويعود الإشكال.
٣٥٢
والتحقيق : انّ المعنى الحرفي إذا كان نسبة ناقصة فهذا الإشكال لا محيص عنه لأنّ النسبة الناقصة كما أوضحنا سابقاً تحليلية وهذا يعني انّها لا ثبوت لها في صقع الذهن بوجه ومعه لا يعقل إرجاع القيد إليها في مرحلة اللحاظ الاستعمالي ، إذ في هذه المرحلة لا نسبة أصلاً وإنّما هناك مفهوم افرادي قابل بنظرة ثانية للتحليل إلى أجزاء أحدها النسبة فالقيود في هذا المقام ترجع دائماً إلى الحصة الخاصة المتحصلة.
وأمّا إذا كان المعنى الحرفي نسبة تامة فيمكن تقييده لأن النسبة التامة لها ثبوت في صقع الذهن في مرحلة اللحاظ الاستعمالي. ولا يحتاج ذلك إلى أن يكون للمعنى الحرفي وجود استقلالي بل لا بدّ من توجّه استقلالي من قبل النّفس لمدلول هيئة الجزاء الّذي يراد ربطه بمدلول الشرط ، والتوجه الاستقلالي من النّفس غير الوجود الذهني الاستقلالي ، فقد يكون شيء موجوداً بوجود ذهني استقلالي ولكن النّفس غير متوجهة نحوه ، كما في الصور المركوزة في الذهن المغفول عنها فعلاً ، وقد يكون الأمر بالعكس كالتوجه نحو إضافة بين النّفس وشيء ممّا هو في صقعها وليس هو عين الحضور والوجود في ذلك الصقع. وعليه فلا محذور في تقييد مفاد هيئة الجزاء.
٢ ـ التمسّك بإطلاق مدلول الهيئة إمكاناً وامتناعا
يتمسّك عادة بإطلاق مدلول الهيئة بمعنيين :
الأول : التمسّك بإطلاقه لإثبات أن الوجوب المجعول في طرف المنطوق ليس مقيداً بقيد ، ويمثّل هذا الإطلاق ينفي كون الوجوب مشروطاً بل ينفي كونه غيريّاً أو كفائياً أو تخييريّاً بناء على رجوع هذه الخصوصيات إلى الوجوب المشروط على تفصيل يأتي في موضعه.
الثاني : التمسّك بإطلاقه في ظرف وقوعه طرفاً للتعليق في الجملة الشرطية لإثبات انّ المعلّق سنخ الحكم لا شخصه لكي ينتفي سنخ الحكم بانتفاء الشرط.
وكلّ من المعنيين يقع موضعاً للإشكال في المقام بناء على بعض المسالك المتقدمة في المعاني الحرفية. إمّا بتقريب : انّ المعنى الحرفي جزئي والجزئي لا يقبل الإطلاق الّذي هو من شئون المفاهيم الكلية. وامّا بتقريب : أن المعنى الحرفي وإن لم يكن جزئياً إلاّ انّه
٣٥٣
لا يعقل تقييده من أجل آليته ـ على ما تقدّم في الثمرة السابقة ـ وكلّ ما لا يعقل تقييده لا يمكن التمسّك بإطلاقه امّا لأن استحالة التقييد توجب استحالة الإطلاق ، وامّا لأن استحالة التقييد توجب تعذر جريان مقدمات الحكمة التي منها انَّه لو أراد المقيد لقيده وقد اتّضح الحال في كلّ ذلك ممّا تقدّم حيث ثبت انّ المعنى الحرفي يمكن تقييده فيصحّ التمسك بإطلاقه. نعم بعض الأجوبة التي صحح بها التقييد هناك لو تمّت لا تنفع لتصحيح الإطلاق بالمعنى الثاني في المقام ، كالجواب المبني على إرجاع التقييد إلى التقييد الأحوالي أو إلى التعليق في الفرد ، لأنّ هذا لا يصحح الإطلاق في مدلول الهيئة بمعنى حمله على سنخ الحكم.
٣ ـ التمسّك بإطلاق الموضوع في الجملة التامة دونه في الجملة الناقصة
وتوضيحه : انّ معنى من معاني ـ سواءً كان اسميّاً أو حرفيّاً ـ إذا وقع طرفاً لنسبة فتارة : تكون النسبة تامة ، وأخرى : ناقصة. فان كانت النسبة تامة وشك في انّ ما هو طرف هذه النسبة الّذي يحكم عليه بطرفها الآخر هل هو المطلق أو المقيد أمكن التمسك بالإطلاق وإجراء مقدمات الحكمة لإثبات انّ الطرف هو المطلق ، مثلاً إذا قلنا « وجوب الصدقة معلّق على الغنى » أو قلنا « البيع حلال » وشككنا في انّ موضوع التعليق على الغنى وموضوع الحلية هل هو طبيعي وجوب الصدقة وطبيعي البيع أو حصة خاصة أمكن بالإطلاق ان نثبت الأول ، ويتفرع عليه دلالة الجملة المذكورة على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الغنى وامّا إذا وقع معنى طرفاً لنسبة ناقصة وصفية مثلاً وشككنا في انّ الموصوف منه بالوصف هل هو مطلقه أو مقيّده فلا يمكن التمسّك بالإطلاق لإثبات انّ الموصوف هو المطلق فمثلاً إذا قيل « وجوب الصدقة المعلق على الغنى ثابت » وشككنا في انّ صفة « المعلّق على الغنى » هل هي صفة لسنخ وجوب الصدقة أو لحصة خاصة فلا يمكن إجراء الإطلاق ، والنكتة في ذلك تتضح من تحليلنا المبرهن المتقدم للنسبة التامة والنسبة الناقصة ، فبعد أن ثبت انّ النسبة الناقصة تحليلية وأنّه في صقع الذهن لا يوجد إثبات شيء لشيء بل يوجد شيء خاص فلا موضوع يثبت له شيء في صقع الذهن لتجري الإطلاق في هذا الموضوع بل مفهوم افرادي
٣٥٤
واحد والقضية المركبة تحليلية لا واقعية وهذا بخلاف موارد النسبة التامة.
ومن ذلك يتّضح سر في غاية الأهمية وبيانه : انَّ اقتناص المفهوم للجملة الشرطية أو أي جملة أخرى يتوقّف ـ كما يأتي ـ على أن يكون المعلّق سنخ الحكم لا شخصه إذ لو كان المعلّق شخص الحكم فلا يقتضي التعليق أو العلية الانحصارية إِلاَّ انتفاء الشخص مع احتمال ثبوت شخص آخر والطريق إلى إثبات ان المعلّق سنخ الحكم إجراء الإطلاق في مفاد هيئة « أكرم » في قولنا « إذا جاءك ضيف فأكرمه » والإطلاق انَّما يجري في مفاد هيئة « أكرم » بلحاظ كونه موضوعاً للتعليق إذ لا معنى للإطلاق ومقدمات الحكمة إلا بهذا اللحاظ ، وحينئذ نقول : انَّ تعليق الجزاء على الشرط مستفاد من الجملة الشرطية بنحو المعنى الحرفي خلافاً للجملة المتقدمة « وجوب الصدقة معلق على الغنى » فانَّ التعليق فيها كان مستفاداً بنحو المعنى الاسمي وهذا التعليق المستفاد بنحو المعنى الحرفي ان كان نسبة تامة ويحتلّ مدلول الجزاء مركز الموضوع فيها أمكن إجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة فيها ، وإن كان نسبة ناقصة امتنع إجراء الإطلاق في مدلول الجزاء لإثبات انَّ المعلّق هو المطلق ، هذا كشف للسرّ على وجه الإجمال ويأتي تفصيله ومزيد توضيحه وتطبيقه على جميع الجمل التي يبحث عن مفهومها في بحث المفاهيم.
