كنزالعلوم الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدردشة

 

 الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة   الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة I_icon_minitimeالأحد أغسطس 23, 2015 3:39 pm

الباب الثالث

المُعرّف وتلحق به القسمة
 
المقدمة:
في مطلب ما وأي وهل ولم

إذا اعترضتك لفظة من أية لغة كانت، فهنا خمس مراحل متوالية، لابد لك من اجتيازها لتحصيل المعرفة، في بعضها يطلب العلم التصوري، وفي بعضها الآخر العلم التصديقي.
(المرحلة الأولى) تطلب فيها تصور معنى اللفظ تصوراً إجمالياً، فتسأل عنه سؤالاً لغوياً صرفاً، إذا لم تكن تدري لأي معنى من المعاني قد وضع. والجواب يقع بلفظ آخر يدل على ذلك المعنى، كما إذا سألت عن معنى لفظ (غضنفر)، فيجاب: أسد. وعن معنى (سُميدع)، فيجاب: سيد... وهكذا. ويسمى مثل هذا الجواب (التعريف اللفظي). وقواميس اللغات هي المتعهدة بالتعاريف اللفظية.
وإذا تصورت معنى اللفظ اجمالاً، فزعت نفسك إلى:
(المرحلة الثانية)، إذ تطلب تصور ماهية المعنى، أي تطلب تفصيل ما دل عليه الاسم اجمالا. لتمييزه عن غيره في الذهن تمييزاً تاماً، فتسأل عنه بكلمة (ما) فتقول: (..... ما هو؟).
وهذه (ما) تسمى (الشارحة)، لأنها يسأل بها عن شرح معنى اللفظ. والجواب عنه يسمى (شرح الاسم) وبتعبير آخر (التعريف الاسمي). والأصل في الجواب أن يقع بجنس المعنى وفصله القريبين معاً، ويسمى (الحد التام الاسمي). ويصح أن يجاب بالفصل وحده أو بالخاصة وحدها، أو بأحدهما منضماً إلى الجنس البعيد، أو بالخاصة منضمة إلى الجنس القريب. وتسمى هذه الأجوبة تارة بالحد الناقص وأخرى بالرسم الناقص أو التام، ولكنها توصف جميعاً بالاسمي. وسيأتيك تفصيل هذه الاصطلاحات.
ولو فرض ان المسؤول أجاب خطأ بالجنس القريب وحده، كما لو قال (شجرة) في جواب (ما النخلة) ـ فان السائل لا يقنع بهذا الجواب، وتتوجه نفسه إلى السؤال عن مميزاتها عن غيرها، فيقول: (أية شجرة هي في ذاتها) أو (أية شجرة هي في خاصتها)، فيقع الجواب عن الأول بالفصل وحده فيقول: (مثمرة التمر)، وعن الثاني بالخاصة فيقول: (ذات السعف) مثلاً.
وهذا هو موقع السؤال بكلمة (أي). وجوابها الفصل أو الخاصة.
ـ وإذا حصل لك العلم بشرح المعنى تفزع نفسك إلى:
(المرحلة الثالثة): وهي طلب التصديق: بوجود الشيء، فتسأل عنه بـ (هل) وتسمى (هل البسيطة)، فتقول: هل وجد كذا، أو هل هو موجود.
(ما) الحقيقية:
تنبيه ـ ان هاتين المرحلتين الثانية والثالثة يتعاقبان في التقدم والتأخر، فقد تتقدم الثانية، على حسب ما رتبناهما وهو الترتيب الذي يقتضيه الطبع، وقد تتقدم الثالثة، وذلك عندما يكون السائل من أول الأمر عالماً بوجود الشيء المسئول عنه، أو أنه على خلاف الطبع قدم السؤال عن وجوده فأجيب.
وحينئذٍ اذا كان عالماً بوجود الشيء قبل العلم بتفصيل ما أجمله اللفظ الدال عليه، ثم سأل عنه بـ (ما)، فإن ما هذه تسمى (الحقيقية). والجواب عنها نفس الجواب عن (ما الشارحة)، بلا فرق بينهما إلا من جهة تقدم الشارحة على العلم بوجوده وتأخر الحقيقية عنه.
وانما سميت حقيقية، لأن السؤال بها عن الحقيقة الثابتة ـ والحقيقة باصطلاح المناطقة هي الماهية الموجودة ـ والجواب عنها يسمى (تعريفاً حقيقياً) وهو نفسه الذي كان يسمى (تعريفاً اسمياً) قبل العلم بالوجود ولذا قالوا:
«الحدود قبل الهليات البسيطة حدود اسمية وهي بأعيانها بعد الهليات تنقلب حدوداً حقيقية».
ـ وإذا حصلت لك هذه المراحل انتقلت بالطبع إلى:
(المرحلة الرابعة): وهي طلب التصديق بثبوت صفة أو حال للشيء، ويسأل عنه بـ (هل) أيضاً، ولكن تسمى هذه (هل المركبة)، لأنه يسأل بها عن ثبوت شيء لشيء بعد فرض وجوده، والبسيطة يسأل بها عن ثبوت الشيء فقط، فيقال للسؤال بالبسيطة مثلاً: هل الله موجود. وللسؤال بالمركبة بعد ذلك: هل الله الموجود مريد.
فإذا أجابك المسؤول عن هل البسيطة أو المركبة تنزع نفسك إلى:
(المرحلة الخامسة): وهي طلب العلة: أما علة الحكم فقط أي البرهان على ما حكم به المسؤول في الجواب عن هل أو علة الحكم وعلة الوجود معاً، لتعرف السبب في حصول ذلك الشيء واقعاً. ويسأل لأجل كل من الغرضين بكلمة (لِمَ)الاستفهامية، فتقول لطلب علة الحكم مثلاً: (لِمَ كان الله مريداً). وتقول مثلاً لطلب علة الحكم وعلة الوجود معاً: (لِمَ كان المغناطيس جاذباً للحديد؟)، كما لو كنت قد سألت هل المغناطيس جاذب للحديد؟ فأجاب المسؤول بنعم، فان حقك أن تسأل ثانياً عن العلة فتقول (لِمَ).
تلخيص وتعقيب
ظهر مما تقدم أن:
(ما) لطلب تصور ماهية الشيء. وتنقسم إلى الشارحة والحقيقية. ويشتق منها مصدر صناعي، فيقال: (مائية). ومعناه الجواب عن ما. كما ان (ماهية) مصدر صناعي من (ما هو).
و(أي) لطلب تمييز الشيء عما يشاركه في الجنس تمييزاً ذاتياً أو عرضياً، بعد العلم بجنسه.
و(هل) تنقسم إلى «بسيطة» ويطلب بها التصديق بوجود الشيء أو عدمه، و«مركبة» ويطلب بها التصديق بثبوت شيء لشيء أو عدمه، ويشتق منها مصدر صناعي، فيقال: (الهلية) البسيطة أو المركبة.
و(لِمَ) يطلب بها تارة علة التصديق فقط، وأخرى علة التصديق والوجود معاً. ويشتق منها م صدر صناعي، فيقال (لَميَّة) بتشديد الميم والياء. مثل (كمية) من (كم) الاستفهامية. فمعنى لميَّة الشيء: عليّته.
فروع المطالب
ما تقدم هي أصول المطالب التي يسأل عنها بتلك الأدوات، وهي المطالب الكلية التي يبحث عنها في جميع العلوم. وهناك مطالب أخرى يسأل عنها بكيف وأين ومتى وكم ومن. وهي مطالب جزئية أي أنها ليست من أمهات المسائل بالقياس إلى المطالب الأولى لعدم عموم فائدتها، فإن ما لا كيفية له مثلاً لا يسأل عنه بكيف، وما لا مكان له أو زمان لا يسأل عنه بأين ومتى. على أنه يجوز أن يستغني عنها غالباً بمطلب هل المركبة، فبدلاً عن أن تقول مثلاً: (كيف لون ورق الكتاب؟ وأين هو؟ ومتى طبع؟..) تقول: (هل ورق الكتابَ أبيض؟ وهل هو في المكتبة؟ وهل طبع هذا العام؟..) وهكذا. ولذا وصفوا هذه المطالب بالفروع، وتلك بالأصول.
التعريف  

