يا طالما سحرتني قصص العمالقة , الغول العملاق في جاك وحبة الفاصوليا , مارد القمقم الجبار في حكايات ألف ليلة وليلة , العمالقة الحديدية في أفلام الخيال العلمي ... إنها كائنات جبارة تبعث في النفس مزيجا من القوة والغرور والغموض , فهذه الأجساد الفارعة تكتنف حتما على قوة هائلة , ومن لا يعشق أن يكون قويا ؟ .. والقوة تتسم غالبا بالغرور , وهو غرور مقبول , فحين تكون بطول مبنى من ثلاث طوابق فأنت شئت أم أبيت مجبر على أن تنظر بتعالي إلى أولئك الصغار الذين يسعون تحت قدميك . هذا الغرور المدجج بالقوة الجبارة هو أيضا مبعث الغموض الذي يكتنف هذه العمالقة , إذ كيف بلغت ما بلغت من الضخامة والطول ؟ .. كيف ظهرت للوجود وكيف تعيش ؟ .. والسؤال الأهم هو لماذا اختفت ؟ .. وهل كان لها وجود أصلا أم أنها لم توجد أبدا سوى في عالم الخرافات والأساطير .
هل نعلم كل شيء ؟
|
نعلم بوجود الديناصورات من خلال عظامها ..
|
بالطبع لو سألت عالما ماديا متخصصا بالتاريخ أو علم الأحياء عن الغول العملاق القابع فوق شجرة الفاصوليا الهائلة التي نبتت في حديقة جاك لضحك ملء شدقيه وأجابك بثقة : "لا وجود للعمالقة " .
لكن كيف ؟ .. وماذا عن كل ذلك التراث الشعبي والديني عنهم , كيف لا يكون لهم وجود ؟ .. ستسأل حتما , وسيجيبك قائلا : "طيب لو كان لهم وجود فأين هي بقاياهم ؟ .. آثارهم .. مدنهم .. نحن نعلم بأن الديناصورات هي كائنات عملاقة عاشت على الأرض فعلا قبل ملايين السنين لأن لدينا الآلاف من القطع والهياكل العظمية المتحجرة التي تدل على وجودها , في حين لم نعثر على هيكل عظمي واحد يعود لعملاق " .
كلام علمي سليم , لكن دعنا نسأل ببراءة : هل العلماء يعرفون كل شيء ؟ ..
هم يخبروننا بأن الإنسان الحديث ظهر للوجود وأستعمر هذه الأرض قبل مائتي ألف عام , لكن ما الذي نعرفه عن هذه الآلاف المتمادية من السنين ؟ .. لا شيء تقريبا ! .. جل معرفتنا بالتاريخ البشري تكاد تنحصر في الخمسة آلاف عام الأخيرة , ولنكن أكثر تحديدا , منذ أن تعلم الإنسان الكتابة وترك لنا سجلات عن حياته وعقائده وملوكه وحروبه ومدنه . فالكتابة هي معيار المعرفة , ولهذا السبب فأن العلماء يعرفون الكثير عن جوانب الحياة القديمة في واديي النيل والرافدين لأن الشعوب التي أسست تلكما الحضارتين تركت لنا ملايين لفائف البردي الهيروغليفية وألواح الطين المسمارية إلى درجة أن الكثير منها لازال قابعا في مخازن المتاحف العالمية بانتظار من يفك رموزه ويقرأه . لكن ما الذي نعلمه بالمقابل عن تاريخ بريطانيا قبل الغزو الروماني لها عام 43 ميلادية ؟ ..
لا شيء تقريبا ..