وعلى هذا الأساس يتّضح : انَّ ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ) في الثمرة الأولى من تصوير التقييد لمفاد الهيئة بجعل الشرط طرفاً ثالثاً مقوماً للنسبة المدلول عليها بهيئة الجزاء لا يمكن أن يصحح التمسك بالإطلاق لإثبات ان المعلّق هو سنخ الحكم استطراقاً لإثبات المفهوم ، وذلك لأن فرض كون الشرط ركناً ثالثاً مقوماً للنسبة هو فرض تحصصها ذاتاً بهذا الطرف الثالث فليس لها مرتبة في صقع الذهن كانت عارية فيها عن الشرط ثمَّ يطرأ عليها الربط بالشرط والتعليق عليه لتجري الإطلاق لإثبات طرو هذا التعليق على المطلق ، كما هو الحال فيما لو كان مدلول الهيئة طرفاً لنسبة تامة.
٣٥٥
مباحث الدليل اللفظي
البحوث اللفظيّة اللغوية
٣٥٧
٣٥٨
تمهيد
بينما كنَّا فيما سبق نبحث بحثاً تحليليّاً في مفاد الحرف أو الهيئة بمعنى انَّ مفاد الجملة بحدوده واضح لدينا وانَّما كنَّا نحاول التعريف على مقدار نصيب الحرف من هذا المفاد ، نبدأ الآن ببحوث لفظية لغوية وهي بحوث يراد بها تحديد المفاد ويتوقّف عليها تعيين مدلول اللفظ ذاتاً أو سعة وضيقاً غير انَّ هذه البحوث ـ كما أشرنا في البداية ـ يجب أن تشكل عناصر مشتركة في عملية الاستنباط لكي تتميز عن البحوث اللغوية البحتة.
وقد ألمعنا سابقاً إلى أنَّ البحوث اللغوية الأصولية تكون على نحوين :
١ ـ بحوث لغوية تفسيرية. وهي التي يكون منهج البحث الأصولي فيها تفسير الدلالات العرفية المتصلة باللفظ المبحوث عنه بعد التأكد من عرفيتها وسلامتها فدور الأصولي في هذا النوع من الأبحاث تقديم نظرية متكاملة تصلح لتفسير تلك الدلالات اللفظية دون أن يلزم نقض أو تنثلم دلالة ، وهذا نهج علمي ـ كما أشرنا ـ يشبه النهج العلمي الّذي يمارسه العالم الطبيعي في تفسير الظواهر الطبيعية.
٢ ـ بحوث لغوية اكتشافية ، وهي البحوث التي تعالج دفع شك حقيقي في مدلول اللفظ لمعرفة ما هو مدلول الكلمة أو الكلام. وقد أشرنا فيما سبق أن هناك وسيلتين رئيستين ـ بغضّ النّظر عمَّا قد يستند إليه من علوم اللغة ـ تعتبران هما الأساس في
٣٥٩
اكتشاف مدلول اللفظ عند الأصولي وهما التبادر والبرهان. وقد تقدّم شرح دور كلّ منهما ومجال الاستفادة منها.
وعلى هذا الأساس ، سوف نعالج فيما يأتي من البحوث اللفظية تحديد المفاد اللغوي أو العرفي لألفاظ ودلالات عامة تشكّل عناصر مشتركة في عملية الاستنباط على ضوء المنهجة التي ذكرناها.
٣٦٠
البحوث اللفظية اللغوية
المشتق
المشتق عند الأصوليين ـ ما ذا يراد بالحال في
عنوان النزاع؟ تصوير معنى عام للمشتق على
القولين ـ المختار في معنى المشتق ـ ما استدلّ به
على الوضع للمتلبّس ـ التفصيل بين بعض
المشتقات وبعض ـ ما يقتضيه الأصل العملي
عند الشك.
٣٦١
٣٦٢
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

بحوث في علم الاصول  7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحوث في علم الاصول 7   بحوث في علم الاصول  7 I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 14, 2015 7:44 am

تمهيد
عرفنا فيما سبق من البحوث التحليلية مقدار ما تصيبه الهيئات الإفرادية بما فيها هيئة المشتق من مفاد الكلمة المشتملة عليها.
والبحث الآن عن المشتق من ناحية تحديد مفاده ومدلوله اللغوي أو العرفي وتعيين أنَّه موضوع للمتلبس بالمبدإ خاصة أو لمفهوم أعم يشمل المتلبس ومن انقضى عنه المبدأ على السواء. وهذه حيثية من البحث أصولية ينطبق عليها ميزان المسألة الأصولية لأنَّها تشكل عنصراً مشتركاً في عمليات الاستنباط صالحاً للدخول في كلّ باب من أبواب الفقه.
المشتق عند الأصوليين
لا ريب في أنَّ موضوع هذا البحث هو الأسماء دون الحروف والأفعال وإن كان الأخير مشتقاً بمصطلح آخر ، إلا انَّ الأسماء أيضا فيها الجامد وفيها المشتق ، والمشتق فيه ما يكون وصفاً ـ كأسماء المفاعيل ـ وما لا يكون ـ كأسماء المصادر ـ.
وقد ذكر جملة من المحققين بهذا الصدد : انَّ الضابط في الاسم الّذي يقع موضوعاً لهذا البحث ان يتوفّر على شرطين :
٣٦٣
١ ـ أن يصحّ حمله على الذات ، إذ البحث عن صحة إطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ فرع أن يكون ممَّا يجري على الذات ويحمل عليها وبذلك خرجت المصادر عن هذا البحث.
٢ ـ أن لا تكون حيثية المبدأ التي بها صح حمل الاسم على الذات ذاتية لها بحيث يستحيل انفكاكها عنها كما في أسماء الماهيات من الأجناس والأنواع ، لعدم انحفاظ ما يمكن أن يصدق عليه الاسم فيها بعد انقضاء المبدأ.
وقد اعترض على هذا الشرط : باستلزامه خروج ما تكون حيثية المبدأ فيه عرضية ولكنَّها لازمة ، كالواجب والممكن والزوج وغيرها من الأسماء المشتملة على مبادئ قد يصطلح عليها بالذاتي في كتاب البرهان.
وقد اضطر السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ في مقام الجواب على هذا الاعتراض أن يجعل النزاع في سعة مفهوم الهيئة الاشتقاقية وضيقه بقطع النّظر عن المادة التي تدخل عليها ، فذاتية المبدأ لا تضرّ بوضع الهيئة الداخلة عليها للأعم.
ولو أريد من استحالة الانفكاك في الشرط الثاني الاستحالة المنطقية لا الفعلية لارتفع الإشكال ، لأنَّ الاستحالة المنطقية هي عبارة عمَّا يؤدّي افتراضه إلى التناقض فاشتراط عدمها في المقام يعني اشتراط المغايرة بين المبدأ والذات ـ ولو كان لازماً له ـ وهذا لا بدَّ منه ، إذ لو كان المبدأ متّحداً مع الذات بحيث كان فرض انفكاكه عنها تناقضاً ، كما في الكليّات الخمسة ، لم يجر هذا النزاع فيه لأنَّه لا يعقل حينئذٍ فرض الذات فارغة عن التلبّس بمبدئها ولو فرضاً وتصوراً باعتباره تناقضاً في عالم التصوّر مستحيلاً ، وهذا بخلاف ما إذا لم تكن استحالة الانفكاك منطقية فان فرض الذات فارغة عن مبدئها معقول حينئذٍ وإن لم يكن واقعاً خارجاً بل يستحيل وقوعه ، فان تحديد معاني الألفاظ لا يتوقّف على وقوعها في الخارج بالفعل.