تمهيد:
كثيراً ما تقع المنازعات في المسائل العلمية وغيرها حتى السياسية لأجل الاجمال في مفاهيم الألفاظ التي يستعملونها، فيضطرب حبل التفاهم، لعدم اتفاق المتنازعين على حدود معنى اللفظ، فيذهب كل فرد منهم إلى ما يختلج في خاطره من المعنى. وقد لا تكون لأحدهم صورة واضحة للمعنى مرسومة بالضبط في لوحة ذهنه، فيقنع ـ لتساهله أو لقصور مداركه ـ بالصورة المطموسة المضطربة، ويبني عليها منطقه المزيف.
وقد يتبع الجدليون والساسة ـ عن عمد وحيلة ـ ألفاظاً خلابة غير محدودة المعنى بحدود واضحة، يستغلون جمالها وابهامها للتأثير على الجمهور، وليتركوا كل واحد يفكر فيها بما شاءت له خواطره الخاطئة أو الصحيحة، فيبقى معنى الكلمة بين أفكار الناس كالبحر المضطرب. ولهذا تأثير سحري عجيب في الأفكار.
ومن هذه الألفاظ كلمة (الحرية) التي أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية، وأحداث الانقلابات الجبارة في الدولة العثمانية والفارسية، والتأثير كله لإجمالها وجمالها السطحي الفاتن، وإلا فلا يستطيع العلم أن يحدها بحد معقول يتفق عليه.
ومثلها كلمة (الوطن) الخلابة التي استغلها ساسة الغرب لتمزيق بعض الدول الكبرى كالدولة العثمانية. وربما يتعذر على الباحث أن يعرف اثنين كانا يتفقان على م عنى واحد واضح كل الاتفاق يوم ظهور هذه الكلمة في قاموس النهضة الحديثة: فما هي مميزات الوطن؟ أهي اللغة أم لهجتها أم اللباس أم مساحة الأرض أم اسم القطر والبلد؟ بل كل هذا غير مفهوم حتى الآن على وجه تتفق عليه جميع الناس والأمم. ومع ذلك نجد كل واحد منا في البلاد العربية يدافع عن وطنه، فلماذا لا تكون البلاد العربية أو البلاد الإسلامية كلها وطناً واحداً؟
فمن الواجب على من أراد الاشتغال بالحقائق ـ لئلا يرتطم هو والمشتغل معه في المشاكل ـ أن يفرغ مفردات مقاصده في قالب سهل من التحديد والشرح، فيحفظ ما يدور في خلده من المعنى في آنية من الألفاظ وافية به لا تفيض عليها جوانبها، لينقله إلى ذهن السامع أو القارئ كما كان مخزوناً في ذهنه بالضبط. وعلى هذا الأساس المتين يبنى التفكير السليم.
ولأجل أن يتغلب الانسان على قلمه ولسانه وتفكيره لابدّ له من معرفة أقسام التعريف وشروطه وأصوله وقواعده، ليستطيع أن يحتفظ في ذهنه بالصور الواضحة للأشياء أولاً، وأن ينقلها إلى أفكار غيره صحيحة ثانياً... فهذه حاجتنا لمباحث التعريف.
أقسام التعريف
التعريف: حد ورسم.
الحد والرسم: تام وناقص.
سبق ان ذكرنا (التعريف اللفظي). ولا يهمنا البحث عنه في هذا العلم، لأنه لا ينفع إلا لمعرفة وضع اللفظ لمعناه، فلا يستحق اسم التعريف إلا من باب المجاز والتوسع. وانما غرض المنطقي من (التعريف) هو المعلوم التصوري الموصل إلى مجهول تصوري الواقع جواباً عن (ما) الشارحة أو الحقيقية. ويقسم إلى حد ورسم، وكل منهما إلى تام وناقص.
1- الحد التام
وهو التعريف بجميع ذاتيات المعرَّف (بالفتح)، ويقع بالجنس والفصل القريبين لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرف، فإذا قيل: ما الانسان؟
فيجوز أن تجيب - أول - بأنه: (حيوان ناطق). وهذا حد تام فيه تفصيل ما أجمله اسم الانسان، ويشتمل على جميع ذاتياته، لأن مفهوم الحيوان ينطوي فيه الجوهر والجسم النامي والحساس المتحرك بالارادة. وكل هذه أجزاء وذاتيات للانسان.
ويجوز أن تجيب - ثاني - بأنه: (جسم نام حساس متحرك بالارادة، ناطق). وهذا حد تام أيضاً للانسان عين الأول في المفهوم إلا انه أكثر تفصيلاً، لأنك وضعت مكان كلمة (حيوان) حده التام. وهذا تطويل وفضول لا حاجة إليه، إلا إذا كانت ماهية الحيوان مجهولة للسائل، فيجب.
وهكذا إذا كان الجوهر مجهولاً تضع مكانه حده التام ـ إن وجد ـ حتى ينتهي الأمر إلى المفاهيم البديهية الغنية عن التعريف كمفهوم الموجود والشيء.... وقد ظهر من هذا البيان:
أولاً- ان الجنس والفصل القريبين تنطوي فيهما جميع ذاتيات المعرف لا يشذ منها جزء أبداً، ولذا سمي الحد بهما (تاماً).
وثانياً- ان لا فرق في المفهوم بين الحدود التامة المطولة والمختصرة إلا ان المطولة أكثر تفصيلاً. فيكون التعريف بها واجباً تارة وفضولاً أخرى.
وثالثاً- ان الحد التام يساوي المحدود في المفهوم، كالمترادفين، فيقوم مقام الاسم بأن يفيد فائدته، ويدل على ما يدل عليه الاسم اجمالاً.
ورابعاً- ان الحد التام يدل على المحدود بالمطابقة.
2- الحد الناقص
وهو التعريف ببعض ذاتيات المعرَّف (بالفتح)، ولا بد أن يشتمل على الفصل القريب على الأقل. ولذا سمي (ناقصاً). وهو يقع تارة بالجنس البعيد والفصل القريب، وأخرى بالفصل وحده.
مثال الأول – تقول لتحديد الانسان: (جسم نام... ناطق)، فقد نقصت من الحد التام المذكور في الجواب الثاني المتقدم صفة (حساس متحرك بالارادة) وهي فصل الحيوان، وقد وقع النقص مكان النقط بين جسم نام، وبين ناطق، فلم يكمل فيه مفهوم الانسان.
ومثال الثاني – تقول لتحديد الانسان أيضاً: (... ناطق) فقد نقصت من الحد التام الجنس القريب كله. فهو أكثر نقصاناً من الأول كما ترى... وقد ظهر من هذا البيان:
أولاً- إن الحد الناقص لا يساوي المحدود في المفهوم، لأنه يشتمل على بعض أجزاء مفهومه. ولكنه يساويه في المصداق.
وثانياً- إن الحد الناقص لا يعطي للنفس صورة ذهنية كاملة للمحدود مطابقة له، كما كان الحد التام، فلا يكون تصوره تصوراً للمحدود بحقيقته، بل أكثر ما يفيد تمييزه عن جميع ما عداه تمييزاً ذاتياً فحسب.
وثالثاً- انه لا يدل على المحدود بالمطابقة، بل بالالتزام، لأنه من باب دلالة الجزء المختص على الكل.
3- الرسم التام
وهو التعريف بالجنس والخاصة، كتعريف الانسان بانه (حيوان ضاحك) فاشتمل على الذاتي والعرضي. ولذا سمي (تاماً).
4- الرسم الناقص
وهو التعريف بالخاصة وحدها كتعريف الانسان بأنه (ضاحك) فاشتمل على العرضي فقط، فكان (ناقصاً).
وقيل: إن التعريف بالجنس البعيد والخاصة معدود من الرسم الناقص فيختص التام بالمؤلف من الجنس القريب والخاصة فقط.
ولا يخفى ان الرسم مطلقاً كالحد الناقص لا يفيد إلا تمييز المعرَّف (بالفتح) عن جميع ما عداه فحسب، إلا انه يميزه تمييزاً عرضياً. ولا يساويه إلا في المصداق لا في المفهوم. ولا يدل عليه إلا بالالتزام. كل هذا ظاهر مما قدمناه.
انارة