معقول ! .. بريطانيا العظمى , الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس .. تاريخها القديم مجهول ؟ ..
|
من الذي بنى ستونهنج .. ولماذا ؟ ..
|
نعم هذا صحيح , والسبب ببساطة هو أن البريطانيون القدماء لم يكونوا مولعين بالكتابة والقراءة ولم يعرفونها أصلا , كانوا أقوما من البرابرة , لم يتركوا لنا أية معلومات عن أنفسهم , ولهذا السبب يقف العلماء اليوم فاغري الأفواه أمام صرح تاريخي عظيم مثل ستونهنج من دون أن يعلموا شيئا عن هوية بنائيه ولماذا تم بناءه أصلا . كل ما لديهم هي روايات تاريخية متضاربة تركها مؤرخو العصور الوسطى ويأبى العلماء تصديقها , من قبيل أن الساحر الشهير مرلين جلب قوما من العمالقة كانوا يسكنون أيرلندا في غابر الزمان وأستخدمهم في نقل الصخور الهائلة وتشييد هذا الصرح المهيب .
أسطورة يصعب تصديقها , أليس كذلك ؟ .. لكن إذا كانت هذه مجرد أساطير فكيف نفسر بناء صروح عظيمة مثل ستونهنج والأهرامات بواسطة عتلات ورافعات خشبية متهالكة وبسيطة ؟ .. ألا يبدو ذلك مستحيلا ؟ .
|
قطعة واحدة من الحجر .. كيف حركوها ؟ ..
|
في بعلبك اللبنانية هناك صخرة عظيمة منحوتة من الحجر تدعى (صخرة المرأة الحامل) , هذه الصخرة قطعت من مقالع الحجر في جنوب المدينة وصقلت جوانبها بعناية , يبلغ طولها 21 مترا في حين يقدر وزناها بحوالي 1500 طن . إنها صخرة عملاقة بكل معنى الكلمة , لكن حجمها هو ليس مدعاة الغموض الوحيد فيها , فالعلماء لا يعلمون من قام بقطعها وكيف أستطاع تحريكها ونقلها , المفروض أنها هيئت لتكون جزءا من المعابد الفاخرة التي شيدها الرومان في أرجاء المدينة , لكن العلماء اليوم يعتقدون بأن عمرها يعود إلى حقبة أقدم من عهد الرومان , ربما في زمن الاسكندر المقدوني , والمشكلة هنا أنهم لا يعلمون من كان يقطن المدينة آنذاك , ذلك أن بعلبك برزت واشتهرت بعد الاسكندر حيث عرفت بأسم هليوبوليس , أي مدينة الشمس , أما قبل ذلك فيحيط الغموض تاريخها , لكن المعروف بأن المنطقة كانت قديما موطنا للفينيقيين والكنعانيين , ودليل ذلك أن أسمها هو من أصل سامي (بعل = الرب أو السيد) , وبالتالي فليس من المستبعد أن يكون أصحاب الصخرة هم من الكنعانيين , والكتاب المقدس يخبرنا بأن بعضا من أولئك الكنعانيين كانوا عمالقة , مما يتركنا أمام فرضيتين , أما أن من قطعوا الصخرة وحركوها كانوا يمتلكون معدات ورافعات متطورة شبيهة بالتي نملكها اليوم , وذلك لا يستقيم مع أزاميل النحاس وعتلات الخشب التي أمتلكها القدماء , وأما أن من قطعوا الصخرة وحركوها كانوا يمتلكون قوة بدنية هائلة , بعبارة أدق كانوا عمالقة , ولهذا لم يجدوا صعوبة كبيرة في زحزحة ورفع هذه الصخرة الهائلة .
قد يقول قائل بأن هذا الكلام هو محض هراء .. مجرد أساطير الأولين ..
ربما ..
|
بقايا طروادة في تركيا الحالية ..
|
لكن ألم تكن طروادة مجرد أسطورة سردها علينا هوميروس في أشعاره التي سطرها في ملحمته الشهيرة الإلياذة , وكان العلماء يقابلون القول بواقعية المدينة بابتسامة ساخرة , حتى ظهر لنا فجأة تاجر ألماني مولع بالآثار يدعى هاينريش شليمان , ذهب برفقة زوجته إلى تركيا وأستخرج لنا بقايا مدينة طروادة من تحت التراب عام 1870 مسترشدا بأشعار الالياذة التي عدها الجميع لقرون متمادية مجرد خرافة ! .