إن قيل : فما ذا يقال في مثل الناطق والصاهل ونحوها ممَّا يدخل في محلّ النزاع بحسب هيئاتها رغم كونها من الكليات الذاتيّة؟
قلنا : المراد بالكلّي الذاتي ما يكون كذلك حقيقة ، كالإنسان والحيوان ومثل هذه الأوصاف الاشتقاقية وإن عبر عنها مسامحة بالفصول لكنَّها ليست ذاتية لأنَّها جميعاً
٣٦٤
مطعمة بمعانٍ حدثيّة ، كما لا يخفى على من تأمَّل.
وعلى هدى هذين الشرطين ذكر المحققون : انَّ الأسماء الجامدة يخرج منها عن النزاع ما كان منتزعاً عن الذات كالإنسان والحجر والشجر ونحوها لانثلام الشرط الثاني فيه ، ويدخل منها فيه غير ذلك كالزوج والسيف والمنشار ونحوها لتوفّر كلا الشرطين فيه ولو كان فيه ما ينتزع عن الذات بملاحظة لازم لها يستحيل انفكاكه عقلاً.
وما ذكروه من التفصيل بين القسمين لا يشقّ له غبار في القسم الثاني ، وأمَّا القسم الأول فبحاجة إلى تمحيص وتعديل. وذلك انَّ الماهيات الخارجية ذات مراتب أربع مترتبة من حيث الذاتيّة والعرضية بحسب مصطلحات المناطقة المطابقة أيضا مع الإلهام الفطري واللغوي للإنسان « المادة والصورة الجسمية والصورة النوعية والحالات الطارئة ، ولا إِشكال عندهم في ذاتية المادة ( الهيولى ) والصورة الجسمية ، كما لا إشكال في عرضية المرتبة الرابعة أعنى الحالات الطارئة على الموجود الخارجي ، كالشكل المعين العارض على الحديد فيجعله سيفاً أو منشاراً أو فأساً.
وهو مطابق أيضا مع الإلهام الفطري اللغوي للإنسان فانَّ الذهن العرفي يرى الجسم المركّب من المادة والصورة الجسمية جوهراً بخلاف الإشكال العارضة على الجسم فيراها خارجة من صميم الذات. وامَّا الصورة النوعية ، وهي التي تتميّز بها الأنواع كالإنسان والحجر والشجر ، فهناك خلاف بين الحكماء حول جوهريتها وعرضيتها. والجهة الملحوظة للأصولي في هذا البحث ملاحظة انَّ أيّاً من هذه الحيثيّات للموجود الخارجي ممَّا يساوق انفكاكه انتفاء الموضوع فيكون خارجاً عن البحث.
وبهذا الصدد نقول : لا ينبغي الشك في انَّ المرتبتين الأولى والثانية ـ المادة والصورة الجسمية ـ ممَّا تتقوّم بهما الذات بحسب الفهم العرفي الفطري بحيث يستحيل انفكاكهما عنها استحالة منطقية ، وانَّما لم نجعل الذات نفس الهيولى ـ كما في الفلسفة ـ لعدم إدراك الذهن الفطري للمادة مجرّدة عن الصورة وانَّما هو أمر يدعى انَّه أثبته البرهان الفلسفي فحسب ولهذا ليس هناك ما تحمل عليه الجسمية عرفاً عدا مثل مفهوم الشيء ونحوه المنتزع من الجسمية نفسها ، وأمَّا الصورة النوعية ، كالحجرية والحديدية ، فقد اعتبرها
٣٦٥
الأصوليون مقومة للذات وبالتالي خارجة عن هذا النزاع. إلاّ انَّ هذا على إطلاقه ممَّا لا يمكن المساعدة عليه ، سواءً فسّرنا الاستحالة في الشرط الثاني للدخول في محل النزاع بالاستحالة المنطقية أو العقلية أمَّا على الأول فلعدم وقوع تهافت منطقي في افتراض انفكاك الصورة النوعية عن الذات بشهادة حملها عرفاً على الصورة الجسمية فيقال « هذا الجسم حديد أو شجر ».
وأمَّا على الثاني : فهناك بحث في إمكان انفكاك الذات عن صورتها النوعية من جهة البحث في مدى تقوم الصورة الجسمية بها ، فهناك اتجاه يقول بأنَّها كالأعراض لا دخل لها في الصورة الجسمية ، واتَّجاه آخر يدعى أصحابه تقوم الصورة الجسمية بإحدى الصور النوعية على سبيل البدل ، واتجاه ثالث يرى تقومها بأشخاص الصور النوعية ، فالنخلة إذا ما قطعت مثلاً فأصبحت خشبة فبزوال صورتها النوعية النامية تتبدّل جسميتها أيضا. وحينئذٍ بناء على الاتجاه الأخير قد يدعى خروج هذه الجوامد عن النزاع ، ولكن الصحيح أنَّه لا وجه لملاحظة الفهم الدقي والبرهاني في تشخيص الأوضاع اللغوية وانَّما الميزان ملاحظة الفهم الفطري العرفي ، ولا ريب في انَّ العرف في مثال النخلة يرى انحفاظ الذات والصورة الجسمية بعد زوال صورتها النوعية أيضا ولو لم تكن منحفظة بحسب البرهان الفلسفي كما انَّه ربّما يرى عدم انحفاظها ، كما في استحالة الكلب ملحاً ، فانَّه يرى عرفاً جسماً آخر غير الكلب ومن هنا يحكم بطهارته في الفقه ولو فرض انحفاظ الصورة الجسمية بالدقة العقلية.
فالصحيح إمكان النزاع في أسماء الأنواع أيضا فيما إذا لم يكن تغيرها بنحو الاستحالة العرفية وإن لم يقع ذلك بين المحققين ، حيث انَّ الظاهر اتفاق كلمة المتنازعين على اختصاص أسماء الأنواع بالمتلبس بالمبدإ.
وامَّا الأسماء المشتقة فالصحيح أن يستثنى منها أسماء المصادر كما أشير إليه في الشرط الأول.
وامَّا الأوصاف الاشتقاقية فقد استثني منها بعض الأسماء.
منها : استثناء الميرزا ( قده ) لاسم الآلة كمفتاح ، فانَّه بالرغم من كونه وصفاً اشتقاقيّاً يصدق على كلّ ما يقبل الفتح ولو لم يكن متلبساً بالفعل.
٣٦٦
وفيه : انَّ المبدأ المأخوذ في اسم الآلة إن لوحظ بنحو الفعلية فلا محالة يلتزم بعدم الصدق في مورد النقض بناء على الوضع للمتلبس ، وإن لوحظ بنحو الشأنية والقابلية فدخوله في محلّ النزاع لا بدَّ وأن يقاس مع انقضاء شأنية المبدأ لا فعليته. وسوف يأتي البحث عن مثل هذه المشتقات.
ومنها : استثناء الميرزا ( قده ) أيضا اسم المفعول لأن الهيئة فيها وضعت لأن تدلّ على وقوع المبدأ على الذات وهو ممَّا لا يعقل فيه الانقضاء لأن ما وقع لا ينقلب عمَّا وقع عليه.