ان الأصل في التعريف هو الحد التام، لأن المقصود الأصلي من التعريف أمران: (الأول) تصور المعرّف (بالفتح) بحقيقته لتتكون له في النفس صورة تفصيلية واضحة. و(الثاني) تمييزه في الذهن عن غيره تمييزاً تاماً. ولا يؤدّى هذان الأمران إلا بالحد التام. وإذ يتعذر الأمر الأول يكتفي بالثاني. ويتكفل به الحد الناقص والرسم بقسميه. وإلاّ قدم تمييزه تمييزاً ذاتياً ويؤدى ذلك بالحد الناقص فهو أولى من الرسم. والرسم التام أولى من الناقص.
إلا ان المعروف عند العلماء ان الاطلاع على حقائق الأشياء وفصولها من الأمور المستحيلة أو المتعذرة. وكل ما يذكر من الفصول فانما هي خواص لازمة تكشف عن الفصول الحقيقية. فالتعاريف الموجودة بين أيدينا أكثرها أو كلها رسوم تشبه الحدود.
فعلى من أراد التعريف أن يختار الخاصة اللازمة البينة بالمعنى الأخص، لأنها أدل على حقيقة المعرف وأشبه بالفصل. وهذا أنفع الرسوم في تعريف الأشياء. وبعده في المنزلة التعريف بالخاصة اللازمة البينة بالمعنى الأعم. أما التعريف بالخاصة الخفية غير البينة فانها لا تفيد تعريف الشيء لكل أحد، فإذا عرفنا المثلث بانه (شكل زواياه تساوي قائمتين) فانك لم تعرفه إلا للهندسي المستغني عنه.
التعريف بالمثال
والطريقة الاستقرائية
كثيراً ما نجد العلماء ـ لا سيما علماء الأدب ـ يستعينون على تعريف الشيء بذكر أحد أفراده ومصاديقه مثالاً له. وهذا ما نسميه (التعريف بالمثال) وهو أقرب إلى ع قول المبتدئين في فهم الأشياء وتمييزها.
ومن نوع التعريف بالمثال (الطريقة الاستقرائية) المعروفة في هذا العصر التي يدعو لها علماء التربية، لتفهيم الناشئة وترسيخ القواعد والمعاني الكلية في أفكارهم.
وهي: أن يكثر المؤلف أو المدرس ـ قبل بيان التعريف أو القاعدة ـ من ذكر الأمثلة والتمرينات، ليستنبط الطالب بنفسه المفهوم الكلي أو القاعدة. وبعدئذ تعطى له النتيجة بعبارة واضحة ليطابق بين ما يستنبط هو، وبين ما يعطى له بالأخير من نتيجة.
والتعريف بالمثال ليس قسماً خامساً للتعريف، بل هو من التعريف بالخاصة، لأن المثال مما يختص بذلك المفهوم، فيرجع إلى (الرسم الناقص). وعليه يجوز أن يكتفى به في التعريف من دون ذكر التعريف المستنبط، إذا كان المثال وافياً بخصوصيات الممثل له.
التعريف بالتشبيه
مما يلحق بالتعريف بالمثال ويدخل في الرسم الناقص أيضاً (التعريف بالتشبيه). وهو أن يشبه الشيء المقصود تعريفه بشيء آخر لجهة شبه بينهما، على شرط أن يكون المشبه به معلوماً عند المخاطب بأن له جهة الشبه هذه.
ومثاله تشبيه الوجود بالنور، وجهة الشبه بينهما ان كلاً منهما ظاهر بنفسه مظهر لغيره.
وهذا النوع من التعريف ينفع كثيراً في المعقولات الصرفة، عندما يراد تقريبها إلى الطالب بتشبيهها بالمحسوسات، لأن المحسوسات إلى الأذهان أقرب ولتصورها آلف. وقد سبق منا تشبيه كل من النسب الأربع بأمر محسوس تقريباً لها، فمن ذلك تشبيه المتباينين بالخطين المتوازيين لأنهما لا يلتقيان أبداً. ومن هذا الباب المثال المتقدم وهو تشبيه الوجود بالنور، ومنه تشبيه التصور الآلي (كتصور اللفظ آلة لتصور المعنى) بالنظر إلى المرآة بقصد النظر إلى الصورة المنطبعة فيها.
شروط التعريف
الغرض من التعريف ـ على ما قدمنا ـ تفهيم مفهوم المعرَّف (بالفتح) وتمييزه عما عداه. ولا يحصل هذا الغرض إلا بشروط خمسة:
الأول ـ أن يكون المعرَّف (بالكسر) مساوياً للمعرف (بالفتح) في الصدق، أي يجب أن يكون المعرِّف (بالكسر) مانعاً جامعاً. وإن شئت قلت (مطرداً منعكساً).
ومع مانع أو مطرد انه لا يشمل إلا أفراد المعرَّف (بالفتح)، فيمنع من دخول أفراد غيره فيه. ومعنى جامع أو منعكس انه يشمل جميع أفراد المعرَّف (بالفتح) لا يشذ منها فرد واحد.
فعلى هذا لا يجوز التعريف بالأمور الآتية:
1- بالأعم: لأن الأعم لا يكون مانعاً، كتعريف الإنسان بأنه حيوان يمشي على رجلين، فان جملة من الحيوانات تمشي على رجلين.
2- بالأخص: لأن الأخص لا يكون جامعاً، كتعريف الإنسان بانه حيوان متعلم، فانه ليس كلما صدق عليه الانسان هو متعلم.
3- بالمباين: لان المتباينين لا يصح حمل أحدهما على الآخر، ولا يتصادقان أبداً.
الثاني أن يكون المعرِّف (بالكسر) أجلى مفهوماً وأعرف عند المخاطب من المعرَّف (بالفتح). وإلا فلا يتم الغرض من شرح مفهومه، فلا يجوز ـ على هذا ـ التعريف بالأمرين الآتيين:
1- بالمساوي في الظهور والخفاء، كتعريف الفرد بأنه عدد ينقص عن الزوج بواحد، فان الزوج ليس أوضح من الفرد ولا أخفى، بل هما متساويان في المعرفة. كتعريف أحد المتضايفين بالآخر، وأنت انما تتعقلهما معاً، كتعريف الأب بانه والد الابن. وكتعريف الفوق بأنه ليس بتحت...
2- بالأخفى معرفة، كتعريف النور بأنه قوة تشبه الوجود.
الثالث ـ ألا يكون المعرِّف (بالكسر) عين المعرَّف (بالفتح) في المفهوم، كتعريف الحركة بالانتقال والانسان بالبشر تعريفاً حقيقياً غير لفظي، بل يجب تغايرهما أما بالاجمال والتفصيل كما في الحد التام أو بالمفهوم كما في التعريف بغيره.
ولو صح التعريف بعين المعرَّف لوجب أن يكون معلوماً قبل أن يكون معلوماً، وللزم أن يتوقف الشيء على نفسه. وهذا محال. ويسمون مثل هذا نتيجة الدور الذي سيأتي بيانه.
الرابع ـ أن يكون خالياً من الدور. وصورة الدور في التعريف: أن يكون المعرِّف (بالكسر) مجهولاً في نفسه، ولا يعرف الا بالمعرَّف (بالفتح)، فبينما ان المقصود من التعريف هو تفهيم المعرَّف (بالفتح) بواسطة المعرِّف (بالكسر)، وإذا بالمعرِّف(بالكسر) في الوقت نفسه انما يفهم بواسطة المعرَّف (بالفتح)، فينقلب المعرَّف (بالفتح) معرِّفاً (بالكسر).
وهذا محال، لأنه يؤول إلى أن يكون الشيء معلوماً قبل أن يكون معلوماً، أو إلى أن يتوقف الشيء على نفسه.
والدور يقع تارة بمرتبة واحدة ويسمى (دوراً مصرحاً)، ويقع أخرى بمرتبتين أو أكثر ويسمى (دوراً مضمراً).
1- (الدور المصرح) مثل: تعريف الشمس بانها (كوكب يطلع في النهار). والنهار لا يعرف إلا بالشمس إذ يقال في تعريفه: (النهار: زمان تطلع فيه الشمس). فتوقفت معرفة الشمس على معرفة النهار، ومعرفة النهار حسب الفرض متوقفة على معرفة الشمس. والمتوقف على المتوقف على شيء متوقف على ذلك الشيء، فينتهي الأمر بالأخير إلى أن تكون معرفة الشمس متوقفة على معرفة الشمس.
2- (الدور المضمر) مثل: تعريف الاثنين بانهما زوج أول. والزوج يعرف بأنه منقسم بمتساويين. والمتساويان يعرفان بأنهما شيئان أحدهما يطابق الآخر. والشيئان يعرفان بأنهما اثنان. فرجع الأمر بالأخير إلى تعريف الاثنين بالاثنين.
وهذا دور مضمر في ثلاث مراتب، لأن تعدد المراتب باعتبار تعدد الوسائط حتى تنتهي الدورة إلى نفس المعرَّف (بالفتح) الأول. والوسائط في هذا المثال ثلاث: الزوج، المتساويان، الشيئان.
ويمكن وضع الدور في المثال على صورة الدائرة في هذا الشكل:
_ والسهام فيها تتجه دائماً
إلى المعرَّفات (بالكسر) ـ
الخامس أن تكون الألفاظ المستعملة في التعريف ناصعة واضحة لا ابهام فيها، فلا يصح استعمال الألفاظ الوحشية والغربية، ولا الغامضة، ولا المشتركة والمجازات بدون القرينة، أما مع القرينة فلا بأس كما قدمت ذلك في بحث المشترك والمجاز. وإن كان يحس ـ علي كل حال ـ اجتناب المجاز في التعاريف والأساليب العلمية.
القسمة(*)   
 