وألم تكن قصص مدن الأنكا الضائعة خرافة أيضا , حتى زار مستكشف أمريكي مغمور يدعى هيرام بنغهام جبال الأنديز في بيرو عام 1911 , هناك أرشده طفل من أحفاد الأنكا , في الحادية عشر من عمره , إلى أطلال مدينة عظيمة قابعة فوق السحاب , ماشو بيشو , المدينة المقدسة الضائعة التي صعق العلماء باكتشافها , لقد كانوا يسخرون من وجودها ويعتبرون الكلام عنها مجرد خرافة , فيما كانت هي لأربعة قرون تشمخ بصروحها الحجرية العظيمة فوق الجبل وتسخر من جهلهم وغرورهم .
أن هذه الأمثلة البسيطة توضح لنا بجلاء أن العلماء لا يعلمون كل شيء , وأن تاريخ البشر يغص بالفجوات الداكنة والحلقات المفقودة , الفراعنة مثلا تركوا لنا سجلا حافلا عن كل شيء , آلهتهم , كهنتهم , حياتهم , طقوسهم , مواسم حصادهم , فيضانات نيلهم , ضرائبهم , حروبهم .. ذكروا لنا حتى أسم الماشطة التي كانت تمشط شعر الملكة ! , لكنهم تغافلوا أو تعمدوا عدم التطرق لأهم وأعظم منجزاتهم .. الأهرامات .
صحيح أن هناك سجلات للعمال الذين ساهموا في تشييد الأهرامات , وكذلك تم اكتشاف مساكن تعود للعمال والمهندسين القدماء في الجيزة , لكن المحير هو أن الفراعنة لم يخبرونا أبدا كيف بنو الأهرامات , لا يوجد نقش أو رسم يصور العمال وهم يشيدون الهرم ويضعون الصخور الواحدة فوق الأخرى . ألا يبدو ذلك غريبا , خصوصا حين نعلم بأن المصريين القدماء كانوا مولعين بنقش وكتابة كل شيء عن تفاصيل حضارتهم , فكيف نسوا أن يحدثونا عن أهم حدث في تاريخ المملكة القديمة ! .. ولماذا تركونا نتساءل بدهشة عن كيفية رفع هذه الصخور العظيمة إلى ارتفاعات شاهقة من دون رافعات حديثة ؟ .. ونحن هنا نتحدث عن مبنى بارتفاع يناهز المائة والأربعين مترا , أي ناطحة سحاب بارتفاع ثمان وخمسون طابقا , وعن صخور يصل معدل وزنها إلى ثلاثة أطنان , ناهيك عن أخرى , كتلك التي تغطي حجرة الملك , يصل وزنها إلى ما بين 70 – 80 طنا , فكيف رفعوها إلى هناك بواسطة حبال من القنب والكتان وبكرات من الخشب !! .
هل كان لدى المهندسون الفراعنة وسائل وأدوات وآلات نجهلها نحن اليوم , ماذا لو كانوا قد استخدموا قوما من العمالقة لحمل الصخور ووضعها في مكانها المناسب ؟ .. ألا يبدو ذلك تفسيرا منطقيا ؟! .. أم أنه هو أيضا .. مجرد هراء .
عمالقة العصور القديمة
|
كانت قارة عظيمة وسط المحيط الاطلسي ..
|
الإغريق تركوا لنا أساطير كثيرة , واحدة منها جاءت على لسان الفيلسوف الشهير أفلاطون , تحدث فيها عن جزيرة عظيمة ذات سهول واسعة وجبال شاهقة تقبع في وسط المحيط الأطلسي , أهلها ذوو بأس وحكمة , أمتد سلطانهم إلى أقاصي الأرض الأربعة , لكن الآلهة سخطت على هذه الجزيرة لسبب ما فأرسلتها بمن عليها إلى قاع المحيط ولم ينجو سوى قليل من أهلها .