وفيه : انَّه إن أريد دعوى الفرق ثبوتاً بين نسبة الفعل إلى فاعله ونسبته إلى مفعوله فمن الواضح انَّ كلّ نسبة متقومة بوجود طرفها ، وإن أريد دعوى : الفرق إثباتاً وأن هيئة المفعول موضوعة لغة لنسبة أعم من ذلك فمضروب مثلاً موضوع بهيئته لمن وقع عليه الضرب لا من يقع عليه الضرب بالفعل فهو غير مسلَّم ، إذ من المستبعد أن يلحظ معنى مفعولي في اسم المفعول دون أن يلحظ ما يقابله من المعنى الفاعلي في اسم الفاعل فإنَّهما متقابلان بحسب الفهم الفطري العرفي. ويشهد لما نقول ما نجده في مثال المطلوب والمعلوم والمصبوغ من عدم الصدق حين انقضاء الطلب والعلم والصبغ ، وامَّا مثال المضروب فلو فرض استفادة توسعة فيه بالنحو المزعوم فلخصوصية في مادة الضرب ولذلك نشعر بها في الضارب أيضا.
ومنها : استثناء صاحب الكفاية ( قده ) مصادر الزمان كالمقتل لعدم إمكان انحفاظ الذات التي هي نفس الزمان فيها بعد انقضاء المبدأ (١).
وأجيب عنه بوجوه عديدة :
١ ـ ما ذكره صاحب الكفاية نفسه من أنَّ الذات الملحوظة في اسم الزمان وإن لم تكن توجد إلا ضمن الفرد المنقضي بانقضاء المبدأ إلا انَّ ذلك لا يمنع عن وضع الاسم بناء على الأعم للأعم منها ومن الفرد المستحيل ـ وهو المنقضي عنه المبدأ ـ ونظائره كثيرة في المسمَّيات كلفظ الواجب مثلاً (٢).
__________________
(١) كفاية الأصول ج ١ ص ٢٣ ( ط ـ مشكيني )
(٢) نفس المصدر
٣٦٧
وكأنَّه يريد الإشارة إلى ما ذكرناه فيما سبق من عدم توقّف صحّة الاستعمال أو الوضع على إمكان وقوعه خارجاً بل إمكان تصوره ذهناً بلا استحالة منطقية.
وفيه : وجود استحالة منطقية في افتراض انحفاظ ذات الزمان بعد انقضاء مبدئه الّذي هو نفس الزمان أيضا ما لم تبرز عناية أخرى.
٢ ـ ما ذكره المحقق الأصفهاني ( قده ) والسيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ من انَّ الموضوع له فيها هو الأعم من الظرف الزماني والمكاني وليست مختصة بالزمان وبقاء ذات الظرف بهذا المعنى الأعم مع انقضاء المبدأ أمر معقول ولو بلحاظ ظروف المكان لا الزمان (١).
وفيه : ان أريد الوضع لمفهوم الظرف فهو واضح البطلان فانَّ مفهوم الظرف كمفهوم الفاعل والمفعول معانٍ اسمية منتزعة عن المعنى الحرفي النسبي الّذي هو مدلول الهيئات الاشتقاقية بحسب الفرض وإن أريد واقع النسبة الظرفية المتقومة بالظرف والمظروف فمن المعلوم انَّ النسبة الظرفية في ظروف الزمان تختلف سنخاً عن النسبة الظرفية المكانية حقيقة وعرفاً ولذلك كانت إحداهما مقومة لمقولة ( الأين ) والأخرى مقومة لمقولة ( المتى ) ولا جامع حقيقي بين المقولات.
إن قيل : يكفي وجود جامع انتزاعي كالظرفية الأعم من الزمانية أو المكانية لأن يوضع اللفظ بإزاء النسب الظرفية بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ كما هو الشأن في كلّ المعاني الحرفية بل كما هو الواقع في كلمة « في » الموضوع لمطلق النسبة الظرفية فيجري النزاع حينئذٍ في تشخيص انَّ العنوان العام الملحوظ حين الوضع قد أخذ فيه فعلية التلبّس أو الأعم من المتلبّس والمنقضي.
قلنا : هذا خلف ما أشرنا إليه من اختلاف المعنى الملحوظ في هذه الأسماء حينما يراد منها الزمان عمَّا إذا أريد منها المكان فانَّ خصوصية كون الظرفية زمانية أو مكانية يفهمها العرف منها لا من دال آخر.
٣ ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) من انحفاظ الذات بعد انقضاء المبدأ في أسماء
__________________
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

بحوث في علم الاصول  7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحوث في علم الاصول 7   بحوث في علم الاصول  7 I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 14, 2015 7:46 am

(١) راجع محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٢٦١
٣٦٨
الزمان أيضا ولو عرفاً ، لأنَّ اللحظة الزمنية التي وقع فيها المبدأ وإن كانت تنقضي بانقضاء المبدأ إلا انَّ الاتصال الموجود بين اللحظات الزمنية يجعلها أمراً واحداً محفوظاً بشخصه بين المبدأ والمنتهى فيرى بهذا الاعتبار بقاء الذات الزمنية وانقضاء المبدأ المنتسب إليها.
وهذا الوجه صحيح ، ولا يرد عليه ما أورده المحقق الأصفهاني ( قده ) من انَّ اتصال الهويات المتغايرة لا يصحح بقاء تلك الهوية التي وقع فيها الحدث حقيقة بل مجازاً ومن باب نسبة ما يوصف به الجزء إلى الكلّ.
فان الاعتراض متّجه في الجزء والكل العرضيين لا التدريجيين ، لأن الكل التدريجي يكون موجوداً بتمامه بوجود كلّ جزءٍ من أجزائه فالنهار موجود بشخصه لا بجزئه في جميع الآنات المتدرجة منه.
نعم قد يقال : انَّه يلزم على القول بالوضع للأعم حينئذٍ صحّة إطلاق اسم الزمان على الزمان إلى يوم القيامة فيقال : عن هذا الزمان مثلاً بأنَّه « مقتل زكريا » لأنَّه متّصل بزمان قتله.
والجواب عنه : انَّ المناط في تقطيع الزمان بالنظر العرفي الّذي يقطع الزمان إلى دهر وسنين وشهور وأسابيع وأيّام وساعات ويرى انَّ كلّ قطعة منها لها وجود مستقل ويرى انَّ الذات الزمنية فيها تزول بانتهاء تلك القطعة فالمقتلية مثلاً ليست وصفاً للدهر كلّه بل لتقطيع يدخل فيه لحظة القتل.
ما ذا يراد بالحال في عنوان النزاع؟
قد جرى على أقلام المتقدمين من علماء الأصول عند تحرير عنوان هذا البحث التعبير بأن المشتق هل وضع للمتلبس بالمبدإ في الحال أو للأعم منه فأوهم اعتبار زمان الحال في مدلوله على القول بوضعه للمتلبّس ، وتصدّى المحققون المتأخرون لإزالة هذا الوهم وانَّ الاسم المشتق من هذه الناحية على حدّ الاسم الجامد لم يؤخذ فيه الزمان وإن كان انطباقه على مصداقه الخارجي لا يكون إلا في حال وجدانه للمبدإ كما هو الحال في الجوامد أيضا.