تعريفها:
قسمة الشيء: تجزئته وتفريقه إلى أمور متباينة. وهي من المعاني البديهية الغنية عن التعريف، وما ذكرناه فانما هو تعريف لفظي ليس إلا. ويسمى الشَّيء (مقسَّماً)، وكل واحد من الأمور التي انقسم إليها (قسماً)، تارة بالقياس إلى نفس المقسم، و(قسيماً) أخرى بالقياس إلى غيره من الأقسام. فإذا قسمنا العلم إلى ت صور وتصديق مثلاً، فالعلم مقسم، والتصور قسم من العلم وقسيم للتصديق. وهكذا التصديق قسم وقسيم.
فائدتها:
تأسست حياة الانسان كلها على القسمة، وهي من الأمور الفطرية التي نشأت معه على الأرض: فإن أول شيء يصنعه تقسيم الأشياء إلى سماوية وأرضية، والموجودات الأرضية إلى حيوانات وأشجار وأنهار وأحجار وجبال ورمال وغيرها. وهكذا يقسم ويقسم ويميز معنى عن معنى ونوعاً عن نوع. حتى تحصل له مجموعة من المعاني والمفاهيم... وما زال البشر على البشر حتى استطاع أن يضع لكل واحد من المعاني التي توصل إليها في التقسيم لفظاً من الألفاظ. ولولا القسمة لما تكثرت عنده المعاني ولا الألفاظ.
ثم استعان بالعلوم والفنون على تدقيق تلك الأنواع، وتمييزها تمييزاً ذاتياً. ولا يزال العلم عند الانسان يكشف له كثيراً من الخطأ في تقسيماته وتنويعاته، فيعدِّلها.
ويكشف له أنواعاً لم يكن قد عرفها في الموجودات الطبيعية، أو الأمور التي يخترعها منها ويؤلفها، أو مسائل العلوم والفنون.
وسيأتي كيف نستعين بالقسمة على تحصيل الحدود والرسوم وكسبها، بل كل حد انما هو مؤسس من أول الأمر على القسمة. وهذا أهم فوائد القسمة.
وتنفع القسمة في تدوين العلوم والفنون، لتجعلها أبواباً وفصولاً ومسائل متميزة، ليستطيع الباحث أن يلحق ما يعرض عليه من القضايا في بابها، بل العلم لا يكون علماً ذا أبواب ومسائل وأحكام إلا بالقسمة: فمدون علم النحو ـ مثلاً ـ لابد أن يقسم الكلمة أولاً، ثم يقسم الاسم مثلاً إلى نكرة ومعرفة، والمعرفة إلى أقسامها، ويقسم الفعل إلى ماض ومضارع وأمر، وكذلك الحرف وأقسام كل واحد منها، ويذكر لكل قسم حكمه المختص به... وهكذا في جميع العلوم.
والتاجر ـ أيضاً ـ يلتجئ إلى القسمة في تسجيل دفتره وتصنيف أمواله، ليسهل عليه استخراج حساباته ومعرفة ربحه وخسارته. وكذلك باني البيت، ومركب الأدوات الدقيقة يستعين على اتقان عمله بالقسمة. والناس من القديم قسموا الزمن إلى قرون وسنين وأشهر وأيام وساعات ودقائق لينتفعوا بأوقاتهم ويعرفوا أعمارهم وتاريخهم.
وصاحب المكتبة تنفعه قسمتها حسب العلوم أو المؤلفين، ليدخل أي كتاب جديد يأتيه في بابه، وليستخرج بسهولة أي كتاب يشاء. وبواسطة القسمة استعان علماء التربية على توجيه طلاب العلوم، فقسموا المدارس إلى ابتدائية وثانوية وعالية، ثم كل مدرسة إلى صفوف، ليضعوا لكل صف ومدرسة منهاجاً يناسبه من التعليم.
وهكذا تدخل القسمة في كل شأن من شؤون حياتنا العلمية والاعتيادية، ولا يستغني عنها انسان. ومهمتنا منها هنا أن نعرف كيف نستعين بها على تحصيل الحدود والرسوم.
(هامش)
(*) القسمة من المباحث التي عني بها المناطقة في العصر الحديث، وظن أنها من المباحث التي تفتق عنها الفكر الغربي. غير أن فلاسفة اﻹٍسلام سبقوا إلى التنبيه عليها، وقد ذكرها الشيخ الطوسي العظيم في منطق التجريد لتحصيل الحدود واكتسابها، وأوضحها العلامة الحلي في شرحه (الجوهر النضيد).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
ابومحمدالحسن
مدير المنتدى
مدير المنتدى
ابومحمدالحسن


عدد المساهمات : 870
تاريخ التسجيل : 22/09/2010

الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة   الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة I_icon_minitimeالأحد أغسطس 23, 2015 3:53 pm