قصة القارة المفقودة لم تكن من وحي خيال أفلاطون , فهو سمعها نقلا عن كهنة مصر القدماء , أولئك الفلاسفة والسحرة العظام الذين حدثوا الناس بما كان وسيكون . قالوا بأن شعب الجزيرة كان من العمالقة , يصل طول الواحد منهم إلى ضعف قامة الإنسان العادي وأنهم تفرقوا في الأرض بعد غرق قارتهم فأصبحوا ملوكا وآلهة وعلموا الناس الكتابة والمعمار وأرسوا أسس الحضارة . ولعل هذا يفسر لنا كيف ظهرت الحضارة فجأة في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد بعد أكثر من مائتي ألف عام من حياة الكهف والبربرية والظلام .
فجأة خلال خمسة آلاف عام فقط تطور الإنسان وصولا إلى مرحلة إرسال مركبات فضائية للقمر والمريخ , بينما لم يتطور قيد أنملة خلال مائتي ألف عام !!! . أليس ذلك محيرا , أليس مدعاة للظن بأن شيئا عظيما حدث قبل خمسة آلاف عام نقل الإنسان من مرحلة الكهف إلى مرحلة الحضارة , نقلة نوعية غيرت كل شيء إلى الأبد , لكنها لم تحدث من تلقاء نفسها , بل تمت على يد معلمين عظماء نقلوا الحكمة إلى البشر وأخذوا بيدهم نحو دروب العلم والحضارة , وعرفانا بالجميل , قام البشر برسم أولئك الأساتذة الحكماء على جدران قصورهم ومعابدهم , صوروهم كملوك وآلهة , وبينوا لنا بجلاء بأنهم ليسوا كالبشر , فهم أطول قامة وأضخم جثة بكثير .. أنهم عمالقة القارة المفقودة الذين تركوا أثارهم في كل جزء من أجزاء المعمورة ..
ومرة أخرى قد يقول البعض – وأنا منهم – أن هذا الكلام مجرد هراء .. لكن إذا كان كذلك , فبماذا نفسر هذا التراث المشترك عن العمالقة لدى جميع أمم الأرض ؟ ..
في اليابان لديهم الـ أوني ..
في الهند لديهم الـ دايتي ..
في الدول الاسكندنافية لديهم الـ يوتون ..
في الباسك لديهم الـ جنتل ..
في الفلبين لديهم الـ كابري ..
في إيرلندا لديهم الـ فوموير ..
في اليونان لديهم الـ تيتان ..
|
جالوت وجيشه يسخرون من النبي داود ..
|
وهناك أسماء كثيرة أخرى عفونا عن ذكرها خشية التطويل . خلاصة القول هو أن العمالقة موجودين في فلكلور وتراث جميع الشعوب . ولا تخلو الكتب الدينية أيضا من ذكرهم , فالعهد القديم من الكتاب المقدس يخبرنا عن الـ نفيلم , وهم أقوام من العمالقة عاشوا على الأرض قبل طوفان نوح . وهناك أيضا الكنعانيين , قيل أنهم عمالقة , أو ربما بعض قبائلهم , ولعل الملك جالوت هو أشهر عمالقة الكنعانيين , كان ضخم الجثة يتراوح طوله بين المترين والثلاثة . وقد قتله النبي داود بعد أن رماه بحجر من مقلاعه , والقصة مشهورة معروفة .