٣٦٩
وهذا هو الصحيح ، فإنَّا لا نتبادر من المشتقات زمان الحال ولا أي زمن من الأزمنة لا بنحو المعنى الاسمي ولا الحرفي. ويدلّ عليه : انَّ الزمان بنحو المعنى الاسمي لا دال عليه في المشتقات إذ لو أريد استفادته من موادها فالمفروض انَّها لم توضع إلا للدلالة على المبدأ بنحو الوضع النوعيّ القانوني وان أريد استفادته من هيئاتها فهي لا تدلّ على معنى اسمي. وامَّا استفادة الزمان بنحو المعنى الحرفي فلها صيغتان كلتاهما ممَّا لا يمكن المساعدة عليهما :
الأولى : أن يدعى تقيد النسبة المدلول عليها بهيئة المشتق بالمقارنة لزمان النطق.
الثانية : أن يدعى تقيدها بالتقارن لزمان الجري والتطبيق ـ أي زمان الحكم واسناده فيه إلى موضوع في نسبة تامة وامَّا النسبة الناقصة المدلول عليها بالمشتق نفسه فلست جرياً لأنَّها مفهوم افرادي كما تقدّم ـ ويرد على الفرضية الأولى ـ :
١ ـ لزوم أن يكون قولنا « زيد ضارب بالأمس أو غداً » مجازاً وهو خلاف الوجدان العرفي.
٢ ـ ان أريد التقيد بمفهوم زمان النطق فهو واضح الفساد ، وان أريد التقيد بواقع زمان النطق ووجوده التصديقي الخارجي فكلمة « عالم » مثلاً موضوعة للمتلبس بالعلم مقارناً مع صدور النطق به من شخص فلازمه أن لا يتصور معنى للفظ من دون تحقق نطق خارجاً ، مضافاً : إلى استلزامه أن يكون المدلول الوضعي التصوري متقيداً بأمر تصديقي وهو غير معقول على ما حقّقناه سابقاً.
ويرد على الفرضية الثانية :
١ ـ ما أوردناه ثانياً على الفرض السابق.
٢ ـ انَّ واقع الحكم لو كان هو القيد فهو في طول المحمول المنتسب إلى موضوعه فكيف يعقل أن يؤخذ فيه. فالصحيح عدم تقيد المشتق بالزمان على القول بوضعه للمتلبّس.
ويتفرّع على ذلك اختلاف مدرك الظهور في قولنا « زيد عالم » الّذي لا إشكال في انَّ المتفاهم منه عرفاً انَّه عالم حين النطق ، فانَّه لو قلنا بأخذ التقيد بزمان النطق في المشتق ـ كما هو مقتضى الصيغة الأولى ـ كانت الدلالة المذكورة وضعية ولو قلنا بأخذ
٣٧٠
التقيد بزمان الجري والنسبة فيه ـ كما هو مقتضى الصيغة الثانية ـ فالمدلول الوضعي تلبس زيد بالعلم حين اسناد هذا الحكم وامَّا تعيين زمان النطق للإسناد فيكون على أساس الظهور الانصرافي إذ كون النّظر حين اسناد وربط حكم بموضوع إلى زمان آخر غير زمان الربط نفسه فيه مزيد عناية وبحاجة إلى قرينة على ملاحظته وامَّا على ما هو الصحيح من دلالة المشتق على الذات المتلبسة بالمبدإ دون قيد زائد ، فكلا الظهورين السابقين غير وضعيين بل يتعيّن زمان النسبة في زمان النطق بالظهور الانصرافي المتقدم ويتعيّن زمان التلبس في زمان الجري والنسبة بظهور الجملة في الاتحاد والعينية بين الموضوع والمحمول بما هو وصف.
تصوير معنى عام للمشتق على القولين
لا ريب في أنَّ الأسماء المشتقة تكون من متحد المعنى بمعنى أنَّها تدلّ على معنى عام ، ولذلك تقع موضوعاً للإطلاق والعموم على حدّ أسماء الأجناس. وهذا يعني ضرورة البحث عن إمكان تصوير معنى عام جامعي على كلا القولين وإلا فلو ثبت عدم وجود معنى جامع على أحد القولين كان ذلك بنفسه دليلاً على بطلان ذلك القول ، وعلى هذا الأساس نقول :
أمَّا على القول بوضع المشتق للمتلبّس فلا ينبغي التردد في وجود معنى جامع له ، سواءً قيل ببساطة المشتق أو تركبه ، فانَّه على التقديرين يكون المتلبس بالمبدإ معنى جامعاً ينطبق على كلّ ما فيه التلبس وتوهّم : انَّ المشتق على القول بالتركيب يتضمّن معنى نسبيّاً حرفيّاً فلا يكون عاماً ، لا مأخذ له على ضوء ما تقدّم من أنَّ نسبيّة المعنى لا تقتضي جزئيته بلحاظ المصاديق الخارجية ما لم تتغير أطرافها.
كما أنَّه لا ينبغي التردد في عدم معقولية الجامع الأعم بناء على القول ببساطة المشتق وأنَّه موضوع بإزاء المبدأ ملحوظاً لا بشرط من حيث الحمل لعدم صدق المبدأ على الفاقد له ولو لوحظ لا بشرط من حيث الحمل بداهة ركنية المبدأ حينئذٍ في صدقه.
وامَّا تصوير معنى جامع أعم على القول بتركّب المشتق ، فيمكن أن يذكر بشأنه عدة وجوه :
٣٧١
١ ـ أن يفرض المعنى الجامع عبارة عن الذات التي لها التلبس بالمبدإ في أحد الزمانين الماضي أو الحاضر.
وفيه : ما تقدّم من عدم أخذ الزمان في مدلول المشتق.
٢ ـ انَّ الجامع هو الذات التي صدر عنها المبدأ بأن يكون مفاد الفعل الماضي بنحو النسبة الناقصة مأخوذاً في مدلول المشتق « فعالم » يعني « من علم » و « قائم » « من قام » وهكذا ، فيصدق على المتلبس والمنقضي عنه التلبس بالمبدإ معاً.
وفيه : أولا : يلزم عدم صدق المشتق على الذات بلحاظ آن حدوث المبدأ ، لأن الفعل الماضي لا يصدق إلا حينما يكون المبدأ حادثاً قبل زمان الجري ، سواءً كان من جهة أخذ الزمان الماضي فيه أو أخذ ما يساوقه في الزمانيات ، وهو خلاف الضرورة العرفية في المشتق. كيف ولازمه أن يكون المشتق حقيقة في المنقضي خاصة إذا كان المبدأ فيه آني الحدوث بحيث لا يبقى في الآن الثاني.
وثانياً : يلزم عدم صحة إجراء المشتق بلحاظ المستقبل إذ لا يصحّ أن يقال « زيد من قام غداً » ولو أرجعنا زمان الغد إلى الحمل ، لعدم عرفية إجراء الماضي بلحاظ المستقبل.
وثالثاً : عدم صحة أخذ مفاد الفعل الماضي في جميع المشتقات ، كما يتّضح بمراجعة أسماء الآلة أو المكان والزمان أو غيرها من المشتقات.
ورابعاً : انَّ الفعل الماضي يدلّ على حركة المبدأ وصدوره من ذات ومثل هذا المعنى غير مأخوذ في المشتقات فانَّها تحكي عن الذات المتّصفة بالمبدإ ولا تحكي عن حيثية حركة المبدأ وصدوره منها.
٣ ـ ما أفاده السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ بقوله : « انَّا لو سلّمنا انَّ الجامع الحقيقي بين الفردين غير ممكن إلا انَّه يمكننا تصوير جامع انتزاعي بينهما وهو عنوان أحدهما » (١).