أصول القسمة
1- لابد من ثمرة:
لا تحسن القسمة إلا إذا كان للتقسيم ثمرة نافعة في غرض المقسِم، بأن تختلف الأقسام في المميزات والأحكام المقصودة في موضع القسمة: فإذا قسم النحوي الفعل إلى أقسامه الثلاثة فلان لكل قسم حكماً يختص به. أما إذا أراد أن يقسم الفعل الماضي إلى مضموم العين ومفتوحها ومكسورها، فلا يحسن منه ذلك، لأن الأقسام كلها لها حكم واحد في علم النحو هو البناء، فيكون التقسيم عبثاً ولغواً، بخلاف مدون علم الصرف فانه يصح له مثل هذا التقسيم لانتفاعه به في غرضه من تصريف الكلمة.
وإذا لم نقسم نحن الدلالتين العقلية والطبعية في الباب الأول إلى لفظية وغير لفظية، لأنه لا ثمرة ترجى من هذا التقسيم في غرض المنطقي، كما أشرنا إلى ذلك هناك في التعليقة.
2- لابد من تباين الأقسام:
ولا تصح القسمة إلا إذا كانت الأقسام متباينة غير متداخلة، لا يصدق أحدها على ما صدق عليه الآخر، ويشير إلى هذا الأصل تعريف القسمة نفسه: فإذا قسمت المنصوب من الأسماء إلى: مفعول، وحال، وتمييز، وظرف، فهذا التقسيم باطل، لأن الظرف من أقسام المفعول فلا يكون قسيماً له. ومثل هذا ما يقولون عنه: «يلزم منه أن يكون قسم الشيء قسيماً له». وبطلانه من البديهيات.
ومثل هذا لو قسمنا سكان العراق إلى علماء وجهلاء وأغنياء وفقراء ومرضى وأصحاء. ويقع مثل هذا التقسيم كثيراً لغير المنطقيين الغافلين ممن يرسل الكلام على عواهنه ولكنه لا ينطبق على هذا الأصل الذي قررناه، لأن الأغنياء والفقراء لابد أن يكونوا علماء أو جهلاء، مرضى أو أصحاء، فلا يصح ادخالهم مرة ثانية في قسم آخر. وفي المثال ثلاث قسمات جمعت في قسمة واحدة. والأصل في مثل هذا أن تقسم السكان أولاً إلى علماء وجهلاء، ثم كل منهما إلى أغنياء وفقراء، فتحدث أربعة أقسام، ثم كل من الأربعة إلى مرضى وأصحاء، فتكون الأقسام ثمانية: علماء أغنياء مرضى، علماء أغنياء أصحاء... إلى آخره. فتفطَّن لما يرد عليك من القسمة، لئلا تقع في مثل هذه الغلطات.
ويتفرع على هذا الأصل أمور:
1- انه لا يجوز أن تجعل قسم الشيء قسيماً له ـ كما تقدم ـ مثل أن تجعل الظرف قسيماً للمفعول.
2- ولا يجوز أن تجعل قسيم الشيء قسماً منه، مثل أن تجعل الحال قسماً من المفعول.
3- ولا يجوز أن تقسم الشيء إلى نفسه وغيره.
وقد زعم بعضهم ان تقسيم العلم إلى التصور والتصديق من هذا الباب، لما رأى أنهم يفسرون العلم بالتصور المطلق، ولم يتفطن إلى معنى التصديق مع انه تصور أيضاً ولكنه تصور مقيد بالحكم كما ان قسيمه خصوص التصور الساذج المقيد بعدم الحكم. كما شرحناه سابقاً. أما المقسم لهما فهو التصور المطلق الذي هو نفس العلم.
3- أساس القسمة:
ويجب أن تؤسس القسمة على أساس واحد، أي يجب أن يلاحظ في المقسم جهة واحدة، وباعتبارها يكون التقسيم، فإذا قسمنا كتب المكتبة فلابد أن نؤسس تقسيمها إما على أساس العلوم والفنون أو على أسماء المؤلفين أو على أسماء الكتب. أما إذا خلطنا بينها فالأقسام تتداخل ويختل نظام الكتب، مثل ما إذا خلطنا بين أسماء الكتب والمؤلفين، فنلاحظ في حرف الألف مثلاً تارة اسم الكتاب وأخرى اسم المؤلف، بينما ان كتابه قد يدخل في حرف آخر.
والشيء الواحد قد يكون مقسماً لعدة تقسيمات باعتبار اختلاف الجهة المعتبرة أي (أساس القسمة)، كما قسمنا اللفظ مرة إلى مختص وغيره وأخرى إلى مترادف ومتباين وثالثة إلى مفرد ومركب، وكما قسمنا الفصل إلى قريب وبعيد مرة وإلى مقوم ومقسم أخرى... ومثله كثير في العلوم وغيرها.
4- جامعة مانعة:
ويجب في القسمة أن يكون مجموع اﻷقسام مساوياً للمقسم فتكون جامعة مانعة: جامعة لجميع ما يمكن أن يدخل فيه من اﻷقسام أي حاصرة لها لا يشذ منها شيء، مانعة عن دخول غير أقسامه فيه.
 