وقد كتب المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفيوس في القرن الأول الميلادي قائلا بأن الأموريين كانوا من العمالقة , والأموريون هم أقوام سامية استوطنت شمال الجزيرة العربية منذ الألف الثالث قبل الميلاد واختلط الكنعانيين معهم لاحقا . ويقول فلافيوس أن الناس في زمانه كانوا يعثرون على هياكل عظمية عملاقة تعود لهذا الشعب الجبار المنقرض الذي يصفه كالآتي :
"كانت أجسادهم كبيرة جدا , وملامحهم تختلف تماما عن غيرهم من الناس , كانت رؤيتهم تثير العجب , وأصواتهم تثير الفزع . ما زالت عظام أولئك العمالقة تظهر في أيامنا هذه " .
النصوص العربية القديمة تخبرنا أيضا أن الكنعانيين كانوا عمالقة , وتنسبهم لقبيلة أو شعب قديم يدعى العماليق , من العرب البائدة , انقرضوا عن بكرة أبيهم نتيجة اختلاطهم بغيرهم من القبائل والشعوب , وقيل أن البعض منهم كانوا يسكنون يثرب , وأن عدة نفر منهم كانوا ما يزالون على قيد الحياة عند البعثة النبوية , وكانوا يوصفون بالقامة الفارعة الطويلة .
|
صورة مزعومة لعمالقة عاد ..
|
والعرب البائدة هم أقوام وشعوب سكنوا الجزيرة العربية في غابر الزمان , ومعلوم من أسمهم أنهم انقرضوا ولم يبقى لهم عقب , أما لهجرتهم لأماكن أخرى أو لكارثة حلت بهم أو لاختلاطهم وذوبانهم مع القبائل الأخرى .
وأشهر الشعوب البائدة هي : ثمود وعاد وجديس وطسم وجرهم وأميم وعبيل .
وقد ورد ذكر عاد وثمود في القرآن الكريم في أكثر من موضع . في سورة الأعراف يخاطب النبي هود قومه من عاد قائلا :
"وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ -69-" .
وبحسب معظم كتب التفسير فأن البسطة في الخلق معناها زيادة في الأجسام والطول , ولهذا قيل أن عاد كانوا من العمالقة , وكانوا ذوو بأس شديد , شيدوا الصروح العظيمة التي ليس لها مثيل , وورد ذكر ذلك في سورة الفجر :
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ -6- إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ -7- الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ -8-".
|
صورة مزعومة لقوم من العمالقة في مصر ..
|
وكانت مساكن عاد في جنوب الجزيرة العربية , في منطقة ما بين اليمن وسلطنة عمان , ربما شمال حضرموت , وكانوا في غنى وثراء فاحش نتيجة تحكمهم بتجارة اللبان والصمغ العربي , كانوا يصدرون بضائعهم إلى الشام و مصر عبر طرق تجارية تمر بصحراء الربع الخالي , ولهم عدة مدن كبيرة أشهرها عبار , التي عرفت أيضا بـ ارم ذات العماد , أي ذات الألف عمود , و قد ورد ذكرها في الكتابات اليمنية القديمة وبعض المصادر الإغريقية مما يؤكد صحة وجودها , لكنها مدينة ضائعة لم يعثر عليها المنقبون أبدا , يقال أنها تقبع تحت ملايين الأطنان من رمال صحراء الربع الخالي .
أما ثمود فقد استوطنوا شمال الجزيرة العربية , تحديدا في منطقة مدائن صالح في محافظة العلا بالمملكة العربية السعودية , وآثارهم المنحوتة في الحجر مازالت ماثلة للعيان حتى يومنا هذا وتدل على ثرائهم وعظمة ملكهم . وقد ورد ذكرهم في العديد من المصادر التاريخية القديمة , الأشورية والإغريقية . وتذهب بعض المصادر العربية القديمة إلى أن قوم ثمود كانوا من العمالقة أيضا .