وفيه : انَّ مجرد معقولية جامع انتزاعي ، كعنوان أحدهما الّذي يمكن أن ينتزع من النقيضين فضلاً عن غير هما ، لا يكفي إذ المقصود تصوير جامع يحتمل بشأنه أن يكون
__________________
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

بحوث في علم الاصول  7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحوث في علم الاصول 7   بحوث في علم الاصول  7 I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 14, 2015 7:49 am

(١) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٢٦٤
٣٧٢
هو المعنى الموضوع له للمشتقات ولا إشكال في عدم انفهام مفهوم أحدهما عن المشتق. ولو كان المشتق موضوعاً بإزاء مفهوم أحد الفردين المتلبس والمنقضي لزم عدم تعقل الشمولية فيه لأن عنوان أحدهما أو واحد منها عنوان بدلي دائماً.
٤ ـ ما أفاده السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ أيضا من أنَّ الجامع عبارة عن الذات المنتقض عدم المبدأ فيها بالوجود أو قُل خروج المبدأ فيها من العدم إلى الوجود (١).
وفيه : أولا ـ عدم انفهام انتقاض عدم المبدأ أو خروجه من العدم في المشتقات بل العرف بشكل عام يفهم معاني المشتقات من طرف وجود المبادئ فيها ابتداءً لا بتوسيط إعدامها.
وثانياً : إن أريد أخذ مفهوم الانتقاض الاشتقاقي كعنوان المنتقض فهو أيضا مشتق لا بدَّ من تحديد معنى جامع له لكي لا يختص بالمنتقض فيه العدم بالفعل ، وإن أريد أخذ الانتقاض بنحو الفعل الماضي رجع إلى الوجه الثاني المتقدم وقد عرفت عدم المساعدة عليه وإن أخذ مبدأ الانتقاض منسوباً إلى الذات بنحو النسبة الناقصة كان كنسبة أي مبدأ اشتقاقي بحاجة إلى تصوير معنى جامع يشمل صورة انقضائه وتلبّس الذات به.
٥ ـ أن يكون الجامع عبارة عن الذات المنتقض عدم المبدأ الأزلي فيه ، وهو صادق على المنقضي لأنَّ عدم المبدأ فيه ليس بأزلي.
وفيه : ما تقدم في الاعتراض الأول على الوجه السابق.
وهكذا يتّضح : عدم إمكان تصوير معنى جامع حقيقي بين المتلبّس بالمبدإ والمنقضي عنه.
وإذا اتّضحت هذه المقدمات نشرع في بيان المختار في معنى المشتق مع استعراض ما يمكن أن يذكر بشأنه من وجوه الاستدلال.
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٢٦٥
٣٧٣
المختار في معنى المشتق
والواقع انَّ قليلاً من التدبّر والتأمّل في إطلاقات المشتق كافٍ في رأينا للجزم بوضعها للمتلبس بالمبدإ خاصة ، لأنَّ المشتق له مادة وهيئة ، أمَّا المادة فموضوعة للدلالة على الحدث ، وامَّا الهيئة فللدلالة على نسبة ذلك الحدث إلى الذات وتلبّسها به على اختلاف أنحائه وكيفيّاته وهي فرع وجود الحدث وعدم انقضائه.
ويكفينا دليلاً على بطلان الوضع للأعم ما تقدّم من عدم تيسّر تصوير معنى جامع بين المتلبّس والمنقضي عنه المبدأ.
ما استدلّ به على الوضع للمتلبّس
وقد استدلّ مع ذلك على الوضع لخصوص المتلبس بوجوه عدّة.
منها : دعوى تبادر المتلبس خاصة.
واعترض عليه : باحتمال استناده إلى الانصراف الناجم عن كثرة الاستعمال في المتلبس.
وأجيب عن الاعتراض : بأنَّ الاستعمال في موارد الانقضاء أكثر منه في موارد التلبّس ، واضطرّ المجيب حينئذٍ أن يفسّر كثرة الاستعمال في حالات الانقضاء بنحو لا ينافي مع الوضع للمتلبس خاصة ، وذلك بافتراض ان أكثر موارد استعمال المشتقات لا يكون التلبس بالمبدإ فيها فعليّاً حين الاستعمال بل منقضياً. وحينئذٍ لو قيل بالوضع للمتلبس خاصة تعيّن حملها على انَّ الإسناد بلحاظ حال التلبس دفعاً للمجاز الكثير بل الأكثر المنافي مع حكمة الوضع وإن قيل بالوضع للأعم كان الإطلاق بلحاظ حال الاستعمال والنطق لعدم استلزام المجاز وبذلك حاول أن يمنع على القائل بالأعم دعوى كثرة الاستعمال في المتلبس.
ولنا في المقام تعليقان : أحدهما على مقالة المجيب ، والثاني على الاعتراض.
ففيما يتعلّق بكلام المجيب نحن لا نسلّم كثرة الاستعمال في المنقضي بناء على الوضع للأعم لأنَّ موارد الاستعمالات امَّا أن تكون جملاً تطبيقية أو لا تكون جملاً
٣٧٤
تطبيقية ، كما إذا وقع المشتق في سياق إنشاء كما في قولنا « أكرم العالم » ولا إشكال في عدم صحة الاستشهاد بالجمل غير التطبيقية على الاستعمال في المنقضي كما هو واضح ، والجمل التطبيقية منها ما تكون إسنادية كقولنا « ضرب العالم » أو « ضربت العالم » ومنها ما تكون حملية ولا إشكال أيضا في انَّ الاستعمال في الجمل الإسنادية تكون بلحاظ زمان اسناد الفعل لا النطق ولو قيل بالوضع للأعم ، والجمل التطبيقية الحملية منها ما لا تكون الذات المحمول عليها المشتق محفوظة حين الاستعمال كقولنا « شيخ المفيد عالم » ممَّا يتعيّن أن يكون الجري فيها بلحاظ زمان التلبّس على القولين معاً ، فلا يبقى عدا موارد انحفاظ الذات حين الاستعمال مع كون الجملة تطبيقية حملية وهي ليست بتلك الكثرة في نفسها فضلاً من ان تكون أغلب مواردها ممَّا قد انقضى على الذات زمان التلبس بالمبدإ.
وفيما يتعلّق بأصل الاعتراض نقول : انَّ استناد التبادر إلى الانصراف الناشئ عن كثرة الاستعمال في التلبس ـ لو سلّم يكشف عن تعين اللفظ فيه تدريجاً على أساس غلبة الاستعمال وكثرة الحاجة إليه ، فلو لم تكن هذه الحيثية بنفسها كاشفة عن انَّ الوضع من أول الأمر كان للمتلبس خاصة فلا أقلّ من كشفه عن تعيّنه لذلك عرفاً وهو على حدّ الوضع التعييني من وجهة غرض الفقيه من هذا البحث.
ومنها : لزوم انتفاء التضاد بين الأوصاف الاشتقاقية بناء على الوضع للأعم ، فيصدق في مورد واحد مثلاً « العالم » و « الجاهل » معاً باعتبار تلبسه بالجهل سابقاً.
وهذا الوجه يصلح أن يكون منبهاً وجدانيّاً لمن يعيش ارتكازية التضاد بين الأوصاف في نفسه على أساس ارتكاز الوضع للمتلبس عنده ولكنه غافل عنه ، وأمَّا الّذي يدّعي الوضع للأعم فيمكنه الاعتراض بعدم التضاد بين الأوصاف الاشتقاقية إلا حيث ما يلحظ في الاتصاف زمان واحد ، ومجرّد التضاد بين مبادئ المشتقات لا يكفي دليلاً على التضاد فيما بينها بعد ان كانت ذات معنى زائد على المبدأ وهو التلبس الّذي يعقل افتراضه بنحو يمنع عن التضاد.