أنواع القسمة
للقسمة نوعان أساسيان.
1- قسمة الكل إلى أجزائه، أو (القسمة الطبيعية).
كقسمة الانسان إلى جزئيه: الحيوان والناطق، بحسب التحليل العقلي، إذ يحلل العقل مفهوم الانسان إلى مفهومين: مفهوم الجنس الذي يشترك معه به غيره، ومفهوم الفصل الذي يختص به ويكون به الانسان انساناً. وسيأتي معنى التحليل العقلي مفصلا. وتسمى حينئذٍ أجزاء عقلية.
وكقسمة الماء إلى عنصرين: الاوكسجين والهيدروجين، بحسب التحليل الطبيعي. ومن هذا الباب قسمة كل موجود إلى عناصره اﻷولية البسيطة، وتسمى اﻷجزاء طبيعية أو عنصرية.
وكقسمة الحبر إلى ماء ومادة ملونة مثلاً، والورق إلى قطن ونوره، والزجاج إلى رمل وثاني اكسيد السلكون. وذلك بحسب التحليل الصناعي في مقابل التركيب الصناعي. واﻷجزاء تسمى أجزاء صناعية.
وكقسمة المتر إلى أجزائه بحسب التحليل الخارجي إلى اﻷجزاء المتشابهة أو كقسمة السرير إلى الخشب والمسامير بحسب التحليل الخارجي إلى اﻷجزاء غير المتشابهة. ومثله قسمة البيت إلى اﻵجر والجص والخشب والحديد، أو إلىالغرفة والسرداب والسطح والساحة، وقسمة السيارة إلى آلاتها المركبة منها، والانسان إلى لحم ودم وعظم وجلد وأعصاب..
2- قسمة الكلي إلى جزئياته، أو (القسمة المنطقية).
كقسمة الموجود إلى مادة ومجرد عن المادة، والمادة إلى جماد ونبات وحيوان، وكقسمة المفرد إلى اسم وفعل وحرف... وهكذا. وتمتاز القسمة المنطقية عن الطبيعية ان اﻷقسام في المنطقية يجوز حملها على المقسم وحمل المقسم عليها فنقول: هذا الاسم مفرد، والمفرد اسم. ولا يجوز الحمل في الطبيعية عدا ما كانت بحسب التحليل العقلي، فلا يجوز أن تقول البيت سقف أو جدار ولا الجدار بيت.
ولابد في القسمة المنطقية من فرض جهة وحدة جامعة في المقسم تشترك فيها اﻷقسام وبسببها يصح الحمل بين المقسم واﻷقسام، كما لابد من فرض جهة افتراق في اﻷقسام على وجه يكون لكل قسم جهة تباين جهة القسم اﻵخر، وإلا لما صحت القسمة وفرض اﻷقسام. وتلك الجهة الجامعة أما أن تكون مقومة للأقسام أي داخلة في حقيقتها بأن كانت جنساً أو نوعاً وأما أن تكون خارجة عنها.
1- إذا كانت الجهة الجامعة مقومة للأقسام، فلها ثلاث صور:
أ- أن تكون جنساً، وجهات الافتراق الفصول المقومة للأقسام، كقسمة المفرد إلى الاسم والفعل والحرف... فيسمى التقسيم (تنويعاً) واﻷقسام أنواعاً.
ب- أن تكون جنساً أو نوعاً، وجهات الافتراق العوارض العامة اللاحقة للمقسم، كقسمة الاسم إلى مرفوع ومجرور، فيسمى التقسيم (تصنيفاً) واﻷقسام أصنافاً.
ج- أن تكون جنساً أو نوعاً أو صنفاً، وجهات الافتراق العوارض الشخصية اللاحقة لمصاديق المقسم، فيسمى التقسيم (تفريداً) واﻷقسام أفراداً، كقسمة الانسان إلى زيد وعمرو ومحمد وحسن... إلى آخرهم باعتبار المشخصات لكل جزئي جزئي منه.
2- إذا كانت الجهة الجامعة خارجة عن اﻷقسام، فهي كقسمة اﻷبيض إلى الثلج والقطن وغيرهما، وكقسمة الكائن الفاسد إلى معدن ونبات وحيوان، وكقسمة العالم إلى غني وفقير أو إلى شرقي وغربي... وهكذا.
أساليب القسمة
ﻷجل أن نقسم الشيء قسمة صحيحة لابد من استيفاء جميع ما له من اﻷقسام، كما تقدم في اﻷصل الرابع، بمعنى أن تكون القسمة حاصرة لجميع جزئياته أو أجزائه. ولذلك أسلوبان:
1- طريقة القسمة الثنائية:
وهي طريقة الترديد بين النفي والاثبات، والنفي والاثبات (وهما النقيضان) لا يرتفعان أي لا يكون لهما قسم ثالث ولا يجتمعان أي لا يكونان قسماً واحداً، فلا محالة تكون هذه القسمة ثنائية أي ليس أكثر من قسمين، وتكون حاصرة جامعة مانعة، كتقسيمنا للحيوان إلى ناطق وغير ناطق. وغير الناطق يدخل فيه كل ما يفرض من باقي أنواع الحيوان غير الانسان لا يشذ عنه نوع، وكتقسيمنا للطيور إلى جارحة وغير جارحة، واﻹنسان إلى عربي وغير عربي، والعالم إلى فقيه وغير فقيه... وهكذا.
ثم يمكن أن نستمر في القسمة فنقسم طرف النفي أو طرف الاثبات أو كليهما إلى طرفين اثبات ونفي، ثم هذه اﻷطراف اﻷخيرة يجوز أن تجعلها أيضاً مقسماً فتقسمها أيضاً بين الاثبات والنفي... وهكذا تذهب إلى ما شئت أن تقسم إذا كانت هناك ثمرة من التقسيم.
مثلاً إذا أردت تقسيم الكلمة، فتقول:
1- الكلمة تنقسم إلى: ما دل على الذات وغيره
2- طرف النفي (الغير) إلى: ما دل على الزمان وغيره
فتحصل لنا ثلاثة أقسام: ما دلّ على الذات وهو (الاسم)، وما دلّ على الزمان وهو (الفعل)، وما لم يدل على الذات والزمان وهو (الحرف). والتعبير المألوف عند المؤلفين أن يقال: «الكلمة إما أن تدل على الذات أو لا، واﻷول الاسم، والثاني إما أن تدل على الزمان أو لا؛ واﻷول الفعل؛ والثاني الحرف». ويمكن وضع هذه القسمة على هذا النحو:
الكلمة
ما دل على الذات غيره
ما دل على الزمان غيره
(مثال ثان) إذا أردنا تقسيم الجوهر إلى أنواعه فيمكن تقسيمه على هذا النحو:
ينقسم
1- الجوهر إلى: ما يكون قابلاً للابعاد وغيره
2- ثم طرف الاثبات (القابل) إلى: نام وغيره
3- ثم طرف النفي (غير النامي) إلى: جامدوغيره
4- ثم طرف الاثبات في التقسيم (2) إلى: حساس وغيره
وهكذا يمكن أن تستمر بالقسمة حتى تستوفي أقسام الحساس إلى جميع أنواع الحيوان. ولك أيضاً أن تقسم الجامد وغير الحساس. وقد رأيت انا قسمنا تارة طرف الاثبات وأخرى طرف النفي. ويمكن وضع هذه القسمة على هذا النحو:
الجوهر
قابل للابعاد غيره
نام غيره
حساس غيره غيره جامد غيره
صاهل غيره
ناهق غيره
وهذه القسمة الثنائية تنفع على اﻷكثر في الشيء الذي لا تنحصر أقسامه، وإن كانت مطولة، ﻷنك تستطيع بها أن تحصر كل ما يمكن أن يفرض من اﻷنواع أو اﻷصناف بكلمة (غيره)، ففي المثال اﻷخير ترى (غير الناهق) يدخل فيه جميع ما للحيوان من اﻷنواع غير الناطقة والصاهلة والناهقة، فاستطعت أن تحصر كل ما للحيوان من أنواع.
وتنفع هذه القسمة أيضاً فيما إذا أريد حصر اﻷقسام حصراً عقلياً كما يأتي، وتنفع أيضاً في تحصيل الحد والرسم. وسيأتي بيان ذلك.
2- طريقة القسمة التفصيلية:
وذلك بأن تقسم الشيء ابتداء إلى جميع أقسامه المحصورة كما لو أردت أن تقسم الكلي إلى: نوع وجنس وفصل وخاصة وعرض عام.
والقسمة التفصيلية على نوعين عقلية واستقرائية:
1- (العقلية): وهي التي يمنع العقل أن يكون لها قسم آخر، كقسمة الكلمة المتقدمة، ولا تكون القسمة عقلية إلاّ إذا بنيتها على أساس النفي والاثبات: (القسمة الثنائية) فلأجل اثبات أن القسمة التفصيلية عقلية يرجعونها إلى القسمة الثنائية الدائرة بين النفي والاثبات، ثم إذا كانت اﻷقسام أكثر من اثنين يقسمون طرف النفي أو الاثبات إلى النفي والاثبات... وهكذا كلما كثرت اﻷقسام، على ما تقدم في الثنائية.
2- (الاستقرائية): وهي التي لا يمنع العقل من فرض آخر لها، وانما تذكر اﻷقسام الواقعة التي علمت بالاستقراء والتتبع، كتقسم اﻷديان السماوية إلى: اليهودية والنصرانية واﻹسلامية وكتقسيم مدرسة معينة إلى: صف أول وثان وثالث، عندما لا يكون غير هذه الصفوف فيها، مع امكان حدوث غيرها.
التعريف بالقسمة
إن القسمة بجميع أنواعها هي عارضة للمقسم في نفسها، خاصة به غالباً.
ولما اعتبرنا في القسمة أن تكون جامعة مانعة فاﻷقسام بمجموعها مساوية للمقسم، كما انها غالباً تكون أعرف منه. وعليه يجوز تعريف المقسم بقسمته إلى أنواعه أو أصنافه، ويكون من باب تعريف الشيء بخاصته. وهو التعريف بالرسم الناقص، كما كان التعريف بالمثال من هذا الباب.
ولنضرب لك مثلاً لذلك: أنا إذا قسمنا الماء بالتحليل الطبيعي إلى أوكسجين وهيدروجين وعرفنا أن غيره من اﻷجسام لا ينحلّ إلى هذين الجزأين، فقد حصل تمييز الماء تمييزاً عرضيّاً عن غيره بهذه الخاصة، فيكون ذلك نوعاً من المعرفة للماء المطمئن إليها. وكذا لو عرفنا أن الورق ينحل إلى القطن والنورة مثلاً نكون قد عرفناه معرفة نطمئن إليها تميزه عن غيره.. وهكذا في جميع أنواع القسمة.
كسب التعريف بالقسمة
أو
كيف نفكر لتحصيل المجهول التصوري
أنت تعرف ان المعلوم التصوري منه ما هو بديهي لا يحتاج إلى كسب كمفهوم الوجود والشيء، ومنه ما هو نظري تحتاج معرفته إلى كسب ونظر.
ومعنى حاجتك فيه إلى الكسب ان معناه غير واضح في ذهنك وغير محدد ومتميز، أو فقل غير مفهوم لديك ولا معروف، فيحتاج إلى التعريف، والذي يعرّفه للذهن هو الحد والرسم. وليس الحد أو الرسم للنظري موضوعاً في الطريق في متناول اليد، وإلا فما فرضته نظرياً مجهولاً لم يكن كذلك بل كان بديهياً معروفاً. فالنظري عندك في الحقيقة ليس هو إلا الذي تجهل حده أو رسمه.