جدير بالذكر أن قولنا بأن فلان أمة أو قبيلة هي من العمالقة لا يعني بالضرورة أنهم كانوا يناطحون السحاب بقامتهم كما في أسطورة عوج بن عنق الشهيرة , الذي قيل بأنه نجا من طوفان نوح ولم يبلغ الماء ركبته , وأنه كان يحتجز السحاب في السماء فيشرب منه , ويأخذ الحوت من البحر فيرفعه بيده إلى الشمس فيشويه ويأكله ! . وإنما المقصود بالعمالقة هو أنهم كانوا أطول وأضخم من غيرهم من البشر بشكل واضح لا يقبل اللبس , والأرجح برأيي هو أن طولهم كان يتراوح بين المترين والثلاثة أمتار , وأن الأمر كان متوارث بينهم جينيا , أي كانوا يتشاطرون جينات خاصة تؤدي للعملقة , وهي حالة موجودة حتى في أيامنا هذه وسنأتي على ذكرها لاحقا .
|
أمثلة على كيفية تزييف الصور والتلاعب بها لتبدو وكأنها بقايا عملاق ..
|
لماذا لم نعثر على عظام عملاق ؟!
طيب إذا كان العملاقة موجودين بهذه الكثرة في العصور القديمة , فلماذا لم نجد أي بقايا عظمية تدل عليهم ؟ .. سؤال يطرح نفسه بقوة .
والجواب يمكن تلخيصه بشقين , الأول هو من قال بأننا لم نعثر على بقايا عظيمة ؟ .. والثاني هو نظرية المؤامرة .
ودعونا نتعرف على الشق الأول , فمن حين لآخر تطالعنا مواقع الكترونية على الانترنت بأخبار وصور تزعم بأن المنقبين عثروا على هياكل عظمية تعود لبشر عمالقة , ومن المعلوم بالدليل أن أغلب تلك الصور مزيفة , تم تركيبها ودمجها بحرفية عالية بواسطة برامج تعديل الصور مثل الفوتوشوب وغيره . لكن من بين مئات القصص والصور المزيفة التي تتحدث عن اكتشاف هياكل عملاقة هناك قصتين أو ثلاثة تتسم بالواقعية وتستحق أن نتوقف عندها وسأوردها لكم بالتفصيل لأهميتها في فهم الشق الثاني من الجواب .
القصة الأولى من فرنسا ..
|
العظام التي عثر عليها في كاستيلنو ..
|
في شتاء عام 1890 كان البروفيسور جورج دي لابوج ينقب في مقبرة قديمة تعود للعهد البرونزي بمنطقة كاستيلنو في جنوب فرنسا . تربة المقبرة كانت تضم عدة طبقات مما يدل على أن المنطقة مسكونة بالبشر منذ أمد بعيد . وفي قاع تلك الطبقات , في تربة تعود للعصر الحجري المتأخر , عثر البروفيسور على شيء أثار حيرته وذهوله . لقد استخرج من باطن الأرض ثلاثة عظام , كان واضحا أنها تعود لشخص واحد , وهي عبارة عن أجزاء من عظمة الساق والفخذ والعضد , وكانت من الضخامة بمكان بحيث يصعب تصور أنها تعود لإنسان بحجم طبيعي .
بعد دراسة متأنية توصل البروفيسور دي لابوج إلى أن صاحب هذه العظام كان ضخما وطويلا بصورة لا تصدق , يصل طول قامته إلى ثلاثة أمتار ونصف , ويزن مئات الكيلوغرامات .
للتأكد تم عرض العظام على عدد من الأساتذة في مجال الطب وعلم الإنسان وجميعهم توصلوا إلى استنتاج مشابه لذلك الذي توصل إليه البروفيسور دي لابوج , أكدوا أنها عظام حقيقية تعود لإنسان عملاق . وقد كتبت مجلة الطبيعة الفرنسية بحثا كاملا عن تلك العظام في أحد أعدادها الصادرة آنذاك ونشرت صورها . وفي عام 1894 تم إرسال العظام إلى جامعة باريس من اجل دراسة مستفيضة عنها , وهنا حدث شيء محير , إذ اختفت العظام ولم يرها أحد بعد ذلك ! .