ومنها : الاستدلال بصحة سلب المشتق عن المنقضي عنه التلبّس فيصحّ أن يقال « زيد ليس بجاهل ».
٣٧٥
واعترض عليه : بأنَّه لو أريد سلب مطلق المبدأ فهو كذب ، وإن أريد سلب من له المبدأ فعلاً فهو صحيح ولكنَّه لا يفيد لأنَّ سلب الأخص لا يثبت سلب الأعم الّذي هو المعنى الموضوع له عند الخصم.
وهذا الاعتراض نشأ من الخلط بين تقييد الوصف الاشتقاقي بالفعلية وتقييد مبدأ الاشتقاق ، فانَّ الّذي لا يضرّ بمقالة الخصم تقييد مبدأ الاشتقاق بالفعلية وأمَّا تقييد جري المشتق نفسه بذلك في قولنا « زيد الآن ليس بجاهل » فهو ضار بمقالته لا محالة.
والصحيح المناقشة في كبرى علامية صحّة السلب بالنحو الّذي تقدّم شرحه في علامات الحقيقة والمجاز.
ومنها : ما ذكره المحقق النائيني ( قده ) ويتألّف من خطوتين :
أولا لهما : انَّ مدلول المشتق أمر بسيط كمدلول المصدر نفسه ولكن ملحوظاً لا بشرط من ناحية الحمل.
الثانية : انَّ المشتق إذا كان بسيطاً فلا يعقل وضعه للأعم لعدم الجامع عندئذٍ بين حالتي التلبّس والانقضاء.
والخطوة الثانية من هاتين صحيحة على ما تقدّم أيضا ، إلا انَّ الأولى منهما محل تأمّل بل منع على ما تقدّم الكلام فيه مفصلاً في الهيئات الإفرادية.
هذه مهم الوجوه التي استدلّ بها لإثبات وضع المشتق بإزاء المتلبّس خاصة. ومن خلال التأمّل فيها يتّضح أيضا أوجه المفارقة في الأدلة التي ساقوها لإثبات الوضع للأعم فلا موجب للتعرّض إليها.
التفصيل بين بعض المشتقات وبعض
نعم مقالة التفصيل بين أسماء الحرف والصناعات والملكات وأسماء الآلة ونحوها وبين سائر المشتقات تستحقّ شيئاً من العناية.
وأحسن ما يمكن أن يستدلّ به عليها أن يقال : لا إشكال في صدق هذه الأسماء حتى مع عدم تلبس الذات بالحدث المأخوذة في مباديها حرفياً فيقال لزيد مثلاً « انَّه صائغ » ولو كان نائماً في بيته. وهذا يرجع لا محالة امَّا إلى توسعة في مدلول الهيئة بدعوى
٣٧٦
وضعها للأعم أو التصرّف في غير ذلك من الجهات ، وبإبطال الأخير يتعيّن الأول. وجه البطلان : انَّ هذا التصرّف يتصوّر بأحد وجوه أربعة كلّها ممَّا لا يمكن المساعدة عليها.
١ ـ ان يوسع من مدلول المادة فيدعى : وضع مادة « صائغ » مثلاً لحرفة الصياغة. ويبطله : انَّه خلاف ما هو المقرر من انَّ المواد الاشتقاقية ذات وضع نوعي واحد في جميع الاشتقاقات.
٢ ـ ان يتصرّف في مدلول الهيئة بحملها على التلبس الشأني لا الفعلي ولا الأعم.
ويرد عليه : ما أبطلنا به الوجه السابق فانَّ الهيئات الاشتقاقية أيضا ذات وضع نوعي واحد في جميع المشتقات مع وضوح عدم دلالة هيئة « قائم » على شأنية التلبس بالقيام.
٣ ـ ان يتصرّف في الجملة المستعمل فيها هذه المشتقات فقولنا « زيد صائغ » وإن كانت لغويّاً تقتضي فعلية تلبّس زيد بالصياغة ولكن معهودية كون الصياغة حرفة قرينة عرفاً على استفادة شأنية التلبس بها.
وفيه : انَّ التوسعة المذكورة مفهومة من هذه المشتقات ولو لم ترد في جملة تامة.
٤ ـ دعوى عناية ادعاء عرفي يقضي بإلغاء الفواصل الزمنية المتخللة بين فترات صدور المبدأ من الذات في هذه المشتقات بنكتة تكرّر صدور المبادئ فيها ، فكأن الذات بهذا الاعتبار متلبسة بها دائماً.
وفيه : انَّ لازمه صحّة استعمال وصف اشتقاقي آخر مكانها بأن يقال « زيد متلبس بالصياغة أو الكتابة في حال نومه » مثلاً لأن الفترات الزمنية الفاصلة ملغاة بحسب الفرض مع انَّه خلاف الفهم العرفي جدّاً ممَّا يعني اختصاص النكتة بهذه المشتقات بالذات.
فإذا بطلت هذه الوجوه تعيّن وضعها للأعم.
إلا انَّ الصحيح مع ذلك عدم التفصيل بين المشتقات ، لعدم إمكان المصير إلى وضع شيء منها بإزاء الأعم ، وذلك :
إمَّا أولا : فلما تقدّم من عدم معقولية معنى جامع بين المتلبس والمنقضي يصحّ
٣٧٧
اعتباره المعنى الأعم.
وإمَّا ثانياً : فلأنَّ الأسماء التي ادّعي في التفصيل وضعها للأعم أيضا لا تصدق حقيقة على الذات بعد زوال مباديها بالنحو الملحوظ فيها بشهادة العرف واللغة على عدم صدق « الصائغ » مثلاً على من كانت حرفته الصياغة في الزمن السابق إلا مجازاً على حدّ صدق القائم على من كان متلبساً بمبدإ القيام ممَّا يعني انَّها أيضا موضوعة بإزاء المتلبس بالمبدإ غير انَّه لوحظ نحو توسعه في مفادها لا بدَّ من تخريجه بشكل أو آخر.
والصحيح : انَّ هذه التوسعة ملحوظة في مدلول هيئاتها على النحو المتقدّم في الوجه الثالث من الوجوه الأربعة :
وما قيل في إبطاله : من استلزامه تعدد وضع الهيئات الاشتقاقية وهو بخلاف المقرر في موضعه. يرد عليه :
أولا : انَّ هذا اللازم لا بدَّ من الالتزام به على كلّ حال بعد ثبوت الفرق وجداناً بين هذه الأسماء وغيرها ، غاية الفرق : انَّ المفصل يدعي وضعها للأعم من المتلبس والمنقضي ونحن ندعي وضعها لخصوص المتلبس مع التوسعة في معنى التلبس لعدم إمكان المساعدة على الوضع للأعم.
وثانياً : لا لزوم لتعدد الوضع لإمكان دعوى وضعها جميعاً بإزاء هذا المعنى الموسع من التلبس ، غاية الأمر : لا مصداق له في مثل ضارب وقائم إلا في التلبس الفعلي لعدم صلاحية مباديه لغير هذا النحو من التلبس.
وهكذا يتّضح : انَّ الصحيح وضع المشتق بإزاء المتلبس بالمبدإ خاصة ، وانَّما الفرق في كيفيات التلبس وأنحائها.