إذن، المهم في اﻷمر أن نعرف الطريقة التي نحصل بها الحد والرسم. وكل ما تقدم من اﻷبحاث في التعريف هي في الحقيقة أبحاث عن معنى الحد والرسم وشروطهما أو أجزائهما. وهذا وحده غير كافٍ ما لم نعرف طريقة كسبهما وتحصيلهما، فانه ليس الغني هو الذي يعرف معنى النقود وأجزاءها وكيف تتألف، بل الغني من يعرف طريقة كسبها فيكسبها، وليس المريض يشفى إذا عرف فقط معنى الدواء وأجزاءه بل لابد أن يعرف كيف يحصله ليتناوله.
وقد أغفل كثير من المنطقيين هذه الناحية، وهي أهم شيء في الباب. بل هي اﻷساس، وهي معنى التفكير الذي به نتوصل إلى المجهولات. ومهمتنا في المنطق أن نعرف كيف نفكر لنكسب العلوم التصورية والتصديقية.
وسيأتي ان طريقة التفكير لتحصيل العلم التصديقي هو الاستدلال والبرهان. اما تحصيل العلم التصوري فقد اشتهر عند المناطقة ان الحد لا يكتسب بالبرهان، وكذا الرسم. والحق معهم ﻷن البرهان مخصوص لاكتساب التصديق، ولم يحن الوقت بعد لاُبيِّن للطالب سرّ ذلك، وإذا لم يكن البرهان هي الطريقة هنا فما هي طريقة تفكيرنا لتحصيل الحدود والرسوم؟ وطبعاً لابدّ أن تكون هذه الطريقة طريقة فطرية يصنعها كل انسان في دخيلة نفسه يخطئ فيها أو يصيب. ولكن نحتاج إلى الدلالة عليها لنكون على بصيرة في صناعتها. وهذا هو هدف علم المنطق. وهذا ما نريد بيانه، فنقول:
الطريق منحصر بنوعين من القسمة: القسمة الطبيعية بالتحليل العقلي وتسمى طريقة التحليل العقلي، والقسمة المنطقية الثنائية. ونحن أشرنا في غضون كلامنا في التعريف والقسمة إلى ذلك. وقد جاء وقت بيانه فنقول:
طريقة التحليل العقلي
إذا توجهت نفسك نحو المجهول التصوري (المشكل)، ولنفرضه (الماء) مثلاً عندما يكون مجهولاً لديك ـ وهذا هو الدور اﻷول() ـ فأول ما يجب أن تعرفه نوعه. أي تعرف انه داخل في أي جنس من اﻷجناس العالية أو ما دونها، كأن تعرف أن الماء ـ مثلاً ـ من السوائل. وهذا هو (الدور الثاني). وكلما كان الجنس الذي عرفت دخول المجهول تحته قريباً كان الطريق أقصر لمعرفة الحد أو الرسم. وسيتضح.
وإذا اجتزت الدور الثاني الذي لابدّ منه لكل من أراد التفكير بأية طريقة كانت، انتقلت إلى الطريقة التي تختارها للتفكير ولابدّ أن تتمثل فيها اﻷدوار الثلاثة اﻷخيرة أو الحركات الثلاث التي ذكرناها للفكر: الذاهبة والدائرية والراجعة.
وإذ نحن اخترنا اﻵن (طريقة التحليل العقلي) أولاً، فلنذكرها متمثلة في الحركات الثلاث:
فانك عندما تجتاز الدور الثاني تنتقل إلى الثالث وهو الحركة الذاهبة حركة العقل من المجهول إلى المعلومات. ومعنى هذه الحركة بطريقة التحليل المقصود بيانها هو أن تنظر في ذهنك إلى جميع اﻷفراد الداخلة تحت ذلك الجنس الذي فرضت المشكل داخلاً تحته. وفي المثال تنظر إلى أفراد السوائل سواء كانت ماء أو غير ماء باعتبار ان كلها سوائل.
وهنا ننتقل إلى الرابع، وهو (الحركة الدائرية) أي حركة العقل بين المعلومات. وهو أشق اﻷدوار وأهمها دائماً في كل تفكير، فإن نجح المفكر فيه، انتقل إلى الدور اﻷخير الذي به حصول العلم، وإلا بقي في مكانه يدور على نفسه بين المعلومات من غير جدوى. وهذه الحركة الدائرية بين المعلومات في هذه الطريقة، هي أن يلاحظ الفكر مجاميع أفراد الجنس الذي دخل تحته المشكل، فيفرزها مجموعة مجموعة، فلأفراد المجهول مجموعة، ولغيره من أنواع الجنس اﻷخرى كل واحد مجموعة من اﻷفراد. وفي المثال يلاحظ مجاميع السوائل: الماء، والزئبق، واللبن، والدهن، إلى آخرها. وعند ذلك يبدأ في ملاحظتها ملاحظة دقيقة، ليعرف ما تمتاز به مجموعة أفراد المشكل بحسب ذاتها وحقيقتها عن المجاميع اﻷخرى، أو بحسب عوارضها الخاصة بها. ولابد هنا من الفحص الدقيق والتجربة ليعرف في المثال الخصوصية الذاتية أو العرضية التي يمتاز بها الماء عن غيره من السوائل، في لونه وطعمه، أو في وزنه وثقله، أو في أجزائه الطبيعية. ولا يستغني الباحث عن الاستعانة بتجارب الناس والعلماء وعلومهم. والبشر من القديم _ كما قلنا في أول مبحث القسمة ـ اهتموا بفطرتهم في تقسيم اﻷشياء وتمييز اﻷنواع بعضها عن بعض، فحصلت لهم بمرور الزمن الطويل معلومات قيمة هي ثروتنا العلمية التي ورثناها من أسلافنا. وكل ما نستطيعه من البحث في هذا الشأن هو التعديل والتنقيح في هذه الثروة، واكتشاف بعض الكنوز من اﻷنواع التي لم يهتد إليها السابقون، على مرور الزمن وتقدم المعارف.
فإن استطاع الفكر أن ينجح في هذا الدور (الحركة الدائرية) بأن عرف ما يميز المجهول تمييزاً ذاتياً أي عرف فصله، أو عرف ما يميزه تمييزاً عرضياً أي عرف خاصته، فإن معنى ذلك انه استطاع أن يحلل معنى المجهول إلى جنس وفصل، أو جنس وخاصة، تحليلاً عقلياً، فيكمل عنده الحد التام أو الرسم التام بتأليفه مما انتهى إليه التحليل. كما لو عرف الماء في المثال بأنه سائل بطبعه لا لو له ولا طعم ولا رائحة أو انه له ثقل نوعي مخصوص أو انه قوام كل شيء حي.
ومعنى كمال الحد أو الرسم عنده قد انتهى إلى الدور اﻷخير، وهو (الحركة الراجعة) أي حركة العقل من المعلوم إلى المجهول. وعندها ينتهي التفكير بالوصول إلى الغاية من تحصيل المجهول.
وبهذا اتضح معنى التحليل العقلي الذي وعدناك ببيانه سابقاً في القسمة الطبيعية، وهو انما يكون باعتبار المتشاركات والمتباينات، أي انه بعد ملاحظة المتشاركات بالجنس يفرزها ويوزعها مجاميع أو فقل أنواعاً بحسب ما فيها من المميزات المتباينة فيستخرج من هذه العملية الجنس والفصل مفردات الحد، أو الجنس والخاصة مفردات الرسم، فكنت بذلك حللت المفهوم المراد تعريفه إلى مفرداته.
(تنبيه): ان الكلام المتقدم في الدور الرابع فرضناه فيما إذا كنت من أول اﻷمر، لما عرفت نوع المشكل، عرفت جنسه القريب، فلم تكن بحاجة إلا للبحث عن مميزاته عن اﻷنواع المشتركة معه في ذلك الجنس.
أما لو كنت قد عرفت فقط جنسه العالي كأن عرفت ان الماء جوهر لا غير، فانك ﻷجل أن تكمل لك المعرفة، لابد أن تفحص (أولاً) لتعرف أن المشكل من أي اﻷجناس المتوسطة، بتمييز بعضها عن بعض بفصولها أو خواصها على نحو العملية التحليلية السابقة، حتى نعرف أن الماء جوهر ذو أبعاد أي جسم.
ثم تفحص (ثانياً) بعملية تحليلية أخرى لتعرفه من أي اﻷجناس القريبة هو، فنعرف انه سائل، ثم تفحص (ثالثاً) بتلك العملية التحليلية لتميزه عن السوائل اﻷخرى بثقله النوعي مثلاً أو بأنه قوام كل شيء حي، فيتألف عندك تعريف الماء على هذا النحو مثلاً (جوهر ذو أبعاد سائل قوام كل شيء حي) ويجوز أن تكتفي عن ذلك فتقول (سائل قوام كل شيء حي) مقتصراً على الجنس القريب.
وهذه الطريقة الطويلة من التحليل التي هي عبارة عن عدة تحليلات يلتجىء إليها اﻹنسان إذا كانت اﻷجناس متسلسلة ولم يكن يعرف الباحث دخول المجهول إلا في الجنس العالي. ولكن تحليلات البشر التي ورثناها تغنينا في أكثر المجهولات عن ارجاعها إلى اﻷجناس العالية، فلا نحتاج على اﻷكثر إلا لتحليل واحد لنعرف به ما يمتاز به المجهول عن غيره.
على أنه يجوز لك أن تستغني بمعرفة الجنس العالي أو المتوسط، فلا تجري إلا عملية واحدة للتجليل لتميز المشكل عن جميع ما عداه مما يشترك معه في ذلك الجنس العالي أو المتوسط، غير أن هذه العملية لا تعطينا إلا حداً ناقصاً أو رسماً ناقصاً.
طريقة القسمة المنطقية الثنائية
انك بعد الانتهاء من الدورين اﻷولين أي دور مواجهة المشكل ودور معرفة نوعه، لك أن تعمد إلى طريقة أخرى من التفكير تختلف عن السابقة.
فإن السابقة كانت النظرة فيها إلى اﻷفراد المشتركة في ذلك الجنس ثم تمييزها بعضها عن بعض لاستخراج ما يميز المجهول.
أما هذه فانك تتحرك إلى الجنس الذي عرفته فتقسمه بالقسمة المنطقية الثنائية إلى اثبات ونفي: الاثبات بما يميز المجهول تمييزاً ذاتياً أو عرضياً، والنفي بما عداه. وذلك إذا كان المعروف الجنس القريب، فنقول في مثال الماء الذي عرف انه سائل: (السائل إما عديم اللون وإما غيره)، فتستخرج بذلك الحد التام أو الرسم التام وتحصل لديك الحركات الثلاث كلها.
أما لو كان الجنس الذي عرفته هو الجنس العالي أو المتوسط فانك تأخذ أولاً الجنس العالي مثلاً، فتقسمه بحسب المميزات الذاتية أو العرضية، ثم تقسم الجنس المتوسط الذي حصلته بالتقسيم اﻷول إلى أن يصل التقسيم إلى اﻷنـواع السافلة ـ على النحو الذي مثلنا به في القسمة الثنائية للجوهر ـ وبهذا تصير الفصول كلها معلومة على الترتيب فتعرف بذلك جميع ذاتيات المجهول على التفصيل.
 