قضية عملاق دي كاستيلنو تعد واحدة من القضايا النادرة التي يمكن القبول بمصداقيتها نظرا لأن جميع من تعاملوا معها كانوا أناس أكاديميون وعلماء مرموقون . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كانت هذه العظام تعود لحالة فردية نتيجة خلل جيني أم أنها تعود لقبيلة أو جنس من البشر العمالقة سكنوا فرنسا في تلك الحقبة السحيقة .
البروفيسور دي لابوج كتب لاحقا بأنه عثر في نفس الطبقة على قحف صبي عملاق , وقدر أن يكون طول الصبي يتجاوز المتران ! . وبعد ذلك بعدة أشهر , في منطقة تبعد حوالي ثلاثة أميال إلى الغرب من مقبرة دي كاستيلنو عثر المنقبون على جمجمة عملاقة تعود لإنسان قدر العلماء طوله بحوالي 4 أمتار .
ومرة أخرى قاموا بإرسال القحف والجمجمة إلى جامعة باريس .. ومن جديد ضاع أثرها !.
قصتنا الثانية من أمريكا ..
في الغرب المتوحش الأمريكي توجد منطقة جافة تعرف بأسم الحوض العظيم , هناك عاش هنود البايوت لآلاف السنين وتدالوا حكاية قديمة عن قبيلة منقرضة كانت تنافسهم السيطرة على المنطقة في غابر الأزمان , تلك القبيلة كانت تدعى "سي تي كا" , وكان أفرادها يعيشون في كهف كبير , كانوا من العمالقة , أجسامهم ضخمة وقامتهم فارعة , ويتميزون بشعر أحمر ناري .
أكثر ما يخيف في رجال تلك القبيلة هو أنهم كانوا من أكلة لحوم البشر , لم يكونوا يتوانون عن التهام أي هندي من هنود البايوت يقع في أيديهم , وكانت الحرب سجال بين الطرفين حتى قرر البايوت أن يضعوا حدا لهذا العدو الغاشم الجبار , فتحالفوا مع غيرهم من القبائل وخاضوا معركة فاصلة مع العمالقة كانت الغلبة فيها للكثرة والعدد على حساب القوة والضخامة , ولم ينجو من تلك المعركة الدامية سوى أفراد قليلين من العمالقة انسحبوا إلى كهفهم واختبئوا هناك , لكن البايوت وحلفائهم لم يتركوهم , كانوا قد عقدوا العزم على استئصال عدوهم بشكل كامل , فلحقوا بالعمالقة إلى كهفهم المظلم وصرخوا فيهم طالبين منهم الخروج , لكن العمالقة رفضوا الخروج وتحصنوا بكهفهم , فقام البايوت بجمع الحطب ووضعوه عند مدخل الكهف وأضرموا فيه النار فأنتشر الدخان سريعا إلى داخل الكهف . حاول بعض العمالقة النجاة من الموت اختناقا فخرجوا من الكهف لتتلقاهم سهام البايوت القاتلة , أما الباقين ففضلوا أن يختنقوا بالدخان حتى الموت على مواجهة السهام الفتاكة . وهكذا قضي على جميع أفراد قبيلة العمالقة .. وإلى الأبد .
|
كانوا عمالقة بشعر أحمر ..
|
ولقرون طويلة لم تكن حكاية العمالقة آكلي لحوم البشر سوى قصة مرعبة يستمتع الناس بسردها , لكن هنود البايوت كان يصرون على كونها حقيقية . وفي كتاب عن تاريخ القبيلة زعمت ابنة أحد زعماء البايوت بأن لديها خصلة شعر حمراء تعود لأحد أولئك الأعداء العمالقة , قالت بأنهم يتوارثونها أبا عن جد كدليل على حقيقة انتصارهم التاريخي على أعدائهم العمالقة .