ما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في معنى المشتق
ثمَّ لو فرض الشك في ما هو المعنى الموضوع له المشتق فما هو مقتضى الأصل العملي؟ والحديث عن الأصل العملي تارة : يقع بلحاظ المسألة الأصولية ، وأخرى : بلحاظ المسألة الفقهية.
٣٧٨
١ ـ حكم الأصل في المسألة الأصولية
ففيما يتعلّق بالأصل العملي في المسألة الأصولية ـ أعني ما يمكن أن نثبت به الوضع للأعم أو للمتلبس ـ ربّما يتمسّك باستصحاب عدم أخذ خصوصية التلبس قيداً في مقام الوضع زائداً على الجامع وبذلك ينفي الوضع للمتلبس خاصة.
إلا انَّ هذه الدعوى لا مأخذ لها. إذ يرد عليه من أوجه المفارقة :
أولا : ابتنائه على تخيّل انَّ لحاظ المعنى الأعم أو الأخص من باب المطلق والمقيد الّذي يكون أصل الجامع متيقّناً في مقام لحاظه والشك في الخصوصية وهو غير صحيح ، فانَّ المعنيين وإن كانا متّحدين بحسب الصدق في الخارج إلا انَّهما بحسب عالم اللحاظ والمفهوم متباينان ـ بناء على إمكان تصوير معنى جامع أعم ـ فليس الشك فيما لاحظه الواضع حين الوضع دائراً بين الأقل والأكثر لينفي الزائد بالأصل.
وثانياً : ابتنائه على كون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والإيجاب لا تقابل الضدّين ـ كما اختاره السيد الأستاذ ـ أو العدم والملكة كما يظهر من المحقق النائيني وإلا كان إثبات الوضع للأعم ينفي الخصوصية من الأصل المثبت.
وثالثاً : انَّ غاية ما يثبت من نفي لحاظ الخصوصية انَّ الواضع قد لاحظ حين الوضع المعنى الأعم الجامع بين المتلبس والمنقضي وما هو موضوع الحكم الشرعي بالحجية انَّما هو الظهور المسبب من الوضع فلا يمكن تعيينه في الأعم بالاستصحاب المذكور إلا بالأصل المثبت أيضا.
٢ ـ حكم الأصل في المسألة الفقهية
وفيما يتعلّق بالأصل في المسألة الفقهية الفرعية ، إن أريد إجراء الاستصحاب الموضوعي ونعني به : استصحاب بقاء صدق المشتق بعد الانقضاء لترتيب أثره الشرعي. ففيه : انَّه من الأصل في الشبهة المفهومية وهو خلاف ما حقّقناه في موضعه من بحوث الاستصحاب وإن أريد استصحاب بقاء الحكم المترتّب على المشتق ، فتارة : يفرض انَّ الحكم مرتّب على المشتق بنحو الإطلاق البدلي على صرف وجوده كما إذا قال « أكرم عالماً » وأخرى : يفرض ترتّبه على مطلق وجوده كما إذا قال « أكرم كلّ
٣٧٩
عالم » ففي الفرض الأول الّذي يكون الشك فيه بحسب الحقيقة في متعلّق الحكم لا موضوعه ـ فيما إذا لم يفرض انحصار العالم في المنقضي عنه المبدأ ـ يكون الدوران بين التعيين والتخيير الّذي هو مجرى أصالة البراءة عن التعيين عندنا مطلقاً ، فيجوز الاكتفاء في مقام الامتثال بإكرام من كان عالماً سابقاً.
وفي الفرض الثاني : فصل صاحب الكفاية ( قده ) بين ما إذا تنجز الحكم بعد انقضاء المبدأ وما إذا كان متنجّزاً من حين التلبس فشك في ارتفاعه بانقضاء التلبس ، فحكم باستصحاب عدم الحكم في الأول واستصحاب بقاء الحكم في الثاني (١).
وفي كلا الشقّين من هذا التفصيل كلام.
امَّا الشقّ الأول ، فلان مقتضى التحقيق المطابق مع مسالكه قدس‌سره أيضا التفصيل بين حالتين :
الأولى : ما إذا تأخّر جعل الحكم عن زمان التلبس ، فتجري أصالة البراءة عن التكليف أو استصحاب عدمه لكونه من الشك في حدوث التكليف.
الثانية : ما إذا كان الجعل ثابتاً في زمان التلبس أيضا ولكنَّه كان معلّقاً على شرط ـ كنزول المطر مثلاً ـ يتحقق بعد انقضاء التلبس ، وفي مثله يجري استصحاب الحكم بنحو القضية التعليقية ، حيث يقال انَّ المطر لو كان قد نزل قبل الانقضاء كان الحكم فعلياً ويشك في فعليّته بعده لاحتمال دخل فعلية التلبس فيه كاحتمال دخل العنبية في حرمة العصير المغلي فيجري الاستصحاب التعليقي عند القائلين به.
وامَّا الشق الثاني : فقد أورد عليه السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ :
أولا : بأنَّه شبهة حكمية ولا يجري فيها الاستصحاب.
وثانياً : انَّه شبهة مفهومية ولا يصحّ إجراؤه فيها أيضا (٢).
والاعتراض الأول اعتراض مبنائي. وقد ذكرنا في موضعه من بحوث الاستصحاب أن الصحيح جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً.




__________________
(١) كفاية الأصول ج ١ ص ٢١ ( ط ـ مشكيني )
(٢) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٢٧٠ ( مطبعة الآداب في النجف )
٣٨٠
والاعتراض الثاني مبني على دعوى للسيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ ذكرها في أبحاث الاستصحاب ، حاصلها : انَّ الشبهات المفهومية لا مجال فيها للاستصحاب الحكمي كما لا مجال للاستصحاب الموضوعي ، لأن الشك في بقاء الحكم ناشئ عن الشك في بقاء الموضوع ويشترط في الاستصحاب إحراز بقائه.
وقد أوضحنا هناك : أن مسألة انحفاظ موضوع الحكم المستصحب وعدمه لا ربط لها بكون الشبهة الحكمية مفهومية أم لا ، وإنَّما ترتبط بمدى تشخيص العرف للحيثية المفقودة المحتمل دخلها في الحكم واعتبارها ركناً مقوّماً للموضوع أم لا. فقد تكون الشبهة مفهومية ومع ذلك لا تكون حيثيّة التلبس المنقضية مقوّمة للموضوع بحسب نظر العرف فيكون الاستصحاب جارياً. فالصحيح ملاحظة هذه النكتة في التفصيل كما هو واضح.
ثمَّ انَّه لو فرضنا اجتماع حكمين مترتبين على المشتق أحدهما مطلق شمولي ، كما إذا ثبت « وجوب إكرام عالم » و « وجوب إكرام كلّ عادل » فسوف يتشكّل علم إجمالي امَّا بفعلية وجوب إكرام العادل المنقضي عنه التلبس أو وجوب تطبيق إكرام العالم على المتلبس بالعلم. وهذا علم إجمالي منجز لو قيل بعدم جريان الاستصحاب المثبت للتكليف في المشتق الّذي رتّب عليه الحكم بنحو مطلق الوجود ـ كما ذهب إليه السيد الأستاذ مطلقاً وذهبنا إليه في صورة تأخّر الجعل عن زمان التلبّس ـ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
 
بحوث في علم الاصول 7
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بحوث في علم الاصول 1
» بحوث في علم الاصول 2
» بحوث في علم الاصول 3
» بحوث في علم الاصول 4
» بحوث في علم الاصول 5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنزالعلوم الاسلامية :: القسم التاسع المكتبة الاسلامية الثقافية اضغط هنا-
انتقل الى: