الا خوه الاعزاء احب ان انقل لكم مواضيع
في علم التاويل لعلكم تستفيدوا منها
لقد تلخص دور الرسول (ص) المؤسس لكيان الأمة المسلمة، بربط ذلك الكيان بمرجعية الكتاب المقدس الذي يهبها نظام الحياة. وهذا الدور من شأنه أن يجعل الرسول مهتما بتلك العلاقة اهتماما بالغا، كي لا تنفك تلك العروة فتتخلى الأمة عن مرجعية القرآن، أو ترتبط بها بصورة شكلية خلو من أي معنى. لذلك رصد تطور علاقة الأمة بمرجعية الكتاب العزيز على امتداد الزمن القادم، وافرد له حيزا هاما من خطابه، بحيث أضحى البحث عن حقيقة وضع الأمة في علاقتها بالقرآن، اليوم، يمكن الكشف عن معالمها من خلال الالتجاء إلى بيانات الرسول المستقبلية، المشتقة من الخطاب القرآني المتنبئ، الذي لم يتخلف عن تسليط الضوء على معالم الأزمة وتشخيص تلك العلاقة المفصلية التي فيا ترتبط الأمة بمرجعية الكتاب، وما سيطرأ عليها من تطورات وتحولات سلبية الطابع.
فنكتشف أن واقع القرآن في فكر الأمة اليوم ومنذ قرون خلت، يعد متجاوزا إلى حد الهجر والنبذ، تحقيقا للنبوءة القرآنية: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)30/25، وانطلاقا من هذا الخطاب القرآني استنبط الرسول حديثه: «سيأتي على الناس زمان القرآن، في واد وهم في واد»، وترجم هذا الهجر للكتاب العزيز، بتحول الأمة إلى التماس الهدى من غير القرآن، وذلك عندما ألف الآباء كتبا اتبعوها وتركوا القرآن، إتباعا للنموذج التاريخي الذي مثله بنو إسرائيل، والذي تنبأ الرسول(ص) بإتباع الأمة له احتذاءً وإقتداء: «يَكُونُ فِي هَذِهِ الأمة كُلُّ مَا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وحَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ »( من لا يحضره الفقيه: 1/203)، ومما فعلته بنو إسرائيل فيما يتعلق بشأن الكتاب ما يذكره الحديث: «إن بني إسرائيل ألّفوا كتابا واتبعوه وتركوا التوراة»( الهندي، كنز العمال، ح(1089).). وكذلك فعلت الأمة، حيث اتبعت أجيال الأبناء على هذا، وهو ما مكن لظاهرة نبذ الكتاب: (فنبذوه وراء ظهورهم)187/3.
وأضحت علاقة الأمة بالكتاب، منذ قرون، تقتصر على القراءة، تلاوة وتجويدا وحفظا، لتصبح بمثابة أمة بني إسرائيل: (لا يعلمون الكتاب إلا أماني)78/2، أي إلا قراءات، ومن هذه الآية القرآنية انطلق الرسول(ص) عندما تحدث عن ظاهرة القرّاء الذين يقرؤون القرآن«لا يجاوز تراقيهم»، وهكذا تحقق في الأمة جانب النبوءة الذي يتحدث عن انحسار علم الكتاب، مما قصر حصروه على الرسم: «ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره»، فافتقدت الأمة بذلك القدرة على فهم كنوز الكتاب الفكرية والعلمية، وعجزت عن الاهتداء إلى تفصيل مجملاته أو استنباط بطونه، وعوضت عن ذلك بالاهتمام الشكلي والفني القائم على الاعتناء برسم الخط القرآني، والزخرفة لحواشيه، والحرص على طبعه طبعات فخمة وأنيقة، ثم حرصت على تلاوته وتجويده، واقتصر علمها على المعاني المعجمية، بينما قام إلى جانب هذا التوجه توجه آخر، يقوم على التفسير الباطني للكتاب، المتجاوز للظواهر. وقام اتجاه ثالث بينهما على العبور من الظاهر الى الباطن، ولكن بصورة كشفية تعتمد على قدرات خارقة، مع غياب المنهجية الإجرائية التي توضح وتضبط المنهج العبوري بصورة تكون في متناول الجميع.
وقد تحدث الإمام الصادق (ع) عن الفرقاء الثلاثة التي توزعت إليها تيار الأمة العريض، وحكم على توجهاتهم في فهم القرآن بحكم فصل عندما قال لمخاطبة: «يا هيثم التميمي! إن قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن، فلم ينفعهم شيء! وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر، فلم ينفعهم ذلك شيئا! لا إيمان بظاهر إلا بباطن، ولا بباطن لا بظاهر»، فكان التمسك بالظاهر ونبذ الباطن أو التمسك بالباطن دون الظاهر، يحتم الدخول في التيه الذي أهلك القرون الأولى. وتبقى الجادة التي تشكل قصد السبيل، تتمثل في التمسك بالظاهر والباطن معا، حيث لا يستغني الظاهر عن الباطن، ولا يستقل الباطن عن الظاهر، بل يتعاضدان ويتداخلان في علاقة رشد هادية لا يمكن التفكيك بين طرفيها بحال، وفيها تقوم العلاقة المنهجية على العبور من ضفة الظاهر إلى ضفة الباطن الخصيبة، بتوالي النفوذ الفكري في عمق لا متناهي، مستعصي مداه عن الإدراك عند السبر...
واليوم فان انبعاث التأويل بالمواصفات التي عُرف بها في صدر الإسلام، يُعدّ فتحا مبينا، لما يعيد الكشف عن تمايز النسق الإشاري الكتاب إلى وجه ظاهر وآخر باطن، ويكشف عن آلية السبر والعبور والنهل من مخزونه المعرفي الزاخر، لأول مرة منذ قرون، ويستعيد الكتاب في ظل هذا الفتح هويته باستعادته لكل خصائصه التي تحدثت عنها أحاديث السنة النبوية، والتي لم تكن قيد الاستيعاب على امتداد قرون مديدة. حيث ألمحت الأحاديث وآيات الكتاب ذاته إلى أن القرآن يغدو في ظل علم التأويل تبيانا لكل شيء، ويمتلك قابلية النطق، ويتصف باللاتناهي، وبقابليته على السفر في بُعد الزمن ليطل بقارئه على أحداث التاريخ، والتنبوء بوقائع المستقبل، ويمتلك القدرة على قول كلمة الفصل في كل خلاف، والبت في كل نزاع يعرض عليه. وبعلم التأويل تتظاهر معجزة الكتاب إلى حيز الشهود، فيشهدها العالم باعتبار الكتاب معجزة الإسلام الخالدة، وآية نبوة محمد (ص) الساطعة. كل هذه الخصائص المميزة لهوية الكتاب يتمكن من استعادتها في ظل هذا الانبعاث للتأويل الذي يعد علما مفتاحيا، يسلم الأمة مفاتيح خزائن الكتاب، ويخولها من جديد - بعد أن أضاعت تلك المفاتيح قرونا مديدة- أن تفتح خزائن الكتاب الكريم لتطلع على كنوز العلم والمعرفة والهدى، وتعيد استثمارها بما يُمكنها في الأرض تمكينا: «آيات الْقُرْآنِ خَزَائِنُ، فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خِزَانَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا فِيهَا»( الكليني، الكافي : 2 / 610)..