كهف العمالقة مازال موجودا حتى يومنا هذا , يعرف بأسم كهف لوفلوك في نيفادا , يقول العلماء أنه كان مسكونا بالبشر منذ العصر الحجري وحتى ألف عام مضت , بعد ذلك ظل الكهف مهجورا لا يدخله سوى أسراب الخفافيش التي اتخذت من سقفه مسكنا لها , وعلى مدى قرون تراكم براز هذه الخفافيش حتى غطى أرضية الكهف وأرتفع لعدة أمتار .
وفي عام 1911 قررت إحدى شركات السماد الاستفادة من براز الخفافيش في الكهف , فالمعروف أن براز الخفافيش هو من أفضل أنواع الأسمدة , لذلك تم استئجار رجلين لجمع البراز من الكهف ومن ثم إرساله إلى مصنع الشركة . ولعدة أشهر جمع الرجلان مئات الأطنان من البراز , ومع كل طن يخرج كانا يقتربان أكثر من قاع الكهف , وفي أحد الأيام بينما كانا يعملان عثرا على جثة مدفونة تحت البراز , ثم عثروا على جثة ثانية وثالثة ورابعة ... المذهل أن هذه الجثث كانت بأحجام عملاقة وذات شعر أحمر . أي نفس أوصاف البايوت لأعدائهم العمالقة .
لسوء الحظ لم يكن الرجلان مهتمان كثيرا بالجثث , كانا يريدان العثور على أشياء ثمينة , لذلك تم رمي الجثث بعيدا بدون اعتناء فتفسخت وضاعت , لكن أنباء الاكتشاف انتشرت سريعا , وفي عام 1912 أرسل متحف الانتروبولجي (علم الإنسان) في جامعة كاليفورنيا أحد موظفيه لينقذ ما يستطيع إنقاذه من البقايا والجثث التي تم العثور عليها في الكهف , لكن عمل هذا الموظف كان رديئا جدا ولم يستطع إنقاذ أي شيء .
|
صور الجماجم التي كانت معروضة في المتحف ..
|
بعد سنوات أرسلت بعثة أخرى , وتلتها بعثات , وتم الكشف عن آلاف القطع القديمة التي يعود بعضها إلى 2000 عام قبل الميلاد , ومن بين ما عثر عليه هو جماجم عملاقة أرسلت إلى متحف هومبولت في بلدة ينيموكا في نيفادا حيث وضعت في قبو المتحف وكانت تعرض بشكل محدود لبعض الزوار فقط . صور هذه الجماجم موجودة على النت , ويقول البعض بأن حجمها دليل على أن أصحابها كانوا بطول ثلاثة أمتار وأكثر . في حين أن المتحف وفي صفحته الرسمية على الانترنت – تجدها ضمن المصادر – يقول بأن حجم الجماجم طبيعي لكنها ذات سمات تتصف بالقوة والصلابة .
وبغض النظر عما يقوله المتحف , فمع ازدياد الاهتمام بهذه الجماجم مؤخرا اتخذت إدارة المتحف خطوة مريبة ومحيرة حيث قامت برفع الجماجم من العرض ومنعت رؤيتها تماما . الإشاعات تقول بأن رفع الجماجم من العرض سبقه قدوم رجال غامضين يستقلون سيارات سوداء مظللة , كان من الواضح أنهم أشخاص مهمين ذوو نفوذ , ويقال بأنهم ضغطوا على أدارة المتحف لكي ترفع الجماجم من العرض , وهناك من يزعم أنهم اجبروا المتحف على تدمير الجماجم . أما أدارة المتحف فتقول عبر صفحتها الرسمية الموجودة على الانترنت بأنها حجبت الجماجم بناء على طلب من جمعيات السكان الأصليين (الهنود الحمر) التي اعتبرت أن عرض الجماجم هو بمثابة تدنيس لحرمة أجدادهم .