تمرينات
على التعريف والقسمة
(1) انقد التعريفات اﻵتية، وبين ما فيها من وجوه الخطأ إن كان:
أ- الطائر: حيوان يبيض و- اللبن: مادة سائلة مغذية
ب- اﻹنسان: حيوان بشري ز- العدد: كثرة مجتمعة من آحاد
ج- العلم: نور يقذف في القلب ح- الماء: سائل مفيد
د- القدام: الذي خلفه شيء ط- الكوكب: جرم سماوي منير
هـ- المربع: شكل رباعي قائم الزوايا ي- الوجود: الثابت العين
(2) من أي أنواع التعريف تعريف العلم بأنه (حصول صورة الشيء في العقل)، وتعريف المركب بأنه (ما دل جزء لفظه على جزء معناه حين هو جزء). وبين ما إذا كان الجنس مذكوراً فيها أم لا.
(3) من أي أنواع التعريف تعريف الكلمة بأنها (قول مفرد) وتعريف الخبر بأنه (قول يحتمل الصدق والكذب).
(4) عرف النحويون الكلمة بعدة تعريفات:
أ- لفظ وضع لمعنى مفرد.
ب- لفظ موضوع مفرد.
ج- قول مفرد.
د- مفرد.
فقارن بينها، واذكر أولاها وأحسنها، والخلل في أحدها إن كان.
(5) لو عرفنا اﻷب بأنه (من له ولد)، فهذا التعريف فاسد قطعاً، ولكن هل تعرف من أية جهة فساده؟ وهل ترى يلزم منه الدور؟ - وإذا كان يلزم منه الدور أو لا يلزم فهل تستطيع أن تعلل ذلك؟
(6) اعترض بعض اﻷصوليين على تعريف اللفظ المطلق المقابل للمقيد بأنه (ما دل على شايع في جنسه)، فقال انه تعريف غير مطرد ولا منعكس، فهل تعرف الطريق لرد هذا الاعتراض من أساسه على الاجمال. وأنت إذا حققت ان هذا التعريف ماذا يسمى يسهل عليك الجواب، فتفطَّن!
(7) جاء في كتاب حديث للمنطق تعريف الفصل بأنه (صفة أو مجموع صفات كلية بها تتميَّز أفراد حقيقة واحدة من أفراد غيرها من الحقائق المشتركة معها في جنس واحد). انقده واذكر وجوده الخلل فيه على ضوء ما درسته في تعريف الفصل وشروط التعريف.
(8) إن التي نسميها بالكليات الخمسة كان أرسطو يسميها (المحمولات)، وعنده ان المحمول لابدّ أن يكون من أحد الخمسة، فاعترضه بعض مؤلفي المنطق الحديث بأن هذه الخمسة لا تحتوي جميع أنواع المحمولات، ﻷنه لا يدخل فيه مثل(البشر هو اﻹنسان).
فالمطلوب أن تجيب عن هذا الاعتراض، على ضوء ما درسته في بحث (الحمل وأنواعه). وبين صواب ما ذهب إليه أرسطو.
(9) وعرف هذا البعض المتقدم اللفظين المتقابلين بأنهما (اللفظان اللذان لا يصدقان على شيء واحد في آن واحد). انقده على ضوء ما درسته في بحث التقابل وشروط التعريف.
(10) كيف تفكر بطريقة التحليل العقلي لاستخراج تعريف الكلمة والمفرد والمثلث والمربع.
(11) استخرج بطريقة القسمة المنطقية الثنائية تعريف الفصل تارة والنوع أخرى.
(12) فرق بين القسمة العقلية وبين الاستقرائية في القسمات التفصيلية اﻵتية مع بيان الدليل على ذلك:
أ- قسمة فصول السنة إلى ربيع وصيف وخريف وشتاء.
ب- قسمة أوقات اليوم إلى فجر وصبح وضحى وظهر وعصر وأصيل وعشاء وعتمة.
ج- قسمة الفعل إلى ماض ومضارع وأمر.
د- قسمة الاسم إلى نكرة ومعرفة.
هـ - قسمة الاسم إلى مرفوع ومنصوب ومجرور.
و- قسمة الحكم إلى وجوب وحرمة واستحباب وكراهة واباحة.
ز- قسمة الصوم إلى واجب ومستحب ومكروه ومحرم.
ح- قسمة الصلاة إلى ثنائية وثلاثية ورباعية.
ط- قسمة الحج إلى تمتع وقران وإفراد.
ي- قسمة الخط إلى مستقيم ومنحن ومنكسر.
ثم اقلب ما يمكن من هذه القسمات إلى قسمة ثنائية، واستخرج منها بعض ريفات لبعض اﻷقسام، واختر خمسة على اﻷقل.
انتهى الجزء اﻷول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://treasure.own0.com
 
الباب الثالث المُعرّف وتلحق به القسمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الأول مباحث الألفاظ
» الباب الثاني مباحث الكلي
» الباب الرابع القضايا وأحكامها
» الباب الخامس الحجة وهيئة تأليفها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنزالعلوم الاسلامية :: القسم التاسع المكتبة الاسلامية الثقافية اضغط هنا-
انتقل الى: